السيد رئيس التحرير المحترم تحية طيبة، التحقيق المشوق الذي نشرتموه في العدد 162 تحت عنوان "غزو روسي للإمارات" أثار لدي بعض الافكار التي قررت ان ارسلها اليكم عسى ان تجدوا فيها ما يستحق النشر على صفحات مجلتكم الغراء، ولا سيما في باب بريد القراء. لم يتصور احد قبل سنوات قليلة ان هذه الدولة "العظمى" ليست سوى عملاق، أو نمر من ورق مهترىء - هذا اذا حرّفنا القول المأثور الذي أطلقه الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ احد اعداء هذه الامبراطورية الالداء - يهيم مواطنوها في الارض كالشحاذين على ابواب الدول الاجنبية هاربين من الموت جوعاً في بلاد كانت حتى الامس القريب تتباهى بجيشها الاحمر وترسانتها النووية وطياريها الذين جابوا الفضاء الخارجي وسبقوا الاميركيين في استكشافه. ولعل أول ما يخطر للمرء لدى التفكير في هذا المصير الذي انتهت اليه الامبراطورية الحمراء هو التساؤل عن اسباب هذا السقوط المروع، وعن سلامة المعايير التي يستخدمها الصحافيون والمراقبون في الغرب، وغيره، لتقويم الدول ووضعها ضمن ترتيب معين حسب قوتها وبأسها العسكري والسياسي. يبدو لي ان هذه المعايير تحتاج الى مراجعة شاملة ودقيقة اذا كان الغرض منها هو فعلاً تقديم المعرفة لا نشر الدعاية التي تنسجم مع الاهداف والنوايا السياسية لبلد دون آخر. والدليل على ان هذه الحاجة ماسة فعلاً هو امكان تحول المارد العملاق الى قزم متشرد بين ليلة وضحاها، كما حصل مع المرحوم الاتحاد السوفياتي. أرجو ألا يُستشف من كلامي هذا انني ادعوكم والقراء الكرام - اذا وجدت كلماتي هذه طريقها الى النشر - الى الاستخفاف بالقوة العسكرية التي لا تزال روسيا وبعض دول الاتحاد السوفياتي "الفقيد" تمتلكها، بل انني اسألكم فقط ان تعيدوا التفكير بالمعايير التي اعتبرنا جميعاً على اساسها انه كان دولة عظمى. لا اتردد ان اقول بصراحة مطلقة اننا كنا مخطئين في هذا التقويم الذي اعتمد بصورة اساسية على حجم الترسانة العسكرية السوفياتية، لا على تماسك "المجتمع" السوفياتي وقيمه الاخلاقية والاجتماعية. القوة الحقيقية تكمن في الثراء المعنوي والقيم التي يحملها شعب ما، وليس في القوة العسكرية الزائلة التي لا تجمع الشمل ولا توحد الهمم. لهذا السبب الاخير بقي الاتحاد السوفياتي مفتتاً على رغم صرامة الانظمة الديكتاتورية التي حكمته خلال 70 سنة ونيف. وللسبب ذاته يغلب الظن ان "انقاض" الاتحاد السوفياتي ستتابع الانحدار دون ان تساعدها اسلحتها على البقاء في القمة، لا بل ستصبح اسلحتها التي كانت متقدمة يوماً متخلفة لا تستحق ان تقارن بما تنتجه مصانع آلات الموت في الدول الغربية. ولأن القوة الفعلية تكمن في الثروة الاخلاقية والاجتماعية علينا نحن العرب ان نستخلص دروساً مفيدة من انهيار الامبراطورية السوفياتية هذا الانهيار المخيف. سالم علي احمد الرياض - السعودية