أقيم في الرابع والعشرين من آذار مارس الماضي احتفال ضخم في فندق "الحياة ريجنسي" في دبي، على شرف الكتاب والادباء الفائزين ب "جائزة سلطان العويس" في دورتها الثالثة. والشاعر اليمني عبد الله البردوني كان واحداً من هؤلاء. قبل مغادرته اليمن، التقت "الوسط" هذا الشاعر الذي ترجع قصائده أصداء متقطعة لأنين صادق وعميق، الشاعر المتأرجح بين سعادة الظاهر وحزن الاعماق... فكان هذا الحوار السريع. كان الشاعر اليمني المعروف عبدالله البردوني ظاهر السعادة، عندما التقته "الوسط"، لتعرف مشاعره على أثر اعلان فوزه، الى جانب مجموعة من المبدعين العرب التفاصيل في مكان آخر من هذه الصفحة، بجائزة "سلطان العويس" للشعر... ولكنها سعادة لم تمنحه اياها الجائزة، بل لنقل إن الجائزة لم تكن مصدرها الوحيد. فالبردوني، ظاهر السعادة في كل الحالات... يمازح وينكّت ويقهقه، ويردد أهازيج القرية وأغاني الصبا وأناشيد المواسم والمناسبات الشعبية، ثم يتبعها بضحكات عالية، غير آبه بظرف المكان والزمان. لا يفرق في أهازيجه وضحكاته، بين كونه في غرفة منزله، حيث تتناثر من حوله الكتب ويتوزع الزوار... أو فوق منصّة محاضراً عن الشعر او قارئاً آخر اشعاره... او في طائرة تقله الى هذه المدينة العربية أو تلك. هكذا هو البردوني، لا يكاد يراه احد غاضباً، واجماً أو متشائماً. قد يظنه البعض خالي البال، لامبالياً... لكنها طريقته في تحمل وزر السنين والهموم التي اثقلت كاهله، على امتداد ستين عاماً تمرس خلالها بمفردات الألم والحزن. فالبردوني نجح، كما يبدو، في ان يجعل من شعره الناطق الشخصي باسمه، القادر على استيعاب الحزن وترجمته وتفجيره، منذ أربعة عقود من الزمن. من هنا أن قصائده تنطوي على حزن صارخ، وأن حزنه سرعان ما يتحوّل شعراً صاخباً. والمعادلة الوجدانية التي ابتكرها الشاعر في خلق هذا التوحد الروحي بين شعره وحزنه، جعلت علاقته بهما، معاشرة حميمة وحلولاً كيانياً. فكيف لا يصبح الحزن بالنسبة الى البردوني، على طريقة الرومنسيين الكبار في الشعر العالمي، مصدر سعادة ومبعث أمل ومنبع ابداع مستمر ومتجدد. بوح الشعر لكن البردوني قليل الشكوى أو عديمها، سواء في شعره أو في كتاباته النثرية. الا أن للسانه فلتات تترك في شعره ثغرات نادرة يمكن للقارئ، أو للمستمع، أن يستشف منها أصداء متقطعة لأنين صادق وعميق وجميل. أنين لا يأتي مباشراً، وإنما في ثنايا بعض حواراته مع الشعر والشعراء. ولعل من أجمل صور هذا البوح، ما أفضى به الى أبي تمام حبيب بن أوس في قصيدته "أبو تمام وعروبة اليوم" 1971: "حبيب... تسأل عن حالي وكيف أنا شبّابة في شفاه الريح تنتحبُ واليوم أذوي وطيش الفن يعزفني والأربعون على خدّيّ تلتهب" وفي حوار هامس مع المتنبي في قصيدة "وردة من دم المتنبي" 1980 يقول: "جاء من نفسه اليها وحيداً رامياً أصله غباراً ورسما شاخ في نعله الطريق وتبدو كل شيخوخة صباً مدلهمّا". والبردوني في هذين البيتين اللذين يصف بهما المتنبي، يتحدث بنبرة أوتوبيوغرافية دقيقة، لو تعمدها وصفاً لنفسه، لما تحققت له بهذه الصورة البديعة. وفي شيخوخة البردوني التي لا تزال شباباً متوهجاً متألقاً، لا "مدلهماً"... جاءته جائزة "سلطان العويس" للشعر، لتتوج وتكافئ مسيرة أصدر خلالها عشر مجموعات شعرية بين العامين 1961 و1993. سألناه عن هذا الحدث، فاستهل البردوني الحوار قائلاً: - أعرف أن الشاعر سلطان العويس أسس هذه الجائزة منذ عشر سنوات. ولا شك أن السبب الاساسي الذي يقف وراء مبادرته هذه، كونه شاعراً بالفصحى وبالنبطي، واحساسه العميق بالشعر والشعراء. هكذا قام العويس بتخصيص جزء من ماله، لتكريم وجوه بارزة في مجال الشعر والثقافة والفن، ولمساعدة الشعراء على نشر انتاجهم. ولا شك أنه تأثر الى حد كبير، بجائزة ال "بوكرز" البريطانية، وهي أعلى الجوائز هناك، من حيث مستواها الأدبي والثقافي. وكيف علمت بحصولك على جائزة سلطان العويس؟ - قبل عامين اتصلوا بي من اللجنة المختصة بمنح الجائزة. وطلبوا موافقتي على ترشيحي لها، ووافقت. ثم غاب موضوعها عن ذهني. كنت أعتقد أنها سنوية، وهذه المرة عندما أبلغوني، اكتشفت في كتاب عنوانه "الجوائز"... انها تمنح مرّة كل سنتين. هل تظن أن هناك مجموعة معينة، أو نصوصاً شعرية اعتمدت عليها اللجنة دون سواها، في منحك الجائزة؟ - اعتمدت اللجنة على مجمل نتاجي الشعري، وعلى مجموعاتي كاملة. وهي لجنة تتكون من ثلاثة فروع، تختص احداها باللغة، والاخرى بالفن الشعري، والثالثة بالحداثة. وانصب اهتمامها على جانب رئيسي هو: عنصر الأصالة والحداثة في القصيدة. كيف استقبلت الخبر؟ - كان للجائزة في نفسي وقع حسن، لأسباب عدّة. اذ انتابني شعور مطمئن أن اهتماماً بالثقافة وبالمثقف. كما سررت ب "جائزة العويس" لأنها هي التي جاءت إلي، على الرغم من وجود شروط محددة لها: أن يتم ترشيح الكاتب من قبل اتحاد أدباء، أو وزارة ثقافة أو اعلام أو أية جمعية أو مؤسسة ثقافية... وهذا لم تطبقه اللجنة عليّ. وكيف تخطط للافادة من القيمة المالية للجائزة؟ - لديّ كتاب انتهيت من تأليفه، وهو آخر ما لدي الآن. وقد جاء أوان طبعه. وهو كتاب بعنوان: "الجديد والمتجدد" يتألف من ألف وثماني مئة صفحة، قضيت في اعداده خمس سنوات. وما هو موضوعه؟ - يخوض في مجال الفكر والأدب عموماً. ألا يسعك أن تطلعنا على توجهه بصورة أكثر تفصيلاً؟ - هو في الثقافة واللغة والنحو والبيان البلاغة، والأدب والتاريخ، وكل جوانب الأدب. فيه بابان في الفقه دراسة نقدية تشريعية، وبابان عن المؤلفين اليمنيين في النحو. وباب عن المؤلفين اليمنيين في التأريخ والطبقات والتراجم. ويتناول بشكل تفصيلي المؤرخين الاخباريين منهم، مثل: زبارة محمد بن محمد زبارة والجرافي. والمؤرخين التحليليين، مثل: الشماحي القاضي عبدالله الشماحي، وأحمد حسين شرف الدين. الجائزة الثالثة جائزة "سلطان العويس" للشعر هي الثالثة التي يحصل عليها الشاعر البردوني، بعد جائزة "أبي تمام" بغداد، 1971 التي حصل عليها في مهرجان أبي تمام الشعري، وجائزة "شوقي وحافظ" القاهرة، 9811، في مهرجان أحمد شوقي وابراهيم حافظ. والبردوني أول شاعر يمني يمنح جائزة العويس. اصدارات البردوني للشاعر مؤلفات عدّة في الآداب والثقافة والسياسة. أما أبرز مجموعاته الشعرية، فهي: - من أرض بلقيس 1961 - في طريق الفجر 1967 - مدينة الغد 1970 - لعيني أم بلقيس 1973 - السفر الى الأيام الخضر 1974 - وجوه دخانية في مرايا الليل 1977 - زمن بلا نوعية 1979 - ترجمة رملية لأعراس الغبار 1983 - كائنات الشوق الآخر 1988 - رواغ المصابيح 1990