بعدما استطلعت "الوسط" آراء بعض الملحنين والشعراء والمطربين والمطربات في مصر وسورية حول الاغنية العربية والصراع بين القديم والحديث فيها، نشرتها في العدد الماضي، تتابع هذا الاسبوع نشر آراء أهل الاغنية العربية في لبنان والسودان والخليج العربي حيث يوافق الجميع بأن الطرب مات في الاغنية ولم يبق الا الغناء. في بيروت، وعلى غير عادتها تنهض السيدة باكراً عند ذلك الصباح، تتزين على عجل وترتدي ملابس انيقة، تجري ثلاث او اربع مكالمات هاتفية، تسحب الدولارات القليلة في محفظتها. تبتسم. تنادي خادمتها السيرلانكية. تصدر لها بعض التعليمات بلهجة صارمة وبانكليزية بسيطة. تخرج من البيت لتجلس وراء مقود سيارتها المتواضعة وتدير محركها. تسير بها السيارة متلعثمة فيما هي تجري مكالمات تلفونية اخرى من داخل السيارة بواسطة الهاتف الخليوي الذي اقنعت زوجها بتركه لها حتى ولو جازف بأن لا يجد جواباً حين يُسأل عنه في عمله. حين تطل بها السيارة من أعلى منطقة شوران تبتسم وتنظر الى ساعتها: وصلت في موعدها تماماً. موعدها؟ حفلة افطار مبكرة في باحة احد مسابح بيروت ميزتها اسعارها المتهاودة: 5 دولارات للشخص الواحد، وزينتها مغن يدعى علاء زلزلي يفيق باكراً عند الصباح ليغني لنساء يتجمعن لتناول الشاي والثرثرة والشكوى من... الاوضاع المعيشية التي لا تطاق في بيروت. قد يكون علاء زلزلي ظاهرة في حد ذاته، وصوره المنتشرة على جدران شوارع بيروت تؤكد ذلك، بثيابه الغريبة وابتسامته التي لا تعني شيئاً على الاطلاق، لكن علاء زلزلي ليس وحده في الميدان. ففي لبنان اليوم مئات من المغنين والمغنيات الذين تنتشر صورهم على الجدران وتتشابه اغانيهم الى حد الغثيان ويقاس نجاحهم بكمية المستمعات والمستعمين الذين يمكن للواحد منهم ان يجذب لسماع اغنية تشتهر لحظة ثم تختفي ويختفي أصابحها معها. الغناء اليوم، في بيروت، "كلينكس" على حد تعبير واحد من اصحابنا. في بيروت؟ حسبك ان تزور اية مدينة عربية لتكتشف اليوم ان بيروت لا تتمتع بهذه الميزة بمفردها، وإن كانت مثل هذه الامور تبدو في بيروت اوضح منها في غيرها. فبيروت، بعد الحرب، استعادت دورها ك... مختبر للغناء العربي الجديد. و "الغناء العربي الجديد" هو، بالتحديد، اولئك المئات من الشبان والشابات الذين يظهرون كالفطر والعشب الشيطاني فيستدين كل واحد منهم تلك المبالغ اليسيرة التي تمكنه من اصدار "ألبومه" الاول لعل الحظ يضرب ضربته ويحقق ما يريد من النجاح. التلفزة والايقاع وفي هذه الايام، ليس من الصعب على الحظ أن يضرب. فالمحطات التلفزيونية، وتجار الكاسيت هنا، وقلق الشبيبة والفراغ العام منتشران، وثورة الأجيال الجديدة على الأجيال القديمة تبدأ برفض "غناء الآباء" والبحث عن جديد. والجديد هو تلك الايقاعات السريعة "الديسكو" حين يكون ثمة عجز عن العثور على الاسم الحقيقي للايقاع. فالايقاع، اليوم، هو سيد الاغنية وسيد الغناء. حسب الاغنية ان تجعل مستمعها يهز كفيه ويخبط قديمه ويلوي خصره حتى تعتبر أغنية ناجحة. وحسب التلفزة ان تنقل الاحساس بهذا الايقاع عبر تقطيع للصورة متوتر حماسي سريع حتى تتابعها الشبيبة بانتظارها وأحاسيسها. اما سيد كالايقاع، ينحني الجميع صاغرين، من وردة الى محمد منير، ومن هاني شاكر الى علي الحجار الى وليد توفيق ونجوى كرم وتكون النتيجة ان يبدو الغناء العربي اليوم وكأنه يتشابه حتى في أدق التفاصيل، بحيث يكفي "الملحن" ان يعثر على الايقاع المطلوب حتى يشع كل شيء في داخله: أي كلام، واي جمل موسيقية، وأي تعبير. ومن هنا لا يعود من الغريب ان يتشابه هاني شاكر وراغب علامة، علي الحجار وعلاء زلزلي، وردة وماري سليمان. بالطبع لا يعني هذا الكلام ان هذه هي الحالة العامة للغناء العربي. فحين تغني ميادة الحناوي "انا مخلصة لك" او تغني وردة "انا عارفة" او تبدع ماجدة الرومي في "كلمات" ويعطي علي الحجار الافضلية ل "انا كنت عيدك" في حفلاته الغنائية يبدو الفرق واضحاً وتمحي تماماً كل "طقاطيق" راغب علامة وشركاه. وحين تورد اليونيسكو احصائياتها يتبين، امام دهشة المتحمسين للغناء الشبابي الجديد وأمام انبهار الشاكين من انخفاض مستوى الغناء العربي، ان ام كلثوم وعبدالحليم حافظ وفيروز وفايزة احمد وفريد الاطرش هم الذين تباع اعمالهم بملايين النسخ في طول العالم العربي وعرضه. وأن كل الظواهر الحاضرة في "السوق"، وفي حفلات "الترويقة" والأعراس، وخاصة على شاشة التلفزة ليست اكثر من ظواهر عارضة و... طبيعية. طبيعية الى درجة انها تجعل فنانة كبيرة كوردة تتبع التيار حين تغني "حرمت أحبك" او "بتونس بيك"، وتجعل صوتاً جميلاً كوليد توفيق عاجزاً عن العثور على الاغاني الكبيرة التي تليق بصوته ويمكنها ان تعيش لفترة طويلة من الزمن كما تعيش بيننا حتى اليوم تلك الاغاني التي رحل او سكت اصحابها منذ زمن بعيد: أغاني محمد قنديل وعادل المأمون ومحرم فؤاد. طبيعية لأنها ظاهرة من ظواهر العصر، ونعرف ان لكل عصر فقاعاته، ولا سيما تلك العصور التي تعتبر مراحل انتقالية. ونعرف أن عالمنا العربي يعيش اليوم مرحلة انتقالية يتفجر فيها كل شيء: السياسة والسينما والأدب والأخلاق... والاغنية. والسمة الاساسية لهذه المرحلة هي، كما نعرف، الفوضى السياسية والثورة التلفزيونية. تأتي الفوضى السياسية لتفقد الناس الحماس والبوصلة فتجعلهم يتمسكون باللحظة السريعة العابرة التي ترمز الاغنية السريعة العابرة لها. وتأتي الثورة التلفزيونية لتفرض حضور اللغة البصرية على حساب لغة العاطفة والعقل والفؤاد، فيصبح المغني الأقدر على مخاطبة البصر وعلى ملء الصورة الملونة على الشاشة، هو الأقدر على الحضور في حياة الاغنية، في الوقت الذي يتبدى فيه عبدالحليم حافظ بليدا كالطالع من داخل القبور. هاتان هما الحقيقتان اللتان تصنعان غناء اليوم. ولكن من البديهي القول انه كما ينتهي كل طغيان بغرز نفسه وبخلق الترياق المضاد له، كذلك من المؤكد ان طغيان الغناء السريع سنتهي بأن يغرز نفسه، فالمرء - المستمع / المتفرج - مهما تقبل واستقبل مرحباً، سينتهي به الأمر الى التمسك بما هو جدي وحنون وقابل لأن يعيش، لافظاً كل الفقاعات الاخرى. بعد كل شيء لنتذكر ان سيمون أسمر، المخرج التلفزيوني اللبناني الشهير قدم في سنوات الستين والسبعين، مئات المغنين في برنامجه الشهير "ستديو الفن" الذي يعتبره الكثيرون النبع الذي ولد منه كل الغناء الجديد بغثه وسمينه ولنتذكر ان من بين كل الاسماء التي قدمها سيمون أسمر لم يبق حتى يومنا هذا سوى أقل من عشرة من اصحاب الاسماء الجدية وعلى رأسهم ماجدة الرومي وعبدالكريم الشعار ومنى مرعشلي ووليد توفيق. الجيل الذي يصنع اليوم "نجاح" الغناء الجديد، جيل لم يعرف عبدالحليم حافظ ولا فريد الأطرش ولا فايزة أحمد. ولكن أوليس من الأمور ذات الدلالة ان نلاحظ ان ابناء هذا الجيل ما ان يتجاوز الواحد منهم العشرين من عمره، حتى يعود صاغراً الى فيروز و "قالولي هان الود عليه" و "في يوم في شهر في سنة" و "الربيع"؟ "الوسط" طرقت هذا الهم الذي يشغل المهتمين بأمور الغناء العربي مع الفنانين اللبنانيين زكي ناصيف والياس الرحباني. رأى الاول انه "اذا كان مقصوداً بالأغنية الكلاسيكية والمعاصرة، هو الغناء المطول او المختصر، فلا اعتقد ان هناك صراعاً ما بينهما، فلكل غناء مستمعوه ومتذوقوه في مختلف العصور، كما وان ابطال الغناء المطول هم عطايا نادرة لا يجود الزمن بمثلها كثيراً، اما اصحاب الاغنية الخفيفة، فعددهم كبير في كل زمان ومكان، واذا شئنا نحن في الشرق العربي، المفاخرة بما يسمى الفن الكلاسيكي - المدرسة، وليس لدينا سوى الغناء المطول المتقن الذي كانت تجيده ام كلثوم وكذلك عبدالوهاب، تماماً كما يفاخر الاوروبيون والمثقفون في الأمم الراقية بفن الأوبرا مثلاً، كغناء جماعي له ابطاله من اصحاب الاصوات الموهوبة البارعة والقادرة على اداء الخوارق في العمليات الصوتية وانا ارى ان الاغنية الكلاسيكية العربية، قطعت شوطها الزمني الطبيعي، وبات من الضروري مسايرة متطلبات العصر ووقف المستمع المتذوق، فمتابعة هذا النوع من الغناء، آلات موسيقية تمهيدياً، القيمة الكبرى للمغني والملحن، حركات مرتجلة تبعاً لتشجيع الجمهور يتطلب تفرغاً للاستماع اليه. ويضيف ناصيف "من جهة اخرى، حسب اعتقادي، تجب مراعاة سنة التطور سواء على مستوى الاختصار او ادخال آلات جديدة، ولفت انتباه الملحنين الى الاختصار ما امكن من التطويل، شرط ايلاء اهتمامهم لهيكلية اللحن، والمصاحبة الموسيقية المعبرة، فيكون حينذاك العمل المختصر مفيداً بعيداً عن التطويل والإسفاف، واعتقد ان الاغنية المعاصرة ناجحة، اذا التزمت باتقان اللحن وموهبة الخلق والإبداع الموسيقي المرافق للمقدمة واللوازم الموسيقية، من دون ان تشوش على المغني والجمهور". اما الفنان الياس الرحباني فنفى وجود اغنية قديمة او جديدة، لأن الفن واي فكر، موسيقي أو أدبي هو في ولادة دائمة، فهل بوسعنا اعتبار موزارت وبيتهوفن وشوبان قدماء مثلاً؟ ليس للفن تاريخ، وليس كل ما يصدر حالياً افضل من القديم او العكس. كما اني ارى ان لا تاريخ محدداً للأغنية الكلاسيكية القديمة، وهي تستمر بنجاحها، لا يوقفها عصر او تاريخ او بديل. انما هناك اختلاف في نوعية التقنية، فالأغنية التي ولدت في الماضي تختلف نوعيتها التقنية عن اغنية ارتبطت بتاريخ آخر، لكن يبقى الفكر هو الأساس، فإذا كانت التقنية ولدت في بلاد متطورة نتيجة تراكم حضاري، فإن الفكر يولد في اية منطقة في العالم متطورة كانت ام متخلفة، وهو بالتالي سابق للتقنية، وانا ارى اننا للأسف نعاني من هبوط في الفكر الشرقي، وبالتالي فإن موعد الهبوط الموسيقي بدأ في العام 1986 سواء في لبنان او مصر او تونس وغيرها من الدول العربية، وان كان ذلك نسبياً. واعتقد ان وراء ذلك الإعلام الذي يلعب دوراً اخطر من السياسة، ويبرز او يبث الموسيقى المتدنية ومقابل "كرافات" تستغني عن نصف الوطن، وهذا يهدد ويشوش نظام الطفل، ويحرك عواطف غير انسانية. ففي اميركا مثلاً يعملون حالياً على دراسة الصخب وقوة الصوت لما لهما من تأثير على ابراز الحيوانية الكامنة في الإنسان". وفي ما يتعلق بالإستعانة بالمعدات الموسيقية الحديثة، يقول الرحباني: "اتهمت باهتمامي بالمعدات الموسيقية الحديثة، التي اعتبرها تسد اموراً صغيرة، لكنها وحدها لا تصنع الموسيقى. قد تسهل العمل على خشبة المسرح، لكنها لا تنفع في تسجيلات الاستديو، اذ يفترض ان تأخذ كل آلة فرصتها ومجالها". الكابلي:علاقة المبدع بأداة تعبيره وفي لندن استطلعت "الوسط" رأي المطرب السوداني الكبير عبدالكريم عبدالعزيز الكابلي الذي كان يقوم بزيارة لبريطانيا، فتناول العلاقة بين القديم والجديد في الاغنية العربية بقوله: "إن المتغيرات التي تطرأ على أوجه الحياة الموروثة من وقت لآخر لا تعني بالطبع ان الصلة قد انقطعت بين القديم والحديث. والاغنية العربية كوجه من اوجه التعبير الفني الابداعي هي التعبير الصادق عن الحياة المعاصرة بكل زخمها ومتغيراتها تخطر في ثياب اللغة العربية الموروثة في معانيها وأخيلتها. وهي كما ترى علاقة المبدع بأداة تعبيره. ولكن يبقى التغيير، على الدوام، من سُنن الحياة تماماً مثلما يبقى تعصب اكثرية الناس لما ألفوا من ألوان الحياة، ونبذ ما لم يألفوا من تحديث". "ومن اجل التعرض الموضوعي للعلاقة بين قديم الاغنية العربية وحديثها لا بد من التعرض لمقومات الاغنية من كلمة ولحن وايقاع ثم اداء. هذا بالطبع الى جانب موضوع الغناء. ان المتغيرات الضخمة التي طرأت على عالم اليوم في مجال الاتصال ونقل المعلومة والمعرفة، جعلت من بلاد العالم المختلفة كأنها بلد واحد، الامر الذي اشاع التأثير والتأثر في كل لون من ألوان الحياة. وقد تأثرت الاغنية العربية الحديثة الى حد كبير بما طرأ عليها من غناء الغرب، ويتمثل ذلك في الايقاع السريع، واستخدام آلات الموسيقى الالكترونية والمؤثرات التقنية الحديثة". "وعلى الرغم من ان الاغنية العربية الحديثة بدأت تباعد الخطى بينها وبين الاغنية القديمة التي حملت بين طياتها مؤشرات الاطلاع الجاد المتأني للشاعر والملحن والمؤدي ثم المتلقي - على الرغم من ذلك فان الصلة باقية في الكلمة ولونية الغناء. وسوف تبقى هذه العلاقة ما بقيت صفة العربية تُطلق على الاغنية في بلاد العرب". وفي ما يتعلق بالمتغيرات التي صعّدت العلاقة بين القديم والجديد قال الكابلي: "تماماً مثلما نجد ان المعاصرة حجاب، نجد ان الانسان منجذب الى ما ألف، ويكبر هذا الاحساس بالانتماء عندما يتعلق الامر بما يعتبره الانسان من ثوابت مواقف الحياة المتصلة بمقومات الشخصية وملامحها. لذلك يجزع المتهم بمسارات الحياة ومواقفها عندما يرى ويعتقد بأن شروخاً قد اخذت تعتور هذه الثوابت، وتعمل على زعزعتها. والفن، عامة، يستمد اهميته من مقدراته على التأثير والاقناع. ومن خلال تأمل مسارات الحضارة الانسانية نجد ان الصراع كان وما زال صراع ترسيخ للمبادئ والمفاهيم والمواقف الحياتية التي تدين بها الامم. ان انتشار لسان او ملمح ابداعي او ربما موروث من المورثات لأمة على نطاق واسع بين امم هذا العالم، كَسْبٌ كبير للجهة التي صدر ويصدر عنها هذا الاشعاع. لذلك نجد ان الكثيرين ممن يهتمون بأمر الثقافة العربية في عالم اليوم يجزعون من الغزو الغربي وغير الغربي للاغنية العربية". ويضيف كابلي: "من المواقف التي قادت الى هذا التخوف والجزع، بُعد الاغنية العربية عن منابع جزالتها وخيالات معانيها البليغة وتبشيرها بالمُثل العليا الموروثة مع تأثرها بالوافد من موسيقى وألحان الأمم الاخرى. وليست التجربة التي ابتدعها بعض البلاد العربية والمتمثلة في تركيب كلمات عربية ركيكة المخبر على ألحان غربية، بعيدة عن الذاكرة. ويقول المطرب السوداني: "يقيني ان المتغيرات التي أسهمت في تصعيد العلاقة بين الغناء العربي القديم والغناء العربي الحديث تعود الى المتغيرات الحياتية التي طرأت على العالم العربي من جراء المد الثقافي الغربي في المكان الاول وغير الغربي ثانياً. فالشاعر الغنائي العربي والملحن والمؤدي الى جانب المتلقي يعترفون جميعهم مما في دواخلهم من تحصيل ومعرفة هما القياس لحجم الابداع وللتقدير. ونحن في زمان قَصُرت فيه خطى ايقاعات الحياة بحيث وقف التحصيل على المسموع والمرئي اللاهث وما تيسر من سهل الاطلاع". "الوسط" سألت الكابلي عما يُقال من ان المتغيرات ادخلت العلاقة بين القديم والجديد في طور مخاض تحتاج معه الاغنية العربية الى ربع قرن على الاقل قبل ان تنصهر في الروح المعاصرة. فأجاب: "بقليل من التأمل نجد ان المتغيرات التي طرأت على حياة الامة العربية لا تقتصر على أمر الاغنية وحدها، لأن الاغنية هي المرآة الصادقة التي يرى فيها المجتمع الغربي نفسه، شأنها شأن كل ألوان الابداع، اذ ان تأثر التعبير الابداعي بمتغيرات عالم اليوم دليل على تأثر الحياة كلها، الامر الذي يحدو بالمهتم الذي يتّسم بالموضوعية، لأن يُعمل الفكر في مسارات الحياة نفسها، وفي سبل بلوغ الصيغة او ربما الصيغ الخيرة التي تعقب هذا المخاض الحياتي، وعندها ستقوم الاغنية العربية بالتعبير الصادق عن الحياة التي يرتجيها الانسان العربي". من شادي الخليج الى نبيل شعيل وتعيش الاغنية العربية في منطقة الخليج العربي الهموم نفسها التي تواجهها الثقافة الغنائية والموسيقة في انحاء الوطن العربي الاخرى، وان كان الايقاع يقوم بدور أشد أهمية في معارك التطور والمواكبة في الفضاء الخليجي. منذ اكتشافات وابتكارات محمد عبدالوهاب ومحمد القصبجي ومدحت عاصم، ثم الاخوين رحباني وحليم الرومي في لبنان، في مجال ادخال الايقاعات الغربية على الاغنية العربية ومحاولتهم اخراجها من "الهارموني التركي الرتيب" - حسب تعبير احد باحثي الموسيقى - والاغنية العربية تعيش في ظل الايقاع. وكان هذا الايقاع منذ البداية يستعير من الفالس والرومبا والمامبو والتانغو، ناهيك عن البوليرو الذي كان حليم الرومي احد رواد استخدامه. صحيح ان كبار الموسيقيين الذين ادخلوا تلك الايقاعات الى الاغنية العربية لم يتوقعوا ابداً ان يصل استخدام الايقاع الى حدود الابتذال التي وصل اليها خلال العقدين الاخيرين عن طريق ما سمي ب "الاغنية الشبابية" غير انهم يعتبرون بشكل عام مسؤولين عن ذلك، لأن استخدامهم الايقاع، وتغليبه، احياناً، على الهارموني - كما في بعض اغنيات عبدالوهاب خلال الخمسينات، وألحان منير مراد لأغنيات شادية - مهّد الطريق لطغيان الايقاع. ولئن كان هذا الطغيان ظهر، على اي حال، من خلال انتشار الغناء السوداني، بفضل اذاعة "صوت العرب" في تلك السنوات، علماً بأن الغناء السوداني، الذي ادخل الى الاغنية العربية حيوية استثنائية، كان يجد جذور في "التام تام" الافريقي الذي يكمن، من ناحية اخرى، في خلفية موسيقى الجاز الاميركية السوداء، لئن كان هذا صحيحاً ولئن كان الايقاع السوداني اثر على قسم كبير من الملحنين المصريين واللبنانيين في تلك الآونة، فإنه كان لا يزال على الاغنية العربية ان تنتظر الفورة الكبيرة للاغنية الخليجية قبل ان تعثر على ايقاعات عربية اصيلة غير مستوردة وغير مستعارة. وفي هذا المجال تكمن الثورة الكبيرة التي تحققت عن طريق انتشار الغناء الخليجي. يذكر قراء مجلة "العربي" خلال النصف الاول من الستينات، بالتأكيد، ذلك الاعلان الذي كان يُنشر باستمرار في هذه المجلة عن اغنيات "شادي الخليج". والحال ان شادي الخليج كان طوال تلك المرحلة الوجه الأبرز في الغناء الخليجي غير ان الذين احبوا شادي الخليج واهتموا بغنائه واكتشفوا من خلاله ايقاعات الاغنية الخليجية لم يتنبهوا في ذلك الحين الى ان شادي الخليج كان الوجه الابرز في حركة غنائية محلية لها ملحنوها ومغنوها وعازفوها، وان كان من المنطقي لها الا تخرج في ذلك الحين عن نطاق محليتها، لأسباب عديدة منها طغيان الاغنية المصرية والغناء اللبناني تبعاً لطغيان اعلام هذين البلدين. بعد ذلك، مع تغير الاوضاع السياسية والاجتماعية في العالم العربي، خصوصاً مع الطفرة النفطية التي دفعت مئات ألوف العمال العرب الى التوجه نحو البلدان الخليجية سعياً وراء الرزق، بدأ المستمع العربي يكتشف بالتدريج ان شادي الخليج ليس فريداً من نوعه، وان ثمة غناء خليجياً حقيقياً بحاجة لمن يستمع اليه ويكتشفه. وكان من ابرز علامات هذا الاكتشاف كون الغناء الخليجي يختلف بصورة جذرية عن كل ما عرفه المستمعون العرب. فهنا لم يعد المستمع العربي امام ألحان متحدرة من التراث العباسي / التركي، ولا امام ايقاعات مستعارة من موسيقى اميركا اللاتينية او من الفالسات الآتية مباشرة من فيينا، ولا حتى امام الايقاعات الافريقية الواصلة عن طريق السودان، ولا حتى امام موسقى ترتبط بالتوشيح الاموي / الاندلسي. وبالأحرى وجد المستمع نفسه امام شيء جديد عليه تماماً: امام ايقاعات انسيابية احتاج المستمعون الى فترة من الزمن قبل ان يكتشفوا التشابه الغريب بين وتيرتها ووتيرة حركة البحر. وليس هذا التشابه من قبيل المصادفة بالطبع. في مقال له عن موسيقى فيفالدي، يكتب الروائي وباحث الموسيقى الايطالي البيرتو سافينيو قائلاً ان اهمية موسيقى صاحب "الفصول الاربعة" تكمن في ان حركة ايقاعها الانسيابية التي تظهر كما لو انها مسيرة متواصلة تتماوج هبوطاً وصعوداً تبعاً لحركة رياح متواترة. ويقول سافينيو، ان مراقبة فيفالدي لحركة امواج البحر في مقر اقامته بالغرب من البندقية، هو الذي اوحى له بتلك الايقاعات التي تشبه حركة موج البحر. ما لم يقله سافينيو في مقاله هو انه لئن كان فيفالدي اكتشف حركة الامواج ونقلها الى عمله الموسيقي، فان بحارة "الادرياتيك" كانوا يفعلون هذا في الحانهم واغانيهم العفوية منذ فجر الزمن من دون ان يلتفتوا الى دلالاته الثقالية. وما يقال عن بحارة الادرياتيك يقال، بالطبع، عن كل البحارة، خصوصاً بحارة الخليج الذين لعب البحر، على الدوام، دوراً كبيراً وهاماً في حياتهم فاستمدوا منه رزقهم وايقاع حياتهم و ايقاع موسيقاهم. ولما كانت المناطق الخليجية عاشت زمناً طويلاً على ايقاع حياة لم يتبدل كثيراً ايقاع صيد السمك واللؤلؤ وصناعة السفن والابحار، ولما كانت عوامل البحر الطبيعية رسمت ايقاع حياتهم بشكل عام، فان ايقاع موسيقاهم والغناء ظل طوال سنوات بل قرون عديدة بكراً لا يعرف اي دخيل. ولعل هذه "البكورة" هي التي جلبت المستعمين الى غناء شادي الخليج، حتى وان تنبهوا الى هذه الحقيقة باكراً ولعلها هي التي مهدت الطريق لاستقبال الطيب الذي لقبه طلال مداح ومحمد عبده حين ظهورهما اواخر الستينات، من محليتهما الى الفضاء العربي، عبر بيروت والقاهرة. منذ ظهور طلال مداح ومحمد عبده، وبفعل التلاقح الجديد الذي كان بدأ يعرض نفسه بين مجتمعات الهجرة ومجتمعات الاستقبال الخليجية، كان من الطبيعي للأغنية الخليجية ان تنتشر وتبرز في بعض الاحيان بوصفها المنافس الرئيسي للاغنية المصرية، هذه الاغنية التي بدأت تفقد منذ السبعينات، واثر رحيل ام كلثوم وفايزة احمد وفريد الاطرش وعبدالحليم حافظ او تباطؤ ايقاع نجاة الصغيرة وهدى سلطان الكثير من زخمها ومكانتها، لصالح تجارب آتية من شتى البقاع العربية. الاغنية الخليجية التي بدأت خجولة عن طريق شادي الخليج، ثم شقت طريقها بقوة مع طلال مداح ومحمد عبده، صارت خلال العقدين الاخيرين حقيقة واضحة، وفرضت ايقاعاتها الجديدة حتى على "الغناء العربي الآخر" وصار "اللون" الخليجي - حسب تعبير اهل المهنة - لوناً سائداً ومطلوباً، ولكن من الخطأ الاعتقاد بأن حضوره الطاغي ينطلق من محاولة ارضاء المستمع الخليجي وحده، وان انطلاقته انما هي اشارة "لتشتت الاذواق العربية" كما قال احد النقاد. فالحال ان اي منصف مراقب لما يحدث سيكتشف ان الاهتمام العربي العام، بالغناء الخليجي نبع من حضور هذا الغناء كعمل فني قائم بذاته، ومن ايقاعاته الجديدة، وأحياناً من خلال الكلام المبتكر والجديد على الاذن العربية. اليوم لم يعد شادي الخليج كما كان في السابق في اذهان المستمعين، وطلال مداح ومحمد عبده لم يعودا وحدهما في الميدان. فلو تصفحنا خارطة الغناء الخليجي ستطالعنا اسماء عبدالله الرويشد الذي اضحى ذا شعبية هائلة يغني للناس في سهراتهم اغنياته الجميلة مثل "يا ناسيين الحبايب" و "قوللي على إيش" و "يا عيونها"، ونبيل شعيل الذي يبدو غناؤه اكثر التصاقاً بالروح الشعبية الاصيلة، وبات قاسماً مشتركاً بين معظم الحفلات الغنائية ويعرف ملايين المستعمين العرب اغنياته الشهيرة مثل "دان وايوه" و "فكرة" و "جار الزمن" و "لا تصدق". من محمد البلوشي الى غريب الشاطئ، ومن خالد الربيع الى سليمان المعلا وعلي عبدالكريم وعباد الجوهر وعتاب وهند، وصولاً الى الغناء الجماعي الذي تقدمه فرق مثل "ثنائي الخليج" و "المرجانة" و "المجموعة". باتت للغناء الخليجي اليوم مكانة اكيدة في خارطة الغناء العربي. حتى اليوم لا يزال جزء كبير من هذا الغناء يحافظ على "بدائيته" الساحرة وعلى نقائه، ويستمد كلام الاغاني من الحياة الشعبية نفسها ومن سجل العواطف المكبوتة التي تكاد تجعل من بعض الاغنيات استمراراً لأشعار عمر بن ابي ربيعة وقيس بن الملوّح، ولا تزال ألحانه وايقاعاته مرتبطة بالتراث المتحدر من اصالة حركة البحر وتموجاته. وحتى اليوم لا يزال معظم المغنين الخليجيين بعيدين عن غناء الكاباريهات السائد حالياً في معظم الغناء العربي ويكاد يحطم جزءاً من العلاقة الرفيعة التي قامت على الدوام بين المستمع العربي والغناء. ولكن، كما ان لكل ميدالية وجهها الآخر، يعيش الغناء الخليجي اليوم ازمة نمو، وازمة انتشار. فهو اذا كان له مغنوه الاصيلون وملحنوه المتمسكون بالتراث، فانه بدأ يعرف، وسط الفورة الغنائية التلفزيونية السائدة حالياً نوعاً من التراخي الذي يهدده حقاً. الطلب على الاغنية الخليجية بات كبيراً، والطفيليات المختبئة وراء هذه الاغنية بات عددها يتزايد باستمرار. وصار كل هاو يريد ان يوجد مكاناً لنفسه يصر على ان تكون له، هو الآخر، "اغنية خليجية" يجذب بها مستمعيه، وصارت "الاغنية الخليجية" تُلحن في اي مكان وفي كل مكان. وصار الايقاع وحده سمتها الاساسية، من دون ان يدرك الملحنون كنه هذا الايقاع وحقيقته وانحداره من تراث طويل عريض. ليست ثمة قواعد وقوانين محددة يمكنها ان تساهم في ابقاء الغناء الخليجي على نقائه. وتكاثر الاذاعات والتلفازات سيؤدي بالتأكيد الى تفريخ غناء خليجي في المراحل المقبلة. والاذواق العربية العامة التي بدأت تفقد الكثير من المعايير والقدرة على التقويم تقل قدرتها على التفريق بين الغناء الجيد والغناء الرديء. ومن هنا نتساءل عما اذا كان خروج الاغنية الخليجية الاصيلة من محليتها امراً مفيداً لها ام طريقة للقضاء عليها هي الاخرى، تماماً كما تم القضاء على الكثير من تيارات ومدارس الغناء العربي على مذبح الاستهلاك ووتيرته المتصاعدة؟ الجديد امتداد للقديم ولكن حملت "الوسط" سؤاليها اللذين بَنَتْ عليهما هذا التحقيق الموسع الى المطرب السعودي المعروف طلال مداح الذي وجدته عاكفاً على تأليف الموسيقى بالعقل الالكتروني. فقال: "العلاقة موجودة دائماً بين القديم والجديد في الاغنية العربية، وفي رأيي انهما مكملان لبعضهما، والجديد هو امتداد للقديم بشرط الحفاظ على الاصالة. اما في ما يتعلق بالاتجاهات المعاصرة للتطوير فإن ذلك يُعزى الى تغيرات العصر ومواكبة الجديد الحاصل في الاغنية العربية، وكل عناصر الاغنية من كلمات وألحان وأداء تشهد تطورات عدة، ولا أجد مانعاً من استخدام العنصر المميز واضفائه بشكل حديث على روح الاغنية الجديدة، والواقع أني ألمس أن كثيراً من الفنانين العرب فعلوا ذلك واستطاعوا ان يحققوا نجاحاً جيداً في هذا الصدد". وأضاف طلال مداح "لا شك ان فترة ربع قرن فترة ليست قصيرة، ولكن المهم من وجهة نظري هو مدى الاستفادة من مرور هذه الفترة في تحديث العمل بشكل لا يخدش جمال الاعمال القديمة، ولا ننسى ان تعاقب الاجيال له دور فعال في الخروج من الاطار التقليدي والنهوض بمستوى الاعمال الجديدة، ونلحظ هذا عند ظهور اصوات جديدة في الاغنية العربية، ولا زلت اكرر ان المهم هو الحفاظ على اصالة تراثنا". وقال المحلن السعودي المعروف سراج عمر ل "الوسط": "اعتبر ان القديم هو الاساس لما يتم تقديمه من اعمال موسيقية جديدة، لها شخصيتها الحديثة المتمثلة في الكلمة والاسلوب اللحني المبتكر، اضافة الى التعبير الصوتي من أحد الاصوات الجميلة على النطاق العربي. وهناك مجموعة أدلة تؤكد ان عدداً من الملحنين استطاع ان يوظف بعض نجاحات ألحانه من خلال استفادته من بعض الفولكلورات العربية وصياغة ألحانه على منوالها والأمثلة على ذلك كثيرة. ان ربع قرن من الزمان فترة كفيلة بصهر القديم والجديد وظهور فئات شبابية ستتمسك بأن هذه الاعمال خاصة بجيلها، ولكن الذي يؤكد مصداقية التراث وأداءه هي المعاهد الموسيقية العربية المتخصصة في الوطن العربي التي تقع على عاتقها مسؤولية مهمة وهي الحفاظ على بقاء الاعمال العربية القديمة". وفي دولة الامارات العربية المتحدة قال عبدالله حارب، وهو من أول الاصوات الغنائية التي انطلقت من الامارات، وتحديداً دبي، عن حال الاغنية الآن في منطقته: "لدينا تراث غنائي غني ومتنوع لم يستغل جيداً حتى الآن فقد عرفنا الموال والاهازيج والحدوة وغيرها من ألوان الغناء قبل ان نتعرف الى الآلات بمختلف اشكالها ومسمياتها. ولو تحدثنا عن الامارات بشكل خاص لوجدنا ان فيها فنوناً لم تطرق حتى الآن، ففي بلادنا ألوان غنائية خاصة بأهل الجبال، وهناك المجتمع الصحراوي البدوي، كذلك مجتمع البحر الحضري. الذي حدث اننا بدانا من حيث انتهى جيراننا اعني باقي دول الخليج وأهملنا ما لدينا، في حين تحولت الساحة الخليجية كلها الى لون واحد. ولو نظرنا الى تجربة المطربين القدامى، في الكويت كحسين جاسم وعوض الدوخي وغيرهما لوجدنا انهم اعطوا للاغنية الكويتية هوية خاصة بها في الخمسينات والستينات في حين اصبحت الاغنية الكويتية الآن خليجية وقد يكون مرد الامر الى انها نتائج تعاون كويتي - سعودي - بحريني". وأضاف حارب: الآن تتجه الاصوات الجديدة في الخليج نحو اليمن وتنهل من تراثنا الغنائي وهو خصب ولكن تتغير الكلمات فقط وتبقى التقنية مجرد مطلع وكوبليه يتكرران الى كل اغنية جديدة. وعندما سألناه هل ادخلت المتغيرات العلاقة بين القديم والجديد في مخاض تحتاج الاغنية فيه الى ربع قرن للخروج منه او الانصهار فيه؟ فأجاب حارب ضاحكاً: "اعتقد ان السؤال فيه الكثير من التفاؤل، فتحديد معالم الاغنية العربية الجيدة يحتاج الى قرون لماذا؟ لأن الغراب طالب كل شيء على علاقة بعالم الاغنية، فقوة الصوت لم تعد الفيصل كذلك تجسيد الحالة اثناء الغناء، انها عامل للكسب المادي ليس إلا. وحول ما اذا كان يعتقد ان المستمع مسؤول في مثل هذه الحالة، قال "المستمع يتلقى ما هو متوفر. واتهامه خطأ فادح، لأنه غير مسيطر على الحالة السائدة. انه مجرد مستهلك، والدليل انه كلما حدثت حالة استثناء يتهافت عليها، ويتعامل معها". وعن مرئياته لحل هذه الازمة قال ان الحلول ليست بيد الملحنين او المطربين او حتى شعراء الاغنية، فالمسألة تحتاج الى جهود دولية! قد يسخر البعض مما نقول ولكن ثمة وباء اسمه الاغنية الخليعة او غير المقبولة، ويجب التصدي لها. كيف؟ استطيع القول بتربية جيل جديد يفهم الموسيقى ويستمتع بها وهذا يتطلب مراكز بحوث خاصة بالموسيقى والتراث الغنائية وتصميم الموروث العربي والمحلي عبر وسائل الاعلام. الآن يشاهد اطفالنا صوراً تتراقص ومشاهد متسارعة وموسيقى صاخبة ضمن سلسلة اغاني "الفيديو كليب" وفي ظنهم انهم يستمعون الى اغان. وقال عما يمكن ان يفعله من موقعه الرسمي نائباً لرئيس لجنة الاستماع في إذاعة دبي: "نعم هي محاولة لضبط الامور فحسب، وذلك بتقويم كل ما يصلنا وبث ما يناسب، لكن النتائج مرتبطة دائماً بمستوى الاغاني المنتجة المقدمة لنا وهي غزيرة جداً وقد تكون جيدة". هناك ايضاً في الامارات الفنان ابراهيم جمعة الذي ابتكر عدداً كبيراً من الألحان المتميزة لمناسبات عالمية واقليمية رياضية وتراثية شهدتها المنطقة، ويكاد يكون اكثر الفنانين الخليجيين تعاملاً مع التراث الغنائي. يقول جمعة: "في الامارات تختلف لهجتنا المحلية قليلاً عن جيراننا من دول الخليج، وربما العامل الجغرافي وتنوع البيئة الخاصة يناسبنا، ولكن لم يُستغل الا النذر القليل من تراثنا الفني في هذا المجال. فموسيقانا الشعبية واغانينا تترجم كل ما نملك من عادات وتقاليد وأحاسيس. وقد قمنا بمحاولة مع الفنان عيد الفرج دوّنا خلالها كل ما استطعنا تدوينه، وسلمناه الى الجهات المختصة التي بامكانها دراسة وتصنيف هذه المواد للاستفادة منها، ولكن لم يحدث شيء حتى الآن. ويتابع جمعة: ليس في تراثنا الغنائي ما يخجل فلماذا نهمله لهذه الدرجة. في الستينات كانت لنا اغانينا المتميزة، وظهرت لدينا اسماء وعرفت عربياً رغم خصوصية اللهجة مثل جابر جاسم في اغنيته "سيدي يا سيد ساداتي" وكذلك "غزيل فلّه" وعبدالله بلخير في اغنيته "علاية" و "دار الهوى نشامي". وأشار الفنان الاماراتي جمعة الى اننا يجب ان نفطن الى المتغيرات الآن، فالمحطات التلفزيونية عادت الآن لاذاعة الاغاني القديمة المصورة بالاسود والابيض! وأكد جمعة أهمية مسألة اخرى، وهي ان اغنية اليوم "مسخ مشوه انتجته التكنولوجيا، وقد آن الأوان لتحديد وتعريف المطرب، وصدور قانون حماية الحقوق الخاصة بالمطرب او منتج الاغنية ليكون ذلك لبنة في مشروع اعادة الاغنية العربية الى وضعها الصحيح. فتجويد الانتاج سيكون هدفاً اساسياً للاصوات الغنائية في اطار معركة اثبات الوجود والوصول الى المستمع الحقيقي ولن يبقى مثل شخصيات لعبة "الآتاري". بقي ان نضيف بأن سلطنة عمان انشأت فرقة سمفونية من شباب وشابات عمانيين تعزف السيمفونيات العالمية. واعتبرت السلطنة العام المقبل 1995 "عام التراث العماني". وستعزف فيه اوركسترا عمانالشرقية كل ما هو معروف ومتناقل من التراث الغنائي العماني. الاسبوع المقبل: الحلقة الاخيرة