الجامعة العربية تؤكد دعمها لإنشاء التحالف العالمي لمكافحة الفقر والجوع    جمعية المسؤولية المجتمعية تنظم مؤتمرًا صحفيًا بوكالة الأنباء السعودية    دراسة: القراء يفضلون شعر «الذكاء» على قصائد شكسبير!    وزير الخارجية يلتقي وزير الخارجية الأمريكي    التعليم: إلغاء ارتباط الرخصة المهنية بالعلاوة السنوية    «الثقافة» تحتفي بالأوركسترا اليمنية في مركز الملك فهد الثقافي    42 متحدثًا في الملتقى البحري السعودي الثالث    كلب يقضي عامين بجوار قبر صاحبه    وزير الدفاع ونظيره الفرنسي يبحثان آفاق التعاون العسكري    الأخضر في مهمة «نصر»    الأخضر «كعبه عالي» على الأحمر    المشعل.. في الصدارة والكل من بعده    الأخضر يختتم استعداده لمواجهة منتخب إندونيسيا ضمن تصفيات كأس العالم    الخليج يواجه الشباب البحريني في ربع نهائي "آسيوية اليد"    الأخضر السعودي تحت 19 يتغلّب على البحرين في ختام معسكر الشرقية    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع حاكم إنديانا الأميركية    «عكاظ» تكشف تفاصيل 16 سؤالاً لوزارة التعليم حول «الرخصة»    «الشورى» يطالب التأمين الصحي بالقيام بمهماته وتحقيق أهدافه    9,300 مستفيد من صندوق النفقة في عام    اتفاقيات لشراء «الطاقة» بسعة 9200 ميجاواط    انعقاد أولى الجلسات الحوارية في المؤتمر الوطني للجودة    العتودي الحارس الأخير لفن الزيفه بجازان    اتهامات تلاحق كاتباً باستغلال معاناة مريضة ونشرها دون موافقتها    بعد سيلين ولوبيز وكاميلا.. العالمي هوبكنز يعزف في الرياض    163 حافظا للقرآن في 14 شهرا    «الإحصاء»: السمنة بين سكان المملكة 15 سنة فأكثر 23.1 %    إصابات الربو في الطفولة تهدد الذاكرة    (إندونيسيا وشعبية تايسون وكلاي)    هل تجري الرياح كما تشتهي سفينة ترمب؟    إدانة دولية لقصف الاحتلال مدرسة تابعة للأونروا    ChatGPT يهيمن على عالم الذكاء الاصطناعي    سعادة الآخرين كرم اجتماعي    عودة للمدارس    وزارة العدل: 9300 مستفيد من صندوق النفقة خلال 2024    التوسع في استخدام أجهزة التحكم المروري للحد من الحوادث    بيع ساعة أثرية مقابل 2 مليون دولار    الثعبان في «مالبينسا»..!    الادخار والاستثمار… ثقافة غائبة    بهدف تنمية الكوادر الوطنية المتخصصة.. إطلاق برنامج تدريب المبتعثين في التخصصات الثقافية    تدشين التجمع الغذائي في جدة الأحد المقبل    الاختيار الواعي    صنعة بلا منفعة    لبنان نحو السلام    رسالة عظيمة    أصول الصناديق الاستثمارية الوقفية بالمملكة ترتفع إلى مليار ريال    الأمير سعود بن مشعل يستقبل مندوب تركيا    مرحلة الردع المتصاعد    المملكة ومكافحة مضادات الميكروبات !    الاكتناز    البرتقال مدخل لإنقاص الوزن    حسام بن سعود يستقبل رئيس جامعة الباحة    سعود بن طلال يطلق كائنات فطرية في متنزه الأحساء    محافظ محايل يرأس اجتماع لجنة السلامة المرورية    رئيس هيئة الأركان العامة يدشّن أعمال الملتقى الدولي الأول لضباط الصف القياديين    قائد القوات المشتركة يستقبل نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني    الكتابة على الجدران.. ظاهرة سلبية يدعو المختصون للبحث عن أسبابها وعلاجها    سماء غائمة جزئيا تتخللها سحب رعدية بعدد من المناطق    يا ليتني لم أقل لها أفٍ أبداً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هاني الحسن يتذكر اجتياح بيروت ومحطات أخرى . أحضرنا الأموال اللازمة لانتخاب ريمون اده وأبو اياد وكمال جنبلاط أوهماه ولم يؤيداه الأخيرة
نشر في الحياة يوم 23 - 05 - 1994

الشرطة الفلسطينية تدخل غزة وأريحا والجيش الاسرائيلي ينسحب. علم الجيش المغادر يذهب معه وعلم الشرطة الوافدة يدخل معها. والانقلاب الكبير الذي اطلقته مصافحة عرفات - رابين في 13 ايلول سبتمبر الماضي يخرج من الورق ليترجم على الأرض. انتهت زلازل النزاع وحان موعد زلازل التسوية.
الانقلاب الكبير. لا مبالغة في التسمية. فكما قلب انهيار جدار برلين صفحة أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية يقلب قيام السلطة الوطنية في غزة وأريحا صفحة الوضع الذي قام في الشرق الأوسط بعد قيام دولة اسرائيل. وهو انقلاب كبير لأن احداً لا يستطيع دخول السلام بشروطه كاملة ولأن معبر مدريد كما معبر اوسلو يلزم العابرين ان يغيّروا ويتغيروا. وللتغير ثمن وآلام. فقبل استرجاع أول شبر من الأراضي الفلسطينية كان على المنظمة ان تتنازل عن آمال ومطالب وكان على اسرائيل ان تبدل ايضاً في بعض خياراتها ومفرداتها على رغم رجحان ميزان القوى لمصلحتها.
ها نحن نشهد نهاية القضية التي بسببها أو اتكاء عليها قامت أنظمة وحكومات وانهارت انظمة وحكومات. فبعد قيام السلطة الوطنية سيقترب النزاع على الجهات الأخرى من مفهوم النزاعات الحدودية حتى وان كان واضحاً انه أعمق وأشد خطورة.
كل هذا الذي يجري ما كان ليجري لو كان ساكن الكرملين لا يزال يستحق لقب الأمين العام للحزب الشيوعي السوفياتي ولو كانت موسكو لا تزال عاصمة للامبراطورية الشاسعة. وكل هذا ما كان ليحدث لو كان ياسر عرفات لا يزال يرابط في بيروت ويطلق "الكاتيوشا" على الجليل لاثبات الوجود والسعي الى انتزاع اعتراف.
في الحلقة الماضية تحدث السيد هاني الحسن عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" عن اجتياح بيروت والاختراق السوفياتي للمنظمة، وها هو يستكمل حديثه اليوم كاشفاً جملة محطات فلسطينية ولبنانية.
يقول الحسن ان عرفات تعهد للزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف في برلين في 1985 تجميد العمل بالاتفاق الذي كانت المنظمة قد وقعته مع الأردن. ويكشف ان الاجتياح الاسرائيلي لبيروت شهد أول اتصال رسمي بين الولايات المتحدة ومنظمة التحرير. كما يكشف صفحات لبنانية بقوله ان أبو أياد أوهم العميد ريمون إده عميد حزب الكتلة الوطنية بأنه يؤيده وان كمال جنبلاط كان يفضل الياس سركيس على ريمون إده في انتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية. وهنا نص الحلقة الثانية والاخيرة:
هل صحيح ان أول حوار بين الولايات المتحدة ومنظمة التحرير جرى خلال حصار بيروت؟
- سأعود الى مسألة الاتصالات مع الفرنسيين. أبلغت المبعوث الفرنسي غوتمان استعدادنا لمناقشة كل المواضيع عبر فرنسا وقدمت اليه موقفنا على ورقة غير رسمية وغير موقعة. وذهب مساء الى باريس وعاد في اليوم التالي. قال نحن جاهزون لزيارة عرفات. ذهبت الى المتحف في سيارة مصفحة وجلست الى يمينه لاحميه اذا تعرضنا لاطلاق نار، وتوجهنا الى غرفة عمليات في برج أبو حيدر. حضر الاجتماع هناك أبو عمار وأبو جهاد وأبو الوليد وغوتمان وأنا. وأبلغ أبو عمار المبعوث الفرنسي انه موافق على ما طرحته عليه وان المنظمة على استعداد للبحث في إطارة السياسي والامني والعسكري. فتح اللقاء الباب لتنسيق يومي مع الفرنسيين، الأمر الذي أثار الاسرائيليين ودفعهم الى احراق بيت القنصل الفرنسي وقصف السفارة الفرنسية. شعرنا بأننا حققنا اختراقاً للتحالف الغربي اذا صح التعبير، وباتت الخطة المقبلة محاولة الاتصال بفيليب حبيب عبر الرئيس صائب سلام وجوني عبده مدير مخابرات الجيش اللبناني آنذاك.
في أوراقي ما يشير الى ان شخصاً اسمه جمال فاخوري زارنا والتقيته في حضور أبو الهول وحمل إلينا أول عرض لمغادرة بيروت من قائد الجيش آنذاك العماد فيكتور خوري. سألت جوني عبده هل لدى المبعوث الاميركي ما يعرضه علينا. واتصل جوني بي لاحقاً وقال: "هيدا الرجال بيقول الدولة الكبرى يعرض عليها ولا تعرض". كان حبيب مغتاظاً جداً من اتصالاتنا بالفرنسيين التي اعطت انطباعاً بأننا وفرنا لأنفسنا نوعاً من الغطاء الفرنسي. طبعاً لم يكن الجانب الاميركي يريد دوراً فرنسياً، والتنافس الاميركي - الفرنسي قديم في لبنان. ثم ان اسرائيل نفسها لم تكن مستعدة لقبول دور فرنسي.
أريد هنا أن أنوه بدور الرئيس صائب سلام: كان شجاعاً ولعب دوراً في اعطاء غطاء سياسي لصمود بيروت. قال انه سيبحث امكان عقد لقاء بيننا وبين فيليب حبيب. اعتبرت من جهتي ان اللقاء مع حبيب متعذر فسألت من نائبه فقيل موريس درايبر ومن نائب درايبر فقالوا انه ايبرت. كان تقديري ان حبيب لن يلتقينا واعتبرت ان المهم هو ان نجلس اميركياً مع ممثل للمنظمة. وهكذا جرى ترتيب لقاء مع ايبرت في بيت رئيس الوزراء اللبناني شفيق الوزان.
كنت مع ايبرت والرئيس الوزان وجرى حوار حول وقف اطلاق النار، حتى ان الرئيس الوزان لمح بعد الاجتماع الى انه كان يتوقع مني أن أدخل مع ايبرت في حوار حاد، لكنني دخلت في مناقشات تفصيلية، ثم اتفقنا على وقف النار في السادسة والنصف. في هذه الاثناء اتصلوا بنا وأبلغونا ان وقف النار تأجل الى التاسعة والنصف لأن القيادة الاسرائيلية لم تستطع ابلاغ البحرية. وشهدت بيروت اعتباراً من السادسة اعنف قصف مدفعي استمر حتى الحادية عشرة ولم يتوقف الى ان تعهد فيليب حبيب للاسرائيليين ان لا لقاء بعد اليوم مع منظمة التحرير. كان وقف النار حدثاً كبيراً وأصبح شغل الأمم المتحدة ومجلس الامن.
كان ايبرت شاباً نحيلاً وفي غاية التوتر وكان ينظر الي بعيون فاحصة وآذان متنبهة وحاولت ان أداعبه فلم أوفق وكان حريصاً على كل كلمة يقولها كأنه يقرأ في ورقة ويريد مغادرة المكان بأسرع ما يمكن وأعتقد بأن ذلك الاجتماع كان من اسباب قصف بيت الوزان القريب من البحر.
أبلغتكم الحركة الوطنية آنذاك انها معكم إذا كان قراركم الخروج؟
- صحيح، وكما يقال اليوم ما دام الفلسطينيون قد قرروا "غزة - أريحا" فنحن معهم.
بين أبو عمار وأبو اياد
خلال الحصار كيف كان موقف أبو اياد؟
- الموقف الشخصي لأبو اياد من ناحية الاداء كان في غاية الشجاعة والعطاء. يجول على الناس والكوادر. ولكن اذا أردت ان تمسك المفاتيح العسكرية والسياسية فإن العمل الصمودي كان بلا شك نتيجة ما قام به ثلاثة هم أبو عمار وأبو جهاد وأبو الوليد، كون الثلاثة يعتبرون الآباء الروحيين للقوات. ويمكن ان تروي عن سعد صايل قصصاً هائلة كيف استطاع الصمود بهذا الشكل الاسطوري ولهذا الوقت الطويل في وجه الاسرائيليين. مثلا الضابط الذي أوقف الاسرائيليين عند المتحف هو ضابط يدعى عطية من قوة في جيش التحرير الفلسطيني جاءت من سورية. طبعاً اضافة الى "فتح" والحركة الوطنية وقوى اخرى.
أبو اياد على المستوى الشخصي كان عظيماً، أما العلاقة بينه وبين أبو عمار فقد شهدت آنذاك مناكفات لا نهاية لها.
وماذا عن "أبو جهاد"؟
- أبو جهاد رجل يجب ان يُكتب عنه ما يعطيه حقه. لقد عشت من 1967 حتى 1982 كل معارك "فتح". للمرة الأولى أنا بلا دور في هذه الفترة. كل المعارك والعمليات السياسية حضرتها. لم اشاهد في حياتي مثيلاً له أو بشجاعته. لا يرف له جفن في الاخطار. كان يتنقل من موقع الى موقع. عندما كانت تحدث هدنة كان كثيرون يخرجون من الاقبية ليزوروا القوات ويسلموا عليها. والجميع تقريباً فعلوا ذلك. المهم من الذي كان فوق الأرض وقت القصف؟ انهما بلا شك خليل الوزير وسعد صايل مع الضباط والاشبال الابطال.
مشاركة "وطنية" رمزية
كيف كان موقف جورج حاوي الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني آنذاك؟
- الحقيقة ان كل هذه القوى الحركة الوطنية انكفأت واصبحت طرفاً في القرار فقط من حيث الغطاء السياسي. لم تكن لهم على الأرض في بيروت قوى مقاتلة فعلية. كانت مشاركة الحركة الوطنية رمزية ومهمة بالمعنى السياسي وليس بمعنى موازين القوى العسكرية.
ومحسن ابراهيم؟
- محسن ابراهيم الذي كان طوال الوقت في حلف مع ياسر عرفات والسوفيات اصبح خلال الحصار الصديق "الحنيِّن" لياسر عرفات. لم يكن يتعمد دفع عرفات بعنف بل بخلاف ذلك صار يلعب دوراً توفيقياً مهماً من اجل حشد الناس على وحدة الموقف. المشكلة في خطبه التي القاها في 1981 وكانت من نوع نقول لا وألف لا وخربت الشارع اللبناني. كنت أذهب اليه وأقول له: يا محسن في العمل السياسي لا أحد يوقف عملية، لأن العمل السياسي جسر تعبر اليه وعليه. طبعاً كان الموقف السوفياتي سبب التشدد.
السوريون حاربوا
كيف غادرت بيروت، ولماذا لم ترحل مع أبو عمار؟
- لأن عرفات رفض ان يغادر عبر دمشق وأنا شخصياً كنت ضد وجهة النظر التي قالت ان السوريين لم يفعلوا شيئاً. فالسوريون حاولوا في البقاع وضربوا. تكبدوا نحو 110 طائرات و400 دبابة، أي ما قيمته 3 مليارات دولار، وهو يفوق ما خسروه في حرب 1973. وقاتل السوريون في صوفر لوقف التحرك الاسرائيلي نحو ضهر البيدر. أنا شخصياً اعتبرت دائماً ان من يقف في لبنان ضد سورية سيهزم. والقضية لا علاقة لها بالافكار او بالصحة والخطأ، لها علاقة بالجغرافيا السياسية. لهذا اعتبر ان بشير الجميل وكمال جنبلاط وعرفات اخطأوا في موضوع العلاقة مع سورية. التحالف مع سورية مهمة كان يجب ان تنجز. والواقع اننا في قيادة "فتح" عقدنا قبل الحرب اجتماعات مع السوريين لكننا لم نصل الى نتائج.
كمال جنبلاط
هناك اتهامات وجهت الى المقاومة بأنها هي التي ورطت كمال جنبلاط في مواقفه من سورية؟
- لا، كان قادراً، رحمه الله، على توريط ما هو أكثر من المقاومة. هذا الاتهام ليس صحيحاً. بدأت مشاكل كمال جنبلاط مع سورية إثر تشكيل الوزارة الأولى التي على أثرها جاءت حرب الجبل الأولى. في البداية كانت لدينا حساسية من احتمال وجود حلف سري بين جنبلاط والسوريين، وكنا واثقين بأن علاقات وطيدة تقوم بين زعماء المنطقة الشرقية وسورية وهو لم يكن يصدق ذلك. نحن، في ضوء تجربتنا في الأردن، كنا نعتقد بأنه يجب ألا يسمح بتعريب الوضع في لبنان أو تدويله، أي ان تحل المشاكل في الداخل ونخرج نحن الى المرتفعات والجبال مجدداً. لم يكن يعتقد بأن هذا التحليل صحيح، وكان يعتقد بأنه قريب لسورية وانه قادر على حسم الامور لانه يمثل الرؤية التقدمية والاشتراكية في الساحة. هناك قصة طويلة، كيف كان يعلن تأييده لريمون إده كمرشح للرئاسة، في حين كان أكثر من حارب وصول ريمون إده.
أنا كنت قريباً جداً من كمال جنبلاط. بعد اسقاط الحكومة العسكرية في عهد الرئيس سليمان فرنجية تشكلت حكومة جديدة. وكان الامام موسى الصدر نفذ اعتصاماً في العاملية ولقيت حركة "أمل" صدى، وهنا وقفت الحركة الوطنية ضدنا لأنه كان لنا دور كبير في ولادة فكرة "أمل". كان هناك في "فتح" تيار يؤيد التعامل مع الحركة الوطنية، وكنت أنا من التيار المؤيد للتعامل مع الطوائف اللبنانية، الحركة الوطنية لم تكن شيئاً على الأرض. انا كنت أفضل التعامل مع الشيعة والموارنة وغيرهم كقوى سياسية وليس كطوائف.
عندما شكلت الحكومة برئاسة رشيد كرامي جاء الى بيروت وفد سوري واجتمعنا في مركز الأمن في "فتح". كان الوفد برئاسة السيد عبدالحليم خدام وزير الخارجية آنذاك. بدأت المناقشة فراح خدام يورد أسماء بعدد الحقائب، وبقيت حقيبة وزارة الداخلية وصمتوا لسماع هل يقترح جنبلاط نفسه لهذا المنصب... لكنه اعتبر فجأة ان الاجتماع انتهى ولم نعرف هل اصطدم بالطاولة الصغيرة في طريق خروجه أم أنه أراد قلبها تعبيراً عن غضبه. وخرج جنبلاط.
إده مرشح الحركة الوطنية
جاءت انتخابات رئاسة الجمهورية لاحقاً. قمنا بجولة لتأمين الاموال الضرورية لضمان مرور ريمون إده الذي كان مرشح الحركة الوطنية. فوجئنا في أماكن ذهابنا بأنهم كانوا يقولون لنا: هل أنتم من المخبولين من قال لكم ان هناك ريمون إده.
رجعت الى بيروت وقلت لأبو عمار: لماذا ترسلني في مهمة وتبهدلني. الأميركيون آتون لحل المشكلة. ونقلت اليه ما سمعته من زعيم عربي أقدره، فأجاب أبو عمار: أنت جننت، هو في اميركي قابل يحكي معايا. يا ريت يحكوا معايا. هو أنا هاممني مين رئيس الجمهورية.
وكشف لي أبو عمار أنه عائد من دمشق وان الرئيس حافظ الاسد فوض إليه حل المشكلة خلال 48 ساعة. كنا نتحدث يوم الخميس وكانت المهمة تنتهي السبت. وكان الكلام ان دمشق ستدعم عرفات اذا حل المشكلة في المهلة المحددة وإلا فإنه يدعم موقف دمشق. وقال أبو عمار للأسد قبل مغادرته: لقد اعطيتني الى درجة أنني مشدوه. وكان تحليله ان الرئيس الأسد يعرف ان مبعوثاً سيأتي وانه غير راض.
ذهبنا لزيارة جنبلاط فقلت له ان الاموال تأمنت وأن ريمون إده سيصبح رئيساً. مسكين ريمون إده جعله أبو اياد يعيش على وهم انه كان معه ولم يكن معه طوال حياته. تعرف أنت الدهاء الفلسطيني وتوزيع الأدوار. قال جنبلاط: شو بصلتكم محروقة. وقال لأبو عمار اقرأ. وفي التصريح: إننا نرحب بالمبعوث الاميركي براون ونحن نؤمن بالنظام المتعدد الاحزاب وسنتعاون معه. قرأ أبو عمار التصريح. سألت كمال جنبلاط عن القصة فقال: شو رأيكم هل تقابلون براون؟ طبعاً لم يكن في استطاعة أبو عمار مقابلة براون بهذه الطريقة.
هنا لا بد من العودة الى الوراء يوم خرج جنبلاط غاضباً من الاجتماع صعد الى الجبل وشن حرب الجبل في عينطورة والمتين، وقد دخلنا معه بشرط بعدما كنا رسمنا خط التماس في بيروت ورسمنا خطا في الجبل لا يجوز تجاوزه وهو لا يشمل عينطورة وهذه المناطق. كان اعتقادنا ان طريق المعارك هناك هو طريق التدخل الاسرائيلي. بدأ كمال جنبلاط يدخل في عينطورة من دون اعتبار موقفنا، وقد رأيت موارنة يتوسلون إليه في شكل مؤلم ان يحميهم. سلوك جنبلاط جعل الدخول العسكري السوري ضرورة وقد حصلت دمشق على توقيعي سليمان فرنجية ورشيد كرامي.
حاوي ينظّر للاميركيين
نرجع الى الاجتماع: قال له أبو عمار: أي مبعوث؟ نريد وقف القتال فوراً. كان أبو عمار مهتماً بأن يظهر لسورية أنه قادر على وقف القتال والتزام التعهدات. عقدنا في اليوم الثاني اجتماعاً في منزل جنبلاط لترتيب وقف لاطلاق النار. في ذلك الوقت كان براون يهبط في مطار بيروت وسأله الصحافيون هل ستقابل الفلسطينيين فأجاب: "لم أقرر بعد".
وكان الى جانب جنبلاط شخص يعتبر قناة مهمة لجنبلاط. وهو عين وزيراً لاحقاً. نحن في الأمن سجلنا له اكثر من لقاء مع الاميركيين. المفاجأة في الاجتماع كانت ان الرجل الذي وقف ونظّر للقاء مع الاميركيين كان جورج حاوي، وحجته انهم يئسوا من نصر الشيوعية وباتوا يسلمون بانتصار الاشتراكية الدولية وهذه فرصة تاريخية للتعاون معهم. ذهل أبو عمار وقال له: "الشيء الوحيد الذي كنت أتصوره هو انك ستقف معي".
وفي ذلك الاجتماع اتخذ الدكتور عبدالله سعادة الحزب السوري القومي الاجتماعي موقفاً معارضاً للاتصال مع الاميركيين. بدا حاوي كأنه المحامي عن جنبلاط ومحسن ابراهيم وقد شكلوا كتلة. رتبنا وقفاً لاطلاق النار لكن الاشتباكات لم تتوقف وصار السوريون في حل من موضوع أبو عمار وجرت الانتخابات وفاز سركيس.
ما قصدت قوله هو ان المقاومة بريئة من تهمة توريط جنبلاط.
عبدالناصر اصطحب عرفات الى موسكو
من بدأ العلاقات مع السوفيات؟
- اصطحب عبدالناصر أبو عمار الى موسكو في 1968 واعطاه اسماً آخر غير اسمه لدى صعوده الى الطائرة. يومها اجتمعنا مع الرئيس عبدالناصر بعد معركة الكرامة، أبو عمار وأبو اياد وأنا، واتفق على ان يسافر أبو عمار مع الرئيس وبقيت الرحلة سراً لفترة من الوقت. وقدم عبدالناصر أبو عمار الى السوفيات. وعلى الأثر بدأت العلاقات بهدوء.
في 1970 جاء مبعوث سوفياتي وقابل أبو عمار في الاحراج في الاردن، ثم رتبت علاقة علنية.
ماذا كان السوفيات يقدمون؟
- لقد نشأت علاقة فلسطينية - سوفياتية في كل المجالات، دورات تدريب عسكرية وتنسيق سياسي. وكان السوفيات يبيعوننا السلاح وفتحوا لنا أبواب المانيا الشرقية وبلغاريا وتشيكوسلوفاكيا. ونادراً ما اخذنا من السوفيات اسلحة كهدية، بخلاف الصين التي كانت تقدم أسلحة ومواد غذائية.
أول لقاء بين أبو عمار وغورباتشوف؟
- أظن انه حدث في المانيا الشرقية وأصر السوفيات فيه على إلغاء اتفاق عمان لأنهم يريدون ان يلعبوا هم الدور مع الاميركيين. حصل ذلك في 1985. كل مؤيدي السوفيات في المنظمة كانوا ضد الاتفاق، أبو اياد وكل جماعة السوفيات كانوا ضد اتفاق عمان. وفي الواقع اعطى أبو عمار غورباتشوف التزاماً لتجميد التعامل مع الاتفاق.
وفي الدورة الثامنة عشرة للمجلس الوطني في الجزائر كان حضور السوفيات واضحاً وتقرر وقف التعامل مع الاتفاق ويومها أدليت بتصريح قلت فيه ان الدولة الفلسطينية تقوم من واشنطن.
هل أدى الاجتياح الاسرائيلي لبيروت الى خيبة من السوفيات؟
- كان علامة فاصلة. من 1972 الى 1982 كانت مرحلة اللاقرار الفلسطيني بسبب الاختراق السوفياتي للمنظمات واجهزتها الامنية. بعد 1982 ضعفت القبضة السوفياتية على القرار الفلسطيني والدليل عقد الاتفاق الاردني - الفلسطيني من دون موافقتهم.
هل كان في استطاعة المنظمة اتخاذ القرارات التي اتخذتها لو كانت لا تزال في بيروت؟
- لو بقينا في بيروت لكانت القرارات مختلفة. طبعاً المعادلة كانت ستتغير خصوصاً مع غياب السوفيات، والدور العربي سيصبح أقوى. اليأس والاحباط اللذان اوجدتهما المنافي أثرا سلباً في الكثير من القادة وكذلك في القرارات التي اتخذت.
هل عقدت لقاءات مع الاسرائيليين خلال الاجتياح؟
- الاسرائيليون من جماعة اليسار والسلام الآن ارسلوا الى بيروت مجموعة وجرى اللقاء معها. كان التوجه في تلك المرحلة يقوم على الصمود والخروج بمعادلة سياسية من بيروت الى فلسطين، أي كيف نجني ثمار الصمود في بيروت على الصعيد السياسي.
قبل 1988 وبعدها
كيف ترى المحطات التي أوصلت الى الوضع الحالي؟
- أنا اعتبر ان هناك شيئاً اسمه ما بعد 1988 وشيئاً اسمه ما قبل 1988. قبل 1988 لم يكن في وجهة منظمة التحرير ان تقبل أي حل سياسي تنازلي على النحو الذي جاء في اوسلو. وكانت هناك قبل 1988 سياسة متوازنة تريد تسوية متوازنة بمعنى ان يتوازن فيها الاخذ والعطاء. بعد 1988 تداخلت الأمور وازدادت الاتصالات الفلسطينية - الاسرائيلية وحصلت وقيعة لا مجال الآن لذكرها، فألقى أبو عمار بيانه الشهير في جنيف والذي فوجئ هو ومن حوله من المقربين منه بأن كل المردود عليه هو بدء حوار اميركي - فلسطيني وليس اعترافاً اميركياً بمنظمة التحرير وان اسرائيل لم تقدم مقابلاً لذلك كما كان موعوداً. ثم الفاصل الآخر هو حرب الخليج، فبعدها جرى الانبهار بالقوة الاميركية وأصبح ممثلو رؤية التقارب مع اسرائيل بأي ثمن ومن دون شرط التوازن في الأخذ والعطاء هم المعتمدون دولياً والذين يجري عبرهم التعامل فبدأ مسلسل التنازلات الكبيرة.
هذه في رأيي المحطات التي سيتوقف عندها مؤرخ المستقبل لاستقصائها.
غورباتشوف رجل اميركا السري
في النصف الثاني من الثمانينات غاب الرهان على السوفيات؟
- بعد بيروت لم يعد هناك أي رهان جدي على السوفيات وحسم الموقف بعد افتضاح أمر ميخائيل غورباتشوف الذي اعتقد بأنه كان رجل اميركا السري في قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي وهذا ليس كلاماً من باب الشلف، وإنما مبني على تقارير سابقة كانت تردنا في هذا المجال ولكن لم يكن أحد يعيرها اهتماماً.
الى أي حد كانت الپ"كي.جي.بي" ناشطة في صفوف المنظمات؟
- كانت الپ"كي.جي.بي" ناشطة في بيروت وعلى اتصال يومي بكل المنظمات واجهزة الامن الفلسطينية. كان الاتحاد السوفياتي يعتقد بأنه عبر بيروت يؤثر في حركة الشارع العربي عموماً وفي الوجهة السياسية.
وبعد مرحلة بيروت شعرت بأن أبو عمار بات يعتقد بأن السوفيات ليس لديهم شيء يقدمونه. وللحقيقة كان دائماً يبذل جهده للتفلت من التبعية للسوفيات. أبو عمار وأبو اياد وسعد صايل وابو السعيد وانا كنا ضد التبعية والتدخل السوفياتي الزائد في القرار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.