اتفاقية سعودية - فرنسية في مجال التكنولوجيا الصحية    وزير الخارجية يشارك بالحوار الإستراتيجي الخليجي مع دول آسيا الوسطى    مليون شتلة بمحايل عسير    أستون فيلا يكشف سبب خطأ عزف النشيد في مواجهة باريس سان جيرمان    الأرصاد: هطول أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    وزارة الثقافة تعلن إطلاق "الخط الأول" و"الخط السعودي" وتطوير تطبيقاتهما الرقمية    تقييم الحوادث باليمن يفند ادعاءات ضد التحالف    نائب أمير منطقة جازان يستقبل مدير عام فرع وزارة الصحة بالمنطقة    أمير القصيم يفوز بجائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي    ⁧‫أمير نجران‬⁩ يطّلع على تقرير أداء الوكالات المساعدة والإدارات العامة بالإمارة    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الثالث للحوار الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى    مهرجان الثقافات بالجامعة الإسلامية يجمع حضارات العالم    5 جهات حكومية ترسم مستقبل الحج والعمرة    سعود بن نهار يطلع على منجزات ومبادرات أمانة الطائف    انطلاق منتدى ومعرض للطاقة الشمسية والرياح بجامعة الإمام عبد الرحمن    أمين المدينة: تأهيل 100 موقع تاريخي بحلول 2030    المريخ يصل إلى (الأوج) اليوم    إحباط تهريب 147 كيلوجراماً من الشبو بميناء جدة الإسلامي    الهلال الأحمر بالشرقية ينفذ فرضية لمشروع "معاذ" في جسر الملك فهد    بأكثر من 87 مليار ريال.. السعودية تُعزّز شراكاتها التجارية مع دول الجامعة العربية في الربع الأخير من 2024م    السعودية تشيد بالإجراءات التي اتخذتها الجهات الأمنية في الأردن لإحباط مخططات كانت تهدف إلى المساس بأمنه وإثارة الفوضى    الرياض تستضيف المؤتمر العالمي للأمراض الجلدية 2031 كخطوة رائدة نحو مستقبل الجلدية العالمي    ارتفاع أسعار الذهب    الأمم المتحدة: قوات الاحتلال تقتل أكثر من 71 مدنيًا في لبنان    في ختام الجولة 29 من " يلو".. نيوم للاقتراب من الصعود.. والحزم لاستعادة التوازن    القيادة تعزي ملك ماليزيا    صندوق تمكين القدس يدعو إلى إغاثة الشعب الفلسطيني    ولي العهد يعزي رئيس وزراء ماليزيا في وفاة عبدالله بدوي رئيس الوزراء الماليزي الأسبق    المملكة تؤكد على وقف الدعم الخارجي لطرفي الصراع في السودان    الأردن يحبط مخططات تخريبية ويوقف 16 متورطاً    جريمة قتل في القاهرة    رأس اجتماع اللجنة الدائمة للحج والعمرة.. نائب أمير مكة: القيادة الرشيدة سخّرت جميع الإمكانات لراحة وطمأنينة ضيوف الرحمن    حسن عبدالله القرشي.. شاعر البسمات الملونة (2/2)    محمد بن فهد.. موسوعة القيم النبيلة    حارس مانشستر يونايتد على رادار أندية روشن    بعد خسارته في إياب نصف النهائي أمام الشارقة.. التعاون يودع بطولة كأس آسيا 2    رُهاب الكُتب    الأول من نوعه في السعودية.. إطلاق إطار معايير سلامة المرضى    تغريم 13 صيدلية 426 ألف ريال لمخالفتها نظام "رصد"    «المظالم»: إنجاز قضائي لأكثر من 46 ألف دعوى    السجن خمس سنوات لمواطنٍ بتهمة الاحتيال المالي    قريباً في جدة    «سلمان للإغاثة» يوزع 1.316 سلة غذائية في محلية مروي بالولاية الشمالية في السودان    جامعة عفت تطلق مهرجان السينما الدولي للأفلام    تعليم الباحة يطلق جائزة الشيخ الدرمحي للتميز التعليمي    "بينالي الفنون الإسلامية 2025" يواصل استقبال زوّاره في جدة    إجراء قرعة دوري الإدارت الحكومية لكرة القدم 2025 بمحافظة حقل    سمو أمير منطقة الباحة يتسلّم تقرير أعمال الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف    انطلاق أعمال الدورة ال47 للجنة الإسلامية للشؤون الاقتصادية والثقافية والاجتماعية    الأخضر تحت 17 عاماً يعاود تدريباته استعداداً لنصف نهائي كأس آسيا    توقيع اتفاقية تمويل "رسل السلام" بقيمة 50 مليون دولار    مؤتمر القدرات البشرية.. مجمع الملك سلمان يقدم ثلاث مبادرات نوعية    العالم على أعتاب حقبة جديدة في مكافحة «الجوائح»    بخيل بين مدينتين    فرع الإفتاء بجازان يختتم برنامج الإفتاء والشباب في الكلية الجامعية بفرسان    أمير نجران يعتمد الهيكل الإداري للإدارة العامة للإعلام والاتصال المؤسسي بالإمارة    الحقيقة التي لا نشاهدها    أمير تبوك يزور الشيخ محمد الشعلان وبن حرب والغريض في منازلهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ندوة "الوسط" عن مستقبل النظام الحزبي في مصر . يريدون التغيير اليوم لا غداً ويهتمون بالخارج اكثر من الداخل الأخيرة
نشر في الحياة يوم 19 - 12 - 1994

الحلقة الرابعة والاخيرة من ندوة مستقبل النظام الحزبي في مصر تتناول صعوبات العمل السياسي الحزبي ودور الاعلام المرئي والتغيير الذي تريده المعارضة فوريا.
"الوسط": مع اقتراب الندوة من نهايتها وبعد وصول الحوار الى هذا المستوى من التفاعل تبقى لدينا اربع مداخلات حول القضية الاخيرة، وهي ما اذا كانت هناك مداخل لاخراج النظام الحزبي في مصر من ازمته الراهنة.
- عادل حسني: بداية لا اريد ان نظلم هذه الامة وتراثها وتجاربها، كأن نقول انه بعد 18 سنة من انشاء احزاب متعددة لا نجد فيها شيئا ايجابيا. هذا تبسيط واستسهال، ومؤداه ان فينا عيباً خلقياً. وقد جرى حديث وافر عن عدم تغيير قيادات الاحزاب، ولا يخجلني القول بأن هناك ثلاث زعامات حزبية تاريخية على الاقل وفؤاد سراج الدين واحد منهم بلا شك. وليست مصادفة انه هو الذي بقي وحده من جيل ما قبل 1952 واصر على العمل في السياسة، وابدى صلابة مدهشة وقدرة على تحمل الصعوبات على رغم انه من ابناء الذوات، فنحن اذن ازاء شخصية غير عادية. والشيء نفسه يقال عن ابراهيم شكري، فقد كان ايضا من ابناء الذوات، ومع ذلك وقف ضد النظام ورفض ان يدخل في صفوفه على رغم ان الطريق كان مفتوحا امامه، وظل حتى الآن عنيداً ثابتاً. والشيء نفسه بالنسبة الى خالد محيي الدين، فليست صدفة انه وحده من كل رجال الثورة الذي كان مستعدا لأن يشتغل من مواقع المعارضة ويتعرض لكل الظروف الصعبة. واقصد من هذا ان هناك عدداً من الشخصيات البارزة غير العادية. فاذا كان هؤلاء لم يستطيعوا تأسيس احزاب فاعلة، فهذه مسألة خطيرة. لكن لا ينبغي ان نبالغ. بالطبع هناك عيوب، لكن ليست فيهم او في الاحزاب، وانما في البيئة السياسية الحاضنة لأنها المسؤول الاول عن عدم قدرة الاحزاب على القيام بالوظيفة الاساسية، وبالتالي لا يوجد، من الناحية الواقعية، نظام تعددي. وليس هذا كلاما انشائيا ولا هو لمجرد الاثارة، نحن نتكلم بشكل محدد وواضح، فالنظام التعددي الحزبي يحتاج الى مجتمع مدني، لأنه في ظل نظام شمولي من الناحية الاقتصادية الاجتماعية، يصعب اقامة نظام تعددي. وربما يقال ان الانفتاح في السنوات الماضية خلق حالة اجتماعية وذهنية تتيح تعددية سياسية، ولكن هذا لم يحدث. وما زال هيكل الدولة الشمولية هو الذي يحكم ويخنق اي محاولة للاحزاب السياسية، فالشمولية لم تتفكك، وما زال لدينا اعلام مركزي غير معقول. فهل يتصور ان تتنافس الاحزاب في ظل سيطرة حزب واحد على الاعلام؟ والصحف الحزبية لا تستطيع المنافسة فكأن شخصاً يصرخ في قلب ميدان التحرير وحوله ميكروفونات من كل جهة فلن يسمعه احد. وبعد ذلك يقال ان المعارضة لا تريد الحوار، فلكي نتحاور لا بد ان يكون هناك قدر معقول من التكافؤ، وانا أفضل اغلاق صحف المعارضة جميعا في مقابل ان تعطوني ساعة من البث التلفزيوني كل شهر. والواقع ان هيكل الاعلام الحالي لا يمت بأي صلة الى مفهوم تعددي حزبي.
وبالنسبة الى قضية الامن ايضا، ما الذي يغري شابا في مصر للانضمام الى حزب معارضة بدلا من جمعية سرية او ارهابية؟ المفترض انه عندما ينضم الى حزب شرعي يكون في حماية القانون، وهذا الفارق لم يعد قائما. وقد تحدث الدكتور رفعت عن حالة العامل الذي اعتقل لانه وزع تهنئة على زملائه، وهذه حالة منتشرة الآن. فأي عضو في حزب شرعي يوزع بيانا من اي نوع، حتى اذا كان اعلاناً عن فتح مقر للحزب في مكان معين، فهو معرض للقبض عليه فورا، واذا أفلت فلأن احدا لم يره. وعندما يقبض عليه، يمكن ان يفرج عنه بعد اهانته او يمكث في الحبس ثلاثة ايام مع المجرمين او يظل فيه الى اجل غير مسمى. وقد اصبح تقليداً بالنسبة الينا في حزب العمل ان يكون لدينا عدد ثابت باستمرار من المعتقلين حيث يخرج البعض ويدخل آخرون.
وخطورة هذا انه يضعف النظام ككل ويقود الى ممارسة الارهاب، فقد اصبح من الصعب علينا اجتذاب الشباب. فهم يأتون ثم ينصرفون، بسبب ضغوط الامن عليهم، فيكون على الشاب اما ان يترك العمل السياسي، او يتجه الى منظمات سرية، اذا كان مصرا على الاشتغال في السياسة. وربما يكون العمل السري اكثر ضمانا وحماية بالنسبة اليه، فعندما يأتي الى حزب معارض يتم رصده امنياً وتعقبه ولذلك فربما يفضل الجماعات السرية والارهابية.
قيود وضغوط
اذن البيئة كلها مقيدة للاحزاب ويصل الامر الى حد حرمان الاحزاب من عقد مؤتمرات جماهيرية، فالشرط لذلك هو عقد المؤتمر في مكان مسوّر. وعندما نطلب عقد مؤتمر في مدرسة تصدر لادارتها تعليمات بالرفض. وممنوع ايضا الذهاب الى ساحات شعبية، وبالتالي يصبح المكان المسور الوحيد هو مقر الحزب. وبحكم اننا احزاب فقيرة فان مقراتنا صغيرة لا تسع سوى عدد قليل. اذن احزاب المعارضة ليس لديها تلفزيون والاجتماعات ممنوعة وغير مسموح بها والاعضاء محرومون من الضمانات القانونية ويتعرضون لضغوط. وهذه هي الاسباب الجوهرية لضعف اداء الاحزاب، فهل نتركها ونتهم الاحزاب بعدم الاهتمام بالاجيال الجديدة او عدم اتاحة الفرصة لها. فالقيود كثيرة بالفعل. ومع ذلك كان من الممكن ان نتحملها لو كانت لدينا انتخابات حرة. وانا لا اكاد اذكر ان هناك بلداً في العالم يحدث فيه مثل ما نشهده في مصر كلما حدثت انتخابات. فعندما تبطل محكمة النقض عضوية 70 او 60 عضوا في البرلمان، فهذا امر لا يؤخذ بهذه البساطة الا في مصر: هذا الطعن الواسع في مهزلة العملية الانتخابية ومن دون عملية انتخابية لا يستقيم النظام الحزبي. ورأيي ان حرية الانتخابات يمكن ان تقلل مساوئ القيود المفروضة على الاحزاب. ففي هذه الحالة يتحمل الناس على امل تغير الاوضاع عبر الانتخابات الحرة. لكن ما يحدث هو تأكيد ان هذه الاوضاع لا يمكن تغييرها.
أليس عجيبا ان يتصور الكثيرون ان الشعب المصري في حالة نوم. ان هذا غير صحيح فهناك حيوية اجتماعية وسياسية غير مسبوقة، ويظهر ذلك في اي ناد واي انتخابات نقابية عمالية او مهنية حيث أن نسبة المشاركة مرتفعة جداً بعكس الانتخابات العامة. فالموضوع هنا ليس غياب الحيوية وانما ادراك الناس انه لا فائدة من المشاركة طالما انه لا يمكن ان يحدث تغيير. واذا تصورنا ان هذا الوضع لن يُحدث انفجارا فهو منتهى قصر النظر، فهناك اشياء كثيرة تحتاج لاصلاح بالتأكيد والاحزاب الشرعية مقيدة أو باب الامل مغلق امامها.
التغيير البعيد
- وحيد عبدالمجيد: عندي اعتقاد معين بخصوص المخرج من ازمة الاحزاب المصرية الراهنة. ويدعم هذا الاعتقاد ما نتابعه من خطاب حزبي بشكل عام وما نسمعه الآن. وربما ابدأ من الكلمة الاخيرة للاستاذ عادل حسين في شأن نفاد صبر السعديين والدستوريين قبل 1952. ولو بدأنا من هذه النقطة يمكن ان نلمس شيئا معينا ونربطه بكلام الدكتور رفعت الذي تضمن تسفيه الديموقراطية التدريجية. فنحن نلمس الآن ايضاً هذا النوع من الاستعجال ونفاد الصبر والافتقاد الى طول البال بحكم الرغبة في التغيير السريع الفوري. وفي ظني ان هذا ضرب من الرومانسية، بعكس ما قاله رفعت السعيد عندما انتقد منظور التدرج في الديموقراطية. فهذا المنظور ليس رومانسياً وانما واقعي جدا، اما الاستعجال والسعي للتغيير الفوري وتصور انه يمكن ان يحدث في ظل معطيات فيها كثير من المعوقات، فهي الرومانسية التي لا مزيد عليها. ومن هنا اعتقد بأن جوهر المشكلة يكمن في مفهوم العمل الحزبي اكثر من هياكل الاحزاب والممارسات داخلها والاجيال! فالمشكلات الهيكلية ليست قاتلة وهي موجودة في كثير من الأحزاب في العالم، لكن يبدو ان المشكلة في المفهوم، اي مفهوم العمل الحزبي في اللحظة الراهنة بمعطياتها المحددة الواقعية. فنحن ازاء خيارين، اما ان نحاول تحقيق الاصلاح على مراحل او نخلد الى اليأس والاحباط. وقد تحدث عادل حسين عن انصراف الناس، لكن لم يتنبه الى سبب مهم لهذا الاحباط، وهو انه يقدم لهم رسالة مفادها ان لا بد من التغيير الجذري الآن وإلا فلا. فانت تسهم في الدفع الى الاحباط عبر هذا المفهوم لانك لا تقدم لانصارك الرسالة الصحيحة في رأيي، وهي ان هذا التغيير لا بد ان يحدث تدريجياً على مدى زمن معين ولا يجب انتظار التغيير غدا او بعد غد، ومن الممكن انك لا ترى في حياتك هذا التغيير في شكله النهائي وان يراه جيل مقبل. وليس في هذا عيب، يعني ليس من الضروري ان تشهد هذا التغيير بنفسك.
- عادل حسين: نحن نريد انتخابات حرة فقط.
- وحيد عبدالمجيد: هذا هو جوهر التغيير وذروته ويمكن ان اسعى الآن لحدوثه بعد 5 او 10 او حتى15 سنة.
- محمود اباظة: هل معقول ان ننتظر 15 سنة اخرى؟
- وحيد عبدالمجيد: لو كنا اخذنا بهذا المفهوم للعمل الحزبي من البداية لكنا وصلنا الآن الى ديموقراطية كاملة وانتخابات حرة واذا لم نأخذ به الآن فربما لا نصل اليه.
وقد رأينا كيف اجريت خمس انتخابات عامة في ظل التعددية منذ 1976 من دون تقدم جوهري لانه لم يحدث تراكم بسبب استهانتنا بمفهوم التدرج ولذلك نعود كل مرة الى نقطة البداية نفسها.
في اعتقادي انه لا مخرج امامنا الا الاعتقاد بانه من الممكن ان يحدث التغيير على مراحل. والمهم ان تكون هذه المراحل منتظمة ونبدأ ببرنامج زمني وهذا يحتاج الى حوار حقيقي. ولا اعتقد بأن من العبث السعي الى حوار، فلماذا لا تنظم احزاب المعارضة حوارا بينها؟ ونحن نعرف ان الازمة بين بعض احزاب المعارضة وبعضها البعض تكون في بعض الاحيان اكثر حدة من الازمة بين بعض هذه الاحزاب وبين الحكومة، فما الذي يمنع تنظيم حوار حول مسألة التغيير من خلال برنامج زمني معين والسعي الى تكتيل اوسع قطاعات النخبة حوله لان التغيير يبدأ بتوافق على مستوى النخبة، عندما نستطيع الوصول الى برنامج معقول وواقعي يحدث التفاف حوله ويتزايد تدريجا.
كما ان المساحات المتاحة لحرية الحركة ليست مستنفدة بالكامل. فعلي سبيل المثال احزاب المعارضة وصحفها لا تهتم بتعريف وتوعية اعضائها بحقوقهم القانونية والقضائية وارشاد العضو الذي ينقل بين عمله او يتعرض للضغط عليه كيف يتصرف، وتجنيد المحامين من اعضاء الحزب لمساعدته، واذا لم ندرك انه حدث تطور مهم في استقلال القضاء المصري فكأننا لا نرى الواقع.
التلفزيون ممنوع
- رفعت السعيد: أسأل أولا إذا كان المطلوب من احزاب المعارضة طول البال والصبر فما هو المطلوب من الحكم؟ مطلوب منه في ما أعتقد أن يغير من أدوات عمله وأن يحاول فعلا زيادة مساحة الديموقراطية لأن الديموقراطية التدريجية تتطلب مراحل ليس فقط منظمة كما قال الدكتور وحيد، ولكن مراحل منتظمة، بمعنى أنه كلما مر يوم تتسع مساحة الديموقراطية. وأنا أسأل أية مساحة اتسعت خلال السنوات العشر أو الخمس أو الثلاث الماضية بحيث تشجعنا على الأخذ بفكرة التدرج في العملية الديموقراطية! من الخطأ أن نتصور أن المطلوب من احزاب المعارضة أن تمارس وحدها تعزيز التجربة الديموقراطية بطول البال من دون أن تطلب من الحكم أن يمارس عملية تعزيز الديموقراطية على الأقل بتحديد قواعد اللعبة. فنحن لا نعرف حتى الآن منذ انشاء الاحزاب ما هي قواعد اللعبة. كرة القدم مثلا معروف أن لها قواعد لكن عندنا من يملك الكارت الأحمر هو الذي يستخدمه بلا قواعد فإذا أحرزت هدفا يرفع الكارت الأحمر فينتهي كل شيء.
وقد اشار الدكتور مصطفى إلى أهمية وجود كوادر في الصف الثاني. كوادر الصف الثاني موجودة، لكن القضية هي أن المجتمع يغلق عليها ابوابه، فهذه الكوادر لا بد أن تنفتح أمامها آفاق المجتمع بحيث تظهر في التلفزيون والصحف ليكتشف المجتمع وجود صف ثانٍ داخل هذه الاحزاب.
لكن الحاصل هو أن من يعمل داخل حزب في المعارضة محرم عليه أن يقترب من اجهزة الاعلام لتتعرف عليه الجماهير، ومن ثم يتحول من كادر حزبي إلى كادر مجتمعي وبالتالي لا يستطيع حزب التجمع مثلا أن يجهز قيادات جديدة فإذا تقاعد خالد محيي الدين الآن وجاء محله فلان سيقال من هو؟ فلا أحد يعرفه خارج حزبه.
والقضية الثالثة هي ما قاله الدكتور عبدالمنعم حول أهمية مراكز الابحاث للاحزاب، ونحن لدينا مركز ابحاث في حزب التجمع اعتقد بأنه يمتلك عدداً من خيرة الباحثين المصريين. واعتقد أن عندنا مكتبا اقتصاديا يضم عددا من أهم الاقتصاديين المصريين وقدم ابحاثاً اقتصادية مهمة، لكن ما قيمة هذا؟ فطالما أنك معارض فإن ابحاثك لا يُلتفت إليها وتجربة المؤتمر الاقتصادي الشهير عام 1982 تجربة عظيمة جدا، دعينا وكتبنا واخذوا الورق ليضعوه في الادراج.
"الوسط": لقد دعوتم للخطة الخمسية للتنمية فعادت الخطة الخمسية، فما المشكلة إذن؟
- رفعت السعيد: لا، لقد عادت بشكل آخر مختلف. فالقضية ليست اجراء ابحاث وانما أن نجد على الأقل من يعطيك فرصة شرح هذه الأبحاث.
وأصل الى السؤال: كيف يمكن للحياة الحزبية أن تتطور؟ هناك مهام استراتيجية ومهام مرحلية، تتطور الحياة الحزبية بأن تطلق سراح الاحزاب وتتيح لها حرية العمل، وأن تقر مبدأ تداول السلطة، وأن يكون هناك حزب حاكم حقيقي وأن يستقر مفهوم لديموقراطية العمل السياسي وللتعددية الحزبية ولحرية الانتخابات.
مرحلياً هناك قواعد عدة:
أولاً: وضع قواعد لاجراء انتخابات بشكل أكثر ديموقراطية.
وثانياً: اتاحة مزيد من فرص العمل للأحزاب.
ثالثاً: اداء صحيح للأحزاب. فأنا ممن يعتقدون بأن هناك اداء غير صحي لبعض الأحزاب ذات الطابع القومي ينعكس على سمعة كل الاحزاب المعارضة. ومن الضروري الا يجعل الحزب نفسه ستارا لقوى هي بذاتها معادية للديموقراطية وللتعددية الحزبية بما يزيد من شكوك المواطن في جدوى العمل الحزبي وفي مبدئية المواقف السياسية. فهناك حاجة إلى انسجام مواقف الاحزاب فعندما تطالب بشيء ينبغي عليها أن تمد الخط إلى نهايته ولا يمكنني أن اتقدم بالمطالبة بتعددية حزبية وبديموقراطية وبحرية العمل النقابي بينما لا أنتقد أصدقائي في الأنظمة الأخرى، إذ يتجاهلون هذه المواقف فيتعين على الأحزاب أن تكون متسقة في أفكارها ومواقفها حتى تستطيع أن تكسب احترام الرأي العام لها.
وبهذا نستطيع أن نصل الى نوع من الحياة الحزبية المتسقة. ولكن في نهاية الأمر الحزب هو تجمع اختياري من مواطنين يلجأون الى ساحة حزبية يعملون فيها، وما لم يكن هذا التجمع الاختياري قادرا على الاحتفاظ بما يصل إليه من عضوية وعلى تطويرها وتهيئتها لكي تمارس دورها أعتقد بأنه من الصعب جدا أن نأمل في حياة حزبية صحيحة. وأؤكد أنه لم تزل هناك ممارسات ترتكب ضد أحزاب المعارضة العلنية اسوأ كثيراً في بعض الأحيان من تلك التي ترتكب ضد بعض التنظيمات غير المشروعة. في كثير من الأحيان كان يعتقل الذين يلصقون ملصقات لحزب التجمع بينما يُترك "الاخوان المسلمون" يعلقون ملصقاتهم، وقد تغير هذا الآن. لكن لسنوات عدة ظلت ملصقات "الاخوان المسلمين" هي الملصقات الوحيدة المسموح بوضعها على جدران مصر، في حين كان يعتقل كل من يعلق ملصقات اخرى.
هذه حالة من الخلل السياسي والفكري انتابت أجهزة الأمن والحكم والآن يعانون من تأثيراتها.
على أية حال أنا أعتقد بأنه إذا دخل شاب الى حزب التجمع فهو بطل، لأنه يتعرض لضغوط كثيرة لمجرد أنه يدخل، وتمتد الضغوط الى أهله وذويه. ولذلك فنحن اختياريا نطلب من بعض اعضائنا أن يقدموا استقالاتهم إذا تعرضوا لضغوط لا قبل لهم بها. فمثلاً في بعض الموانئ تسحب تراخيص الدخول إلى الميناء من كل أفراد اسرة عضو حزب التجمع، فنقول له: استقل لأن العائلة كلها ستموت من الجوع.
وعموما هذا نوع من الممارسات الصغيرة لكن ما هو جوهري في هذا الموضوع هو الاقتراحات التي تقدمت بها.
مأزق عام
- عبدالمنعم سعيد: اسمحوا لي أن أسأل: هل المأزق الديموقراطي أو المأزق الحزبي الذي نعانيه في مصر فريد من نوعه، أم ثبت في مجتمعات أخرى أنهم عاشوا فى مثل هذه اللحظة التي نعيش فيها الآن، وكيف تم التعامل معها؟
يبدو لي من النقاش أننا انقسمنا الى طرفين متعارضين بين المنهج التدرجي الذي تحدث عنه وحيد وكتب عنه في مقالاته، والمنهج الذي يشكك في جدوى التدرج ويقول إننا عانينا من القيود نفسها طوال 18 عاما ولم يتغير شيء.
أولاً اعتقد ان د. وحيد لا يقلل من هذه القيود لكننا نتكلم في مثل هذه الندوة التي نحاول فيها عن طريق النشر والتنوير ان ندخل في نوع من التفكير المشترك للتعامل مع معضلة معينة. ولا أعتقد بأن أحدا يختلف مع الحاجة لمناخ افضل، واحترام الرأي الآخر والسماح في الاعلام. كل هذا ليس موضع مناقشة وانما القضية موضع المناقشة هي ما الذي أوصلنا الى هذا المأزق ولماذا يحدث ذلك وكيف نتعامل معه؟
أنا أزعم ان التطور الديموقراطي في التاريخ الانساني كله لم يحدث إلا بطريقة تدرّجية. هناك تطور في الديموقراطية واساليبها والتعامل معها، وفي بعض الاحيان وصلت الأمور في الغرب الى حافة الحرب الاهلية، بمعنى أن المجتمعات يحدث صراع بينها وبين السلطة حول آفاق التطور وهو ما نسميه مأزقا، اي تناقض أو عجز عن استيعاب قوى موجودة في المجتمع داخل العملية السياسية وهذا هو جوهر مأزق النظام الديموقراطي او الحزبي.
وكان هناك دائما منهجان اساسيان في التعامل معه: منهج إصلاحي ومنهج انقلابي. الإصلاحي كان يبدأ بالاعتراف بشرعية ما هو قائم أي بأن هناك شرعية للأسرة المالكة الانكليزية مثلا وحقوقاً معينة ثم يطالب مثلا بنقابات للعمال معينة، وحتى اذا نظرنا الى التراث الاميركي نجد انه بدأ برفض فكرة الاحزاب كلها، ورأى ماديسون أنها تفتت الأمة، لكن بعد ذلك اصبح هناك حزب ديموقراطي وحدثت حرب اهلية وظهر الحزب الجمهوري، وفي بريطانيا كان هناك الاحرار في البداية ثم المحافظون ثم حقوق العمال ثم فكرة الحقوق المدنية ثم فكرة المساواة مع المرأة ومن ثم استيعاب كل طوائف المجتمع بشكل ما والاعتراف بها.
وفي المقابل كان هناك اتجاه يمكن ان نسميه اتجاهاً انقلابياً يرى ان السلطة محتكرة باسم البورجوازية او باسم العائلات والنبلاء وخرجت منه التيارات الماركسية والفوضوية التي تشكك حتى في الدولة كتنظيم وكلنا يعرف ذلك. لكن المهم هو أن التيارات الانقلابية لم تضف تاريخيا الا زيادة الوعي بأن هناك طائفة او مجموعة سياسية في المجتمع لا تجد لها قدرة على التعبير، وفي اعتقادي ان هناك قطاعات في حزب التجمع وفي العمل وفي "الاخوان" هم على حافة الفكرتين الانقلابية والاصلاحية. ما قاله الاستاذ عادل حسين في هذه الندوة يدخل في الإطار الاصلاحي لانه يبدأ من داخل الشرعية والتسليم بوجود قانون والدعوة لاحترامه في شأن سلامة الانتخابات، بمعنى ان تحترم السلطة القانون الذي وضعته، وهذا شيء مشروع تماما.
لكن ليس هذا هو النسق العام. فهناك خطاب موازٍ لا يسلم بالشرعية وحتى في حزب الوفد هناك من لا يسلمون بهذه الشرعية من منظور انها مرتبطة بتراث 23 يوليو الذي كان في الاصل انقلابا عسكريا على الديموقراطية.
لكنك لا تستطيع تحقيق اصلاحات وانت تبدأ برفض شرعية النظام القائم وتقسيم المجتمع الى ملائكة وشياطين او الى وطنيين وخونة. والخروج من هذا المأزق لا يبدأ فقط بمسألة التعبيرات على رغم انها تحمل وزنا وفي الثقافة السياسية العربية بالذات تحمل وزنا شديدا، وانما يبدأ بتعريف المصلحة القومية أي أن العبور من هذا الخطاب الذي هو على حافة الاصلاح وعلى حافة الانقلاب يبدأ بتعريف المصلحة القومية. فالمطلوب مثلا ان يصبح نهج حزب العمل في رفض السلام مع اسرائيل جزءا من تعريف المصلحة القومية وليس خلافا عقيديا.
- عادل حسين: هذه سمة سائدة، لأن بعض صحف الحكومة لا يصف بعض المعارضين بأقل من الخيانة والعمالة، والمشكلة انه لا يوجد اصلا حوار فليست لدينا تقاليد لأن نجلس معا، ونفكر مع بعضنا بعضاً بصوت عال. هذا غير موجود ولذلك تتفاقم الخلافات ويصعب ايجاد لغة مشتركة ولا نستطيع ايجاد المشترك بيننا وبالتالي يبالغ كل طرف في تصور حجم الخلاف، ويحدث توتر غير عادي كان من الممكن ان يكون اقل كثيرا. فالفكرة التي يرصدها د. عبدالمنعم صحيحة وهي مرض منتشر نتيجة البيئة السياسية الفاسدة التي تجعل كل الاطراف يتصرفون بهذه الطريقة العصبية الي تفتقد الى العقلانية، بل وحتى الى الفهم الحقيقي للآخر. وأحيانا أقرأ مقالات الكثيرين ولا أفهم مغزاها جيدا، لكن عندما أجلس معهم اكتشف أن الخلاف أقل.
صراع مع الخارج
- عبدالمنعم سعيد: ارجع الى السؤال الاساسي بالنسبة الى اللحظة التاريخية وأقول إن التطور في النظام الديموقراطي والحزبي دائما جاء من المعارضة على رغم عدم وجود توازن بين المعارضة والسلطة، فالأخيرة معها الدولة واجهزة الاعلام، وسلطة المنح والمنع والقدرة الاقتصادية. لكن عندما نتناول الخلافات من زاوية المصلحة القومية تكون لدينا مساحة للحلول الوسط والتحالف والائتلاف الخ...
والمهم ايضاً توافر الاتساق، ليس فقط بين الداخلي والخارجي كما اشار بعض الزملاء، وإنما الاتساق بشكل عام. وبالنسبة الى الداخل والخارج، نلاحظ وجود اهتمام ضخم بالخارج في خطاب المعارضة، فالخارج يحظى بثقل هائل بالمقارنة مع الاهتمام بسياسة التعليم او التصنيع او السياسة التكنولوجية. فالمنطق الوطني الذي تنطلق منه الاحزاب يحظى بثقل كبير، ما يجعلها في حالة صراع مستمر مع الخارج. والثابت، بالتجربة، أن فرص الديمقراطية في حالة الصراع مع الخارج تقل كما ان فرص الديموقراطية في حالة وجود قطاع عام واقتصاد مركزي تقل ايضا. وعندما يقول د. رفعت أن الحكومة تسيطر على كل المصالح فهو أول من يطالب بالحفاظ على ذلك من خلال تمسكه بالقطاع العام، ولا معنى للقول بأننا نريد قطاعا عاما على طريقتنا فالحاصل ان هناك قطاعاً عاماً على الطريقة المصرية عند هذه الدرجة من التطور. فلا يمكن ان تريد ديموقراطية واستمرار القطاع العام والصراع مع اسرائيل ومع اميركا في الوقت نفسه. لا بد من تحديد الاولويات وادراك ثمن اي اختيار، فلو كانت الاولوية للصراع مع الخارج فهذا معناه تعبئة الاقتصاد وحشد موارد قومية، وسياسة تعليمية وضريبية معينة وتحالفات خارجية ذات طابع معين فلا بد من تحديد الاولويات وادراك ان لكل اختيار ثمنه. وهذا يختلف عن الخطاب الحزبي السائد لأنه ينطلق من مبادىء، ومن منظور المبادىء لا يوجد ثمن للاختيار، لأنها مرتبطة بالضمير الانساني. واريد أن أختم بنقطة اساسية وهي أنني أرى أن التجربة المصرية كانت تسير في الاتجاه الاصلاحي، على رغم كل العيوب في الفترة من 1976 إلى 1990. فكان هناك توسع تدريجي، والقضاء أخذ دوره والأحزاب ازدادت ونسبة تمثيلها في البرلمان تنامت من 1976 إلى 1984 لتصل إلى أعلى نسبة في 1987، وهي الأعلى بالفعل في تاريخ البرلمانات المصرية، لكن باستثناء برلمان 1950. وكل النقابات والتنظيمات الوسيطة تلعب دورا.
لكننا واجهنا نكسة كبرى في عام 1990، وهنا ألوم الحكومة وألوم ايضا المعارضة لأنهما تركتا الخلاف يتفاقم حتى وصل إلى خروج المعارضة الرئيسية الممثلة في العمل و"الاخوان المسلمين" والوفد من العملية الانتخابية، لأن كل طرف لم يرتفع في رأيي الى مستوى اللحظة التاريخية للاصلاح. فقد اتخذت الحكومة مواقف استفزت المعارضة بدلا من أن تسعى لإقناعها بالمشاركة، والمعارضة قررت لاسباب اخرى الا تشارك وبالتالي توقفت عملية التطور التدريجي وبدأت عملية استقطاب للمجتمع. وفي رأيي لو استؤنفت هذه التجربة مرة اخرى من خلال خطاب يتميز ببعض الملامح التي تحدثت عنها فمن الممكن ان نحد من هذا المأزق الذي نعيشه، لأن ما حدث من تطورات بعد 1990 ينطوي بالفعل على استقطاب شديد على مستويات عدة. استقطاب على مستوى ايديولوجي واستقطاب على المستوى السياسي بل وبدأ استقطاب حول كل قضية في المجتمع حتى إذا كانت مرتبطة بسياسات تتميز بدرجة من التفصيلية، ومع ذلك رأينا أنها توضع على محك المبدئية وبالتالي يصعب الحوار الذي يتحدث عنه الاستاذ عادل! وفي رأىي أنه كان هناك حوار، وهنا عندي ملاحظة جانبية، فأنا من المتحمسين للتحالف الذي تم بين الوفد ثم العمل وبين "الاخوان المسلمين". وارى انه كان احد الحلول ذات الصبغة المصرية بحيث يحصل "الاخوان" على وسيلة للعمل السياسي من خلال حزب قائم بدلا من تكوين حزب قد يؤخذ على أنه حزب ديني ومن الممكن أن يثير اشكاليات... ودخلوا وكان سلوكهم في البرلمان معقولا لمدة 3 سنوات. فالارتباط بالمؤسسات يحد من الاتجاه الى التطرف، ولذلك حدث التطرف عندما حدث الانقطاع اي عندما خرجوا من اللعبة السياسية.
- صلاح عبدالمتعال: في رأىى السؤال الأساسي هو: ماذا تستطيع الأحزاب أن تفعل وإن قل الجهد بحيث يمكن من خلال تراكمات تدريجية أن نصل في هذا الجيل أو في الجيل الذي يليه الى اصلاح حقيقي؟
وألاحظ أنه تكررت الاشارة الى "الاخوان المسلمين" كثيراً في الندوة وهم تيار أساسي بالفعل وكنت أتمنى أن يكون لهم ممثل هنا، فهذا التيار هو أكثر القوى نشاطا في الاطار غير الرسمي، خصوصاً بالنسبة الى التربية السياسية.
"الوسط": في الاطار غير الرسمي، هم ممثلون من خلال حزب العمل ؟
- صلاح عبدالمتعال: لكنني اتكلم من منظور التمثيل وفقا للوزن.
"الوسط": لا يمكن ان تمثل جماعة محظورة بشكل رسمي.
الطلاب والعمال
- صلاح عبدالمتعال: عموما كنت أتمنى أن يكونوا موجودين. وأعود الأن للسؤال: ماذا في أيدي هذه الاحزاب وإن قل الجهد؟
ربما يمكن عمل شيء من خلال التحالفات حتى على المستوى الثنائي بين الأحزاب المعارضة الفاعلة بمعنى أن تتفق على اتخاذ موقف حاسم لتقزيم جهد أو قوى الحزب الوطني في عملية الانتخابات. وثبت بالدليل أنه عندما يجندون بعض الشباب لحراسة الصنادق أو للتمثيل في اللجان على رغم الاعتقالات، تكون نتائج هذه اللجان افضل من غيرها. لكن ما تستطيع هذه الاحزاب والقوى السياسية التحرك فيه اكثر هو العمل الاجتماعي وخدمة الجماهير، وبإمكانها تقديم نماذج وطرح بدائل جزئية بالنسبة الى المشاريع التي تنادي بها.
فأضعف الإيمان أن يكون هناك نوع من الاصرار. وفي هذه الحالة يحصل انسياب في النسيج الاجتماعي، ومن الممكن جدا مع الوقت ان يحصلوا على نوع من التأييد، وحتى لو جرت محاولات لتزوير الإرادة ستجد هناك نوعاً من المقاومة. وعلى الأحزاب، على رغم القيود، ان تهتم بفئتي الطلبة والعمال لأنهما تمثلان رصيداً محترما جدا لهذه الاحزاب كي تصبح احزابا فاعلة في الشارع السياسي.
وفي ما يتعلق بتمويل الاحزاب لا عيب في أن تحصل على معونات ولها حق في أموال التنظيم السياسي الواحد السابق التى سيطرت عليها الحكومة، لانها اموال الشعب، والمفروض أن تكون هناك دائما مراجعة فكرية ونوع من تصحيح الفكر، خصوصاً في الاحزاب التي توجد داخلها جيوب فكرية قابلة في يوم من الأيام لأن تنفصل عنها إذا لم تتنبه الاحزاب إلى ضرورة تصحيح فكرها، وهذا يكون من خلال ندوات ومؤتمرات ودورات تثقيفية إلى غير ذلك...
فمن المسائل المهمة جدا والتي يمكن أن تحسم المواقف في الشارع السياسي مسألة التربية السياسية، وأنا ازعم أن هذا هو سبب نجاح الجماعات الاسلامية وإن كان هناك منها من انحرف عن الطريق، لكن هناك أيضا "الاخوان" كجماعة مستنيرة استفادت من دروسها. وأعتقد بأن نجاحهم يعود إلى أنهم استطاعوا أن يملأوا الفراع الفكري والوجداني لدى الشباب. والذي يملأ هذا الفراغ هو الذي يستطيع أن يكون له هذا الوجود في الشارع السياسي. ومن خلال استقراء ما يحدث في النقابات وما يحدث في الجمعيات وفي العمل الاجتماعي وفي الجامعة والنشاط الطلابي فإن وجود التيارات الإسلامية اكثر فاعلية من الاحزاب الشرعية.
ثم عندي سؤال أخير: هل يمكن تحقيق أي تغيير إلا بالاصرار على أن يكون التغيير الدستوري في المقدمة، وهل يمكن ان يحدث هذا إلا بالاصرار على وجود ضمانات الانتخابات؟
ثم سؤال منهجي أخير: لقد تحدث الدكتور عبدالمنعم عن فكرة منهج التغيير الانقلابي والاصلاحي ونحن في الواقع في اختيار بين الصراع والمعايشة، بين أن تدخل الاحزاب في صراع مع النظام وتعتبره عدوا لها وتسعى لأن تزيحه بأي طريقة، أو أن تعمل من أجل التعايش، والحقيقة أن المسألة ليست قاصرة على نظام سياسي، فهناك نظام اجتماعي تكون جزءا منه من خلال بقايا نظام اقطاعي، ونظام رأسمالي، كما كان هناك اتحاد اشتراكي وطلائع ومنظمات، وهؤلاء تبوأوا مراكز واصبحوا موجودين في الساحة حتى الآن، وأيضا بالنسبة الى وجود الرأسمالية الطفيلية وبالنسبة الى الاستثمار العقاري الذي اصبح يشكل قاعدة مالية لكثير من هذا النسيج الاجتماعي، وإذا اضفنا إلى ذلك القوى السياسية نجد أن لدينا تنوعاً، وأنا اشبهه باشخاص يقيمون معا في بناية واحدة ولا بد أن يكون لكل منهم دور بحكم المصلحة المشتركة في ادارة الكهرباء والمياه، فلا مفر من التعايش، والمشكلة أن الوضع الحالي لا يسمح بالتعايش سواء النظام الداخلي أو العالمي، فهو يفرض الصراع بأي طريقة ولا يسمح بالتعايش، وهذا هو المأزق الذي ينبغي أن نسعى إلى مخرج منه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.