"سفر قصير الى آخر الارض" هو عنوان مجموعة قصصية اولى للكاتب الأردني زياد بركات منشورات "دار أزمنة" - عمان، 1995، نال عليها جائزة الدولة التشجيعية لعام 1995. واللافت في المجموعة هو النضج الفني الواضح، والقطع مع البنية التقليدية للسرد القصصي. فالمادة السردية في قصص المجموعة تُبنى من أحداث فانتازية يتخللها صوت المؤلف الذي يتدخل في السياق. لا نعثر في كتاب زياد بركات على قصص بالمعنى التقليدي، بل على محاولات لصياغة حكايات ليس الراوي متأكداً منها، وهو في الوقت نفسه لا يلزم القراء بتصديقها لأنها مجرد هراء، كما تقول احدى شخصيات هذه القصص. والقاص عندما ينتهك مسار السرد يهدف الى نزع القارئ من حلم القراءة، فما يقرأه تعبير عن كوميديا الحياة الانسانية بطريقة تحاول الاقتراب من الحقيقة ولكنها تبتعد عنها بالمقدار نفسه الذي يولده عدم اليقين، الملمح الرئيسي لكتابة هذا العصر. ويمكن ان نلمح لهذا السبب تأثيرات فرانز كافكا وميلان كونديرا وادوار الخراط في قصص زياد بركات. فنزوع الكاتب الى الغرائبي يصطدم برغبة مضادة لهدم ما يفصله عن القارئ، حيث يتجاور لديه العالم الفانتازي والحدث فوق الواقعي ونزعة عدم التيقن. في احدى قصص المجموعة، وهي بعنوان "الضحك الذي يشبه البكاء" نقع على نص كافكاوي بامتياز. حكاية الرغبة في العزلة والابتعاد عن هذا العالم الارضي والانسحاب من عالم الضوء الى عالم العتمة. وليست المحاولة الدائبة لشرح تفاصيل الارباك الذي سببته رغبة الشخصية لمن حولها، للأب والاخ وبقية العائلة يحدث هذا ايضاً في "التحول" لكافكا، سوى تحريف لانتباه القارئ عن المعنى الداخلي لنشوء مثل هذه الرغبة لدى الشخصية. انها الرغبة بالابتعاد عن البشر وعالمهم الغارق في الضوء، واللجوء الى صندوق معتم يشبه القبر، وينتهي مفتوحاً على العالم. من ظلمته ينصت البطل الى عالم الاحياء الغارق في الصغائر. والقاص يتابع هذه الثيمة الأثيرة لديه، ثيمة الغياب عن هذا العالم الارضي والصعود في معارج الظلمة او معارج الحلم. فبطلة قصة "الدرجات التي لا تنتهي" المستغرقة في حلم يقظة، تفقد مثلاً السيطرة على فعل التخيل وتطير بعيداً الى سماء أبدية. كما ان ثيمة الموت المرغوب، او الانسحاب من الحياة الذي تخطط له الشخصيات، من العناصر البارزة في قصص هذه المجموعة. ولعل المهم هنا هو ما يختفي وراء هيكل النص المكتوب، اي تلك الاحداث المغيبة التي تؤدي بالشخصيات الى فعل التخيل، او الانسلاخ عن عالم الضوء بحثاً عن الصفاء. لكن القصص لا تكتسب اهميتها فعلاً إلا من لغتها الآسرة وقدرتها على صياغة عالمها المثير.