تتسم التجارة العربية البينية بانخفاض أهميتها النسبية، واستمرارها طوال السنوات الماضية دون 10 في المئة من قيمة التجارة الخارجية العربية. وتشير البيانات المتاحة في التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2005، الى أن قيمة التجارة العربية البينية بلغت حوالى 65 بليون دولار في عام 2004، أي ما يعادل 9.4 في المئة من إجمالي قيمة التجارة العربية. كذلك تتسم التجارة العربية البينية بشدة تركزها جغرافياً في عدد محدود من الشركاء التجاريين. إذ ان التبادل التجاري البيني، من حيث الصادرات والواردات يتم في معظمه بين دول عربية متجاورة، نتيجة انخفاض كلفة النقل وسهولة التسويق. فعلى سبيل المثال لا الحصر تشير البيانات المتاحة لعام 2004 الى أن صادرات العراق إلى الدول العربية تركزت في دولة مجاورة واحدة هي الأردن بنسبة 78 في المئة من صادراته البينية، كما تركزت صادرات عُمان البينية في دولة واحدة هي الإمارات بنسبة 62 في المئة. وبلغت نسبة الواردات البينية للأردن من السعودية 65 في المئة، كما وصلت نسبة واردات موريتانيا من المغرب 43 في المئة من وارداتها العربية، وواردات تونس من ليبيا حوالى نصف وارداتها البينية، وواردات السودان من السعودية 45 في المئة من وارداتها من الدول العربية. وتجدر الإشارة إلى أن النفط سلعة أساسية في التجارة العربية البينية يمثل نسبة عالية في الواردات البينية للدول العربية غير النفطية، حيث شكل طيلة العقد الماضي حوالي 60 في المئة من قيمة التجارة العربية البينية، وشكلت صادرات الدول العربية النفطية حوالى 77 في المئة من إجمالي الصادرات العربية البينية. ومن الثابت أن التجارة العربية لا تقترن بمفعول الاتفاقات الجماعية والعمل العربي المشترك، بل تتأثر بالعلاقات السياسية الثنائية، حيث تلعب هذه دوراً كبيراً في حجم التبادل التجاري بين الدول العربية. فيرتفع التبادل تصديراً واستيراداً مع ارتفاع منسوب العلاقات الثنائية الجيدة بين دولتين حتى وإن تباعدتا جغرافياً. وفي الوقت نفسه ينخفض التبادل التجاري بين دولتين متجاورتين إلى مستوى الصفر، في حال تدهور علاقتهما السياسية، ما يعني أن عملية تطوير التجارة العربية البينية بحاجة قبل كل شيء إلى إرادة سياسية قادرة على تنفيذ القرارات والاتفاقات العربية الجماعية بما فيها منطقة التجارة العربية الكبرى. هناك أيضاً حاجة إلى تهيئة توليفة من الحلول لمعوقات يكثر الحديث عنها. وفي هذا المجال أرى مفيداً تسليط الضوء على معوقين أساسيين يقل الحديث عنهما، أولهما يتصل بقطاع النقل، الذي كثيراً ما تحدث عن معوقاته وقضاياه المرحوم برهان الدجاني، ومن اقواله في هذا الشأن:"للنقل بالعبور قصة غريبة شائكة، ما زالت بغير حل وإن حصل تقدم في شأنها في بعض البلاد. الحدود يجب أن تظل مفتوحة طوال أيام الأسبوع، وطوال ساعات الليل والنهار إذا أردنا تدفقاً للبضائع، وللتفتيش وسائل وتجيهزات حديثة يجب أن يستعاض بها عن وسائل التفريغ، ولا بد من أن تجري العمليات بسرعة وبخاصة بالنسبة للبضاعة القابلة للتلف، ومن الضروري ألاّ يخضع مرور البضاعة للتقلبات العابرة في علاقات الدول، ولا للأمزجة الخاصة للقائمين عليها...". ويمكن معرفة مدى تأثير هذه المعوقات في التجارة العربية البينية، إذا علمنا أن معظم التجارة العربية البينية تتم بواسطة النقل البري، الذي تتحكم به حالة نفسية عربية، استقيها من المصدر السابق نفسه، الذي لخصها بالقول"إن كل ما هو عربي مشبوه، السلطة مشبوهة، والشاحنة مشبوهة، والسائق أو المسافر مشبوه، والإجراءات موضوعة كلها للعرقلة...". ولعل أكبر برهان على صدقية هذه المقولة علو منسوب البيروقراطية في معابر الحدود العربية، حيث تصل فترات الانتظار في بعض الحالات الى عشرات الأيام، ويحتاج إدخال البضاعة إلى عشرات التواقيع، وإلى عشرات أخرى مثلها في دهاليز الأجهزة المسؤولة في الدول المصدرة نفسها. وأما المعوق الثاني، والذي أرى ضرورة طرحه في هذا السياق فيتعلق بقصور البيانات المعلنة عن إمكانات المنتجين ورغبات المستهلكين، وواقع الإجراءات والسياسات الجمركية، وفرص التمويل والاستثمار، والسياسات المالية والنقدية وغيرها من المعلومات التي يحتاجها المصدرون والمستوردون، لتمكينهم من وضع القرارات الصحيحة في مجال التسويق تصديراً واستيراداً. إن التجارة العربية البينية على جانب كبير من الأهمية، ليس من أجل تعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول العربية فحسب، بل أيضاً من أجل دفع عجلة التنمية الاقتصادية، وتعميقها، وتمكينها من تلبية الاحتياجات المحلية المتزايدة، وتوليد العملة الأجنبية اللازمة لتنفيذ المشاريع الإنمائية، وذلك أن قطاع التجارة الخارجية هو القطاع الاقتصادي الأكثر نشاطاً واتساعاً، ويعتبر بجدارة رافعة مهمة للتنمية الاقتصادية. *خبير اقتصادي في المركز الكندي لدراسات الشرق الأوسط.