يجتاز المغرب حالة من الجفاف ألحقت أضراراً فادحة بحوالي 10 ملايين مزارع، فضلاً عن الأضرار المباشرة التي أصابت النشاط الاقتصادي الذي سجل العام الماضي تراجعاً عن مستوياته السابقة. وعلى نحو عام انعكست هذه الحالة على كل النشاطات الاقتصادية بشكل سلبي، فيما تتوقع تقارير رسمية ان يصاحبها تفاقم معدلات البطالة والتضخم. وتشير التوقعات الى أن المغرب سيلجأ الى الأسواق الغربية لسد احتياجاته من الحبوب، وقد تكهن "مجلس القمح العالمي" في تقريره لشهر آذار مارس الماضي بزيادة واردات المغرب من القمح لموسم 1995 - 1996 زيادة كبيرة تفوق تقديراته السابقة البالغة 1.3 مليون طن. وكان المغرب استورد 2.54 مليون طن من القمح في موسم 1993 - 1994 عندما انخفض محصوله من القمح نتيجة الجفاف الى حوالي 5.5 مليون طن اضافة الى 4.2 مليون طن من الحبوب الأخرى. وباتت الظروف الصعبة الناجمة عن ضعف الأمطار أحد العوامل الظرفية الرئيسية التي يرتهن اليها الاقتصاد المغربي، حيث تؤدي الى تراجع الناتج الداخلي وتباطؤ الانفاق الوطني وتدني الادخار، وبالتالي زيادة الاختلالات الاجتماعية بوجه خاص. ويعد قطاع الزراعة الأشد تضرراً كونه أكثر القطاعات استهلاكاً للمياه المعبأة بنسبة تصل الى 86 في المئة تروي ما يناهز 850 ألف هكتار، في حين لا يمثل قطاع الماء الصالح للشرب والصناعة سوى 14 في المئة من مجموع 11.7 مليار م3، وذلك بنسبة 12 في المئة للاستهلاك المنزلي و2 في المئة للأغراض الصناعية. كما أن محدودية الثروة المائية المغربية المقدرة سنوياً بحوالي 30 مليار م3 من بينها 20 مليار م3 سطحية و10 مليارات جوفية، تمثل العائق الحقيقي في وجه التنمية الاقتصادية التي تتوخى رهاناتها سقي مليون هكتار بحلول سنة 2000 لزيادة الانتاجية وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب، ذلك ان التقنيات التقليدية والكلفة الاقتصادية لا تمكن من الاعتماد الا على 21 مليار م3، منها 16 ملياراً سطحية و5 مليارات جوفية. وتعزى ندرة المياه في المغرب الى المناخ شبه الجاف الذي يطبع الكثير من مناطق البلاد، اضافة الى أن نسبة كبيرة من الأمطار تضيع في التبخر أو تصب في البحر. وما يزيد في خطورة قلة هطول الأمطار وسوء توزيعها حيث تختلف مقاييسها من منطقة لأخرى، ظهور حالات الجفاف التي تضرب أجزاء واسعة من البلاد مخلفة آثاراً وخيمة على البنية الاقتصادية والاجتماعية وانعكاسات سلبية على الحركة الديموغرافية. خلل في توزيع الموارد فالمغرب - وهذه احدى مفارقاته - يتميز بمجالين مناخيين مختلفين: الأول يمتد شمالا ويعرف هطولاً لامطار غزيرة. والآخر يمتد جنوباً وميزته هي ضآلة الامطار موجة الجفاف الحالية ضربت الشمال والجنوب معاً. غير أن هذا التقسيم ليس العنصر الحاسم، إذ تستحوذ منطقة الشمال الغربي على 40 في المئة من الموارد المائية، والواضح ان هناك خللاً في توزيع هذه الموارد التي يصل معدل التساقطات المطرية منها الى حوالي 150 مليار متر مكعب في السنة موزعة على مساحة 300 ألف كيلومتر مربع من المناطق الزراعية مجموع مساحة المغرب 71.85 كلم2 اضافة الى ان نسبة القحولة ومدتها تختلفان من منطقة الى أخرى، حيث ان مدة القحط لا تتعدى خمسة شهور في الشمال، أما في الجنوب فتمتد من أحد عشر شهراً الى سنة. وتتوالى دورات الجفاف في المغرب على الشكل الآتي: جفاف محدود يستمر سنتين في كل عشر سنوات، ويلحق بالمحصولات الزراعية اضراراً بمعدل 20 في المئة. وجفاف مزمن يحدث بمعدل أربع مرات في القرن. وتؤكد المعطيات التاريخية ان الجفاف، سواء كان جزئياً أم شاملاً، هو مسألة ملازمة لواقع المناخ في المغرب. ورصد الخبراء المغاربة فترات الجفاف منذ القرن السادس عشر واستنتجوا ان دورات الجفاف عرفت نوعاً من الانتظام، فقد ظل الوسط الطبيعي يواجه تناوباً ما بين جفاف محدود وجفاف مزمن أدى في كثير من الأحيان الى ظهور أوبئة ومجاعات كانت تصل ببعض الآباء الى بيع ابنائهم. وما يلفت ان المغرب عرف خلال العشرين سنة الأخيرة انخفاضاً مهولاً في كميات المياه نتيجة تراجع الأمطار، وذلك بموازاة تراجع كميات مياه الأنهر، خصوصاً منها ما يوجد منبعها في منطقة الأطلس الممتدة من الوسط الغربي الى الشمال الشرقي والتي تعد خزان المياه للمغرب، وبنسبة تتراوح بين 50 و90 في المئة. وضربت سنوات 1982 و1983 و1992 و1993 أرقاماً قياسية في هذا النقص حيث بلغ ما لا يقل عن 80 في المئة. ومن الطبيعي ان ينعكس هذا النقص في مياه الأنهار على مخزون البحيرات الطبيعية والاصطناعية. وهكذا عرفت بعض البحيرات الطبيعية نقصاً في مخزونها يتراوح بين 30 و90 في المئة والبعض الآخر جف كلياً. اما بحيرات السدود فسجلت أدنى مستوى في مخزونها المائي خلال 1992 - 1993 بلغ 20 في المئة من قدرتها التخزينية، وانعكس هذا النقص بدوره على استعمالات مياه السدود في الري وتوليد الكهرباء حيث تقلصت في حدود 20 إلى 50 في المئة. وبعد ان كانت الطاقة الكهرومائية تمثل 45 في المئة من الانتاج الاجمالي للطاقة الكهربائية قبل 1980 تقلصت الى أقل من 10 في المئة. لقد أدرك المغرب مبكراً هذه المخاطر والتحديات، فشرع منذ 1929 بانشاء السدود التي بلغت حتى الآن 71 سداً كبيراً و130 سداً وبحيرة تلية، بينها سد الوحدة الذي يعد ثالث أكبر سد في افريقيا بعد السد العالي في مصر وسد شيرور في نيجيريا، ليحتل المغرب بذلك المرتبة الأولى عربياً والثالثة افريقياً في عدد السدود، وشكّل بعد موجة الجفاف التي شهدها في بداية الثمانينات، واستمرت أربع سنوات "المجلس الأعلى للماء والمناخ" بمثابة غرفة عمليات لمواجهة الجفاف وكوارثه، كما شرع أخيراً بتنفيذ برنامج طارئ للحد من آثار الجفاف. قلق على المستقبل ولكن حتى تظهر نتائج هذا البرنامج، يظل المغاربة قلقين على المستقبل، وهو قلق طبيعي ومشروع، فليس بمقدور كل بورصات العالم ان تحدد ثمناً لليتر الواحد من الماء في بلد تساهم الزراعة بنسبة تصل الى 25 في المئة من ناتجه الاجمالي، ويعيش عليها بشكل مباشر أو غير مباشر نصف السكان. وعلى رغم ما يبديه الخبراء الاقتصاديون في الرباط من تفاؤل باجتياز أزمة الجفاف وعودة المخزون المائي الى ما كان عليه قبل سنوات، إلا أن كل المؤشرات تؤكد ان صيف المغاربة هذا العام لن يكون كالسابق، فدرجة الحرارة ستكون أكثر ارتفاعاً، كما سيكون عدد من المدن والمراكز الحضرية، وفي مقدمتها طنجة وتطوان، مهددة بالعطش نتيجة كارثة الجفاف الناجمة عن قلة الأمطار وعدم انتظامها طوال السنوات الأربع الماضية. وتفيد الأرقام ان الجفاف تسبب في عجز كبير في مخزون السدود، حيث قل المطر بنسب تفاوتت حسب المناطق بين 40 في المئة و50 في المئة جعل هذا المخزون لا يتجاوز 30 في المئة من مجموع السدود المغربية. ويتزامن هذا النقص في الأمطار ومخزون المياه مع تزايد سكاني وتزايد في استخدام الماء لأغراض الزراعة والصناعة والسياحة. ووفقاً لدراسة مستقبلية فالموارد المائية المعبأة في حدود عام 2020 يمكن أن تصل الى 1837 مليار متر مكعب، أما الطلب فيفوقها ب 360 مليون متر مكعب، هذا إذا ما تم الاحتفاظ بالخلل نفسه في توزيع الموارد المائية وفي الاستعمالات.