نتائج الانتخابات البلدية الفرعية في إيطاليا تؤكد الحاجة الى انتخابات تشريعية. لقد بات واضحاً ان البرلمان الحالي لا يعكس التوازنات السياسية الجديدة في البلاد. انه ضحية مزدوجة لعملية "الأيدي النظيفة". أولاً لأن مئة من أعضائه يواجهون المحاكم، وثانياً لأن الرأي العام أدار الظهر للقوى الرئيسية فيه فالحق هزيمة ساحقة ب "الديموقراطية المسيحية" والغى الحزب الاشتراكي من الوجود. لا بد أن يكون العام 1994 عاماً انتخابياً تستكمل فيه ايطاليا "قدرتها" وتنتج طبقة سياسية جديدة، وفق نظام الانتخابات الجديد، من أجل تنفيذ الاصلاح الاداري الملح والمضي قدماً في تنفيذ البرنامج الاقتصادي التقشفي الذي يضبط الحسابات العامة ويقودها الى الاندراج في المعايير الأوروبية. الانتخابات النيابية ضرورية غير أن نتيجتها غير محسومة سلفاً. أي أنها قد لا تفرز أكثرية ائتلافية واضحة قادرة على حكم البلد. فالوضع الحالي يتميز بوجود حزب يساري قوي، هو الحزب الشيوعي السابق، قادر على عقد تحالفات واسعة الخضر، اليسار الكاثوليكي، الخ.. تقود الى تشكيل محور يصعب عليه ان يحكم منفرداً. في مقابل ذلك يعاني اليمين الايطالي الصاعد والممثل في "الحركة الاجتماعية" وريثة الحزب الفاشي القوية في الجنوب، و"الروابط" القوية في الشمال، يعاني هذا اليمين من تصدع لا يؤهله للتحالف اذ لا شيء يجمع بين أطرافه. لا يمكن الرهان على عودة الحياة الى الحزب الاشتراكي. ولكن، في المقابل، يمكن القول ان "الديموقراطية المسيحية" قد تنهض من رمادها بمساعدة فاتيكانية طالما ان تراجعها الهائل لم يلغها تماماً وان كان هبط بها الى حوالي 15 في المئة من الجسم الانتخابي. لقد اقترع الايطاليون، في الأيام الأخيرة، لغير الفاسدين وفضلوا، بين هؤلاء، حزب اليسار الديموقراطي لأنه يمثل قدراً من التغيير يضمن الاستمرارية ويشكل حلقة ربط بين الجمهوريتين الأولى والثانية. غير ان فراغاً حصل على الجبهة اليمينية تحاول قوى متطرفة ان تملأه. ولقد دق سيلفيدير لوسكوني، من حيث لا يدري، ناقوس الخطر حين دعا الى التصويت لزعيم الحزب الفاشية وتسليمه رئاسة بلدية العاصمة. برلو سكوني، صديق بتينو كراكسي وفرنسوا ميتران وفيليبي غونزاليس، يمكنه، اذاً، ان ينضم الى أقصى اليمين قطعاً للطريق على مرشح من أنصار البيئة! صحيح انه حاول ان يتراجع غير ان تصريحاته لم تقنع أحداً. لقد أكد سلوكه مدى الحاجة الى عودة التوازن الى الحياة السياسية الايطالية عبر بروز تيار يميني وسطي يقطع الطريق على "الحركة" و"الروابط" ويشكل نداً للجبهة التقدمية التي يقترح حزب اليسار الديموقراطي تشكيلها وخوض الانتخابات المقبلة باسمها.