هيئة الطاقة الذرية في مصر تنشئ محرقة للنفايات المشعة في مدينة انشاص، بطاقة تبدأ ب 100 كلغ يومياً، على ان ترتفع الى مستويات أعلى في السنوات المقبلة. الخبر حتى الآن ليس جديداً، أقله من ناحية شيوع استخدام المواد المشعة في المراكز العلمية والطبية منذ حوالي 20 سنة. وكانت المؤسسات التي تستخدم مثل هذه المواد تتحفظ عليها في اماكن محددة منعاً لاختلاطها بالمواد البيئية الاخرى، بدءاً من حرقها، كما في الحال هي غالبية الدول المتقدمة. ومع ذلك اثار الموضوع نقاشاً واسعاً، وبرز الى الواجهة مطالبون بالابقاء على البيئة المصرية خارج التلوث النووي. كما ظهر الى العلن حزب جديد، هو "حزب الخضر"، الذي يضم مجموعات محدودة الانتشار بين اساتذة الجامعات وبعض الاطباء والعاملين في مجال حماية البيئة، وهو مجال يلقى اهتماماً متزايداً منذ سنوات، مع ارتفاع وتيرة الحديث عن توسع معدلات التلوث البيئي في مصر، خصوصاً التلوث الذي يصيب المياه الجوفية ونهر النيل، وفي المناطق الصناعية الجديدة، اضافة الى تلوث البيئة البحرية كنتيجة مباشرة للتوسع في عمليات التنقيب وانتاج النفط. وفي الندوة التي عقدت في القاهرة أخيراً، اجمع معظم المعنيين بموضوع معالجة النفايات النووية على ان انشاء المحرقة الجديدة في انشاص هو من احد مظاهر دخول مصر عصر "التكنولوجيا النووية" التي وصفها الرئيس السابق لهيئة الطاقة الذرية الدكتور فوزي حماد بأنها "خيار العصر للدخول الى عالم التكنولوجيا الحديثة"، معتبراً ان مصر "تأخرت 50 سنة عن الدخول في هذا الميدان"، ومشيراً الى اعتبار اقتصادي آخر يرتبط بتوقع نضوب النفط كمورد رئيسي للطاقة. والاتجاه المتزايد الى الاعتماد على الطاقة النووية فهل مصر هي فعلاً على أبواب دخول عصر التكنولوجيا النووية؟ جزء من الجواب تتحدث عنه الخطة التي تقوم هيئة الموارد النووية الحكومية بتنفيذها حالياً لزيادة استخراج اليورانيوم من الصحراء الشرقية، والدخول في عمليات انتاجية بالفعل في مناطق أخرى. وبالفعل أنشأت الهيئة خطاً لانتاج اليورانيوم من رواسب الرمال السوداء في منطقتي رشيد ودمياط على الساحل الشمالي للبلاد. وهذه الرواسب تصل الى مصر مصاحبة لمياه الفيضانات من جبال اثيوبيا عبر نهر النيل. واظهرت الاختبارات التي اجرتها الهيئة ان هذه الرواسب تحمل نسباً متفاوتة من اليورانيوم تصل الى نصف في المئة من مكوناتها من أوكسيد اليورانيوم، و5 في المئة من أوكسيد ثوريوم، الى جانب احتوائها على عنصر الزركونيوم المطلوب للصناعات النووية والسيراميك، ومادة المونوزايت. وبحسب معلومات شبه رسمية، فان طاقة الخط الانتاجية الذي تم انجازه تصل الى 10 أمتار مكعبة. الا ان الهيئة تخطط لتنفيذ مشروع استثماري لرواسب الرمال السوداء في منطقة رشيد بكلفة تبلغ 5.7 مليون دولار، وبطاقة تشغيلية تصل الى 25 متراً مكعباً/ ساعة. الا ان رواسب الرمال السوداء ليست، على ما يبدو، الاحتياط الوحيد الحامل لليورانيوم. فقد بدأت الهيئة منذ فترة مفاوضات مع شركة "أبو زعبل للاسمدة والمواد الكيماوية" لانشاء خط جانبي خاص بانتاج اليورانيوم داخل مصانع الاسمدة. وتقدر الدراسات الفنية والاقتصادية التي اعدتها الهيئة حتى الآن الطاقة الانتاجية للخط بحوالي 35 طناً من اوكسيد اليورانيوم سنوياً. وطبقاً لآلية الانتاج في مصانع ابو زعبل، فان اوكسيد اليورانيوم سيتم استخراجه من صخور الفوسفات التي تستخدم عادة في عمليات تصنيع الاسمدة الفوسفاتية، ويمكن الحصول على اليورانيوم منها كمنتج جانبي اثناء عمليات تصنيع الاسمدة الآزوتية. ومع ذلك فان الاعتماد الرئيسي لانتاج اليورانيوم في مصر يتركز بصورة أساسية على احتياطات في الصحراء الشرقية. وقامت الهيئة حتى الآن بشراء حفارين، يتخصص احدهما باختراق صخور الغرانيت التي تحتوي الخام لاستخراج عينات اليورانيوم من خلال الانفاق المنجمية التي تحفر حتى اعماق تتراوح ما بين 25 و30 متراً تحت الأرض، في حين يتخصص الحفار الثاني بالطبقات السطحية. وبحسب رئيس الهيئة الدكتور نبيل حمد الحاذق، فقد تم التعاقد على شراء طائرة تحمل اجهزة استكشاف متطورة للكشف عن الاشعاع وقياسه، وتحديد مواقع وجود خام اليورانيوم والمواد النووية الاخرى، اعتماداً على اجهزة الكشف الاشعاعي. ويقول المسؤول المصري، ان الاتجاه هو الى اقامة مصانع استخلاص اليورانيوم بالقرب من حقول الانتاج لاعتبارات اقتصادية بالدرجة الاولى، ونظراً لمحدودية توافر الخام الجيد الذي لا تزيد نسبته عن 1 في المئة. هل تدخل مصر عصر انتاج اليورانيوم؟ الرئيس السابق لهيئة الطاقة الذرية الدكتور فوزي حماد، يعتبر ان دخول هذه التكنولوجيا سيكون مسألة لا بد منها مع نضوب موارد البلاد من النفط والغاز في خلال عقدين على الأكثر، اضافة الى توسع الاستخدامات النووية في المجالات العلمية والانتاجية، خصوصاً في مجال انتاج الطاقة الكهربائية.