استضافت المغرب طوال الثلث الثاني من الشهر الماضي، "المعرض الدولي الخامس للنشر والكتاب" الذي أقيم على أرض المعارض الكبرى في الدار البيضاء، بمشاركة 186 دار نشر و435 مؤسسة اعلامية وطباعية، تمثل 22 دولة بينها 11 دولة عربية. وتمحورت نشاطات هذه التظاهرة الجامعة حول مستقبل الثقافة العربية على ضوء التكنولوجيا. هنا جولة سريعة في أرجاء المعرض. كعادته كل عام جاء المعرض الدولي للكتاب في الدار البيضاء، ليضفي بعض الحركة على الحياة الثقافية المغربية. فهذه التظاهرة التي باتت اليوم تقليداً راسخاً في الحياة الثقافية والفكرية المغاربية مناسبة لمد جسور الحوار، ولخلق مناخات التفاعل، ولطرح الاسئلة النقدية الجذرية، وأيضاً للقيام بجردة حساب ثقافية شاملة للعام المنصرم. والمعرض فرصة للاطلاع على الاصدارات الجديدة، وللقاء بين الناشرين ومهنيي الكتاب والمؤلفين. هذا العام دعي عدد لا بأس به من الكتاب الى توقيع اعمالهم الجديدة ومواجهة الجمهور والاحتكاك بقرائهم. ولعل من اهم مواعيد معرض الدار البيضاء، تلك التي وفرت للمعنيين فرصة الاطلاع على ما جد في مجال الطباعة من تقنيات، في هذه المرحلة التي تعرف فيها صناعة الكتاب تطورات مدهشة توازي تقدم وسائل الاتصال. فشعار الدورة الحالية للمعرض "الثقافة والتكنولوجيا"، جاء يعكس رغبة المنظمين في إثارة الاسئلة حول الوسائل التقنية الحديثة في مجالات الطباعة والنشر، وفي تعميق دراسة علاقة التكنولوجيا بالحقول الثقافية. يبدو هذا الخيار واضحاً من خلال الأنشطة الموازية، وكان من أبرزها ندوة "التكنولوجيا في خدمة الكتاب" التي ادارها الباحث المغربي مصطفى بنيخلف وشارك فيها الخبيران الفرنسيان ألان منك وجان - جاك سالومان. وكان محمد علال سيناصر، وزير الثقافة المغربي، اشار في كلمة الافتتاح الى اهمية المعرض كونه يسعى "الى ترجمة العلاقة بين الثقافة والتكنولوجيا على مستويين اثنين: الاول يتمثل في عرض الوسائل التقنية الحديثة في مجال الطباعة والنشر، وثانيهما يتمثل في الالمام بجوانب علاقة التكنولوجيا بمحيطها الثقافي، بما في ذلك اثرها على الكتاب وعلى تفاعلاته مع الوسائل الحديثة التي اصبح من الصعب الاستغناء عنها، نظراً لمساهمتها في حفظ المادة الثقافية". وتميزت الدورة الخامسة لهذا المعرض باقامة العديد من المعارض الفرعية المرتبطة بالكتاب، تاريخاً وفناً. نشير بينها الى "معرض المخطوطات النادرة" الذي سلط الضوء على مخطوطات يتجاوز عمرها ألف سنة، محفوظة في الخزانات التراثية المغربية الكبرى، كالخزانة العامة في الرباط، وخزانة ابن يوسف في مراكش، وخزانة القرويين في فاس، وخزانة الجامع الكبير في مكناس، فضلاً عن المعرض الشخصي للبنان الطيب الصديقي الذي ضم عدداً من اعماله التشكيلية. وفي مبادرة جديدة ومثيرة، اقيم "فضاء الطفل" باشراف الفنان المسرحي محمد البلهيسي. اذ استضافت خيمة تزيد مساحتها على 1000 متر مربع، محترفات فنية للرسم والتمثيل والتركيب المسرحي والتحرير الصحافي والقراءة، اضافة الى الاجنحة الخاصة بكتب الاطفال وألعابهم، بهدف تحفيزهم على المشاهدة وتنمية خيالهم واكتشاف مواهبهم. واتسعت الندوات، من جهة اخرى، لتشمل مختلف نواحي الحياة الثقافية المغربية. فاضافة الى ندوة "التكنولوجيا في خدمة الكتاب" عقدت سلسلة ندوات منها واحدة حول "تداول الكتاب العربي في المغرب" ادارها الكاتب المغربي مصطفى القباج وشارك فيها عدد من الناشرين العرب، وأخرى بعنوان "الكتاب في خدمة التنمية" شارك فيها الكاتب المسرحي عبدالله شقرون والناقدان محمد نور الدين افاية وعبدالجليل ناظم والقاص ادريس الخوري. كما ساهم اتحاد كتاب المغرب في تنظيم ندوتين، الاولى حول "ظاهرة الكتابة لدى المبدعين الشباب"، والثانية عن "التحولات الثقافية في المغرب خلال العقد الاخير". وأثيرت في هذا المعرض، كما في كل المعارض السابقة، مشكلة الكتاب في المغرب والوطن العربي، تأليفاً ونشراً وتوزيعاً، بصفته ليس مجرد سلعة تخضع الى اعتبارات تجارية فحسب، وانما انتاج فكري وابداعي تتحكم فيه الظروف التي تجتازها الثقافة العربية بشكل عام، وهي تتسم راهناً بالتراجع والاحباط. وبالفعل، لفت نظر الجمهور والضيوف العدد الضئيل للاصدارات المغربية الجديدة قياساً الى الازدهار الذي تشهده الحركة الثقافية في المغرب. لكن هذا الضمور الكمي لم يمنع الكتب الصادرة خلال الاشهر الماضية، من ان تأتي معبرة عن تنوع اهتمامات الكتاب المغاربة. ففي اطار برنامج "كتاب ومؤلف" الذي نظمه اتحاد كتاب المغرب، قدم الناقد حسن بحراوي مؤلفه الجديد "المسرح المغربي، بحث في الأصول السوسيو - ثقافية". وقدم عبدالرزاق الزاهير كتابه "السرد الفيلمي". كما قدم محمد عزالدين التازي روايته السابعة "المغارات"، اضافة الى الاعمال الجديدة: "يوسف في بطن أمه" لأدريس الخوري، "حكاية وهم مغربية" لأحمد المديني، "ذخيرة العجائب العربية" لسعيد يقطين، "باب تازه" لعبدالقادر الشاوي، "الضريح" لعبدالغني ابو العزم، "شعرية النوع الأدبي" لرشيد اليحياوي وغيرها من الاعمال المغربية الجديدة. وتميزت دار النشر المغربية "توبقال" باصداراتها الجديدة، كماً ونوعاً. من بين العناوين الحديثة العهد نشير الى ديوان أدونيس الأخير "أبجدية ثانية"، وديوان "الشمس تحتضر" لعبداللطيف اللعبي، و "كتابة المحو" وهو مجموعة نصوص نقدية للشاعر محمد بنيس، ورواية "شروخ في المرايا" لعبدالكريم غلاب، و "ثقافة الاذن وثقافة العين" لعبدالسلام بنعبدالعالي، و "السبيبة في الفيزياء الكلاسيكية والنسبانية" لعبدالسلام بن ميس. على هامش المعرض * أجمعت ردود الفعل حول "المعرض الدولي للنشر والكتاب" على ضعف الدورة الخامسة قياساً الى سابقاتها. ولوحظ غياب الاسماء المعروفة التي سبق الاعلان عن مشاركتها من محمد حسنين هيكل الى غابرييل غارسيا ماركيز، من دون تقديم مبررات واضحة. * أغلب ما عرضته الدور العربية الآتية من مصر وتونس، سورية... جاء قديماً، لا يتناسب مع التطورات الثقافية في تلك البلدان. لم تشارك من سورية سوى "دار الحوار"، وسجل غياب الدور الجزائرية وغالبية الدور الخليجية، فيما اكتفت الكويت بعرض مصنوعاتها التقليدية الى جانب بعض المطبوعات الرسمية. واعتبرت المشاركة اللبنانية هي الاخرى ضعيفة. * رد المراقبون الاقبال الكثيف على المعرض الى مجانية الدخول هذا العام، اما حركة الشراء فلم تبلغ المستوى المطلوب، اذا استثنينا الكتاب الديني الذي عرف الرواج نفسه الذي بات مألوفاً في المعارض العربية. * شاركت منظمة العفو الدولية لأول مرة، بجناح خاص اقامته المجموعة العربية التابعة لها. * حضور الثقافة الأمازيغية كان قوياً، لجهة عدد الاجنحة وكثافة المطبوعات. * المطبوعات الصادرة عن دور مغربية تعنى بالكتاب الثقافي والابداعي توبقال، افريقيا، المركز الثقافي العربي، دار المعرفة... سجلت حضوراً ملموساً، ما جعل البعض يلاحظ ان المعرض هو المتنفس الوحيد للدور المذكورة، والموعد الذي تنتظره من عام الى آخر لتوسيع دائرة قرائها، نظراً للمصاعب التي يعاني منها توزيع الكتاب في المغرب. * صادف صدور رواية المؤرخ محمد زنيبر "بين صوتين" منشورات الفنك، مع الذكرى السنوية الاولى لوفاته. * في مناسبة المعرض، صدرت عن "دار توبقال" الترجمة العربية لرواية الطاهر بن جلون "المرتشي". * تميز حضور "اتحاد كتاب المغرب" هذا العام، من خلال الندوتين اللتين نظمهما ولقيتا اهتماماً ملحوظاً.