* اخراج عون سلماً وحكومة متوازنة * اسم الهراوي لم يطرح للتوزير والحريري رئيساً لهيئة الاعمار وبطرس يرجع الى الخارجية لاحقاً * الزغرتاوي الذي "يحفر الجبل بابرة" في ذكرى مرور خمسين عاما على استقلال لبنان يشعر اللبناني بمزيج من الثقة والخوف. الثقة لأن الذكرى تظهر قدرة اللبنانيين على الاستقلال حين تتوحد ارادتهم. والخوف لأن اللبنانيين يفتقدون الى موهبة المحافظة على مكسب بحجم الاستقلال. فعلى امتداد نصف قرن عانت السفينة اللبنانية من ارتباك البوصلة احياناً وجنوح القيادة واركانها احياناً اخرى كما عانت من تسرع الركاب في التوزع على محاور الحرب بين الربان وشركائه ومساعديه. تشرذم الارادة جعل الركاب يتناسون انهم يتحاربون على سفينة مثقوبة وهاجس الانتصار او منعه جعلهم يفضلون الفوز ببعض اخشابها على فوز اقل يضمنه استمرار الرحلة. هكذا ارتطمت السفينة بجمود البحارة وشراهة البحارة. وكلهم افتقروا الى الحد الادنى الضروري من التواطؤ لابقاء المحرك صالحا. لم يرحم الركاب سفينتهم ولم ترحمها الصخور وليس من عادة الامواج العاتية ان ترحم سفينة جنحت. بعد نصف قرن يبدو المشهد كئيباً. سفينة لبنان محملة بالجثث والشهداء والخرائب وبسلام لا يستحق، قطعا، تلك الحروب الطويلة. وفيما يضرب زلزال السلام المنطقة معلناً نهاية لغة وقاموس وقيام بيت جديد في الشرق الاوسط يبدو السلام اللبناني متأخراً وسط استمرار الربابنة في التنازع على طريقة اصلاح المحرك وجمع الاخشاب. انتهت الحروب الطويلة. وهي كانت سلسلة لا تنتهي من محاولات الانتحار والاغتيال معاً. وفوق الركام الذي انجبته رهانات الطوائف والاحزاب تختلط مشاعر العجز بالارادات الحسنة وتذهب الواقعية بعيداً في واقعيتها والى حد تفكيك الآمال. لا يستطيع احد انكار انجازات السلام: انهاء الحرب وتوحيد المؤسسات واسترجاع شيء من الثقة، ولكن لا يستطيع احد انكار ان دولة السلام لم تقم بعد وانها لا تُبنى بالحجارة المعروضة او المفروضة. وحدها الدولة القادرة ذات النموذج الجاذب الذي يتسع للجميع تستطيع دفع ذاكرة الحرب الى التاريخ. وفي غياب الحد الادنى من التواطؤ بين من بأيديهم المفاتيح، او من يفترض ان تكون المفاتيح في ايديهم، تبقى دولة المؤسسات مجرد شائعة او حلم مؤجل ويبقى حزب الدولة اضعف الاحزاب. تختلط قصة لبنان المستقبل بقصة رؤسائه. بشارة الخوري غادر القصر بفعل حركة احتجاج. وكميل شمعون عاند ليكمل ولايته بعد اندلاع ثورة 1958. وحده فؤاد شهاب لم تنفجر الرئاسة بعهده لكن مقدمات الحرب ظهرت في عهد خلفه شارل حلو. غادر سليمان فرنجية القصر على دوي مدافع الجيش اللبناني الذي انفرط عهده. وخرج الياس سركيس من القصر وبيروت مطوقة. واغتيل بشير الجميل قبل تسلمه الاختام. وانتخب امين والحاجز الاسرائيلي على مقربة من قصر بعبدا. وجاء رينيه معوض من سلام الطائف. بلغ الرئاسة ولم يبلغ القصر. وامضى الياس الهراوي اكثر من نصف عهده في مقر موقت وحين دخل القصر كانت القصة تغيرت. لماذا رينيه معوض؟ ليس فقط لأنه الرئيس الذي تطايرت اشلاؤه مع الاستقلال في 22 تشرين الثاني نوفمبر 1989، بل ايضا لأنه كان يشبه الحل الذي حمله الى الرئاسة ولأنه كان فرصة لمصالحة اتفاق الطائف مع الشهابية في رحاب الدولة. دولة المؤسسات التي تعثر عليها في النصوص اليوم ولا تعثر عليها في الوطن. لم يحكم رينيه معوض ليتسنى للبنانيين والتاريخ اصدار حكم تفصيلي له او عليه، لكن اسلوب الرئيس في "جمهورية الپ17 يوما" ارسل اشارات تعبر عن اختلاف اسلوبه. كان رينيه معوض من اولئك الرجال الذين يعرفون القصة. قصة لبنان بمبررات قيامه واستمراره. من الذين يعرفون السر ولا يتنكرون له مهما عصفت الرياح وتبلبلت الافكار. من قماشة الذين "اخترعوا" لبنان قبل نصف قرن كبشارة الخوري ورياض الصلح وآخرين، وقماشة الذين حفظوا السر كفؤاد شهاب والياس سركيس وصائب سلام وتقي الدين الصلح ورشيد كرامي وآخرين. لم يكن رينيه معوض سيف طائفته، كان العقل الهادئ الذي يسعى الى تجنيبها الظلم الناجم عن سيوفها وظلم سيوف الآخرين. لم يكن حارساً لخطوط التماس ولا جنرالاً يأمر باشعالها، كان اللبناني العتيق الذي يجازف بعبورها كمن يؤكد احتجاجه عليها. كان ابن الذاكرة اللبنانية التي لا تقر قطع الشرايين ولا تسلم باغلاق النوافذ. في زغرتا كانت عينه على بيروتالشرقية. وفي بيروتالشرقية كانت عينه على بيروت الاخرى. فهذا الشمالي كان ابن الخريطة بحدودها الكاملة. لا يسقط الجنوب ولا ينسى البقاع. الرهان على الدولة لم يكن رينيه معوض خطيباً مفوهاً ولا رمزاً لعصبية ولا قائداً جماهيرياً يعزف للناس ما ينتزع منهم التصفيق والتلويح بالقبضات. كان رجل الثوابت اللبنانية يحملها بصبر واناة وكان "يحفر الجبل بابرة" كما قال صديقه نصري المعلوف. لم تكن شجاعته استعراضية لكنها كانت حاضرة. اعتداله لم يوصله الى التفريط بل الى محاولة تحصين الجوهر وانقاذه. الرهان على الدولة كان رهانه الكبير. الدولة التي تذهب الى الناس في ورشة الانماء المتوازن قبل ان تذهب اليهم في ثياب عسكري او شرطي. وانفتاحه الداخلي كان جزءاً رئيسياً من تصوره لتحصين لبنان ليكون قادراً على الانفتاح العربي بمعناه الواسع وفي ظل ظروف متكافئة. فكرة الدولة وفكرة الشرعية لحماية كل اللبنانيين من الغبن او القهر او الانكفاء او التهميش. اللقاء في رحاب الدولة كان هاجس الرئيس الذي كان يحلم بتطعيم سلام الطائف بعقل الشهابية كمحاولة تخطيط وتحديث. وهو كان ممثلا شرعيا لهذا الارث. كان رينيه معوض مشروع مصالحة بشخصه وبالحل الذي اوصله. كان منتصف الطريق بين اللبنانيين انفسهم وبين اللبنانيين والآخرين. او هو كان على الأقل اقرب النقاط الى منتصف الطريق. في الذكرى الرابعة لاستشهاده المتوافقة مع الذكرى الخمسين للاستقلال تفتح "الوسط" ملف الرئيس الراحل عبر حوار طويل مع زوجته النائبة نايلة وعبر شهادات من اصدقاء عرفوه عن قرب بينهم حسين الحسيني الرئيس السابق لمجلس النواب والنائب بيار حلو والسيد الاخضر الابراهيمي ممثل اللجنة الثلاثية العربية. واختار عدد من رفاقه واصدقائه المساهمة باضاءة جوانب الموضوع من دون ذكر الاسماء. معوض وكرامي وفي الملف الذي ينشر على حلقات قصة رينيه معوض الرئيس وقصته كسياسي مع الرؤساء والسياسيين وقصة فرصة ضاعت. "قتلوه وقُتل لبنان معه". هذا ما قاله رينيه معوض بحرقة لأحد اصدقائه المقربين بعد تلقيه نبأ اغتيال صديقه رئيس الحكومة رشيد كرامي في اول حزيران يونيو 1987. شعر معوض بخطورة غياب رجل دولة بحجم كرامي كان يشكل صمام الامان في الازمات الكبرى، حتى وان بدا كأنه العقدة. ومعوض نفسه تولى صون الخيط الرفيع الذي بقي آنذاك بين رئيس الجمهورية امين الجميل ورئيس الحكومة المقاطع كرامي وقد تغلب الاثنان على المشاعر الشخصية وتصرفا رغم الصعوبات بمنطق رجال الدولة وابقيا سراً على نوع من "التواطؤ" لمصلحة الدولة اللبنانية، كما قال الرئيس الجميل لپ"الوسط". وكان معوض من الذين يرعون الاسرار ويحفظون السر. كان بين معوض وكرامي ما هو أبعد من حسن التجاور الجغرافي بين زعامتين، واحدة في زغرتا واخرى في طرابلس. كان بينهما ذلك الحنين المشترك الى زمن الدولة وهما تعلقا بفكرتها منذ انتمائهما المبكر الى الشهابية. وبعد اغتيال كرامي ساد اعتقاد لدى بعض الطامحين الى رئاسة الجمهورية بأن الجريمة أدت في الوقت نفسه الى اغتيال حظوظ معوض في الرئاسة. ولم يكن سراً انه لو قيّض لكرامي ان يكون عراباً لعهد جديد لما تردد في ان يجعل من وصول معوض الى الرئاسة خياره الاول وهو دور سيلعبه لاحقاً الرئيس حسين الحسيني. اذا كانت غالبية السياسيين الموارنة درجت على التطلع الى قصر الرئاسة فقد كان طبيعياً ان يراود رينيه معوض هذا الحلم، خصوصاً انه ينتمي الى فئة الحالمين المستحقين. والواقع هو ان اسم معوض كان يتردد لدى كل انتخابات رئاسية منذ العام 1970 لكنه كان يبكر في قراءة اتجاهات الرياح ويدرك ان لكل زمان دولة ورجالاً. وعندما رشح الرئيس السابق سليمان فرنجية نفسه لرئاسة الجمهورية في 18 آب اغسطس 1988 وعبر معوض الى بيروت الغربية لضمان قدرته على المشاركة في انتخابه ثمة من قال ان معوض خسر "فرصته الاخيرة" لكن الجلسة لم تعقد وحصل ما تخوف منه غداة اغتيال كرامي فقد خلا مركز الرئاسة في 23 ايلول سبتمبر 1988 وبدأ "عهد الحكومتين". المهندس الهادئ هندس المحامي رينيه معوض موقعه في السياسة اللبنانية بصبر وأناة. في زغرتا التي انتخب نائباً عنها في 1957 على لائحة حميد فرنجية اعتبر التحالف مع آل فرنجية من الثوابت ولم يظهر في اي وقت استعداداً لدخول صراع دام على الموقع الاول هناك. لكن هذا التحالف لم يثقل خطوات معوض الذي ادرك اهمية نسج علاقات قوية في المركز في بيروت وهي علاقات مكنته لاحقاً من ابقاء التحالف الزغرتاوي قائماً مع الافتراق في الوقت نفسه عن خيارات الرئيس فرنجية على الصعيد العام. ففي 1970 اقترع معوض لمصلحة صديقه الياس سركيس ضد سليمان فرنجية الذي فاز بفارق صوت واحد. وفي 1982 اقترع لمصلحة بشير الجميل بعد طول معاناة وخوف من الفراغ الدستوري. ولم يتسبب ذلك في صدام اذ بدا كأنه انتزع لنفسه حق الافتراق خصوصاً بعدما كانت التجربة الشهابية حملته الى الوزارة مرات عدة ومكنته من بلورة شبكة علاقات واسعة. هذا لا يلغي ان موقف الرئيس فرنجية كان العقدة الاهم امام طموحات معوض الرئاسية خصوصاً انه كان يتمسك بالحصول على مباركة فرنجية لرئاسته اذا حان موعدها. وحين انتخب معوض رئيساً في 5 تشرين الثاني نوفمبر 1989 في القليعات في شمال لبنان كانت العقدة قد حلت بفضل عاملين اساسيين كما يقول احد الذين رافقوا تلك المرحلة عن قرب: تدخل سوري رفيع لدى الرئيس فرنجية ودور بارز لعبه الوزير الحالي سليمان طوني فرنجية لاقناع جده بالموافقة وهكذا كان. كيف وصل معوض الى الرئاسة؟ في هذه النقطة بالذات يحرص المطلعون على بعض التفاصيل على عدم نشر اسمائهم لكنهم لا يترددون احياناً في كشف جانب منها ويتفقون في النهاية على ان الرواية الكاملة موجودة فقط لدى رينيه نفسه الذي كان مقلا في الكلام ولم يتسع له الوقت حتى لاخبار زوجته نايلة بكل التفاصيل. يقول المطلعون انه كان يتحرك لاقناع ثلاثة ناخبين رئيسيين هم سورية والولايات المتحدة والاعتدال العربي. ويؤكدون انه تقدم في واشنطن على سائر الطامحين قبل ستة اشهر من موعد الانتخابات وانه كان مرتاحا الى رصيده لدى الاعتدال العربي وان صيف 1989 حسن موقعه لدى دمشق. وكانت المهمات التي كلف القيام بها في عهد الرئيس سركيس اتاحت له بناء علاقات مع مجموعة من العواصم العربية حرص على استمرارها وتابعها بعيداً عن الاضواء. هل ذهب رينيه معوض الى الطائف في 30 ايلول سبتمبر 1989 رئيساً؟ يقول الرئيس الحسيني رداً على سؤال "الوسط" ان لقاء الطائف كان لبلورة الحل الوفاقي ولم يكن لانتخاب رئيس ولكن بعد تبلور الحل بدا ان المواصفات المطلوبة في الرئيس المقبل تنطبق في الدرجة الاولى على رينيه معوض. ويضيف: "كان معوض شخصية مارونية مؤهلة منفتحة على كل المناطق ومن دون اي عداوات. لم يشارك في الحرب ولم يتخذ اي موقف طائفي ولديه ثوابت راسخة بشأن الوفاق وفكرة الدولة". في المقابل يقول بعض من تابعوا موضوع رئاسة معوض عن قرب ان المرة الاولى التي طرح فيه اسمه كانت قبل شهور وفي لقاء بين الحسيني والبطريرك نصرالله صفير وان الحسيني راح يعمل بهدوء لتحضير الحل والرئيس معاً عبر الاتصالات مع صفير ودمشق. وفي صيف 1989 مر معوض على مكتب صديقه وزير الخارجية السابق فؤاد بطرس وقال له: "سأقول لك سراً لا يعرفه احد باستثناء نايلة. ويشير بطرس الى ان السر اقنعه بأن رينيه بات صاحب حظوظ فعلية في الرئاسة". الموعد المرجح والزيارة ويقول النائب والوزير السابق البير منصور ل "الوسط" ان لقاء عقده معوض في حزيران يونيو مع الرئيس السوري حافظ الاسد رجح كفته في معركة الرئاسة. لكن ثمة من يتحدث عن لقاء ثان كان هو السر. وربما لهذا السبب كان معوض يجري من الطائف اتصالات عربية ودولية لضمان انطلاق الرئيس المقبل وبدا مطمئناً من دون ان يبوح بما يجري. هل زار معوض دمشق قبل ايام من انتخابه؟ يجزم احد الذين رافقوا تلك الايام عن قرب ان معوض، وفي الفترة الواقعة بين نهاية لقاء الطائف وانتقال النواب الى باريس، توجه سراً الى دمشق في طائرة خاصة واجرى محادثات استغرقت ست ساعات حصل في نهايتها على مباركة صريحة لرئاسته وتأكيد لما كانت دمشق قد ابلغته قبل أيام الى وزير عربي زارها. ويقول احد النواب الذين شاركوا في اجتماعات الطائف ان دمشق وافقت بصورة نهائية على اسم معوض بعدما وافقت الجهات العربية واللبنانية على تعديلات في نص وثيقة الوفاق الوطني. هموم جمهورية ال 17 يوماً ماذا كان يشغل بال معوض خلال الايام ال 17 التي قضاها في سدة الرئاسة؟ استناداً الى روايات من التقوا معوض آنذاك وواكبوا عمله فانه كان مهتماً بالآتي: - استرجاع قصر بعبدا الذي كان الجنرال ميشال عون يتحصن فيه من دون الاضطرار الى استخدام القوة. وبرغم تعثر مهمات وسطاء بينهم الآباتي بولس نعمان الرئيس العام السابق للرهبانية المارونية فقد بدا معوض شبه واثق من قدرته على اختراق الفريق المؤيد لعون. ويقول احد المطلعين ان عسكريين كباراً من انصار عون بينهم قائد اللواء الابرز آنذاك ابلغوا معوض سراً انهم لن يدخلوا في اي مواجهة مع عهده وحضّوه على ايجاد مخرج. ويضيف المصدر نفسه ان معوض اغتيل قبل ان يتوصل الى استنتاج من نوع توجيه تحذير الى عون او اعتبار العمل العسكري ضده خطوة لا بد منها. كما ان معوض نجح في الحصول على تفهم الاطراف الخارجية التي كانت تعتبر داعمة لعون. - خلال توليه الرئاسة زار معوض سراً البطريرك الماروني نصرالله صفير في الديمان وطلب منه ارجاء عودته الى الشرقية الى موعد تمكّن معوض من دخولها لكن صفير آثر عدم الربط بين الموعدين. - تشكيل حكومة متوازنة برئاسة الدكتور سليم الحص تعطي صورة حقيقية للعملية الوفاقية. وفي هذا السياق تحفظ معوض عن توزير بعض الاسماء التي تم توزيرها لاحقاً. وكان حازماً في رفضه اسناد اي من الحقائب الاربع الرئيسية الى الميليشيات. - الانطلاق من مصالحة مسيحية - مسيحية بين آل فرنجية وحزب الكتائب و"القوات اللبنانية" بدا واثقاً من تحقيقها بعدما تلقى تأكيدات من سليمان طوني فرنجية أنه يقبل بكل التضحيات التي يمكن ان تساعده على تركيز عهده. - كان مطمئناً الى وجود خمسة مليارات دولار للاقلاع في عملية اعادة الاعمار باشراف هيئة ستنبثق من عملية تطوير لمجلس الانماء والاعمار وجعله تابعاً مباشرة لرئيس الجمهورية. وكان معوض يبدي اهمية استثنائية للامركزية الادارية والانماء المتوازن. - توطيد العلاقات مع سورية استناداً الى ما جاء في وثيقة الوفاق مع المحافظة على الدور العربي والدولي الداعم للحل في لبنان. ويقول احد السياسيين "ان المشهد السياسي كان سيكون مختلفاً لو حكم معوض فالحسيني كان عراب العهد واسم الرئيس الحالي الياس الهراوي لم يطرح للتوزير وكان معوض ينوي اعطاء السيد رفيق الحريري دوراً اعمارياً". نايلة تتذكر منذ زواجهما في 1965 واكبت نايلة معوض رحلة زوجها السياسية وان تكن اكتفت قبل استشهاده بالتركيز على العمل الاجتماعي والانساني الذي بدا مكملاً لعمله الوطني والسياسي. استهلت "الوسط" حوارها الطويل مع النائبة معوض بسؤال عن الموعد الذي عرف فيه انه سيكون الرئيس فأجابت: "خلال وجوده في لقاء الطائف كنا نتحدث باستمرار على الهاتف. بقيت في اهدن وكان لدى اقرباء لنا خط هاتفي عبر قبرص. كنت اطلعه على ما في البلد من انطباعات وتطورات. كعادته لم يكن يكثر في الكلام. الاحد الاخير الذي امضيناه في الشمال خلال وجوده في الرئاسة، اذ كنا سننزل الاثنين الى بيروت، اقترحت عليه ان نرى الشباب الذين تعبوا معنا لاننا قد نبقى فترة طويلة من دون ان نراهم خصوصاً ان بيتنا في زغرتا سيىء من الناحية الامنية وطريق اهدن يمكن ان تكون مقفلة بسبب الثلوج علماً انه كان متوقعاً ان يرجع السفير الاميركي في كانون الاول ديسمبر. التقينا الشباب وبدل الدقائق الخمس تحول الامر الى عشاء. قال يومها انها المرة التي عمل فيها الاقل لتولي رئاسة الجمهورية لشعوره انه اذا كان المطلوب لروح الطائف ان تنجح بما تعنيه من مصالحة وطنية وبقاء لبنان موحداً فانه سيكون طبيعياً الاوفر حظاً، اما اذا كانت نتائج الطائف لن تطبق فهو لن يكون صاحب حظ لأن قناعاته معروفة. وسئل كيف جاء السفير الاخضر الابراهيمي مندوب اللجنة الثلاثية العربية بسرعة ليبلغه الدعم العربي لاعمار لبنان فأجاب "لأنني لم اكن اعمل في الطائف لرئاسة الجمهورية، اجريت الكثير من الاتصالات من اجل مستقبل لبنان فاذا توليت الرئاسة لن استطيع ان افعل شيئاً ما لم تكن الاموال موجودة لاعادة الاعمار خصوصاً ان المصالحة الحقيقية مربوطة في النهاية بالاعمار والتنمية المتوازنة. من الطائف اجريت اتصالات مع سورية ومع الاميركيين والاوروبيين وعقدت لقاءات جانبية مع جهات عربية ومع اشخاص سأعمل معهم". والواقع ان الرئيس معوض هو اول رئيس ينتخب ويتسلم المسؤوليات فوراً. وكان اول ما فعله تخفيف الاستقبالات فتوليت انا استقبال معظم المهنئين في حين تحولت استقبالاته فوراً الى اجتماعات عمل. وحصل الرئيس معوض على دعم دولي سريع وللمرة الاولى لم تدعم الاممالمتحدة دولة بل ايدت شخص الرئيس معوض وهذه الخطوة لها دلالاتها. واذكر ان الرئيس جورج بوش بعث برسالة وكان الرئيس معوض مجتمعاً بالسيد عبدالحليم خدام نائب الرئيس السوري وكان ممنوعاً تمرير المخابرات للرئيس. اتصلوا من سفارة فرنسا، بسبب وضع السفارة الاميركية يومها، وابلغونا بوجود رسالة من الرئيس الاميركي مطلوب ايصالها فوراً. وجدت انه من المفيد ان نبلغ الرئيس بوجود رسالة من الرئيس بوش والتي سبقتها رسالة من الرئيس ميتران. وفي اليوم نفسه التقى معوض بعض كبار المسؤولين السوريين الذين لفتوه الى ضرورة اهتمامه بمسألة الامن وعدم الاكثار من التنقل لما يشكله من اخطار. وقد التقاهم في الشمال ولم يعرف احد بهذا الاجتماع الذي عقد قرب اهدن". وعن المواضيع التي نوقشت مع خدام تقول: "اقدر انهما بحثا في الوضع الحكومي واذكر ان الرئيس معوض قال لي: "ان حكومة المصالحة الوطنية لا تحقق طموحاتي الى اعادة الاعمار وتطوير البلاد لكنها مرحلة لا بد منها ويجب الا تتجاوز السنة وبعدها تأتي الحكومة التي ستنصرف الى العمل المطلوب". هاجس التوازن ورداً على سؤال عن تشديد معوض على الانطلاق من مصالحة بين آل فرنجيه وخصومهم في الكتائب والقوات قالت: "اثناء وجود الرئيس معوض في الطائف اتصل بي الوزير سليمان طوني فرنجيه وقال لي اذا كانت هذه الخطوة تزيد حظوظ رينه بك في الرئاسة فليؤكد لجورج سعاده رئيس حزب الكتائب انني مستعد لاستقباله في اهدن. ثم اوفد لي شخصاً قال لي انه يعرف ان الرئيس معوض سيصر على المصالحة وهو على استعداد للبحث. كان الرئيس معوض مهتماً بان تعبر الحكومة عن توازن بين العائلات اللبنانية وانا اعتقد ان التأخير في تأليف الحكومة شكل خطراً عليه. فتوقيت عملية الاغتيال في 22 تشرين الثاني نوفمبر كان هدفه احداث فراغ دستوري لأن الرئيس سليم الحص كان قدم استقالة حكومته بصورة قانونية كاملة. وهذا جعلني فور الاستشهاد اطلب من الرئيسين حسين الحسيني والحص حين جاءا لرؤيتي المسارعة في اجراء انتخابات الرئاسة. كثر استغربوا خصوصاً ان العادة ان لا يحصل انتخاب قبل الجناز لكنني فخورة بأنني دفعت في هذا الاتجاه وساهمت في منع حصول فراغ دستوري". دائرة الخطر وعما تردد عن شعور الرئيس معوض بالخطر وقد ظهر ذلك في كلام قاله لابنه في باريس عشية توجهه الى لبنان وانتخابه تقول: "نعم كان يشعر بوجود خطر. تابع ميشال ابني دروسه في لبنان. وفي السنة الاخيرة كانت هناك "حرب التحرير". امضيت شهراً وانا اجادل رينيه وارجوه ان يترك ميشال يذهب الى فرنسا ليدرس هناك استعداداً لدخول الجامعة. فالجامعات قد لا تقبل تلاميذ يمضون يومين في المدرسة واسبوعين في البيت بسبب الحرب. على مدار الحرب كان يجيبني ما يحصل لاولاد الناس يحصل لاولادي ولا فرق بينهم وعليّ ان اعطي المثل. وكان هذا الامر موضع جدل في ختام كل سنة. وفي السنة الاخيرة اقنعته بضرورة توجه ميشال الى فرنسا. وهذا ما حصل علماً ان ميشال نفسه لم يكن مرتاحاً وكان يقول لي "جسمي في فرنسا ورأسي في لبنان". جاء ميشال الى لبنان في تشرين الاول وغادر في 4 تشرين الثاني الى باريس عشية انتخاب والده. في تلك الليلة التقى والده في الثانية بعد منتصف الليل فقال له رينيه: "ميشال نحنا بكرا مبدئياً رايحين على لبنان ومبدئياً سينتخبونني رئيساً. بدي تعرف شغلة انا رايح على مهمة كتير صعبة وكتير دقيقة وفيها كتير مخاطر". فقال له ميشال: "لشو تعمل رئيس جمهورية اذا في خطر عليك". فرد رينيه: "انا بعرف انو بقدر اخدم بلدي وخصوصاً بهالمرحلة بالذات. انا قضيت عمري نادي بالوفاق. بدي قلك شي. اذا صار لي شي انت ستكون مسؤولاً عن امك واختك". بعد شهرين روى ميشال هذا الحوار لاخته. قصة المقر الموقت كانت لدى الرئيس معوض شجاعة استثنائية يعرفها كل الذين عرفوه لكنها كانت شجاعة واعية لوجود الاخطار. تنقل كثيراً في الحرب. وتمنينا لاحقاً لو انه جرح في احدى المرات علّ ذلك كان يمكن ان يقنعه بالالتفات اكثر الى سلامته. يوم الاثنين اي قبل 48 ساعة من استشهاده كان لديه موعد مع الوزير فؤاد بطرس. يومها وفر بعض التدابير الامنية ووصل قبل الوقت المحدد بربع ساعة الى المقر الرئاسي الموقت وبدا مرتاحاً وقال: "شفتو ما في شي". وقصة المقر الموقت هي التالية. انتخب الرئيس الاحد وبقينا في اهدن الاثنين والثلثاء. تهنئة وشيء من العمل. تمنى كثيرون على الرئيس معوض ان لا ينزل الى بيروت وقالوا له اننا نسمع اخباراً عن اخطار يمكن ان تهددك هناك. رد الرئيس معوض: "انا لا استطيع ان احكم لبنان من اهدن. هذا غير ممكن. وانا سأبدأ العمل فوراً لأن الظروف مواتية للبنان الآن. اذا اردت ان اتأخر وانتظر في اهدن ربما تغيرت الظروف". كان يفترض ان ينزل الرئيس معوض الاربعاء الى "السمرلاند" فجاء فضل شلق وقال له ان رفيق الحريري يملك مبنى في الرملة البيضاء باستثناء طابق سنحاول ان نشتريه. المبنى اكثر راحة لك والزجاج تحت مكان السكن مصفح. وهكذا ولدت فكرة المقر الموقت. كانت هناك علاقة معروفة بين الرئيسين معوض والحريري لكنها ازدادت في الطائف. والحقيقة ان الرئيس الحريري سهل الامور لدى نزول الرئيس معوض الى بيروت ووضع فريق عمل تولى تجهيز المبنى بما يلزم للاتصالات الهاتفية وسبق ان قلت لك ان الرئيس معوض كان يفكر في تعديل قانون مجلس الانماء والاعمار اي ان يزيد صلاحيته وان يكون الحريري على رأس المجلس وتكون علاقته مع رئيس الجمهورية مباشرة. الاستقلال ودعوة الاغتيال حين نزلنا الاثنين في 20 تشرين الثاني الى بيروت قلت له ان لا مبرر للاستقبال في عيد الاستقلال وهذه يمكن ان تكون دعوة للاغتيال. انك تخطئ كثيرا بالذهاب والاياب. وكنت اجادله خلال الاستشارات التي اجراها في القصر الحكومي. وحاولت مرة ان اثنيه فقلت له ان الناس الذين احبوك بدأوا يتضايقون من اقفال الطرق وعجقة السير لدى مرور موكبك فأجاب: "لا اقبل بازعاج الناس ولا باقفال الطريق". وساعدتنا هذه المسألة في التخفيف من توجهه الى القصر الحكومي. وكان مقررا ان يستقبل الرئيس في 23 تشرين الثاني اي غداة الاستقلال ثلاثة سفراء. تجادلنا من اجل ان يستقبلهم في المقر الموقت وكررت له ان استقبال 22 تشرين الثاني دعوة للاغتيال. فقال لي: "صرلك 15 سنة. كلما خرجت من البيت تقولين خطر خطر. لو لم اجازف لما حافظت على هذه الصداقات مع كل الفرقاء اللبنانيين. الآن سأوظف كل هذه الصداقات في خدمة المصالحة الوطنية. لهذا يجب ان اذهب الى القصر الحكومي. السلاح الوحيد في يدي هو الشرعية. ما عندي غير سلاح وما بدي. مضى وقت طويل لم يشاهد اللبنانيون فيه الرؤساء الثلاثة يدا في يد. اريد ان اطمئنهم الى عودة الشرعية وان الشرعية جاءت بمحبة وانفتاح لنرعى اعمار بلدهم ولتنتهي ايام الحرب". قلت له في محاولة جديدة لاقناعه: فليكن الاستقبال في المقر الموقت. فأجاب: "لا الشرعية لها اطارها. اريد ان اذهب الى مقر شرعي ليشعر الناس بحضور الشرعية. واعدك بانها ستكون المرة الاخيرة التي اخرج فيها بهذه الطريقة". كيف عرفت النبأ وترجع السيدة نايلة بالذاكرة الى ذلك اليوم الذي استشهد فيه الرئيس معوض وتروي: "من مقر الاقامة سمعت الانفجار ورأيت الدخان. فور سماعي دوي الانفجار اتصلت بالقصر الحكومي فقالوا لي انه ترك. انتظرنا. قلنا ربما قرر المرور الى مكان آخر. اتصل بي وسام عز الدين وقال لي اهنئك. ظنوا انه نجا لانهم لم يروا السيارة فقد تفتتت. صرت كمن يحاول اقناع نفسه او طمأنتها. قلنا انه ربما قرر المرور على منزل الرئيس الحسيني او الرئيس سليم الحص. فجأة وصل قسم من الشباب الذين كانوا في الموكب. بدا على وجوههم هول الحادث وكان الغبار على وجوههم وثيابهم. سألناهم عن الباقين فأجابوا: لا نعرف. تصاعد خوفي وقلقي التفت الى سايد فرنجية وقلت له راح. لم يجب. وصل النائب خاتشيك بابكيان قلقا وسألني عن رينه. قفزت الى الهاتف واتصلت بأولادي في باريس قلت لهم ان والدكم مجروح وحالته ثقيلة. وردت ابنتي ريما: "مجروح وانت في البيت". فأجبت انه موجود في العناية الفائقة. لم يلفظ احد امامي كلمة اغتيال. لم يقل احد انه استشهد. السفير الالماني الذي كان مدعوا للغداء عندنا تلقى اتصالا من المانيا. وفي فرنسا اتصل صحافيون بالمنزل. لم يمنعني الالم والذهول عن التفكير في غرض الجريمة وهو اغتيال السلام. وحين جاء الرئيسان الحسيني والحص لتعزيتي رجوتهما ان يسارعا الى اجراء انتخابات رئاسية لضمان عدم حصول فراغ واذكر ان كثيرين من الذين جاؤوا للتعزية تذكروا اغتيال الرئيس رشيد كرامي". تقصير الدولة فاضح وعن مصير التحقيق في جريمة الاغتيال تقول: "يوجد تقصير فاضح من قبل الدولة بالنسبة الى موضوع التحقيق في عملية اغتيال الرئيس معوض واكثر من مرة شكوت عن هذا الموضوع… داخل المجلس وخارج المجلس وفي مقابلات صحافية. ونصحني بعضهم برفع دعوى. سألتهم لماذا ارفعها انا؟ وانا ارفض ان افعل ذلك لأن الذي استشهد هو رينيه معوض رئيس الجمهورية وليس زوج نايلة معوض، وعندما اتقدم بدعوى فكأني احجم استشهاده، الذي استشهد هو الرئيس. اما لماذا التقصير فعليك ان تسأل المسؤولين، من الاساس رجوت الدولة احضار خبراء وقلت، احضرهم على حسابي لكن احضروا، اختصاصيين في المتفجرات. المتفجرة التي استخدمت يومها فريدة من نوعها، متطورة جداً وقليل استعمالها في كل بلدان العالم، والكثير من السفارات وحتى شركة "مرسيدس"، تريد ان تعرف نوعية هذه المتفجرة التي فتتت سيارة المرسيدس 500 المصفحة. كانت لدي صداقات مع هذه السفارات وعندما كنت اطلب منهم خبيراً كانوا يقولون انه ليس باستطاعتهم، هذا الموضوع من دولة لدولة، من مخابرات لمخابرات، من اجهزة لاجهزة، ونحن لا نستطيع ووقتها كان هناك حذر لدى بعض الدول في موضوع ارسال اشخاص الى لبنان لكننا كنا استطعنا بطريقة ما، عبر الاجهزة ان نعرف شيئاً على الاقل". لا أتهم أحداً وهل تتهم طرفاً معيناً؟ أجابت: "لا، ولكن انا في خطابي في الاربعين، حملت المسؤولية، او القيت المسؤولية على الذين رفضوا المصالحة الوطنية، واكيد، اقول بكل مسؤولية لو كان الرئيس معوض في بعبدا لربما اختلف الامر. اكيد انه لو كان في قصر بعبدا، لم تكن عملية الاغتيال حصلت بهذه السهولة. الاكيد هو انه ليس لدي الحق في ان القي التهمة على احد وليس لدي أي شيء. وانا الوم الدولة كثيراً، وعلى كل حال هناك تقصير فاضح من الدولة بالنسبة الى الاغتيال وتقصير فاضح من الدولة في كل شيء يتعلق بالرئيس معوض. وانا دائماً اقولها بكل فخر واعتزاز ان الشعب اللبناني اعطانا حقنا واعطاه حقه، وابرز حق اعطي للرئيس معوض هي الانتخابات النيابية وعدد الاصوات التي كان لي شرف الفوز بها. الاصوات كانن تأييداً لخط رينيه معوض ومبادئه. وهذه قلتها في بيان بعد الانتخابات النيابية. كثيرون من الناس الذي جاؤوا لعندي قبل الانتخابات كانوا يقولون لي ان الرئيس معوض اعطى حياته لكل لبنان واقل شيء يجب ان نعطيك اصواتنا. ثم اننا لم نر في حياتنا واحداً من آل معوض على حاجز طائفي". وتبكي نايله معوض لدى سؤالها هل كانت تشعر بالضعف وتقول: "قبل كل شيء انا امرأة خسرت زوجي وخسرت اب اولادي. وكانت تربطني بزوجي - وهذا يعرفه كل الناس - علاقة وطيدة وحياة زوجية جميلة. وكان يربطني به انني كنت معجبة به كثيراً واعتقد ان الاحترام والاعجاب يرسخان المشاعر ويزيدان الشعور بالخسارة. انا خسرت زوجي والبلد خسر رئيساً امضى عمره يسعى من اجل الوفاق. اعطى حياته لبلده بكل معنى الكلمة. اعطى حياته لطموحات بلده، كان صاحب قضية وهذه القضية حملتها انا بعد استشهاده. وماذا كان يشغل بال معوض خلال الپ17 يوماً؟ قالت: "كان الرئيس معوض في سباق مع الوقت. كان يخشى ان تتغير الظروف الاقليمية والدولية من دون ان يكون لبنان مستعداً. قال ذلك لي. واضاف: "نتجه نحو تغييرات ونحو سلام. اريد ان يكون لبنان جالساً الى طاولة السلام وشريكاً لا ان يحصل السلام في غيابنا. على لبنان ان يستعد وان يبني دولته وان يساهم في السلام كي لا يتم السلام على حسابنا". وعن علاقة معوض بالوزير فؤاد بطرس وما تردد عن رغبته في تعيينه وزيراً للخارجية قالت: "اولاًَ هناك صداقة وهناك ما هو اكثر من الصداقة بسبب عملهما معاً في الاطار الشهابي. كان هناك الكثير من التوافق في الآراء. وكان رينيه يقول: "أدوزن ايقاع افكاري مع فؤاد واضبطه. الحقيقة انه كان يتمنى تعيينه وزيراً للخارجية واذا تعذر الامر فورا كان ينوي تحقيق ذلك لاحقاً. وقد قال له الاستاذ فؤاد بطرس انه سيكون الى جانبه حتى ولو لم تسند اليه مهمة رسمية". معوض وفرنجية وحادث اللاذقية وعن علاقة الرئيس معوض بالرئيس سليمان فرنجية داخل منطقتهما زغرتا وخارجها وهي علاقة من الطبيعي ان تكون معقدة تقول السيدة نايلة: "طبعاً هي علاقة معقدة لكنها محكومة بمسلمات: احترام متبادل قوي وروابط عميقة جداً. لقد عاشا معاً اياماً لا تنسى. مثلاً كانا في خندق واحد سياسياً في عهد الرئيس شمعون. وحتى حين كانا في اللاذقية تعرضا لحادث طريف اذ ادعى محتال انه ثري عربي وسرق كل اموالهما. عاشا معاً اياماً صعبة. في علاقة عائلتي معوض وفرنجية، وفي طلعاتها ونزلاتها، هناك مسلمات تقوم على الاحترام والاعتراف المتبادل بالوجود وما يستتبع ذلك. كانت العلاقة على مستوى رفيع: الصداقة شريفة والخصومة شريفة. حين اغتيل النائب طوني سليمان فرنجية في 1978 شعرنا نحن باننا قد خسرنا اخاً واكثر. الرئيس معوض كان ينسق مع الرئيس فرنجية في كثير من الامور على الصعيدين الشمالي والوطني. مثلاً بعد 1978 لم يعد الرئيس فرنجية يأتي الى بيروت فكان الرئيس معوض يضعه دائماً في الاجواء ويطلعه على ما لديه من معطيات". وعما اذا كان عدم مشاركة معوض في اي حكومة في عهد فرنجية تعني انه كان بعيداً او مستبعداً تقول: "لا استطيع القول انه مستبعد. وقد خاض الانتخابات في 1972 مع المرحوم طوني فرنجية والمرحوم الاب سمعان الدويهي برغم ان كثيرين توقعوا ان لا يحصل ذلك. وكانت كلما حدثت ازمة كما في 1973 كان الرئيس معوض باستمرار عند الرئيس فرنجية. وفي بداية الحرب في 1975 كان يتوجه تحت القصف الى قصر بعبدا ويرجوه الرئيس فرنجية ان يبقى هناك كي لا يعرض نفسه للخطر. وذات يوم قال لي ضباط الحرس الجمهوري هل يريد الرئيس معوض الانتحار؟ كانت لديه جرأة غريبة. كنت اقول له لولا معرفتي بك لقلت انك متهور ولا تستمع الى صوت العقل لأن هذه الجرأة غير طبيعية. الرئيس معوض فاز بالنيابة في 1957. ما فعله في زغرتا هو نموذج لما كان سيطبقه في لبنان. في 1958 وقعت احداث دموية في زغرتا وسقط من العائلات الزغرتاوية اكثر من 170 شاباً. كان معروفاً في زغرتا ان حجم الزعامة مرتبط بقوة الشارع. جاء الرئيس معوض وفتح باب الخدمات العامة والخاصة. سأروي لك قصة ترمز الى ما كان ينوي ان يفعله. حين تزوجنا سمعت من يأخذ على الرئيس معوض اسلوبه السلمي. اذكر ان والدي المرحوم نجيب عيسى الخوري لم يكن يسمي الرئيس معوض رينيه معوض بل كان يقول دائماً ابن ابنه لميشال بك معوض. كانوا معجبين بجد الرئيس معوض وهو كان شخصية محترمة تماماً، عمل محافظاً وكان يعتبر حكيماً. المرة الاولى التي تعاطى فيها والدي مع الرئيس معوض كانت خلال جناز في كفر صغاب لشخص يدعى انطوان اسطفان. وآل اسطفان لعبوا دوراً كبيراً في شمال لبنان وهناك قرابة بين آل عيسى الخوري وآل اسطفان. خلال الجناز كاد ان يحدث احتكاك خطر بين شباب بشري وزغرتا ونجح الرئيس معوض يومها في تهدئة الامور. اذكر، وكنا صغاراً يومها، ان والدي قال عندما عاد الى البيت: "ابن ابنه لميشال بك معوض شو طالع فهمان". ومرة طلع والدي عالشمال ولما رجع قال: "دوخلي راسي ابن ابنه لميشال بك معوض فتح اوتوسترادات وطرقات". زغرتا والضاحية كان رينيه معوض معارضاً للعنف واعتبر ان الطريقة الوحيدة لخفض العنف هي التعلم والوظيفة والعمل الاجتماعي والاحتكاك بالغير. في 1975 سكنت زغرتا وكانت هناك مدرسة ثانوية قرب بيتنا. يومها قلت للرئيس معوض: ما دمت امنت مدرسة ثانوية لزغرتا لماذا اخترتم هذا المكان بين البيوت ودون ملعب كبير الم يكن الافضل اختيار مكان واسع فأجاب: "حضرة الفيلسوفة انا كمان فكرت بها لموضوع لكن المكان الذي بنيت فيه المدرسة كان يضم اكثر من مئتي دكانة وفي كل واحدة 10 او 12 شخصاً. والمقصود بالدكان هنا غرفة تعيش فيها العائلة ويفصل ستار من القماش بين المكان المخصص للعيش والنوم والطاولة التي يضعون عليها اشياء بسيطة للبيع. كان ذلك بعد احداث 1958. دكاكين متقاربة وكثافة سكانية والسلاح في ايدي الناس والاحتكاكات محتملة وكان الحل بناء مدرسة ثانوية في المكان. تماماً مثل المنطقة التي شيدت فيها سرايا زغرتا. وقد ساعد الرئيس شهاب الرئيس معوض يومها عن طريق تقديم تعويضات مهمة للناس حتى تمكن كل صاحب دكان من شراء ارض وتشييد مكان للسكن. واذكر انه في آخر مرة صعدنا فيها الى اهدن بعد توليه الرئاسة مررنا امام الضاحية على طريق المطار فقال لي: "شفتي الضاحية، في ظلم. كثافة سكانية غير طبيعية. وظلم للناس عايشين فيها. لازمها مشاريع واوتوسترادات ومدارس وماء وكهرباء وهاتف كي يعيش الناس في ظروف كريمة وبهذه الطريقة نحل المشاكل من دون استخدام القوة". ذكرته آنذاك بأن الحل يشبه انشاء الثانوية والسرايا في زغرتا. كان يرى ان الحل هو في الانماء وليس في استخدام القوة. الحلقة المقبلة: رينيه معوض والرؤساء والاصدقاء.