يمر الاقتصاد العربي بجملة من التحولات المهمة بعد أن عانى خلال فترة 1990 - 1991 من آثار أزمة الخليج حيث تكبد نتيجتها 676 مليار بليون دولار، ومن آثار الركود الاقتصادي العالمي خلال عام 1992. ويؤكد صندوق النقد العربي أنه من المنتظر أن يحقق الاقتصاد العربي في عام 1993 معدلات نمو أفضل نسبياً من تلك التي سادت قبل الأزمة. وقال أسامة جعفر فقيه المدير العام رئيس مجلس إدارة الصندوق إن فرص التحسن المرتقب في الأداء الاقتصادي ناجمة عن الحرص على الانضباط المالي والنقدي في معظم الدول العربية والاستمرار في تطبيق الاصلاحات الهيكلية التي تتضمنها برامج التصحيح القائمة في بعض الدول العربية، وتوسيع نطاق تلك البرامج في البعض الآخر، اضافة الى تزايد الحرص على تنمية التعاون الاقتصادي العربي في مواجهة تعدد واتساع التكتلات الاقتصادية. وأضاف فقيه ان الاقتصاد العربي عانى خلال عامي 1990 و1991 من التدهور الشديد في الانتاج والارتفاع في معدلات التضخم، ولكن على رغم ذلك عمدت الدول العربية المعنية الى مواجهة هذا الوضع بشجاعة واصرار، إذ شرعت بإعادة البناء على نطاق واسع، واستمر بعضها بتطبيق البرامج التصحيحية الشاملة، مؤكداً ان هذه الاجراءات ساهمت في أن يبدأ الاقتصاد العربي استعادة جزء من عافيته عام 1992. وأشار فقيه الى أن من مظاهر ذلك التحسن بداية التراجع في معدلات التضخم والاختلالات في الموازنات الحكومية وموازين المدفوعات الجارية التي ارتفعت بصورة واضحة خلال سنتي الأزمة. وأكد أسامة جعفر فقيه ضرورة الاستمرار في الاعتدال في السياسات النقدية، مشيراً الى ان نمو الواردات العربية لا يزال يفوق نمو الصادرات، وان شروط التبادل التجاري لا تزال معرضة للتدهور، فالاقتصاد العربي يتعرض كغيره من الاقتصادات للتغير المستمر، فهو يشهد الرواج تارة والركود أحياناً، كما أنه كغيره من الاقتصادات النامية يمر بمتغيرات هيكلية مستمرة وإن كانت بطيئة في قطاعاته المختلفة، إلا أنها تمس حياة المواطن وتؤثر في مستقبله. وفي محاولة لرصد المتغيرات المهمة في الاقتصاد العربي قدم أسامة فقيه عرضاً للتطورات الاقتصادية العالمية عام 1992، واستعراضاً شاملاً للتقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 1992 والذي يبين تأثر الاقتصاد العربي بأزمة الخليج. فقد تركت التطورات الاقتصادية العالمية تأثيرات مباشرة على الاقتصاد العربي، في طليعتها استمرار الركود وتراجع النشاط الاقتصادي في الدول الصناعية خلال عام 1992 الذي تزامن مع تراجع الطلب الكلي في القطاع الخاص، وارتفاع معدلات الفوائد الأوروبية والتوسع المالي اللذين صاحبا توحيد المانيا، اضافة الى الاضطراب الشديد الذي شهدته أسواق العملات، وتوتر العلاقات التجارية بين الدول الصناعية مع تراخي التزامها بتنسيق السياسات الاقتصادية على نطاق دولي. ويشير صندوق النقد العربي الى أن الأحوال تحسنت نوعاً ما قبيل نهاية العام 1992 لدى بعض الدول الصناعية خصوصاً لدى الولاياتالمتحدة، فيما يتوقع ان يتراجع الأداء الاقتصادي في المانيا وفرنسا وايطاليا خلال عام 1993، وان تتباين أوضاع بقية الدول الصناعية بين المراوحة والتحسن الطفيف. كما يشير الصندوق الى انه مع تعثر الأداء الاقتصادي العالمي الحالي ليس من المتوقع ان تخرج الدول الصناعية في مجموعها بشكل حاسم من الركود قبل نهاية العام الجاري وذلك في فترة تتصاعد فيها احتمالات الحرب التجارية بين التكتلات الاقتصادية في أوروبا وأميركا الشمالية، والتي تتكرر خلالها الاضطرابات في أسواق المال العالمية. ويؤكد صندوق النقد العربي ان هذه التطورات العالمية كان لها انعكاساتها في الدول العربية التي دخلت عام 1992 وقد تكبدت خسائر مادية هائلة بسبب الغزو العراقي للكويت، اضافة الى الخسائر البشرية والأضرار الجسيمة التي لحقت بالبيئة. وكما ان تلك الأزمة امتصت جزءاً كبيراً من المدخرات العربية التي كان يعول عليها كثيراً في تطوير الاقتصاد العربي وتنويع قاعدته الانتاجية، إذ اضطرت دول عربية عدة منتجة للنفط الى تغطية جزء من موازناتها الحكومية بواسطة السحب من تلك المدخرات. وقد أصدر صندوق النقد العربي تقريراً شاملاً عن التطورات الاقتصادية في العالم العربي خلال فترة أزمة الخليج أعده بالتعاون مع الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي ومنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول "أوابك". واستعرض هذا التقرير الاقتصادي العربي الموحد أبرز التطورات الاقتصادية التي مرت بها الدول العربية عام 1991 وآثار أزمة الخليج على الاقتصادات العربية عامي 1990 و1991. ويؤكد التقرير ان اجمالي الخسائر العربية نتيجة أزمة الخليج بلغت 676 مليار بليون دولار ناجمة عن انخفاض معدل النمو الاقتصادي في الكويت والعراق ودول عربية أخرى، مما ألحق بالاقتصاد العربي خسائر مادية بنحو 97 مليار دولار و56 مليار دولار بسبب زيادة الانفاق الحكومي في عدد من الدول العربية لمواجهة متطلبات الازمة و51 مليار دولار قيمة الخسائر الناجمة عن التحويلات التي خرجت من الدول العربية، اضافة الى 240 مليار دولار قيمة الخسائر التي لحقت بالمنشآت الاقتصادية والبنية الأساسية في الكويت و232 مليار دولار قيمة الخسائر التي لحقت بالمنشآت العراقية. ويتناول التقرير أبرز التطورات الاقتصادية العربية إبان الأزمة، فيشير في هذا الصدد الى أن النمو الاقتصادي العربي انخفض عام 1990 الى 1.3 في المئة وتراجع في عام 1991 بنسبة 7 في المئة ليكون نمواً سلبياً، بعد أن كان الاقتصاد العربي بدأ يستعيد قواه بين عامي 1986 و1989، حيث حقق نموا حقيقيا يقارب 3 في المئة في المتوسط سنوياً، وكان أداؤه جيداً بصورة خاصة عام 1989. كما ارتفع معدل التضخم في العالم العربي خلال عامي 1990 و1991 الى مستويات تقارب ما كان سائداً خلال السبعينات والبالغة 20 في المئة. وفي مجال التطورات القطاعية في الاقتصاد العربي نمت القيمة المضافة في قطاع الزراعة بنحو 7 في المئة سنويا منذ بداية العقد الماضي وحتى نهاية 1991، وانعكس ذلك على قيمة الفجوة الغذائية العربية التي شهدت انخفاضاً طفيفاً، وإن كان حجمها بلغ عام 1991 نحو 15 مليار دولار، فيما انفقت الدول العربية على استيراد الغذاء في فترة 1980 - 1991 ما يقارب 165 مليار دولار. وأكد التقرير ان وجود هذه الفجوة يعرض العالم العربي لمخاطر جسيمة في الامدادات، اذا ما تعرضت مصادر الاستيراد لأي خلل، مما يتطلب تطوير الانتاج الزراعي العربي بهدف تحقيق المزيد من الأمن الغذائي. وفي قطاع الصناعة انخفضت القيمة المضافة لهذا القطاع بالأسعار الجارية عام 1991 بنحو 12 في المئة. وكان من أهم المتغيرات الاقتصادية ان شهدت صناعة تكرير النفط تطورات مهمة في عام 1991 أهمها معالجة جزء من الاعطال والدمار الذي أصاب منشآت تكرير النفط في الكويت، وقد أمكن اصلاح مصفاتين للنفط، ويتوقع ان يتم اصلاح المصفاتين الأخريين خلال هذا العام. وتبلغ طاقة تكرير النفط في العالم العربي حالياً حوالي 5.9 مليون برميل يومياً، وتنفذ دول عربية عدة مشاريع لتوسيع طاقة تكرير النفط فيها، ومن أبرزها المملكة العربية السعودية، بمقدار 850 ألف برميل يومياً لتصل طاقة التكرير في الدول العربية الى حوالي 6.750 مليون برميل يومياً. غير أن الانتاج العربي من النفط تراجع في عام 1991 بنحو 2،2 في المئة، وبلغت العائدات النفطية العربية نحو 96 مليار دولار عام 1991 مقابل 101 مليار دولار عام 1990. كما بلغت حصة الصادرات النفطية العربية 38 في المئة من اجمالي الصادرات النفطية العالمية عام 1991 مقابل 37 في المئة عام 1990. وذكر التقرير انه كان ينتظر في مجال التطورات المالية والنقدية ان تستمر مسيرة التصحيح التي بدأتها معظم الدول العربية خلال السنوات الخمس الاخيرة، الا ان الظروف الاليمة التي مر بها العالم العربي خلال ازمة الخليج، اضطرت عدداً من الدول الى زيادة نفقاتها العامة ومواجهة عجز اكبر من موازناتها الحكومية، وتبع ذلك ارتفاع موازٍ في معدلات نمو السيولة المحلية. فبعد ان وصلت نسبة العجز الكلي في الموازنات الحكومية، الى الناتج المحلي الاجمالي لمجمل الدول العربية الى نحو خمسة في المئة عام 1990، وهو ادنى مستوى له منذ عام 1982 ارتفعت هذه النسبة عام 1991 الى حوالي 18 في المئة. وفي مجال التجارة الخارجية والمدفوعات ارتفعت قيمة التجارة العربية عام 1990 للسنة الرابعة على التوالي، حيث زادت الصادرات العربية نحو 27 في المئة او ما يعادل ضعف نمو الصادرات العالمية، ويعود ذلك في معظمه الى زيادة قيمة الصادرات النفطية، كما ارتفعت قيمة الواردات العربية بنحو 14 في المئة مسجلة بذلك اعلى زيادة لها منذ عام 1987، الا ان نمو الواردات العربية كان بنسبة اقل من نمو الواردات العالمية، حيث ساعدت الجهود التصحيحية في عدد من الدول العربية في الحفاظ على ضبط نمو الواردات، الامر الذي ادى الى تحسن الموازين الجارية لمعظم الدول العربية ووصل مقدار فائض الميزان التجاري الكلي الى نحو 31 مليار دولار عام 1990، ولكنه انخفض الى حوالي 15 مليار دولار عام 1991، وتحول العجز في حساب رأس المال الى فائض كبير عام 1991 نتيجة للسحب المستمر من الموارد المستثمرة في الخارج والاقتراح لمواجهة نفقات الازمة. وقد سجل الميزان الكلي للدول العربية فائضاً يقارب 4 مليارات دولار، مما ساعد على زيادة الاحتياطات الرسمية للدول العربية عام 1991 بنحو 21 في المئة، وتجاوزت قيمتها 43 مليار دولار، وهو اعلى مستوى لها منذ عام 1988. وأكد التقرير الاقتصادي العربي الموحد ان الدول العربية قدمت عام 1990 عوناً انمائياً بمقدار 3،6 مليار دولار كمساعدات انمائية ميسرة، وذلك بما يزيد بمقدار اربعة اضعاف عن مساعدات عام 1989، ووصل حجم العون الانمائي الميسر منذ عام 1970 الى ما يقارب 100 مليار دولار، قدمت ثلاث دول خليجية هي السعودية والكويتوالامارات قرابة 93 في المئة منه، وكانت مساهمتها في هذا العون 64 و16 و10 في المئة على التوالي. ووصلت نسبة العون المقدم الى الناتج المحلي الاجمالي عام 1990 الى 3،12 في المئة للكويت و4 في المئة للسعودية و3 في المئة للامارات، مقارنة بحوالي 35،0 في المئة في المتوسط للدول الصناعية. كما قدمت السعودية عام 1991، وهي الدولة الوحيدة التي توافرت معلومات عن معوناتها في عام 1991 حوالي ملياري دولار، منها 5،1 مليار دولار على هيئة منح لا تُسترد، وقامت بالغاء ديون مستحقة لها على عدد من الدول العربية والافريقية تجاوزت قيمتها 6 مليارات دولار. وقد حصلت الدول العربية على نحو 60 في المئة من حجم العون الانمائي وذهبت البقية الى الدول النامية الاخرى في افريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية. كما استفادت بعض الدول العربية من تحويلات العمالة في البلدان العربية بما يعادل 150 في المئة من حجم العون الانمائي المقدم الى الدول العربية خلال فترة 1973 - 1989، اي ما يقارب 90 مليار دولار. وبلغت الاستفادة الاجمالية للدول العربية من العون الانمائي العربي ومن تحويلات العمالة 5،5 في المئة من الناتج الاجمالي للدول المستفيدة خلال الفترة نفسها، اي ما يعادل خمس وارداتها او اكثر من خمس الاستثمار الاجمالي لتلك الدول. وأكد التقرير ان حجم المديونية الخارجية للدول العربية انخفض عام 1990 بمقدار 3،3 في المئة، ووصل الى ما يقارب 153 مليار دولار، كما انخفضت نسبته الى الناتج الاجمالي بأكثر من 10نقاط مئوية ليبلغ نحو 75 في المئة عام 1990، ويرجع ذلك الى قيام بعض الدول العربية بالغاء ديونها الرسمية على عدد من الدول العربية المدينة. غير انه نتيجة لتراجع الاداء الاقتصادي العربي زاد عبء خدمة الدين العام الخارجي للدول العربية المقترضة عام 1990 بنحو 11 في المئة، ودفعت الدول العربية حوالي 17 مليار دولار خدمة لديونها، او ما يعادل ثلث حصيلتها من السلع والخدمات. وتناول التقرير الاقتصادي العربي الموحد، للمرة الاولى، تطورات اسواق المال العربية وسبل تطويرها وذكر في هذا الصدد ان عدد الشركات المساهمة المدرجة في اسواق الأوراق المالية العربية، بنهاية العقد الماضي، وصل الى 1063 شركة، بلغ مجموع رأسمالها ما يقارب 30 مليار دولار. وهو حجم ضئيل اذا ما قيس بحجم الاموال العربية المستثمرة في الخارج، والودائع العربية لدى المصارف الاجنبية 700 مليار دولار كما لا تزيد نسبة حقوق المساهمين في تلك الشركات الى اجمالي الناتج القومي عن 10 في المئة مقارنة بنحو 30 في المئة في الدول النامية و60 في المئة في الدول الصناعية. وتأتي السعودية في مقدمة الدول من حيث حجم اسواقها المالية تليها الامارات ثم البحرين ومصر. وسجلت سوق المال السعودية اعلى قيمة للأسهم المتداولة عام 1991 تليها سوق الاردن. العرب 230 مليون نسمة ناتجهم الاجمالي 420 مليار دولار قدر التقرير العربي الموحد لعام 1992 عدد سكان العالم العربي في نهاية عام 1991 ب 230 مليون نسمة يشكلون 5 في المئة من عدد سكان العالم. فيما يبلغ عدد العمالة العربية 67 مليون عامل. وأكد التقرير ان قيمة الناتج المحلي الاجمالي بالأسعار الجارية في عام 1991 بلغت 419.8 بليون مليار دولار ومتوسط نصيب الفرد 1825.2 دولار، ونسبة القيمة المضافة للصناعات الاستخراجية 20.9 في المئة، ونسبة القيمة المضافة للصناعات التحويلية 10.1 في المئة. وذكر التقرير، الذي يعتبر أشمل تقرير عربي يشمل مختلف التطورات الاقتصادية والاجتماعية العربية، ان نسبة احتياطي النفط المؤكد في الدول العربية 631 بليون برميل 62.2 في المئة من الاحتياطي العالمي عام 1991 1014 بليون برميل فيما يشكل انتاجها 16.1 مليون برميل يومياً من اجمالي الانتاج 64.5 مليون برميل ونسبتها 25 في المئة. وتشكل نسبة احتياطي الغاز في الدول العربية 24.2 في المئة من الاحتياطي العالمي بينما يشكل انتاج الغاز نسبة 11 في المئة من الانتاج العالمي. وقدر التقرير قيمة الصادرات السلعية العربية بپ119 بليون دولار عام 1991، تشكل نسبة 7،3 في المئة من الصادرات العالمية، فيما بلغت قيمة الواردات 105 بلايين دولار تشكل نسبتها 3 في المئة من اجمالي الواردات العالمية. وقال ان قيمة التجارة العربية البينية بلغت 2،10 بليون دولار عام 1990 تشكل 1،8 في المئة من اجمالي التجارة الخارجية للدول العربية. وأشار التقرير الى ان قيمة الاحتياطيات الدولية بلغت 7،43 بليون دولار عام 1991 ونسبة الاحتياطات الى الواردات من السلع والخدمات 4،40 في المئة. وفي ما يتعلق بالدين العام الخارجي للدول العربية المقترضة ذكر التقرير ان قيمة الدين بلغت 5،152 بليون دولار عام 1990 وقيمة خدمة الدين العام 9،16 بليون دولار ونسبة خدمة الدين الى حصيلة الصادرات 6،30 في المئة ونسبة الدين الى الناتج 3،75 في المئة. وقد بدأ اعداد التقرير سنوياً ابتداء من عام 1990 بمشاركة صندوق النقد العربي والصندوق العربي للانماء ومنظمة الدول العربية المصدرة للنفط اوابك اضافة الى الامانة العامة لجامعة الدول العربية، التي اعتذرت عن المشاركة في اعداد تقرير عام 1992 لظروف خاصة بها. ويتناول التقرير مختلف التطورات الاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي.