1994 - 1995 777 وندخل في العام السادس لانتهاء الحرب الباردة7 تمضي الأيام والعيون شاخصة نحو الجديد الذي يفترض فيه أن يبزغ من رماد النظام الدولي القديم7 لا دخان ابيض في الأفق الذين أعلنوا، بتسرع، ولادة نظام دولي جديد لا يعرفون كيف يمحون كلامهم7 يحاولون، عبثاً، ابتلاع ألسنتهم بعد أن اعتبروا أن سنونوة حرب الخليج تبشر بربيع الشرعية الدولية والاستقرار وتقاسم ثمار الازدهار7 كان العالم في العام المنصرم يبحث عن نفسه، عن معنى يمكن له أن ينظم تطوراته7 غير انه لم يلتقط أنفاسه ليفعل ذلك بهدوء ترك السيل يجرفه7 ماتت الاشتراكية عاشت الرأسمالية7 انهار الجدار عاش التبادل الحر7 أما التشنجات المواكبة لذلك ففي وسعها الانتظار7 انتصارات ل التبادل الحر من نافتا، إلى اجتماعات الدول المطلة على المحيط الهادئ، إلى التقدم على صعيد حل الاشكالات الأميركية - اليابانية، إلى الاتفاق التجاري بين الولاياتالمتحدة والصين، إلى لقاءات دول الاميركتين، إلى التوسع الأوروبي وتزايد الاتفاقات مع دول شرق القارة ووسطها، إلى انفتاح الأسواق الروسية، إلى الشرق الأوسطية، إلى تعزز المؤسسات الإقليمية التي يصعب حصرها في آسيا وأميركا اللاتينية، إلى ازدياد تهميش القارة الأفريقية في شطرها الاكبر، الخ777 عنوان واحد: انتصارات متوالية لفكرة التبادل الحر وسقوط الحواجز الجمركية والتقسيم الدولي الجديد للعمل. الرمز الأكثر سطوعا لذلك هو توقيع اتفاقية الغات في مراكش ونشوء المنظمة الدولية للتجارة7 لا شك في أن 1994 هو، بامتياز، عام الحسم في تدويل الاقتصاد وبلوغ هذه العملية البادئة منذ عقود نقطة اللاعودة. وينعكس هذا الامر على عمل المؤسسات الدولية وعلاقات الحكومات بعضها ببعض ويتقدم بصفته مالئ فراغ الاستقطاب الثنائي الذي انتهى في 71989 ولعلها مناسبة للاشارة السريعة الى ان الفكرة العميقة وراء نهاية الاستقطاب هي تلك التي صاغها ميخائيل غورباتشوف مرة. نعيش جميعاً فوق مركب واحد7 كان يقصد من كلامه ان لا مجال ل التهديد المتبادل وكان واضحاً في استطراد ذلك، ان تشابك المصالح يحتم صياغة جديدة للعلاقات فوق الكوكب - المركب7 لا تحصل هذه العملية من غير تشنجات7 التدويل يعزز الاندماجات العملاقة، ويدفع نحو المنافسة القاسية، وينثر الفاقة، ويجعل حقوق الانسان في المرتبة الدنيا، ويسبب في استمرار البطالة في دول متقدمة، ويحول الرساميل من الجنوب الى الشمال ويقلل الاهتمام بالبيئة، ويعرض الدول المتخلفة او النامية الى المنافسة لا طاقة لها عليها احياناً، ويضغط على اسعار المواد الاولية لكنه مع ذلك يتقدم بطريقة يمكن القول معها ان المصيبة الكبرى التي يمكن ان تحل في منطقة ما ليست تحميلها ثمن انخراطها في هذا المسار بل تركها جانباً مرمية على القارعة7 يمكن هذا العنوان العريض ان يشكل مقدمة او مفتاحاً لفهم عدد من التطورات الدولية المهمة7 روسيا والانفتاح تواصل روسيا انتقالها الصعب نحو الانفتاح7 فتعلم قوانين السوق بدءاً بالابجدية7 ويستمر التخصيص وضبط التوازنات الاقتصادية الكبري التضخم، الدعم، الميزان التجاري، الاقتراض، الخ 777 ولكن ما ان تبرز الكلفة الاجتماعية لذلك بطالة، انهيار القوة الشرائية، تصفية المؤسسة الصناعية، تغلغل كبير للرأسمال الأجنبي 777 الخ حتى توقف شطح الليبراليين ويتم الانتقال نحو سياسة اكثر اعتدالاً7 وبما ان السوق السوداء هي المرحلة الاولى من السوق تتحول المافيات الى عنصر اقتصادي حاسم ويتكاثر الافاكون المتسللون من ثنايا الانفتاح7 ويرد المجتمع بما تبقى له من قيم مساراتية تعلمها على مدى عقود فتتشنج الحياة السياسية ويتضح كم ان بوريس يلتسن، العاصي مرة، السكران مرات، أعجز من ان يكون قبطاناً ناجحاً7 وفي سياق التراجع المستمر للدولة عن لعب دور اقتصادي، وفي ظل التفكك الذي يعيشه الجيش، تتكاثر النزاعات الاثنية والقومية وقوى الاتجاهات النابذة التي تعزز الخضة التي عاشتها روسيا بفقدانها امبراطويتها وتدفع بها نحو محاولة عودة جدية الى مسرح السياسة العالمية7 العودة الروسية الى الوضع السابق غير واردة7 فالمواطن العادي يتابع اخبار الهرب الكثيف من كوبا والتحولات الفيتنامية ودور العنصر الرأسمالي في ازدهار الصين الاشتراكية7 وهو، اذ يلاحظ ان اليسار عاد الى الحكم في غير بلد في اوروبا الشرقية فهو يعلم علم اليقين ان العائدين يطرحون برامج لا علاقة لها بالماضي، وانهم اقرب ما يكونون الى يمين الاشتراكية الديموقراطية بالمعنى الاوروبي الغربي للكلمة7 العالم ينحاز الى اليمين لا شك في ان العالم ازداد انحيازاً الى اليمين في 71994 الادلة على ذلك كثيرة جداً7 يكفي ان يتذكر المرء ان اليابان يحكمها، اليوم، رئيس وزراء اشتراكي حتى يدرك حقيقة المزاج السائد على صعيد كوني7 فكيف اذا اضيف الى ذلك ان حزب العمال البريطاني اختار زعيماً له طوني بلير من اجل ان يكسب صدقية ويجذب الفئات الوسطى ويضع نفسه في موقع القادر على وراثة جون ميجور7 وطوني بلير هو، بين المرشحين لهذا الموقع، اقرب الى الوسط منه الى اي تيار اخر7 اما الحزب الاشتراكي الفرنسي الذي تعرض لهزيمة تاريخية في 1993 فانه داعب ويداعب احلام العودة الى السلطة الرئاسي في العام المقبل 1995 عبر مرشح يستطيع تقديم نفسه بصفته اشتراكياً ديموقراطياً ويصر الكثيرون على رؤيته زعيماً وسطياً لم يغادر اطلاقاً مواقعه الاصلية: اليسار الكاثوليكي! وفي حين يحتل اليسار مواقع الوسط، كما في الحالات السابقة اليابان، بريطانيا، فرنسا، ويمكن اضافة امثلة اخري مثل اسبانيا، ودول الشمال الاوروبي، والمانيا، والحزب الديموقراطي الاميركي، الخ777 تتجه القوى اليمينية اكثر نحو777 اليمين. لقد اعتبر عام 1994، اوروبياً، عام سلسلة الانتخابات الالمانية وكان محسوماً ان هلموت كول سيتعرض لهزيمة ساحقة7 حصلت الانتخابات ونجح الائتلاف اليميني في التجديد لنفسه مرة رابعة7 جاء المثال الابرز من ايطاليا التي يعتبرها كثيرون مختبر الحياة السياسية الاوروبية7 انهارت الجمهورية الاولى في روما تحت وطأة عملية الايدي النظيفة حصلت انتخابات اقليمية اظهرت تقدماً باهراً لقوى التحالف الذي يقوده حزب اليسار الديموقراطي الشيوعي سابقاً7 جرى حل البرلمان والدعوة الى انتخابات جديدة، وفجأة برز سيلفيو بيرلوسكوني ليشكل حزباً في بضعة اسابيع، وليقدم نفسه بصفته منقذ البلاد من الوقوع في الفخ اليساري، وليردد عبارات تبسيطية سبق رونالد ريغان ومارغريت ثاتشر ان لاكاها، ويحصد نتائج غير متوقعة ابداً7 لم يكتف بالفوز بل حمل في سياق ذلك الفاشيين الجدد وروابط الشمال، واخرجهم من عزلتهم ليضعهم في قلب السلطة في واحدة من الدول الصناعية السبع الاكثر تقدماً7 الى اليمين در7 في المكسيك اغتال الحزب الحاكم مرشحه للرئاسة ومع ذلك نجح في ايصال مرشح اخر وكانت الحصيلة هنا، كما في انتخابات اخرى عديدة، ان المرشح اليميني حل اولاً وان الثاني هو اكثر يمينية منه! لم تشذ سوى البرازيل عن ذلك حيث نجح المرشح اليميني بعد ان برز للوهلة الاولى ان الزعيم النقابي - لولا يمكنه ان ينتزع الرئاسة7 الوصفة الجاهزة لا يمر هذا الانحياز العام من غير تأثير في المؤسسات الدولية7 فصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة التعاون والتنمية الاوروبية، والمفوضية، وغيرها، لا تلهج الا بالوصفة الجاهزة لاعادة التركيب الهيكلي للاقتصاد المحلي في الدول النامية حتى يمكن القول ان مئات الملايين من البشر في العالم، يعيشون حسب هذه التوجيهات بعد ان تخلفت دولهم عن القسم الاكبر من سيادتها الاقتصادية7 ومن اجل تتويج هذا المنحى جاءت الانتخابات النصفية في الولاياتالمتحدة الاميركية لتعطي زخماً جديداً لهذا الانحياز المتزايد نحو اليمين7 لم تنفع نجاحات بيل كلينتون الاقتصادية ضبط التضخم، تراجع البطالة، عودة الانتعاش، خفض العجز في الموازنة، ولا انجازاته الديبلوماسية هايتي، العراق، السلام في الشرق الاوسط، كوريا، الخ777، ولا انحيازه نحو الوسط في منع اقصى يمين الحزب الجمهوري من الفوز والسيطرة، للمرة الاولى منذ أربعين عاماً، على مجلس النواب والشيوخ7 والحديث من اقصى اليمين، هنا، ليس مبالغة7 انه تحالف بين تيار ديني شديد المحافظة في القضايا الاجتماعية والى تيار سياسي - اقتصادي يعتبر ببساطة، انه مدعو لقيادة ثورة رأسمالية على الصعيدين الاميركي والعالمي لسبب واضح هو ان الرأسمالية الفعلية لم تطبق بعد في اي بلد وان الانظمة اليمينية الحالية يأكلها السوس الاشتراكي7 ان الهدف الفعلي لهذا اليمين الظافر هو تفكيك دولة الرفاه وضرب البرامج الاجتماعية مساعدات للفقراء، ضمان صحي واجتماعي، تقاعد، حقوق اقليات الخ7777 لقد حصل تقدم كبير على هذه الطريق لذلك فان الاصح هو القول ان الهدف هو الخلاف من انقاض دولة الرفاه من اجل ان يبنى فوقها ما يسميه نعوم تشومسكي دولة الرفاه للاغنياء داخل كل بلد وعلى صعيد عالمي7 ولا تأبه هذه الحملة بأن تستخدم الحجج والذرائع التي استعرضت بكثافة عندما ثار في الولاياتالمتحدة الاميركية النقاش الشهير حول الصلة بين العرق ودرجة الذكاء، وهو نقاش يمكن اختصاره الى لا فائدة من مساعد الفقراء طالما ان المشكلة طبية ووراثية! القارة الملعونة اذا كان عام 1994 اكد الاتجاه نحو تدويل الاقتصاد وانحياز الحياة السياسية نحو اليمين فان ذلك لا يخص وقائعه كلها7 ثمة ازمات اقليمية في صلب هذا التوجه كما ان هناك قضايا ضعيفة الصلة به7 ويجدر القول، هنا، ان الاشارات متناقضة7 لقد تأكد، مثلاً، في العام الماضي ان التمييز العنصري في جنوب افريقيا انتهى، وان نلسون مانديلا يحسن قيادة الانتقال نحو الديموقراطية، ولا يخيف البيض الذين بقوا حيث هم ولعبوا دورهم في تحويل هذا البلد الى عملاق اقتصادي يمكنه، في الظروف الجديدة، لعب دور كبير7 غير ان الفرحة اخلت المكان بسرعة امام المأساة المروعة التي حلت في رواندا7 مأساة من صنع البشر اولاً7 مجازر7 مئات آلاف القتلى7 تخل دولي قل نظيره من جانب حكومات لم تقصر قبل ذلك في تسليح ميليشيا القتلة7 ثم مأساة من صنع الطبيعة، اوبئة، براكين، أمراض ستبقى صور الجثث الطافية فوق الأنهر، والحشود المرمية في مخيمات البؤس، ومئات الآلاف من النازحين، شواهد على ان نهاية القرن العشرين لا زال فيها متسع لمذبحة حطمت الارقام القياسية العالمية لكنها، لم يسبق في تاريخ البشرية، ان قتل مثل هذا العدد الهائل، عمداً، وفي مثل هذا الوقت القصير! ان افريقيا هي القارة الملعونة: الحرب الاهلية تتجدد في الصومال، والايدز يصيب اكثر من عشرة ملايين على أقل تقدير، ونيجيريا مهددة بالانفجار، الخ 777 على المقلب الاخر، وبعد تردد طويل، نجحت الادارة الاميركية في ايجاد حل للازمة في هايتي وتجنبت مواجهة خطيرة جداً في كوريا الاولى لقربها الجغرافي، والثانية لطابعها النووي، في حين لم يهتم احد بالاقتتال الافغاني او باحتمالات الانفجار في كشمير، الخ777 تبقى الحرب في البوسنة والهرسك هي الازمة الدولية الكبرى في العام الماضي7 لماذا؟ أولاً - لانها تدور فوق المسرح الاوروبي وتشكل اهم مواجهة شهدتها القارة منذ الحرب العالمية الثانية7 ثانياً - لانها قدمت ضوءاً كاشفاً على العلاقات الاوروبية الداخلية التباين بين فرنساوبريطانيا من جهة والمانيا من جهة ثانية واظهرت كم ان البناء الاتحادي الاوروبي ما زال طفلاً يحبو لا يستطيع التعاطي بحزم مع مشكلة واقعة عند ابوابه7 ثالثاً - وضعت الاممالمتحدة على المحك وأنزلتها من الذروة التي اوصلتها اليها حرب الخليج7 ولقد كان السقوط مدوياً لأن الارتفاع كان عالياً7 اتخذ مجلس الأمن عشرات القرارات فبقيت من دون تنفيذ7 وأرسل حوالي 25 ألف جندي فتحولوا الى اسرى7 اعلن حماية مدن فحوصرت، وعلى رغم سلسلة الاهانات هذه لم تنجح الهيئة الدولية في تحريك ساكن7 رابعاً - انكشاف الأممالمتحدة طاول حلف شمال الاطلسي الذي تحول، في الازمة البوسنية، الى ذراع عسكرية للمجموعة الدولية7 فهذا الحلف الذي بني لمهمات كبرى فشل في وقف الزحف الصربي وفي فرض سلام يملك حداً ادنى من العدل7 اما الضربات الجوية القليلة التي اقدم عليها فبدت اقل من مناورة7 وقد ادى التباين في المواقف بين الولاياتالمتحدة الرافضة ارسال جندي واحد وبين الاوروبيين الى تهديد وحدة هذا الحلف والتساؤل عن جدواه بعد انهيار حلف وارسو7 خامساً - توترت العلاقات بين روسيا التي تبنت، الى حد ما، المواقف الصربية وبين الولاياتالمتحدة7 واذا كان سلوبادان ميلوسيفيتش نجح في الاستقواء بموسكو فانه وفر لها حججاً كافية للاعتراض على فكرة توسيع حلف شمال الاطلسي والاستعاضة عنها، موقتاً على الاقل، بالشراكة من اجل السلام7 سادساً - تقع الازمة البوسنية على تقاطع طرقات عدة تبدأ بالمصير الاوروبي لتمر بالعلاقة عبر الاطلسي لتصل الى البحث الدائم عن صيغة تعايش بين العالمين الاسلامي والغربي7 لقد شهد العام الماضي تطوراً للسجال الذي افتتحه صموئيل هانتنغتون حول صراع الحضارات؟ والذي اشار فيه الى ما يمكن ان يدعم النظرية القائلة بأن الاسلام الاصولي هو العدو الجديد7 ومن غير الدخول في هذه المعمعة يمكن القول ان اللامبالاة حيال مصير المسلمين في البوسنة تعزز رأي القائلين بأن استقطابات حضارية - ديني تحل مكان الاستقطاب القديم7 لهذه الاسباب يمكن التعاطي مع الازمة البوسنية على حدة بصفتها ضوءاً كاشفاً على عدد كبير من التطورات الجارية في قلب العالم7 العالم العربي اذا جاز اختصار التطورات التي شهدها العالم العربي عام 1994 في معادلة واحدة يمكن القول اننا شهدنا استمرار الدفع نحو تسوية الصراع العربي - الاسرائيلي، والاهتمام بادارة الازمات الاخرى التي انفجرت في غير مكان7 على صعيد التسوية ما زال الاتفاق الفلسطيني - الاسرائيلي في غرفة العناية الفائقة7 ترنح حين وقعت مذبحة الحرم الابراهيمي في الخليل غير انه نجح في تجاوز هذا المأزق عبر التوقيع على اتفاق القاهرة ثم وصول الرئيس ياسر عرفات الى غزة7 والواضح ان ثمة عقبات تعترض التنفيذ السهل لاتفاق أوسلو: ضعف الدعم المادي المتذرع بسوء ادارة السلطة الفلسطينية، التشدد الاسرائيلي الذي يحرم عرفات من اوراق سياسية مهمة، وتصاعد المعارضة الفلسطينية المعبر عنها سياسياً بالتيار الاسلامي وواقعياً بالعمليات الانتحارية7 وكان اللافت ان انضمام الاردن الى ركب التسوية وتوقيع معاهدة سلام مع اسرائيل اديا الى نتيجتين متناقضتين: اتساع رقعة السلام من جهة وازدياد الضغط على الطرف الفلسطيني من جهة ثانية7 استمرت، في العام 1994، المساعي الاميركية لتشجيع تسوية بين اسرائيل وكل من سورية ولبنان7 وعقدت، لهذه الغاية، قمتان بين الرئيسين بيل كلينتون وحافظ الاسد7 وقام الوزير وارن كريستوفر بعدد من الزيارات للشرق الاوسط7 والحصيلة ان التقدم الحاصل بطيء جداً غير انه بطء لا يلغي قرار تل ابيب ودمشق باعتبار السلام هو الخيار الاستراتيجي7 ويمكن القول، في هذا المجال، ان الوقت لم يعد يلعب لمصلحة اسحق رابين وحافظ الاسد الامر الذي يسمح بتوقع ان يشهد النصف الاول من 1995 اختراقاً جدياً7 اذا حصل ذلك يصبح ممكناً للمفاوضات المتعددة ان تعرف انطلاقة جدية وان تشهد العلاقات الاسرائيلية مع عدد من الدول العربية تطوراً ملحوظاً وهو ما شهدنا عينة عنه في العام الماضي7 لقد شكلت القمة الاقتصادية في الدار البيضاء حدثاً بالغ الأهمية، لاسباب عدة اهمها انها تمثل الربط بين التطور المحوري الجاري في الشرق الأوسط، وما سبقت الاشارة اليه من اتجاه عالمي: ازدياد التبادل الحر، تحول العلاقات الاقتصادية الى عنوان العلاقات بين الدول والأمم والى عنوان العلاقات بين الدول والأمم والى اساس لها في الوقت نفسه7 حدثان عربيان بارزان على حوافي هذا المجرى العام، وفي حين استمر الوضع على حاله في العراق وليبيا، فان الحدثين العربيين البارزين هما: حرب اليمن ودخول الجزائر في اقتتال داخلي ضار7 لم تستمر حرب اليمن طويلاً اذ تمكن جيش الشمال من حسم المواجهة بسرعة ليواجه بعدها مشاكل متفاقمة تبدأ بتقاسم السلطة وتردي الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية لتصل الى اضطراب العلاقة مع المحيط بعد ان تكون عبرت في الحساسيات الجهوية والاقليمية التي تطرح اسئلة جدية عن عمق الوحدة7 وخلافاً لما قد يبدو للعيان يمكن القول ان الازمة اليمنية مفتوحة لان الجرح ختم على زغل ولأن الاهتمام الخارجي بمداواة الوضع ليس كبيراً7 اما في الجزائر فقد بدأ عام 1994 في اجواء متفائلة بعد مؤتمر الوفاق ووصول الامين زروال الى الرئاسة وتدشينه جولات حوار مع القوى السياسية7 ولم يلبث التفاؤل ان خبا لتدخل البلاد في نفق مظلم ولتشهد مواجهات عنيفة لا تخلو من ارتكاب فظاعات7 والدرس العربي من الأزمة الجزائرية ان التيار الاسلامي المتطرف يوحد نبض المعارضات العربية ويشير الى طبيعة المواجهات اللاحقة ويؤشر الى ان هذه المجتمعات عاجزة عن فرز قوى وسيطة تحتل الحيز الاجتماعي الذي يحول دون انفجار الصراع بين معارضة جذرية وقوى أمنية ذات قاعدة اجتماعية ضيقة7 ويمثل الشلل المستمر في مؤسسات الجامعة العربية، لا بل دخول الاتحادات الاقليمية في أزمة، هذا الغياب المؤسف لآليات التوسط التي في وسعها امتصاص الخلافات ودفعها في وجهة لا يكون الاقتتال مآلها الوحيد، ولا تشكل نقيضاً لما يجري على الجبهة الاخرى حيث يتقدم السلم مع اسرائيل بخطى مؤكدة وثابتة7