خلال الاسابيع الماضية، ظهر بين الرباط وباريس عدد لافت من الاعمال الروائية لكتاب مغاربة بارزين من أمثال محمد براده، إدريس شرايبي، عبد الكبير الخطيبي والطاهر بن جلون... هذا الازدهار المفاجئ يدفعنا الى البحث عن ملامح نهضة روائية فعلية، قائمة على التراكم والاستمرارية. منذ ثلاثة أشهر فقط، لم يكن يدور حديث عن الانتاج الروائي في المغرب بين المهتمين والمتابعين، والا ويؤتى فيه على ذكر الأزمة. فبالمقارنة مع الاصناف الأدبية الأخرى الشعر، القصة القصيرة، المسرح...، يرى كثيرون أن هذا الجنس الأدبي الصعب لم يحقق عندنا بعد، تراكمه الثقافي الخاص الا بصعوبة وتعثر ملحوظين. لكن لو نظرنا عن كثب الى المعطيات والاحصاءات المتوافرة في هذا المجال، لاكتشفنا أن الحقيقة أكثر تعقيداً والتباساً. فما نشر في المغرب من روايات خلال العقد الماضي فقط، يشكل أضعاف ما نشر خلال عقدي الستينات والسبعينات مجتمعين. وفي ذلك دليل قاطع على أن مفهوم التراكم يُنجز، على غير المعتاد في التجارب الأدبية، على شكل طفرة تكون في الواقع حدثاً أو ظاهرة فاصلة بين مرحلتين متباعدتين. ويلفت انتباه القارئ حالياً، صدور عدد هام من الروايات الجديدة خلال شهري كانون الاول ديسمبر 93 وكانون الثاني يناير 94، مع وجود مؤشرات عن قرب صدور أعمال أخرى في وقت لاحق. والأمر يشكل، في حد ذاته، ظاهرة أدبية تستحق التمهل عندها... بغية استخلاص بعض ملامح وخلفيات هذه الغزارة المفاجئة. عودة الاسماء المعروفة أول ما يتبادر الى الذهن عند تفحص العناوين الصادرة أخيراً، عودة الاسماء الأدبية المعروفة الى دائرة الضوء عن طريق انتاج جديد يكرس التجارب السابقة ويغنيها. وتؤكد هذه العودة أيضاً على سمة أساسية هي التواصل الملحوظ في تعامل هؤلاء المبدعين مع الجنس الروائي دون غيره من الاجناس الأخرى. سبق لبهوش ياسين، مثلاً، أن أصدر في أواسط الثمانينات روايته الأولى "أيام من عدس"، وها هي فترة الانقطاع تثمر عن رواية جديدة بعنوان "أطياف الظهيرة". والحالة نفسها أوضح ما تكون في تجربة محمد برادة الذي لاقت روايته الأولى "لعبة النسيان" رواجاً كبيراً، فانكب بعد صدورها على كتابة عمله الجديد "الضوء الهارب" منشورات الفنك ولنا عودة اليه في عدد مقبل. ولا يكاد يختلف الأمر مع عبدالكريم غلاب، الا من حيث التواتر النسبي الذي يتحكم في صدور أعماله الروائية. فالكاتب الذي يواظب، منذ سنوات، على اصدار عمل أدبي جديد كل سنتين تقريباً، لم يقم مع "شروخ في المرايا" الصادرة أخيراً عن "دار توبقال للنشر"، سوى بتأكيد هذا النهج. الكلام نفسه ينطبق على أحمد المديني الذي تمكن من اصدار روايتين في وقت متقارب - متجاوزاً حسابات الاصدار المقنن المرعية الاجراء - واحدة من بيروت: "حكاية وهم"، وثانية عن "دار النشر المغربية" بعنوان "طريق السحاب". ولا شك أن القارئ لاحظ، من جهة أخرى، أن معظم الاسماء المشار اليها حتى الآن، ينتمي في الأصل الى كتاب القصة، بها بدأت تجاربهم الادبية وبها اشتهروا بين القراء: عبدالكريم غلاب، محمد برادة، أحمد المديني... هم وراء الوفرة النسبية التي طبعت الانتاج الروائي في المغرب خلال الفترة الاخيرة. على نفقة المؤلف! لكن المشهد لا يكتمل الا بالاشارة الى أمرين: الاول هو موقع الرواية المغربية المكتوبة بالفرنسية من الاصدارات الحديثة: ادريس الشرايبي "مكان تحت الشمس"، عبدالكبير الخطيبي "ثلاثية الرباط"، الطاهر بن جلون "المرتشي" وماحي بنبين "جنازة الحليب". والثاني هو بروز كاتبين يخوضان هنا تجربتهما الاولى في هذا المجال، اذ قام القاص أبو يوسف طه بنشر أول عمل روائي له بعنوان "الشتاء الضوئي" وهو نص كتب قبل هذا التاريخ بعشر سنوات، كما صدرت لعبدالرحيم بهير روايته الأولى بعنوان الفقدان. وأعلن في الرباط عن قرب صدور روايتين أخريين: "أصوات" للراحل محمد زنيبر، و"باب تازة" لكاتب هذه السطور. ولا بد في هذا السياق، أن نشير الى "مدارج الليلة الموعودة"، وهو نص يصعب تصنيفه على أساس المقاييس التقليدية، بحكم كتابته المنفلتة القائمة على التداعي والاستيهام، واستدعاء الموروث وادراجه ضمن بنية مفتوحة تتوخى التعبير عن أوضاع وصبوات الأنا. فهل يصح الحديث عن "ازدهار" لحركة النشر الروائي في المغرب؟ لا بد من التذكير أن أغلب الاعمال المشار اليها أعلاه، منشور على نفقة المؤلف، ولا يحمل اشارة الى دار نشر معروفة. وهذا يعيدنا الى السجال الدائر حول "أزمة النشر الثقافي" في المغرب. من هنا السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل نحن أمام تباشير نهضة روائية فعلية، أم أنها "طفرة" جديدة، لن تلبث أن تهدأ ويطويها النسيان؟