التبادل التجاري العربي لا يزال في الجزء الأكبر منه مع الخارج، ما يعني ان ثمة حواجز كثيرة وامكانات محدودة لا زالت تمنع تحقيق تقدم واسع على صعيد تنمية التجارة البينية. وطبقاً للتقديرات التي اعدها برنامج تمويل التجارة البينية العربية اخيراً، وهي تقديرات تعود في غالبيتها الى العام 1992، فإن حجم الصادرات ارتفع الى 5.134 مليار دولار، بزيادة تبلغ 10 مليارات دولار في العام الذي سبقه نتيجة استقرار اسعار النفط عند مستويات مرتفعة، وتحسن الأداء الإقتصادي بعد انتهاء حرب الخليج وتحرير الكويت. الا ان الزيادة في الصادرات الى الخارج قابلها تراجع واضح في المبادلات البينية التي انخفضت في خلال سنة واحدة من 1.15 مليار دولار في العام 1991 الى 9.9 مليارات دولار في العام 1992، وبما نسبته 4.34 في المئة. وبالقياس الى الحجم الكلي للصادرات العربية، فإن نسبة الصادرات البينية تراجعت من 1.8 الى 3.7 في المئة. في المقابل، ووفقاً للتقديرات نفسها، تراجعت حصة الواردات البينية قياساً الى إجمالي الواردات العربية من 7.9 الى 5.9 مليارات دولار في خلال سنة واحدة، اي الى مستوى لا يزيد عن 3.7 في المئة من اجمالي الواردات من الخارج والتي وصل اجمالها الى حوالي 130 بليون دولار في العام 1992. ويعطي البرنامج مجموعة اعتبارات تدفع التراجع الذي يسجله التبادل التجاري البيني، اذ يعترف بخطورة القيود التي لا زالت غالبية الدول العربية تفرضها، وهي قيود تشمل الى جانب اخضاع عمليات الإستيراد والتصدير لأذونات خاصة، موضوع التحويلات المالية الى الخارج، والبيروقراطية الإدارية، والإتفاقات التجارية، وغياب التسهيلات التي يحتاجها المصدرون، والمستوردون، والإستمرار في اللجوء الى اتفاقات المقايضة في الكثير من الدول. ومن المعروف ان دولاً عربية كثيرة لا زالت تعتمد لوائح تحدد السلع المسموح استيرادها، او تلك التي يفتح الباب امام تصديرها الى الخارج. كما ان دولاً عربية عدة لا زالت تعاني من وطأة القيود المفروضة على عمليات تحويل العملة الى جانب الرسوم الجمركية المتفاوتة بين دولة واخرى. وعلى رغم الإتجاهات القائمة في دول عدة للحد من سياسة تقييد عمليات الإستيراد والتصدير، الا ان ثمة مسافة طويلة لا زالت امامها لتحرير تجارتها الخارجية، وهو ما يؤثر بصورة سلبية على نمو التبادل التجاري معها. الا ان الأهم، كما تجمع تقديرات مختلفة، هو ان هناك سببين رئيسيين لاستمرار التبادل التجاري العربي البيني عند مستوياته المتواضعة حالياً: الأول ضيق القاعدة الإنتاجية في الدول العربية، ما ادى في الكثير من الأحيان الى انتاج سلع متشابهة، اما الثاني فيتصل بمحدودية القدرة على المنافسة للسلع العربية، ولو في اسواقها المحلية، خصوصاً في مواجهة سلع تنتجها دول تستفيد من اقتصاديات الحجم الكبير لشركاتها، ومن افادتها من التطور التقني الذي يسمح لها حتى الآن بتقليص معدلات الأكلاف، من دون المساس بالنوعية. وبالفعل فإن المشكلة الأساسية التي تواجهها السلع العربية في الأسواق الخليجية تتمثل في محدودية قدرتها على منافسة السلع المستوردة من الخارج، حتى على مستوى السلع الزراعية التي تواجه تنافساً قوياً مع سلع مستوردة من دول اوروبية واميركية، على رغم اهمية عنصر النقل في تحديد الكلفة النهائية. ومع ذلك، سجل التبادل التجاري البيني العربي في السنوات العشر الماضية تحسناً، ان لم يكن على صعيد الحجم، فهو بالتأكيد على صعيد النوع. ووفقاً للتقديرات التي اعدها البرنامج، وهو مؤسسة تسعى الى تنمية المبادلات التجارية بين الدول الأعضاء، تراجعت حصة النفط من اجمالي التبادل التجاري البيني من 92 في المئة في العام 1982 الى 76 في المئة في العام 92، ما يعني توسيع القاعدة الإنتاجية في الدول العربية الى مستوى تلبية المزيد من احتياجات الأسواق في المنطقة. اما المؤشر الثاني، فقد اظهرت تقديرات البرنامج ان نسبة الصادرات من السلع المصنعة والآلات زادت في الفترة نفسها من 4.3 الى 6.6 في المئة من اجمالي الصادرات. ويُعتبر التحسن الذي حققته الصادرات الصناعية العربية انعكاساً لتطورين ايجابيين امكن تحقيقهما في السنوات العشر الماضية: الأول ان القاعدة الصناعية في الدول العربية اصبحت اكثر اتساعاً، ما يجعلها اكثر قدرة على تلبية احتياجات السوق المحلية التي كانت تعتمد بصورة شبه مطلقة على الإستيراد من خارج المنطقة. اما التطور الإيجابي الثاني الذي يعكسه مثل هذا التحسن، فهو التقدم النوعي الذي حققه القطاع الصناعي العربي، الذي سمح له بالخروج من "مظلة" القطاعات التقليدية مثل النفط ومشتقاته والزراعة. وثمة امر لافت هو ان النمو الأهم الذي تحقق على صعيد التجارة البينية العربية، انما حققه تجمعان اقليميان في المنطقة، الأول هو مجلس التعاون الخليجي الذي حقق 66 في المئة من ارقام التجارة البينية العربية. اما التجمع الإقليمي الثاني فهو الاتحاد المغاربي الذي استأثر بما نسبته 13 في المئة من اجمالي ارقام التجارة البينية العربية، ما يعني ان الدول العربية الأخرى، مثل مصر وسورية ولبنان والأردن، عجزت حتى الآن عن توفير الحد الأدنى من الصيغ المناسبة لتطوير مبادلاتها التجارية في ما بينها. ويبرر البرنامج ارتفاع حصة هذين التجمعين بالنجاح النسبي الذي حققته اجراءات تنشيط التبادل التجاري بين بلدانها خصوصاً في دول الخليج العربي، اذ من المعروف ان هذه الدول قلما تفرض قيوداً على عمليات الإستيراد او التصدير الى الخارج، كما انها تتبع انظمة حرة على صعيد تحويل العملة الى الخارج، ووفق التقديرات التي وضعها البرنامج، فإن المبادلات التجارية بين دول مجلس التعاون الخليجي تمثل غالبية مبادلاتها مع الدول العربية الأخرى، وبنسبة 71 في المئة على صعيد الصادرات و79 في المئة على صعيد الواردات. هل يؤدي تحرير المبادلات التجارية الى تحسين التبادل البيني العربي؟ الخبراء يقولون ان الخطوة اساسية. الا ان الأهم هو ان تصبح القاعدة الإنتاجية ليس فقط اكثر تنوعاً، وانما ايضاً اكثر قدرة على المنافسة.