كانت اليابان على موعد مع الحظ العاثر يوم الثلثاء الماضي، فالزلزال الاكثر كلفة في تاريخها القريب ضرب البلاد بعنف قبل شروق الشمس في الساعة 5.46 وخلّف آثار دمار واسعة في عدد من مدنها البارزة. ومع ان الكارثة شوهت معالم "أوساكا" ثاني اكبر مدن اليابان، و"كيوتو" المدينة التاريخية، فهي أنزلت أفدح الخسائر ببلدة "كوبي" التي تُعد أهم موانئ البلاد الغربية. ففي هذه البلدة الأنيقة، التي كانت تعتبر من اجمل منتجعات البلاد، سقط اغلب ضحايا الزلزال الذين تجاوز عددهم - المتزايد باطراد - 2500 قتيل، اضافة الى ما يزيد على نصف عدد الجرحى الذي بلغ حوالى 15 ألفاً. وعدا الخسائر البشرية الفادحة، فاقت الخسائر المادية التوقعات الأولية التي اطلقها خبراء يابانيون. وفيما تراوحت التقديرات الأخيرة بين 51 ملياراً و143 مليار دولار، يبدو من الصعب في هذه المرحلة المبكرة وضع رقم نهائي للخسائر التي أصابت اقتصاد البلاد جراء هذه الكارثة. ولم يستبعد ساتيو الخبير الاقتصادي في مؤسسة "دايوا" ان تتجاوز الخسائر 3 في المئة من الدخل القومي الاجمالي خصوصاً ان منطقة هيوجو، حيث تقع بلدة كوبي المنكوبة، تساهم بحوالي 4 في المئة من دخل البلاد الاجمالي. ويقول اقتصاديون آخرون ان نسبة الخسائر هذه سترتفع كثيراً اذا تم احتساب كلفة ترميم البنية الأساسية من طرق وسكك حديد ووسائل اتصالات سلكية ولاسلكية وشبكات مياه وكهرباء... فالرقم الذي ذكره الخبير ساتيو يمثل الخسائر الناجمة عن تعطل المصانع المنتشرة في منطقة الكارثة. آثار الزلزال ويُذكر في هذا السياق ان 10 آلاف مبنى في "كوبي" وحدها لم تعد صالحة للسكن بفعل الخراب الذي تسببت به الكارثة. فالمبنى الذي لم يحوله الزلزال اثراً بعد عين أتى عليه واحد من الحرائق الناجمة عن الزلزال، والتي تجاوز عددها 130 حريقاً اضطرمت نيرانها اللاهبة بعنف لتجعل منظر "كوبي" من الفضاء أشبه بپ"جحيم صغير من النوع الذي تصوره أفلام الخيال العلمي" على حد تعبير صحافي اجنبي. وفيما انهار الطريق المعلق السريع "هانشين" في خمسة مواضع ما أحدث فجوات كبيرة بلغ عرض الواحدة منها نحو 100 متر، استحالت السكة الحديد على مدى 56 ميلاً الى مجرد قضبان حديدية مفككة وأكوام من المعدن الصدئ. واللافت ان هذا الزلزال الاكثر دماراً في اليابان خلال السنوات الاخيرة، وقع بعد سنة كاملة من ذاك الأعنف في تاريخ الولاياتالمتحدة الذي ضرب لوس انجليس في 17 كانون الثاني يناير الماضي. وبينما كان الزلزال الأميركي اضعف من نظيره الياباني، اذ بلغت قوته 6.6 درجة وفق مقياس ريختر، فهو أدى الى تشريد عدد اكبر من اللاجئين الذين حوّل المطر الغزير حياتهم الى مأساة حقيقية. الا ان عدد الضحايا الأميركيين لم يتجاوز 60 قتيلاً و8 آلاف جريح، ما يعني ان الكارثة اليابانية أشد وقعاً بكثير. والتباين الكبير أحياناً في شدة وكثرة عدد الزلازل التي تتعرض اليها المنطقتان تثير اسئلة يحاول المختصون العثور على اجابات لها، ذلك ان قشرة الأرض في ولاية كاليفورنيا ضعيفة للغاية وتغطيها شبكة من الاخاديد والانهدامات تمتد على نحو 6 آلاف كيلومتر مربع، ما يكفي لجعل المنطقة عرضة لزلازل اشد عنفاً من تلك التي تضرب أي منطقة اخرى، حسب "هيئة المسح الجيولوجي" الاميركية. وعلى رغم عنف الزلزال الياباني الاخير، الذي بلغت قوته 7.2 درجة وفق مقياس ريختر، فالخسائر البشرية والمادية التي تسبب بها لا تقارن بتلك الناجمة عن الزلزال الذي ضرب العام 1923 طوكيو ويوكوهاما وغيرهما. ومع أن الزلزال الأول لم يكن أقوى بكثير، اذ لم تتجاوز قوته 7.9 درجة على مقياس ريختر، فهو أدى الى مقتل حوالي 40 الف نسمة. ولئن كان احد أسباب ضخامة الخسائر البشرية هو اكتظاظ المناطق المتضررة، فالأكيد ان نوعية المباني القديمة كانت عاملاً رئيسياً جعل الأضرار اشد فداحة. واللافت ان معظم الأبنية التي تهدمت اخيراً في "كوبي" تعود الى الثلاثينات والأربعينات، فيما صمدت المباني الحديثة نسبياً التي راعى مصمموها الاحتياطات المعمارية الكفيلة بجعل البناء اكثر مناعة وقدرة على مقاومة الاهتزازات والحركات العنيفة الناجمة عن الزلزال. لكن، طبيعي ان هذه القدرة على المقاومة تتوقف اساساً على مدى بعد العمارة عن مركز الزلزال، حيث لا شيء يكفل للبناء، أو حتى الانسان، النجاة من نوبة غضب الطبيعة الهوجاء. وإذا نجح مهندسو البناء في ابتكار أدوات اشبه بنوابض وعجلات مطاطية ضخمة توضع في أساس المبنى لتقيه بعض تأثير الزلازل، فإن المهندسين الجيولوجيين المختصين بدراسة اسباب هذه الظاهرة "لم يصلوا بعد الى اكتشاف طرق تساعدهم على التنبؤ بالزلازل قبل وقوعها بوقت قصير يكفي لاتخاذ الاحتياطات الضرورية للحد من الأضرار الجسيمة الناجمة عن كارثة من هذا النوع"، كما قال لپ"الوسط" الدكتور ديفيد بوث، خبير الزلازل في "المركز البريطاني للمسح الجيولوجي" في ادنبره. قدرة على التفسير وأضاف الدكتور بوث ان الابحاث المستمرة منذ سنوات في معاهد عالمية عدة ويعتبر مركز ادنبره من اهمها، "احرزت تقدماً ملحوظاً ... صرنا بفضله اكثر قدرة على تفسير ظاهرة الزلازل ... لكن علينا ان نقطع شوطاً كبيراً قبل ان يصبح بامكاننا التكهن بزمان ومكان تقريبيين لزلزال ما. ولا تزال معرفتنا للظاهرة ناقصة، كما ان العوامل المحلية التي تتحكم بتوقيت الزلزال ومكان وقوعه تتغير على الدوام ما يجعل التنبؤ الدقيق به أمراً مستحيلاً حتى الآن". ولكن ما هي الخدمات التي يقدمها العلم لأولئك المهددين بالزلازل؟ قال الدكتور بوث: كل ما نستطيع فعله هو "تقدير النشاط البركاني في منطقة ما على المدى الطويل، والتحذير من انها ستشهد زلازل عنيفة خلال فترات طويلة". وعما اذا كان علماء مركز ادنبره او غيره فوجئوا بعنف الزلزال الاخير، او انهم توقعوا بأن كارثة على هذا المستوى ستحصل في المنطقة، اكد الدكتور بوث ان "اليابان معروفة بأنها من أكثر المناطق عرضة للزلازل. والزلزال الأخير لم يكن مميزاً بقوته، اذ يحدث عشرون زلزالاً مشابهاً في العالم سنوياً. كما ان اليابان تعرضت العام الماضي الى زلزال أقوى من الأخير الذي ضرب "كوبي" قبل أيام، لكنه أدى الى أضرار لا تذكر بالمقارنة مع الخسائر الناجمة عن الكارثة الجديدة. والسبب يعود أساساً الى قرب الزلزال الأخير من سطح الأرض فهو كان "ضحلاً" بخلاف الآخر "العميق" وهذا جعله يتسبب في خراب أوسع". التوقعات في المنطقة العربية وتكاد منطقة الشرق الأوسط تكون عرضة لخطر زلازل مشابهة في قوتها وتواترها لتلك التي تتهدد اليابان ولوس انجليس وغيرهما من المناطق "المحظوظة" في العالم. اذ يؤكد الدكتور بوث ان "بعض اجزاء الشرق الأوسط تتميز بأنها مواقع نشاط زلزالي لا يقل اهمية عن ذاك الذي تشهده اليابان، وحركة القارة الهندية باتجاه الشمال تولد قوة دفع تتعرض اليها الطبقات الأرضية الممتدة بين الهند فإيران والعراق ثم تركيا، ما يجعل هذه الدول عرضة لزلازل قد يكون بعضها "ضحلاً" وعنيفاً كتلك التي وقعت في تركيا وإيران قبل سنوات قليلة". غير ان مدير مرصد حلوان المصري الدكتور جوزيف صدقي نفى في اجابته عن سؤال لپ"الوسط" امكان وقوع زلزال في المنطقة العربية وأكد ان "الزلزال الذي تعرضت له مصر في تشرين الأول اكتوبر 1992 يعد ضعيفاً بالنسبة الى الزلازل اليابانية". وأضاف ان أقوى زلزال تعرضت له مصر كان ذلك الذي ضرب جزيرة شدوان في البحر الاحمر سنة 1969 وبلغت قوته 6.3 درجة بمقياس ريختر وهو أيضاً لا يقارن بالزلازل القوية التي تضرب الجزر اليابانية من وقت لآخر. وقال: "انه على رغم ان المنطقة العربية ليست نشطة زلزالياً الا انه ينبغي الاهتمام بمراعاة عوامل مقاومة الهزات الأرضية العنيفة عند تشييد المنازل والأبنية المختلفة في تلك المنطقة". وكانت منطقة حوض البحر المتوسط وبعض الدول العربية والشرق أوسطية تعرضت خلال السنوات الأربع الماضية لهزات أرضية متفاوتة في القوة والأثر. ففي 22 حزيران يونيو 1990 تعرضت ايران لزلزال عنيف جداً دمر مساحة تبلغ 100 ميل مربع من شمال غرب البلاد. وقد ذهب ضحية هذه الهزة الأرضية الهائلة اكثر من 40 الف شخص، وأصيب قرابة 100 الف آخرين بجروح. اما قوة الزلزال فقد بلغت 7.7 درجة بمقياس ريختر. ووصلت آثاره الى مدينة اذربيجان حيث دمرت بعض المنازل القديمة. واضطرت الحكومة الايرانية الى التوجه نحو الدول الغربية لمساعدتها في مواجهة تلك الكارثة الرهيبة. وغصّت المستشفيات بالمصابين والقتلى، ما اضطر الحكومة الى اعلان حالة الحداد الوطني لمدة 3 أيام على أرواح الضحايا. وفي 13 آذار مارس عام 1992 تعرضت منطقة أرزينكان التركية لهزة أرضية عنيفة بلغت قوتها 6.2 درجة على مقياس ريختر واستمرت لمدة 30 ثانية فقط. وقد دمّر هذا الزلزال نصف المدينة التي يبلغ عدد سكانها 150 الف نسمة، وراح ضحيته اكثر من ألف شخص اضافة الى ألوف الجرحى. وكانت المناطق الفقيرة اكثر عرضة للدمار والخراب من غيرها. كما ان عمليات الانقاذ والاغاثة اعيقت بسبب انهيار المباني وانهيال الاحجار والأتربة فوق الطرقات المؤدية للأماكن المتضررة، ما دفع السكان لحفر الانقاض بالمعاول والأيدي حرصاً على حياة الضحايا المطمورين تحتها. وقامت طائرات من سلاح الجو الأميركي والطائرات المروحية المتمركزة في تركيا باحضار فرق الاغاثة والادوات الضرورية لمواجهة الكارثة. كما هيأت خدمات الطوارئ مستشفى ميدانياً متحركاً وقامت بتوزيع الخيام والمولدات الكهربائية والملاحف وغيرها من لوازم الاغاثة السريعة. وتعرضت جمهورية مصر العربية لهزة أرضية عنيفة في 12 تشرين الأول اكتوبر 1992، استمرت لمدة دقيقة واحدة اهتزت خلالها مدينة القاهرة وضواحيها. وقدرت قوة الزلزال بپ5.9 درجة بمقياس ريختر، ذهب ضحيته اكثر من 450 شخصاً وأصيب حوالي 4 آلاف آخرين بجروح مختلفة. وأشار شهود عيان الى أن اكثرية القتلى لاقوا حتفهم نتيجة تعرضهم لدوس اقدام الهاربين والمذعورين الذين أصيبوا بحالة خوف هستيرية جراء الهزة الأرضية. وكان بين ضحايا الدوس 100 طفل من طلاب المدارس المنتشرة في انحاء القاهرة. وامتد تأثير الهزة الأرضية الى درجة شعر بها سكان مدينة الاسكندرية في الشمال ومدينة الاسماعيلية في الشرق ومدينة أسيوط في الجنوب. اما أسوأ المناطق تضرراً بالزلزال فكانت المناطق الفقيرة حيث يعيش الناس في مجمعات سكنية هشة. وقدّرت قيمة الخسائر وتكلفة اصلاحها بپ150 مليون دولار. وأصيبت مدينة سيركا الجزائرية في 18 آب اغسطس عام 1994 بهزة أرضية بلغت قوتها 5.6 درجة على مقياس ريختر، أدت الى مقتل 147 شخصاً اثناء نومهم وإصابة 289 بجروح متفاوتة. كما تعرض اكثر من 10 آلاف شخص لفقدان منازلهم نتيجة الزلزال. وتبع ذلك هزات ارتدادية بقوة 5.1 درجة بمقياس ريختر اثارت الذعر والرعب في قرى ومدن مقاطعة مسكارا. اما اكثر المناطق تعرضاً للأضرار فكانت منطقة بوحنيفة المشهورة بينابيعها الطبيعية الساخنة ومنطقة بوهاني. وتعرضت مدينة مسكارا للزلزال الذي امتدت آثاره حتى مدينة عوران العاصمة الاقليمية الواقعة على خليج البحر المتوسط. متى تصدق التكهنات؟؟! رغم الأموال الهائلة التي تم صرفها على الابحاث المتعلقة ببرامج التكهن بامكانية حدوث الزلازل قبل وقوعها في اليابان والتي بلغت قيمتها مليار دولار خلال ال 30 سنة الماضية، لم تنجح الجهات المختصة في التكهن بزلزال واحد حتى الآن. ويحاول العلماء اليابانيون تبرير ذلك بأن المعلومات التي حصلوا عليها حتى تاريخه لا تكفي للتكهن الدقيق بالموقع أو الزمان الذي يمكن ان يحدث فيه زلزال ما هناك. لهذا يطالب احد كبار الخبراء في علم الزلازل كييو موجي بضرورة زيادة نسبة الانفاق على هذه الابحاث للحصول على المزيد من المعلومات ومن ثم تجميعها وتحليلها للتمكن من فهم اهتزازات الأرض وحركة طبقاتها وتشوه مكوناتها، وتحديد التحركات أو التغيرات التي تنذر بقدوم زلزال او هزة أرضية في مكان ما. وبالمقابل هناك من يعتقد بأن المبالغ الكبيرة التي تنفق على تلك الابحاث يمكن استغلالها بشكل أفضل لمساعدة ضحايا الزلازل أو تزويد السكان بالمعدات والأدوات والاحتياجات الضرورية التي تتطلبها حالات الطوارئ والكوارث البيئية والطبيعية. ان دراسة علم الزلازل قد أفادت الى حد ما في التكهن ببعض الهزات في الولاياتالمتحدة الاميركية الا انها ما زالت بحاجة الى مزيد من الدراسة والبحث والتمحيص. والى ان يتكامل هذا العلم وتستوفى المعلومات، يبقى الانسان عاجزاً عن معرفة ما تخبئه له الطبيعة من كوارث ونكبات. تاريخ الزلازل في اليابان تعرضت اليابان لأعنف زلزال يصيبيها منذ نصف قرن في 17 كانون الثاني يناير 1995 في منطقة كوبي راح ضحيته اكثر من 4000 شخص وكان اكثر من 100 الف شخص قد فقدوا حياتهم في الزلزال الذي ضرب طوكيو عام 1923. 9/1923 100 ألف قتيل - طوكيو 8.3 3/1933 2990 قتيل - الخليج الشمال الشرقي 8.9 12/1946 2000 قتيل - جزيرة شيكوكو 6/1948 5131 قتيل - فوكوي 7.1 3/1952 33 قتيل - هوكايدو 8.2 6/1964 26 قتيل - نيغاتا 7.5 5/1968 52 قتيل - طوكاتشي 7.9 5/1983 104 قتلى - بحر اليابان 7.7 1/1993 قتيل واحد - كوشيرو 7.8 7/1993 200 قتيل - أوكشيري 7.8 10/1994 8 قتلى - هوكايدو وجزر كوريل 8.1 12/1994 2 قتلى - هاتشينوهي 7.5 على قياس ريختر.