هل يكون للصدام الذي وقع اخيراً بين الحكومة المصرية وحزب العمل تأثير في موقف الحزب من المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقررة في تشرين الثاني نوفمبر المقبل؟ كل المؤشرات تؤكد ان الحزب سيشارك في الانتخابات على رغم الضجة التي أثارها إثر إصدار نيابة امن الدولة العليا قراراً قبل اسبوعين بتوقيف الامين العام للعمل عادل حسين على ذمة التحقيق لاتهامه في قضية حيازة مطبوعات مناهضة تخص تنظيم "الجماعة الاسلامية" المحظور. ويبدو ان الحزب تعوّد الصدام مع الحكومة على رغم انه نشأ عام 1978 في حضن السلطة، وقام في وقت كان المهندس ابراهيم شكري وزيراً للزراعة، وقد تولى قيادة الحزب الذي احتل صدارة احزاب المعارضة بعدما اعلن الوفد حل نفسه لاعتراضه على قرارات السادات المتشددة حيال المعارضة. ومنذ ان تحالف حزب العمل مع جماعة "الاخوان المسلمين" المحظورة في مصر اثناء انتخابات عام 1987 والاتهامات تلاحقه وصحيفة "الشعب" التي تصدر عنه، بالترويج للافكار المتطرفة وتشجيع عمليات الارهاب. وفي السنوات الاخيرة وقف قادة الحزب مرات عدة في ساحات المحاكم وخضعوا لتحقيقات من جانب النيابة في ما تنشره "الشعب" وما تحويه من هجوم على مسؤولين حكوميين. ثلاثة منابر في تموز يوليو 1975 أوصى المؤتمر العام الثالث للاتحاد الاشتراكي، بايعاز من السادات، باقامة منابر سياسية تعكس آراء التيارات المختلفة داخل التنظيم. وقيل يومها ان هذه الخطوة "ستساهم في تدعيم الوحدة الوطنية نظراً إلى أنها تعتمد على اتجاهات اجتماعية قائمة لا يمكن تجاهلها". وحينما فوجئ السادات بأن ما يقرب من 40 مجموعة تنتمي الى اتجاهات سياسية مختلفة تتولى اقامة منابر قال في خطاب له إنه يعارض بشدة اقامة احزاب "تفتت الامة". الا انه كلّف لجنة موسعة درس الموضوع وأعلن، بناء على توصياتها، في 14 آذار مارس 1976 الموافقة على قيام ثلاثة منابر فقط هي: منبر الوسط ومنبر اليمين ومنبر اليسار. وقال ان هذا النمط "سيساعد على انتهاج ديموقراطية مسؤولة وجادة لا تخضع لتأثير دوافع غير مدروسة او للفوضى". وحدد الهدف من هذه المنابر بأنه العمل في اطار الاتحاد الاشتراكي مع كفالة حرية العمل والتعبير بها شرط الا تحيد عن مجالات الاجماع الوطني. حتى ذلك التاريخ وبعده بفترة لم تكن هناك احزاب ولم يظهر حزب العمل الى الوجود بعد، واطلق على منبر الوسط اسم "منبر مصر العربي الاشتراكي". وكان يمثل صورة الحكومة وعلى رأسه رئيس الوزراء ممدوح سالم، وضم بين صفوفه عديل السادات السيد محمود ابو وافيه. واطلق على منبر اليمين اسم "منبر الاحرار الاشتراكيين" ورأسه مصطفى كامل مراد، احد قدامى الضباط الاحرار. وفي المقابل اطلق على منبر اليسار اسم "التجمع الوطني التقدمي الوحدوي" وضم الاتجاهات اليسارية الناصرية بزعامة احد قدامى الضباط الاحرار أيضا، خالد محيي الدين. وحتى تشرين الثاني 1976 ظلت المنابر جزءاً من الاتحاد الاشتراكي خاضعة للوائحه وملتزمة سياسته. وفي تشرين الاول اكتوبر 1976 جرت انتخابات مجلس الشعب وسمح للمنابر الثلاثة بالتنافس في ما بينها على مقاعد المجلس ال 350 وحصل منبر الوسط على 280 مقعداً بنسبة 80 في المئة من مجموع النواب، ودخل المجلس 12 من اليمين واثنان من اليسار وتمثل المستقلون ب 56. وفي 11 تشرين الثاني 1976 اعلن السادات تحويل المنابر احزاباً سياسية، وقال: "ان مصر تبدأ تجربة ديموقراطية كاملة". وصدر قانون الاحزاب الذي تمت المصادقة عليه بصفة نهائية في 20 حزيران يونيو 1977 وسمح للاحزاب بأن تصدر صحفاً خاصة بها. وصدرت صحيفة "مصر" الناطقة باسم حزب مصر. وبعد بضعة أشهر صدرت صحيفتان أخريان هما "الاحرار" الناطقة باسم حزب الاحرار اليميني وصحيفة الاهالي الناطقة باسم حزب التجمع اليساري... وفي تلك الفترة كان المهندس ابراهيم شكري وزيراً للزراعة في حكومة ممدوح سالم. غاب الوفد وجاء العمل وفي شباط فبراير 1978 وافقت لجنة الاحزاب على اقامة حزب "الوفد الجديد" بعدما تقدم عدد من اعضاء مجلس الشعب بطلبات لاقامة الحزب الذي اشتهر بتصدر الحياة البرلمانية قبل الثورة. الا ان "الوفد" عاد وقرر في 2 حزيران من العام نفسه حل نفسه او تجميد نشاطه بعدما اتخذ السادات عدداً من الاجراءات التي عارضها الحزب. وفي وقت متزامن اعلن السادات في بداية آب اغسطس من العام نفسه انشاء "الحزب الوطني الديموقراطي" وتولى زعامته بنفسه. ولم يمر سوى شهر واحد حتى اعلن انشاء حزب معارض جديد هو "حزب العمل الاشتراكي" واستقال المهندس شكري من منصب وزير الزراعة ليرأس الحزب الجديد وبين مؤسسيه عديل السادات محمود ابو وافيه الذي كان حتى وقت قريب من زعماء "حزب مصر". لم يكن احد يتصور ان يتحول الحزب الذي ولد في احضان السلطة الى اكبر حزب يهاجم الحكومة ويعارضها بعنف، وان يصل الصراع بين الطرفين في وقت من الاوقات الى حد الصدام المباشر وساحات المحاكم. في نيسان ابريل 1979 حلّ السادات مجلس الشعب وجرت الانتخابات في حزيران من العام نفسه وأسفرت عن فوز الحزب الوطني الحاكم ب 330 مقعداً من 392 مقعداً نحو 83 في المئة وفاز حزب العمل الاشتراكي ب 29 مقعداً وحزب الاحرار بثلاثة. وشغل باقي المقاعد نواب مستقلون ولم يفز حزب التجمع بأي مقعد. وبمرور الوقت اتضح ان حزب العمل يسعى الى الغاء الصورة التي ارتسمت لدى الناس أنه تابع للسلطة ويمثل معارضة مستأنسة. وتعرضت سياسات السادات الداخلية والخارجية لهجوم شديد في صحيفة "الشعب" التي صدرت عن حزب العمل وتصاعد النقد في الفترة التي سبقت حل حزب "الوفد" الى درجة نشر مقالات حوت تحفظات عن طبيعة نشاط قرينة الرئيس السيدة جيهان السادات. وكان واضحاً ان الصدام صار وشيكاً، خصوصاً ان الاحزاب والقوى السياسية الاخرى، ومن بينها جماعة "الاخوان المسلمين" المحظورة، استغلت الفرصة وسارت في الطريق نفسه. وعبر السادات عن ضيقه في تصريحات نشرتها صحيفة "مايو" التي تصدر عن الحزب الوطني يوم 4 ايار مايو 1981 حينما قال: "ليست هذه معارضة حقيقية بل نوع من الطفولة السياسية تحت ستار المعارضة"، مشيرا الى ان لديه آلاف التحفظات عن اسلوب عمل الاحزاب. الصدام الكبير وفي بداية شهر ايلول سبتمبر من العام نفسه وقع الصدام بين السادات وكل قوى المعارضة السياسية بما فيها حزب العمل. وفي غضون ايام اودع الرئيس عشرات من زعماء المعارضة الى جانب نحو 1500 من المعارضين في السجون. واتخذ اجراءات قانونية وادارية قاسية. وكان مستغرباً ان يتقدم حزب العمل المعارضة في الطريق الى الصدام معه خصوصاً ان الحزب أيّد مبادرة السلام التي قام بها السادات، وبارك اتفاق السلام مع اسرائيل، بينما كانت مواقف القوى السياسية الاخرى تتسم بالعنف الشديد تجاهها. وفي الوقت نفسه نال رئيس الحزب المهندس ابراهيم شكري المديح على لسان السادات على دوره الوطني قبل ثورة 1952 وعلى آرائه الوطنية الصادقة. بل ان الرئيس كان منحه وسامين، الاول تقديراً للدور الذي اداه اثناء توليه منصب محافظ الوادي الجديد، والثاني لكونه اول من نادى بالاصلاح الزراعي قبل الثورة. كان هذا قبل ان يسير "العمل" في اتجاه الصدام مع السادات وقبل ان ينضم اليه عدد من ابرز منتقدي الحكومة في حزب الوفد الذي حُل ومن بينهم الدكتور محمد حلمي مراد نائب رئيس الوفد سابقا والذي احتل منصب نائب رئيس حزب العمل. وفي المقابل كان من معالم قرب وقوع الصدام انشقاق عدد من الشخصيات التي سبق ان انتمت الى الحكومة ومن بينها محمود ابو وافيه الذي عاد الى الحزب الوطني الحاكم بعدما تقدم نائب رئيس حزب العمل في تشرين الثاني 1980 بدعوى قضائية على السادات بسبب اهانته له علانية في احدى خطبه. وعلى رغم ان القضاء رفض الدعوى، الا ان مجرد الاقدام على رفعها كان مؤشراً مهما إلى ما ستتجه اليه الاوضاع. وفي الخطاب الشهير الذي القاه السادات امام مجلسي الشعب والشورى يوم 5 ايلول سبتمبر 1981 حظي حزب العمل وصحيفته "الشعب" بجزء كبير من الحديث، اذ قال الرئيس: "سألوني لماذا ورد ذكر اعضاء الاحزاب مع اعضاء الجماعات الاسلامية، كما هو مفهوم اسرعت احزاب العمل الاشتراكي والتجمع التقدمي الى الوكالات الاجنبية وقالت لها ان عملية الاعتقالات تستهدف تصفية المعارضة، وهكذا يكون عدد المعتقلين من المعارضة 1500 شخص منهم 250 مجرماً بينما لم يزد عدد المعتقلين من المعارضة الحزبية على 30 شخصاً من المجموع الكلي الذي يزيد على الف. ان المعارضة لم تزد على هذا الحد، لماذا؟ ولماذا قبض بالذات على هؤلاء؟ كما سمعتموني اقول فان اقوال نائب رئيس حزب العمل الاشتراكي موجودة لدينا ومسجلة بصوته، فهو يردد كلمات مبتذلة في المسجد، وكل من اعتقل سواء من حزب التجمع او من حزب العمل كان له دور في الإثارة الطائفية. ببساطة ساعرض امامكم عملية بسيطة جداً. انصتوا: انهم يسألون لماذا اغلقت صحيفة "الشعب"؟ طبعا وفقا لما نقلته وكالات الانباء اغلقت صحيفة "الشعب" لأنها تسيء إلى حياة مصر والحزب الحاكم، وانها يعني... الدنيا مقلوبة، وانها الصحيفة التي تمثل الخط الديموقراطي والحر. هيا نر لماذا حاولوا الاتصال بالتيار الديني؟ لانه كان واضحاً كما قلت لكم ان الجماعات الاسلامية بدأت تتغلغل ببطء خصوصاً داخل الجامعات واحتلت مكانة خاصة وسط الطلاب. انهم لم يحتاجوا إلى التوجه إلى حزب العمل الاشتراكي والتجمع التقدمي والشيوعية وبقايا الرجعية، فكل هؤلاء كانوا يلاحقونهم، فقد أراد حزب العمل الاشتراكي أن يسلك مسلكهم لكنهم رفضوا ذلك في البداية لأنهم في مقدم السباق فلماذا ينضم اليهم آخرون؟" واضاف السادات: "بدأت صحيفة "الشعب" الناطقة بلسان الحزب في النصف الثاني من عام 1979 بشن حملة ضد التعديلات التي ادخلت على قانون الاحوال الشخصية بدعوى انها تتعارض مع مبادئ الشريعة الاسلامية ولها تأثير ضار في العلاقات الاجتماعية، وقد نشرت في هذا الشأن رسائل لكثير من القراء إضافة الى مقالات كتبها دكتور كان يعمل نائباً لرئيس جامعة الازهر وبعد ذلك ادعوا انه نقل من منصبه بسبب المقالات التي كتبها، ونشرت الصحيفة مقالات تعارض دعوة الزعامة السياسية لعدم الخلط بين الدين والسياسة بدعوى ان مضمون الاسلام سياسة ودين. هذا هو خط صحيفة "الشعب" التي سألوني لماذا أغلقت؟" وتابع: "انكم تسألوني لماذا اغلقت "الشعب"؟ هكذا يسألون هؤلاء الذين يرفضون إغلاق "الشعب"، من الجدير بمقتضى قانون الاحزاب ان اتوجه إلى اللجنة المتخصصة لكي تعمل على حل هذا الحزب لكنني لم اتخذ هذا الاجراء اطلاقا ... في 2 حزيران يونيو الماضي تحدث أحد أعضاء الحزب وهو من المعتقلين حالياً، واعتقل لأنه قال: "من الواضح ان الجماعات الاسلامية تسودها حالة من الاستياء تجاه اعلان اسرائيل ضم القدس كعاصمة ابدية ووفقا لسياسة الحزب في تنفيذ خططه على محورين دعائي وسياسي تقرر التخلص من حالة الاستياء هذه باصدار صحيفة اسلامية على غرار صحيفة "اللواء الاسلامي" التي يصدرها الحزب الوطني تضم كملحق لصحيفة "الشعب" وتعالج القضايا القومية معالجة اسلامية وتوضح موقف الاسلام من الاوضاع السياسية القائمة". وتساءل الرئيس الراحل: "ليس واضحاً ان هذه الصحيفة تحرض على الفتنة الطائفية هل اترك هذه الصحيفة اذن؟" واضاف: "هذه المرة لا... ولا، كما اقول لكم ان كل من مهد او ساعد او بارك الفتنة من اعضاء الحزب ومن المشتغلين في الحياة السياسية ومن الصحافيين او اساتذة الجامعات لن ارحمهم ابدا هذه المرة". بعد اغتيال السادات، اتخذ الرئيس حسني مبارك مبادرة ملفتة فأفرج عن كل المعتقلين، واستقبل قادة المعارضة وبينهم زعماء حزب العمل في القصر الجمهوري. وبدا ان العلاقة بين المعارضة والحكومة ستتخذ مسلكاً مخالفاً، وعادت صحيفة "الشعب" الى الصدور. ولوحظ ان لهجة خطابها حيال سياسات الحكومة اتسمت بالتوازن والهدوء، الى ان جاءت انتخابات عام 1984 التي جرت بنظام القائمة النسبية المشروطة التي لا تتيح للاحزاب التي تحصل على اصوات تقل عن 8 في المئة من مجموع الاصوات الدخول الى البرلمان. ولم يستطع حزب العمل تخطي تلك النسبة ولم يمثل في البرلمان. في حين استطاع حزب الوفد الذي كان عاد الى ممارسة الحياة السياسية في 23 آب 1983 وحده كحزب معارض متحالفاً مع جماعة "الاخوان المسلمين" من تخطي النسبة، وحصل على 15 في المئة من الاصوات الصحيحة للناخبين وفازت قوائمه ب 58 مقعداً من مقاعد مجلس الشعب البالغة 448. اما حزب العمل فلم يكن حصل سوى على 6.7 في المئة من مجموع الاصوات الصحيحة. وكان طبيعياً ان تشن صحيفة "الشعب" هجوماً حاداً على النظام التي جرت به الانتخابات، إضافة الى التحدث عن الاتهامات المعتادة بتزويرها. وكان صدور حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية المجلس فرصة كبرى للعمل وصحيفته من أجل مواصلة الهجوم على سياسات الحكومة وتصعيد حدة اللهجة. التحالف مع "الاخوان" وبدأت احزاب المعارضة الاستعداد لانتخابات 1987، وبعد مناقشات واجتماعات ومداولات تحول "الاخوان المسلمون" من تحالفهم مع حزب الوفد واتجهوا الى حزب العمل ونشأ بينهما التحالف الذي ما زال قائماً حتى الآن وربما بسببه بدأ الصراع بين العمل والحكومة يأخذ منحنى جديداً. وردا على المشككين في اهداف التحالف كتب الامين العام لحزب العمل عادل حسين مقالاً في صحيفة "الشعب" يوم 31 آذار 1987 قال فيه: "ان البرنامج الذي أثار غضب هؤلاء يمثل تحالفاً لاطراف عدة ولا يعبر عن حزب العمل نفسه. وطبيعي ان يراعى ذلك في البرنامج فنذكر ما اتفقنا عليه ونحن بصدد التعاون من اجله ونستبعد ما اختلفنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً". وتساءل: "اليست هذه ابجديات العمل السياسي وما يسمى الاتفاق على الحد الادنى المشترك من أجل إقامة جبهة تجمع أطرافاً متباينة؟" وفي الوقت نفسه كانت صحيفة "الشعب" تصعد هجومها على الحكومة. وخرجت يوم 21 آذار 1987 وهي تحمل عنواناً كبيراً: "ارهاب الحكومة يتصاعد ضد مرشحي التحالف". وفي 10 نيسان 1987 اعلن وزير الداخية في ذلك الوقت اللواء زكي بدر نتائج الانتخابات على النحو الآتي: حصل الحزب الوطني على 339 مقعداً منها 309 مقاعد بالقوائم و30 بالدوائر الفردية، وحصل تحالف العمل على 60 مقعداً منها 56 بالقوائم و43 بالدوائر الفردية، وحزب الوفد على 35 من مرشحي القوائم ولم يفز واحد من مرشحيه في الدوائر الفردية. واكد بدر ان تتابع الانتخابات يدل على انها كانت نزيهة وتمت في ظروف قانونية ودستورية. وخرجت صحيفة "الشعب" في 14/4/1987 وعنوانها الرئيسي يقول: "الحمد لله ويحيا الشعب، الله اكبر ولله الحمد، انتزعنا 60 مقعداً على رغم التزوير والبلطجية والاعتقالات". وتحدثت عن تزوير النتائج في بعض اللجان واعتقال عدد من اعضاء الحزب اثناء العملية الانتخابية. واستمرت مشاجرات "الشعب" مع الحكومة حتى صدر قرار المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية مجلس الشعب، ثم صدر القرار بقانون الرقم 201/90 واصبح نظام الترشيح هو النظام الفردي الذي طالما نادت به احزاب المعارضة ومن بينها حزب العمل، وجرت انتخابات 1990 بمشاركة احزاب: الحزب الوطني والتجمع والاتحادي الديموقراطي والامة والخضر ومصر الفتاة، بينما قاطعها الوفد والتحالف، واصدرا بياناً مشتركاً بررا فيه قرار المقاطعة بأنه جاء نتيجة لانفراد النظام الحاكم بتعديل القوانين الانتخابية في سرية مطلقة واصدارها من دون ان تعرض على الرأي العام لمناقشتها، وتجاهل هذه القوانين النص على اية ضمانة من ضمانات حرية الانتخابات التي اجمعت على المطالبة بها احزاب المعارضة والقوى الوطنية الاخرى والنقابات المهنية ونوادي هيئات التدريس في الجامعات واغفلت الاشراف القضائي الكامل، كما جرى تقسيم الدوائر الانتخابية بما يخالف الاسس القديمة الواجب الاخذ بها. وطوال السنوات الاربع الماضية خاض حزب العمل من خلال صحيفة "الشعب معارك" عدة مع الحكومة كان من بينها معركته الشهيرة ضد وزير البترول السابق الكيميائي عبدالهادي قنديل والتي وصلت الى ساحة القضاء. وحققت النيابة اكثر من مرة مع رئيس الحزب المهندس شكري ونائبه الدكتور حلمي مراد والامين العام للحزب عادل حسين ورئيس تحرير الصحيفة مجدي احمد حسين في قضايا تتعلق بالنشر. وقبل نحو ثلاثة اشهر خرجت الصحف المصرية وفي صفحاتها الاولى صورة جمعت الدكتور زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية الذي كان اقام دعوى قذف وسب ضد "الشعب" وحزب العمل ومعه المهندس شكري وبعض رؤساء احزاب المعارضة الاخرى. ونشرت الصحف ان الدكتور عزمي وافق على التنازل عن دعواه في اطار مصالحة تقوم بمقتضاها "الشعب" بتكذيب ما كانت نشرته في حقه. قضية عادل حسين ساء اعتقاد في الاوساط المصرية ان عهداً جديداً من الوفاق بين الحكومة وحزب العمل صار وشيكاً، خصوصاً ان جلسة المصالحة جاءت بعد ثلاثة أشهر فقط من مشاركة حزب العمل في مؤتمر الحوار الوطني الذي دعا اليه الرئيس مبارك على رغم مقاطعة الحزب الناصري له وانسحاب حزب الوفد منه. لكن الايام اثبتت ان هذا الاعتقاد خاطئ وان الطرفين في الطريق الى صدام آخر، ربما كان الأكبر منذ انشاء حزب العمل عام 1978 اذ تسلم الامين العام للحزب عادل حسين اخطاراً من نيابة امن الدولة العليا تطلب منه الحضور الى سرايا النيابة يوم 24 كانون الاول ديسمبر الماضي لسماع اقواله في بلاغ مقدم من جهاز مباحث امن الدولة يتهمه فيه بحيازة مطبوعات مناهضة تحض على كراهية نظام الحكم والازدراء به والترويج لافكار الجماعات المتطرفة. وتوجه حسين الى سرايا النيابة وسط مجموعة من المحامين الذين ينتمون الى تيارات سياسية مختلفة، وبعدما ادلى باقواله اصدرت النيابة قراراً باحتجازه في مقر مخفر شرطة مصر الجديدة واستكمال التحقيق معه في اليوم التالي. وثارت ثورة حزب العمل واطراف معارضة اخرى. وفي اليوم التالي قررت النيابة توقيف الامين العام للعمل 15 يوماً على ذمة التحقيق في القضية وقضية اخرى تتعلق ببلاغ مقدم من وزارة الدفاع عن نشره مقالاً في الصحيفة يوم 23 كانون الاول الماضي يحوي معلومات كاذبة "بما يعمل على تهديد المصالح العليا للبلاد". وكان طبيعياً ان تفسح صحيفة "الشعب" صفحاتها لمهاجمة الحكومة وانتقاد الاجراءات التي اتخذت ضد عادل حسين، وفي الوقت نفسه دخلت نقابة الصحافيين التي ينتمي اليها حسين طرفاً في الخلاف، ونظم عدد من الصحافيين مؤتمراً في مقر النقابة واعلنوا الاعتصام داخلها حتى الافراج عنه. واستعاد المصريون ذكرى الصدام الذي وقع بين الحكومة والمحامين يوم 17 ايار الماضي حينما حاولوا الخروج في تظاهرة. وشرحت وزارة الداخلية ملابسات قضية حسين في بيان اصدرته الاسبوع الماضي قالت فيه: "لدى وصول المتهم عادل حسين يوم 24 اكتوبر الماضي الى مطار القاهرة على الطائرة الفرنسية شاء قدره ان يترك سهواً على مقعده بالطائرة مظروفاً يحوي بعض المنشورات مدون عليها بخط المتهم ما يفيد ارتباطه بهذه المنشورات، إضافة الى بعض الاوراق الاخرى التي تفيد تورطه مع الجماعات الارهابية، وعثر على هذه الاوراق بمعرفة عمال شركة الطيران الفرنسية حال قيامهم بتنظيف الطائرة عقب مغادرة الركاب فقاموا بتسليمها الى اجهزة الامن في المطار. وقامت الاجهزة المختصة في حينه بتحرير محضر وقامت بارساله من دون المتهم مع المضبوطات الى النيابة المختصة التي باشرت بعد ذلك تحقيقاتها بسؤال الاطراف المعنية وحددت يوم 24 ديسمبر موعدا لاستدعاء المتهم عادل حسين لسؤاله حول موضوع الواقعة. ومثل من تلقاء نفسه لجلسة التحقيق التي انتهت بقرار من النيابة المختصة بحجزه لصباح اليوم التالي لاستكمال التحقيقات وتم التحفظ عليه في مخفر شرطة مصر الجديدة وهو اقرب مخفر لمقر النيابة. وفي صباح يوم 25 ديسمبر ارسل المتهم الى النيابة لمواصلة التحقيق الذي انتهى بقرار من النيابة بحبسه 15 يوماً على ذمة التحقيق، وتنفيذاً لهذا القرار قامت اجهزة الامن بنقل المتهم الى محبسه حيث احيط بكل صور الرعاية والمعاملة الكريمة بوصفه صحافياً ينتمي الى نقابة الصحافيين". وتناول البيان الحملة الصحافية التي شنتها صحف المعارضة المصرية للتضامن مع حسين وقال: "بدأ بعض الاقلام الموتورة بمحاولة استغلال هذه الواقعة للاساءة الى وزارة الداخلية مستهدفة من ذلك فرض الارهاب الفكري المنظم على سلطة الدولة وهيبتها وقد تجاهلت وزارة الداخلية هذه الدعاوى الكاذبة إيماناً منها بأنها اقلام مأجورة تكتب لحساب من يمولها، والرأي العام المصري لا يتابعها ولا يلقي لها بالا او اهتماماً". وردا على اتهامات المعارضة بسوء معاملة حسين أكد البيان ايمان الوزارة بأن المتهم بريء حتى تثبت ادانته وقال: "استجابت الاجهزة الامنية المختصة لمطلب نقيب الصحافيين الذي بادر الى الاتصال بالوزارة للسماح لزوجة المتهم السيدة ناهد يوسف علي بزيارته وقضت معه قرابة ساعتين وقدمت إليه الاغطية اللازمة والادوية وبعضاً من المأكولات. كما عاودت اجهزة الوزارة الاستجابة مرة اخرى لمطلب نقيب الصحافيين بالسماح للسيدة نجلاء كامل القليوبي زوجة الصحافي مجدي احمد حسين بزيارة المتهم حيث قدمت اليه كل حاجاته من الملابس والاغطية الاضافية والادوية والكتب والحاجات المكتبية المختلفة. وكان ذلك بغرض تكذيب الاخبار الملفقة التي يروج لها العملاء والمستفيدون في محاولات الاثارة وادعاء البطولات الزائفة على حساب امن واستقرار المواطنين البسطاء من ابناء الشعب. وعلى رغم ذلك فوجئت الوزارة باستمرار بعضهم من حملة الاقلام الذين اعتادوا دوما الدفاع عن الباطل والتصدي للحق والحقيقة في التصدي المخزي للاجراءات القانونية والقضائية التي اتخذت حيال المتهم في محاولة يائسة لضرب الديموقراطية ومواجهة التصدي الناجح الذي تقوم به اجهزة الامن للارهاب ومسانديه". وحذر البيان من ان اجهزة الامن "قادرة على مواجهة وضرب الارهاب الفكري الذي يساند كل المحاولات التي تستهدف امن الوطن والمواطن". واكد ان الوزارة "تتحرك في اطار من سيادة القانون وتحافظ على المسيرة العامة للديموقراطية في البلاد وتحترم حقوق الانسان وتدرك ان المتهم بريء حتى تثبت ادانته، ومن هذا المنطلق مارست دورها حيال المتهم عادل حسين في اطر من الاجراءات القانونية الصحيحة ولم تقبض على المتهم الا بعدما اصدرت النيابة قراراً بحبسه وايداعه محبسه على ذمة التحقيقات، ادراكا من هذه الاجهزة أن كل الموتورين والمأجورين سيحاولون ان يصنعوا من هذا المتهم بطلاً زائفاً حتى ولو كان ذلك على حساب المصالح العليا للوطن". وفي لهجة متشددة حذر البيان كل من يتصور انه قادر على إثارة الفتنة وتعكير صفو الامن والاستقرار، من ان الوزارة "قادرة على التصدي بالاجراءات القانونية الحاسمة لهذه الممارسات التي تحقق مآرب واهداف اولئك الذين ينفقون ببزخ في الخارج على اعوانهم في الداخل في محاولة يائسة لضرب المجتمع، وان جهاز الامن قادر على تنفيذ هذا التكليف بكل الحسم والحزم". واذا كانت المعركة الانتخابية المقبلة صارت على الابواب فان مسلسل الصدام بين حزب العمل والحكومة مرشح للتصاعد ومن المستبعد ان يزول او تخف حدته في وقت قريب.