ما هي حقيقة موقف عبدالناصر من النزاع المسلح الذي نشب بين حركة المقاومة والحكومة الأردنية في العام 7019؟ - توترت علاقتنا بعبد الناصر بعد قبوله مبادرة روجرز. اعتبرنا قبوله هذه المبادرة نوعاً من الدخول في مساومة مع الولاياتالمتحدة الأميركية وبالتالي فان هذا الموقف يضعف عملية المواجهة مع العدو ويؤثر في مسيرة الثورة واندفاع الجماهير التي كان لعبد الناصر تأثير كبير عليها. ولم نكن ندرك ان قبول عبدالناصر مبادرة روجرز هو نوع من القبول التكتيكي الذي يستجيب لجملة الظروف السائدة في المنطقة اقليمياً ودولياً، اضافة الى وضع مصر الداخلي حيث كان عبدالناصر يقوم بعملية اعادة بناء شاملة للجيش على يد السوفيات وبدعم كامل منهم. وان هذه العملية تملي عليه التعاطي مع مبادرة روجرز الى ان ينجز عملية بناء الجيش، لخوض المعركة مع اسرائيل. لم يكن يرغب في استباق الاحداث. لكننا لم نكن نملك، وياللأسف، هذه الرؤية. لذلك هاجمنا نحن عبدالناصر على رغم انه كان يساند الثورة في الأردن، فاتخذ بالتالي موقفاً حذراً منا، لكنه لم يكن بالطبع واقفاً الى جوار النظام في الأردن بقدر ما كان يسعى الى ازالة أي توتر بيننا وبين الحكومة الاردنية. هل نظرتم الى اتفاقية القاهرة التي وقعت في 1969 بين الحكومة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية على انها عملية تمهيد لنقل المقاومة بطريقة أو بأخرى من الأردن الى لبنان؟ - لم نكن ننظر الى تلك الاتفاقية باعتبارها خطوة تمهيدية لترحيل المقاومة من عمان الى بيروت. كنا نتصور ان الثورة في الأردن ستستمر، ولم نكن نفكر في ان هناك مشروعاً لاقتلاعنا من الأردن. وبالتالي نظرنا الى اتفاقية القاهرة باعتبارها نوعاً من تنظيم العلاقة بين المقاومة المسلحة الموجودة في لبنان والحكومة اللبنانية، ليس الا. بعد معارك ايلول دخل متغيران مهمان الساحة العربية: الأول تمثل بوفاة عبدالناصر وتسلم السادات الحكم، وقيامه بحركة أيار مايو التي صفى من خلالها التركة الناصرية، وكذلك تسلم الرئيس الأسد مقاليد الحكم في سورية، كيف تعاطيتم مع هذين المتغيرين؟ - في ما يخص العلاقة مع الرئيس السادات كان لدينا سلفاً قبل وفاة عبدالناصر تقويم خاص له. كان يمثل أحد رموز اليمين في تركيبة النظام الناصري. وكانت رؤيتنا بعد تسلم السادات تقول انه سيقود مصر في هذا الاتجاه وبالتالي لم تكن لنا أي علاقة مع نظامه. أما عن الساحة السورية وتسلم الرئيس الأسد مقاليد الحكم في نهاية العام 1970، فقد حاولت بجدية نسج علاقة معه، لذلك أرسلت اليه رسالة خاصة عبرت فيها عن رغبتي في توثيق العلاقة مع سورية ومعه شخصياً. لكنني لم أتلق وياللأسف أي رد على رسالتي تلك الى الرئيس الأسد. وعموماً نحن كجبهة شعبية كانت علاقتنا محصورة في تلك الفترة بالعلاقة مع اليمن الديموقراطي والعراق. وما عدا ذلك لم تكن لدينا علاقة مع أي نظام عربي، حتى تلك الأنظمة التي كانت تقف في الصف الوطني والقومي ومنها النظام في ليبيا والجزائر. بعد الخروج من الأردن بعد الخروج من الأردن كيف كانت علاقتكم مع أبو عمار؟ - للتاريخ فإن علاقتي مع أبو عمار بعد الخروج من الأردن كانت جيدة جداً، وعملنا معاً على اعادة بناء الثورة وتثبيت جسم المقاومة على أرض الواقع. ولكن سرعان ما إنهار شهر العسل بيني وبينه بعد حرب تشرين التي قلنا عنها منذ البداية انها حرب تحريكية وليست حرباً تحريرية. لماذا؟ لأننا كنا ندرك الأفق الذي خيضت به المعركة، والتحولات السياسية والاجتماعية التي أحدثها السادات في حياة مصر. وبدأ الخلاف مع أبو عمار عندما أراد التحرك باتجاه التسوية السياسية على أساس ان حرب تشرين أفرزت حالة من النهوض العربي، وبالتالي لا بد من استثمار هذه الحال، الى درجة أنه صور ان الثورة الفلسطينية شاركت في تلك الحرب كطرف رئيسي مع الطرفين المصري والسوري، مع اننا كثورة فلسطينية، لم نشارك مباشرة في تلك المعركة، وأنه على أساس هذا التصور قطف ثمرة من ثمار حرب تشرين، خصوصاً بعدما بدأت الأطراف العربية الدخول في مشروع الخطوة خطوة وعمليات فصل القوات. وهنا يبرز جانب مهم من عقلية أبو عمار وسلوكه السياسي، فهو يريد استثمار أي حدث سياسي بغض النظر عن واقع موازين القوى وحقائق الواقع، وعلى هذا الأساس أفهمه، فهو يحدد موقفه على أساس مصلحته الشخصية والذاتية والطبقية وليس على أساس المصلحة الوطنية، وهذا ما حصل معه في مدريد ولاحقاً في أوسلووالقاهرة. بعد حرب تشرين طرحت النقاط العشر التي وافقتم عليها في المجلس الوطني الثالث عشر، وبعد فترة قصيرة أعلنتم رفضكم اياها، واعترضتم لاحقاً على البرنامج المرحلي وأسستم جبهة الرفض، ما هي ملابسات هذا الموضوع؟ - نحن وافقنا على النقاط العشر في المجلس الوطني، وأعتتقد ان شخصاً واحداً اعترض عليها في المجلس الوطني هو الرفيق ناجي علوش. وافقنا على النقاط العشر لكننا اكتشفنا بعد ذلك بوقت قصير ان أبو عمار يريد ان يجعل منها أرضية لتحريك نهجه السياسي باتجاه آخر مختلف تماماً عنها. وتكشف لنا هذا الاتجاه عندما علمنا بوجود مفاوضات سرية بين أبو عمار وهنري كيسينجر عبر وسيط ثالث، لذلك أعلنا رفضنا النقاط العشر، وخرجنا من اللجنة التنفيذية بعد شهرين من عقد المجلس الوطني الذي أقرت فيه النقاط. كنا بالفعل صادقين في تأييدنا للنقاط العشر، وأذكر ان الرفيق تيسير قبعة وقف في المجلس الوطني وأعلن ان الجبهة توافق على دولة فلسطينية على "الجفتلك"، وهذا لا يعني اننا كجبهة نقبل بأي انجاز وطني على طريق الاستقلال واستعادة الحقوق الوطنية، شرط ان تكون موازين القوى تسمح بذلك. وحين شكلنا جبهة الرفض كان هذا الاعتبار، أي اعتبار موازين القوى، أحد الأسس التي قامت عليها. وثاني هذه الاعتبارات ان فهمنا للهدف المرحلي لا يعني بأي شكلٍ من الأشكال اننا تخلينا عن الهدف الاستراتيجي، وهو عودة كل شبر من فلسطين الى أصحابها، وعودة كل مواطن فلسطيني الى دياره. أنا جورج حبش مواطن فلسطيني من مدينة اللد، لا يمكن ان أقبل، بأي شكل من الأشكال، بألا تكون أرضي وأرض أجدادي لي ولأبنائي ولأحفادي. قد تقول لي ما هذا الكلام يا حكيم، ان ما تطالب به هو كلام غير ممكن التحقيق في ضوء الواقع والمعطيات، وان ما تطرحه تفكير غير علمي، هناك في فلسطين الآن خمسة ملايين يهودي يستندون الى القنبلة النووية وأسلحة الدمار الشامل، فكيف لك ان تطرد هؤلاء من فلسطين وتفكك دولة اسرائيل؟ جوابي في هذه الحالة اننا كعرب وفلسطينيين لم نكن في يوم من الأيام ضد اليهود أو اليهودية، نحن ضد المشروع الصهيوني الذي يمثل خطراً تاريخياً على الأمة العربية. أذكر ان أحد الصحافيين سألني قائلاً: هناك أربعة ملايين يهودي في فلسطين وأنت تطالب بتطبيق حق العودة لأربعة ملايين فلسطيني في الشتات والمهاجر، وأضاف ان بيتك في اللد ما زال قائماً وتسكن فيه عائلة يهودية هاجرت من رومانيا فأين ستذهب بهم؟ كان جوابي انا لن أطردهم من بيتي بل سأبني طبقة ثانية فوق بيتي وأسكنهم فيها. هذه هي رؤيتي. نحن لم نعادِ اليهود كيهود وأنت تعرف ان اليهود تاريخياً يعيشون بيننا منذ القدم، وهم حتى قيام المشروع الصهيوني كانوا يعيشون عيشاً طبيعياً في الوطن العربي، سواء في اليمن أو مصر أو العراق أو سورية أو المغرب. لبنان و"الحرب الأهلية" بصراحة، هل كنتم كقيادة فلسطينية تتصورون أن وجودكم في لبنان سيفجر التناقضات في ذلك البلد على صورة حرب أهلية واحتراب لبناني - فلسطيني؟ - نعم كنا نتوقع ذلك. وأنا شخصياً لم تكن تغب عن ذهني استهدافات اسرائيل وأميركا وعموم التحالفات المحلية الرجعية التي كانت ترى في نمو ظاهرة الثورة الفلسطينية خطراً داهماً لا بد من سحقه. أما بخصوص الحرب الأهلية والصراع اللبناني فلا يمكن أي شخص ان يغفل التناقضات الحادة التي كانت قائمة بين الحركة الوطنية اللبنانية، والسلطة اللبنانية والتحالفات المحيطة بها، وبالذات المؤسسة السياسية المارونية، وبعض الأطراف الأخرى. وكانت هذه التناقضات تملي علينا الوقوف الى جانب الحركة الوطنية اللبنانية لاعتبارات عدة، الا اننا ورفاقنا في الحركة الوطنية وجدنا أنفسنا في دوامة الصراع الذي لم نكن نرغب في ان يأخذ هذا المنحى الذي أخذه، أي ان يكون الصراع فلسطينياً - لبنانياً واسلامياً - مسيحياً. كان هذا الشكل من الصراع خطأ كبيراً لم نستطع السيطرة عليه. ألم يكن ممكناً تفادي الحرب الأهلية؟ - لا أعتقد ذلك. لماذا؟ لأني أعتقد ان هناك مخططاً مرسوماً من قبل القوى المعادية للثورة لضربها وتصفية الحركة الوطنية اللبنانية. بعد اندلاع الحرب الأهلية بسنتين بدأت موازين القوى بالاختلال لمصلحة الحركة الوطنية اللبنانية، هل كانت لدى القيادة الفلسطينية رؤية لتغيير النظام السياسي في لبنان؟ - بالنسبة الى ياسر عرفات لم يكن خيار استبدال النظام السياسي في لبنان وارداً في حساباته السياسية لأنه كان يركز على العامل الفلسطيني. أما بالنسبة الينا في الجبهة الشعبية والكثير من القوى الوطنية اللبنانية، فإن هذا الهدف كان قائماً اذا تمكنا من ذلك. لماذا؟ لأن استبدال النظام السياسي والغاء البنية الطائفية في لبنان آنذاك كانا سيغيران طبيعة المعركة، وتصبح المعركة مع اسرائيل ذات طابع قومي أشمل عندما يتحول النظام السياسي في لبنان الى نظام وطني قومي ديموقراطي، يشارك في المعركة. في الذاكرة الفلسطينية الكثير من المحطات المؤلمة والجروح النازفة، كان أبرزها في محطة لبنان سقوط مخيم تل الزعتر الذي حمل سقوطه متغيرات كبيرة على صعيد الصراع الدائر في لبنان. ما هي طبيعة الانطباع الوجداني والسياسي الذي تركه سقوط تل الزعتر؟ - الحقيقة ان مجازر تل الزعتر وحملات الابادة التي تعرض لها الناس فيه ولدّت لدي ألما كبيراً جداً، خصوصاً على الصعيد الانساني والأخلاقي العام، فلم أكن أتصور ان يصل الانحطاط الأخلاقي والانساني الى هذه الدرجة من الاجرام والفاشية، كما كان لاستشهاد الرفيق أبو أمل محمد الخطيب عضو اللجنة المركزية للجبهة أثر كبير في نفسي، لأن هذا الرفيق كانت له صفات خاصة، فهو مقاتل ومناضل من عائلة فقيرة، بدأ العمل منذ الستينات مع الرفيق وديع حداد. أما على الصعيد السياسي العام، فقد كان سقوط تل الزعتر يعني اننا دخلنا في معركة كبيرة تهدف الى تصفية المقاومة الفلسطينية في لبنان. وتجلى هذا الموضوع في اغتيال القائد العربي الكبير كمال جنبلاط اذ كانت عملية اغتياله تحمل الكثير من الدلائل السياسية، لأن كمال جنبلاط كان قائداً لبنانياً وقائداً عربياً كبيراً، وكان الوحيد القادر على قيادة لبنان العربي المنشود. واستمرت عملية تصفية المقاومة والحركة الوطنية في لبنان بعد سقوط تل الزعتر ولم يوقفها سوى زيارة السادات القدس التي أحدثت متغيرات كبيرة في المنطقة ودفعت بعض القوى الى اعادة النظر في حساباتها السياسية، فكان ان دخلت الحرب في لبنان منحى آخر مع استمرار الجوهر وتبدل التحالفات الداخلية والخارجية. كمال جنبلاط قائد كبير ماذا تذكر عن كمال جنبلاط؟ - انا تعرفت الى الأخ الكبير كمال جنبلاط في العام 1949 كما قلت لك في بداية حوارنا. والحقيقة ان شيئين يميزان كمال جنبلاط: الأول طبيعة شخصيته وما فيها من خصائص استثنائية على صعيد حياته الخاصة. والثاني انه كان بالفعل قائداً وطنياً لبنانياً كبيراً، وقائداً قومياً، وهو كان معروفاً على الصعيد الدولي ورجلاً صاحب علاقات أممية واسعة. وأهم جانب فيه انه كان يريد الوصول الى بناء لبنان الديموقراطي بتوجيه اشتراكي. وهذا ما جعلني أحبه واحترمه. وكان استشهاده خسارة كبيرة للبنان والثورة الفلسطينية والحركة القومية العربية. في مرحلة لبنان نسجتم علاقات سياسية مع بعض الدول الاشتراكية، لماذا تأخرت علاقاتكم الى هذه الفترة؟ - الحقيقة ان علاقتنا بالدول الاشتراكية لم تكن مبكرة، وهذا يعود الى تزعمنا جبهة الرفض التي كانت ترى فيها الدول الاشتراكية، وبالذات موسكو، نوعاً من المواقف المتطرفة، وهذا ما جعل علاقتنا محدودة اذ كان سقف هذه العلاقات محدوداً بالاتصالات بيننا وبينهم على مستوى سفارتهم في بيروت، فيما كانت لأبو عمار و"الجبهة الديموقراطية" معهم علاقات واسعة وتعاون كبير على أكثر من مستوى. كانت لنا علاقات تعمقت بعد زيارة السادات للقدس، تلك الزيارة التي أفرزت تحولات كبيرة. وبدأ نمو تلك العلاقات مع ألمانيا الديموقراطية وامتد بعد ذلك ليشمل كلاً من الاتحاد السوفياتي وبلغاريا وتشيكوسلوفاكيا وأخيراً رومانيا. هل كان لتبني "الجبهة الشعبية" الماركسية اللينينية في مؤتمرها الرابع عام 1981 علاقة بتطوير علاقاتكم مع الدول الاشتراكية؟ - لا أعتقد ان لهذا العامل دوراً كبيراً فالسبب الأكثر أهمية يعود الى الموقف السياسي. على أثر العملية الانتحارية التي قادتها دلال المغربي، قامت اسرائيل بعملية اجتياح واسعة للجنوب اللبناني في آذار مارس 1978، أي دور للجبهة كان في التصدي لهذا الاجتياح؟ - نحن كنا جزءاً من المقاومة التي تصدت للاجتياح الاسرائيلي، ولعبت الجبهة دوراً متميزاً في عمليات المواجهة، وبالذات في مدينة صور البطلة حيث لعب الرفيق أبو أحمد فؤاد دوراً مهماً وكبيراً في تلك المعركة. علاقتكم بالمؤسسة السياسية الفلسطينية اللجنة التنفيذية اتسمت بالمد والجزر، إذ غادرتم اللجنة التنفيذية عام 1974 وعدتم اليها في العام 1981، كيف تفسرون هذا الحراك؟ - كانت مسألة وجودنا داخل اللجنة التنفيذية تقوم على أسس سياسية واضحة ومعروفة للجميع. فنحن اكتشفنا بعد طرح النقاط العشر ان هذه النقاط ليست الا مقدمة لجر منظمة التحرير الى مجاهل سياسية خطرة، لذلك انسحبنا من اللجنة التنفيذية بعد شهرين من اقرار النقاط العشر، وبقينا على هذا الوضع حتى العام 1979، حين جرى التحضير لعقد مجلس وطني فلسطيني، وكانت اللقاءات بين الفصائل تجري في طرابلس الغرب في ليبيا. وعلى اثر محادثات طويلة توصلت الفصائل مجتمعة الى ما سمي في حينه ب "وثيقة طرابلس". هذه الوثيقة هي التي عدلت النقاط السياسية الواردة في النقاط العشر، وذلك من خلال الربط ما بين المرحلي والاستراتيجي، كما جرى التشديد على مسألة عدم الاعتراف باسرائيل، وعلى الجانب الآخر من وثيقة طرابلس كان الشق التنظيمي. وعقد المجلس الوطني الرابع عشر في قاعة اتحاد نقابات العمال في دمشق بحضور كل فصائل المقاومة، وكان من الواضح ان أبو عمار مستعد للقبول بالشق السياسي من وثيقة طرابلس لكنه كان متأزماً ومنزعجاً من الشق التنظيمي، ويسعى الى التنصل منه لأنه لا يريد عملية اصلاح تنظيمي تحد من سلطته وتكبل تصرفاته السياسية، تحت شعار فزاعة اليسار ومنعه من السيطرة على مقاليد المنظمة. وخضنا معركة قاسية مع أبو عمار على هذا الصعيد، غير ان بعض الفصائل الفلسطينية وقف الى جانبه، وياللأسف الشديد. واستطاع أبو عمار من خلال هذا الموقف اعادة السيطرة على منظمة التحرير واطلاق شعاره الشهير: فليبق القديم على قدمه. وبالفعل لم ندخل نحن الى اللجنة التنفيذية، الى ان عُقد المجلس الوطني الخامس عشر في دمشق في ربيع 1981 وحينها عدنا الى اللجنة التنفيذية. حصار بيروت كان حصار بيروت الامتحان الأصعب للمقاومة الفلسطينية، كيف كان الحكيم يعيش يوميات الحصار؟ - بطبيعة الحال كنت في بيروت عندما بدأت المعارك وكنت أمارس مهماتي الداخلية والخارجية. وكان لدي عشية الاجتياح مشروع لتوحيد القوى الديموقراطية في الساحة الفلسطينية لمواجهة العدوان الاسرائيلي المتوقع، والمخططات المرسومة لتصفية المقاومة. ولكن حتى أكون صريحاً معك لم نكن نتوقع ان تأتي الضربة الكبرى من اسرائيل مباشرة. كنا نعتقد ان الضربة المباشرة ستقوم بها الرجعية اللبنانية ممثلة بالجبهة اللبنانية ووحدات عسكرية نظامية. وتم تشخيص ذلك في مقررات المؤتمر الرابع للجبهة. وكان في ذهني باستمرار وجود مخطط لضرب المقاومة، وكان حجم هذا المخطط قائماً على اعتبار الرجعية اللبنانية اداته بالدرجة الأولى، ثم اسرائيل التي قد تكون حدود عدوانها الجنوب اللبناني فقط. كيف تقوّم اداء المقاومة في اجتياح 1982 بأمانة وصدق؟ - سأجيب عن سؤالك بمنتهى الصدق والمسؤولية: أداء المقاومة في مواجهة الاجتياح كان متفاوتاً. كان بائساً بمظهره الرئيسي في الجنوب وأقصد صور وصيدا، على رغم المواقف المشرفة التي شكلت مظهراً ثانوياً في بعض المواقع مثل النبطية وقلعة الشقيف وأرنون، وخاض خلالها المقاتل الفلسطيني قتالاً بطولياً ومشرفاً، وكان مثالاً للتضحية والتفاني. لو كانت المقاومة في الجنوب منظمة لتغيرت النتائج بعض الشيء، ولما تشجعت القيادة الاسرائيلية على الاندفاع وتوسيع رقعة الاجتياح باتجاه بيروت والجبل. وعندما اتضح المخطط الاسرائيلي وحجمه كنت على يقين انه لا يمكن ان يصمد في مواجهة هذا المخطط الا ارادة جبارة بكل معنى الكلمة. ولم يكن في ذهني غير قرار الصمود والصمود وتحويل بيروت الى ستالينغراد ثانية في مواجهة الغزاة. وفي أول اجتماع للقيادة الفلسطينية عقدناه في منتصف حزيران قلت: نحن صامدون ومن يريد الصمود فليبق ويقاتل، وكانت الغالبية منسجمة مع هذا الرأي. خلال حصار بيروت كان اداء الثورة الفلسطينية في القتال أكثر تنظيماً، وقدم المقاتل الفلسطيني على مدار 86 يوماً من الحصار مثلاً رائعاً. دافع المقاتلون عن بيروت المحاصرة دفاعاً مستميتاً في ظل صمت عربي رسمي وهجوم اسرائيلي اطلسي مركز وكثيف، وعلى رغم قرار الخروج الذي حكمته جملة اعتبارات لبنانية داخلية وعربية واقليمية، شكلت معركة بيروت صفحة مشرفة في تاريخ الثورة الفلسطينية والأمة العربية، ولا يمكن أي قائد فلسطيني ان يتجاهل التضحيات الكبيرة والجسيمة التي دفعها الشعبان الفلسطينيواللبناني ثمناً لهذا الصمود. أثناء فترة الحصار هل تعرضتم لضغوط من الحركة الوطنية اللبنانية، للخروج من بيروت؟ - في البداية كان قرار الجميع الصمود، ولكن مع مرور الوقت واشتداد الحصار، وتطبيق اسرائيل سياسة الأرض المحروقة، وشل كل مرافق الحياة بدأنا جميعاً نقوم المرحلة وندرس امكان الصمود ومدى نجاعته. وعلى اثر تقويمنا المشترك بدأت أقتنع بأن لا ضرورة للعناد والدخول في مواجهة انتحارية، خصوصاً ان الموضوع لم يعد موضوع المقاومة والحركة الوطنية، بل اصبح موضوع الجماهير اللبنانية وشعاره تجنيبها المزيد من الضربات والخسائر، لأني بت مدركاً ان شعار تحويل بيروت ستالينغراد اخرى مستحيل. عندما كان أبو عمار يفاوض فيليب حبيب عبر الرئيس شفيق الوزان وبعض الشخصيات اللبنانية هل كان يطلعكم على تفاصيل هذه المفاوضات؟ - يصف أبو عمار نفسه دائماً بأنه انسان ديموقراطي لكنه لم يكن كذلك، فهو لم يكن يطلعنا على تفاصيل مفاوضاته بالكامل مع فيليب حبيب، لذلك عليك ان تسمع لأبي عمار ثم تقوم أنت باستنتاج ما يريده أو ما يعرفه. قرار الخروج من بيروت، كيف تبلور؟ من اتخذه؟ ومن عارضه؟ - الغالبية الساحقة من قيادة المقاومة شاركت في اتخاذ قرار الخروج وأنا واحد منهم. ولكن كيف تبلور قرار الخروج؟ - الواقع ذاته هو الذي بلور قرار الخروج من بيروت، خصوصاً بعد اشتداد الحصار اذ اصبح لا بد من أخذ حالة الجماهير اللبنانية في الاعتبار وكذلك موقف الحركة الوطنية اللبنانية. ومن عارض قرار الخروج من بيروت؟ - اعتقد ان هناك بعض القيادات التي عارضت الخروج سواء داخل منظمة التحرير أو داخل كل فصيل، وعلى صعيد الجبهة كان الرفيق ابو ماهر اليماني من معارضي الخروج، اضافة الى خمسة اعضاء من اللجنة المركزية للجبهة.