يشبه مسؤول كبير في السلطة الوطنية الفلسطينية الهجوم على سرايا غزة حيث مقر قيادة قوات الامن الوطني الفلسطيني بمحاولة انقلابية، بعد الاشتباكات التي وقعت بين الشرطة ومتظاهرين وأدت الى مقتل 12 شخصاً وجرح حوالي 200، اذ حاول المتظاهرون اقتحام السرايا وسط المدينة بهدف الاستيلاء على الاسلحة والذخائر داخلها والاطاحة بسلطة الحكم الذاتي. وقال المسؤول ان المتظاهرين استغلوا اوامر الرئيس ياسر عرفات الى رجال الشرطة بعدم اللجوء الى السلاح وحاولوا فرض قانونهم متجاهلين ان هناك سلطة تعمل على فرض القانون وحفظ النظام، ولو في الحدود الدنيا. واعتبر مسؤول فتحاوي بارز ان استعانة عرفات بتنظيم حركة "فتح" في قطاع غزة في استعراض للقوة على مدى يومين هدفه تأكيد ان اي معركة تعتزم "حماس" و "الجهاد" خوضها هي معركة مع "فتح" قبل ان تكون مع السلطة الفلسطينية نفسها. وأوضح ان حرص عرفات على الطلب من قوات الشرطة التجمع في مراكزها بعد أحداث مسجد فلسطين ولأيام عدة متتالية جاء لأسباب مهمة، في مقدمتها ان معظم ضباط وعناصر الأمن الوطني هم من الضفة الغربية ومناطق اخرى، وبالتالي فإن تجربتهم في التعامل مع قطاع غزة وأزقة مخيماته لن تكون ناجعة وفعالة بقدر معرفة "فتحاويي" غزة بالتعامل مع المستجدات هناك. واعتبر المسؤول الفتحاوي، ان عرفات نجح، بعد أقل من 24 ساعة على تطبيق سياسته، في فتح باب الحوار بين حركته و "حماس"، لتنفيس الاحتقان الذي أدت اليه الاحداث الاخيرة. وفي اجتماع لقيادات "فتح" في قطاع غزةوالضفة الغربية عقد برئاسة عرفات قبل توجهه الى اسبانيا للاجتماع برئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين، اكد الرئيس الفلسطيني امام كوادره ان "العودة الى ايام زمان غير واردة"، وان السلطة الوطنية تسمح بالتعددية السياسية لكنها لن تسمح بتعدد السلطات. وفيما شدد امامهم على احترام حرية الرأي وممارسة الاحزاب والتنظيمات لنشاطاتها وتظاهراتها، قال ان هذا الامر "ليس منّة من السلطة بل هو حق من حقوق الشعب". عوامل نفسية واقتصادية واعترف مسؤول كبير في سلطة الحكم الذاتي بارتكاب الشرطة الفلسطينية اخطاء في طريقة تعاملها مع احداث مسجد فلسطين، لا سيما ارتباك عناصرها بفعل العامل النفسي والوضع غير المتوقع الذي وجدوا انفسهم فيه. ويحمّل عرفات وكبار مساعديه اسرائيل مسؤولية كبيرة في وصول الاوضاع الى ما وصلت اليه، فسياسة اغلاق المعابر تكلف قطاع غزة يومياً 300 ألف دولار هي ثمن الصادرات المعتادة، اذ يبلغ حجم انتاج قطاع غزة من البندورة الطماطم وحدها ثلاثة اضعاف حجم انتاج الاردن منها، اضافة الى التردد والتلكؤ الدولي في تقديم المساعدات الدولية التي وعدت الدول المانحة بوضعها في تصرف سلطة الحكم الذاتي او استثمارها في الاراضي المحتلة. ويضرب مسؤول كبير في الشرطة الفلسطينية مثلاً على التلكؤ فيقول ان رواتب الشرطة لشهر تشرين الاول اكتوبر الماضي لم يدفعها الصندوق الدولي الا قبل ايام قليلة، اضافة الى ان النشاط الاقتصادي الوحيد في غزة هو الذي يقوم به القطاع الخاص. ويحذر أحد مستشاري عرفات من تكرار احداث غزة اذا استمرت اسرائيل في رفض الانسحاب من بقية مناطق الضفة وغزة حسب ما نص عليه اتفاق اوسلو، واذا لم توقف اعمال الاستيطان والبطش. الشافي وصدقية السلاح ويوافق الدكتور حيدر عبدالشافي رئيس جمعية الهلال في قطاع غزة على هذا الرأي، ويرد الاحداث الى انعدام صدقية عملية السلام والتفاوض، الأمر الذي افسح المجال امام "حماس" لتقوم بما قامت به الأمر الذي احرج السلطة الفلسطينية. واستبعد الشافي في حديث هاتفي مع "الوسط" ان تتكرر الاحداث الاخيرة لأنها أثارت اشمئزاز "الغالبية الصامتة" ولأن ما تم ربما كان نموذجاً مصغراً لما يمكن ان تسفر عنه حرب اهلية في قطاع غزة. ودعا السلطة الفلسطينية الى اجراء انتخابات برعاية الأممالمتحدة في مناطق الحكم الذاتي، حتى لو لم يحظَ هذا الأمر بموافقة اسرائيل، لأنه على ضوء النتائج تتوضح التوجهات، وتكتسب عملية السلام، اذا استمرت، صدقية تمنحها دفعة الى الأمام. ولا يبدي الشافي الذي ترأس الوفد الفلسطيني الى مفاوضات السلام اي قلق على المستقبل، على رغم استمرار الاتهامات المتبادلة بين السلطة و "حماس" و "الجهاد" في شأن الاحداث الاخيرة، ويقول ان هناك ثقة واضحة، على رغم ذلك، بنشاط اللجنة القضائية التي تم تشكيلها، ويأمل ان تصل هذه اللجنة، التي تمثل كل الفصائل، الى نتيجة تضع حداً للجدل القائم على هذه القضية. ويعتبر الشافي ان على السلطة الفلسطينية ان تتهم اسرائيل علناً بعدم احترامها اتفاق اوسلو. ويصف ما يجري من عروض للقوة بين "حماس" و "فتح" في غزة بأنه سيف ذو حدين، اذ انه يذكّر بالأيام التي مضت عندما لم تكن هناك مرجعية يتم الاحتكام اليها. لكن مسؤولين في "فتح" يرفضون هذه النظرية ويقولون ان "فتح" و "حماس" نجحتا قبل ثلاثة اعوام في التوصل الى اتفاق تم احترامه بحذافيره، ولا شيء يمنع من تكرار الوضع الآن، لأن السلطة الفلسطينية يجب ان تبقى فوق الجميع وللجميع. الدراوشة والتجاذب الاسرائيلي ويحمّل عبدالوهاب الدراوشة رئيس الحزب العربي الديموقراطي وعضو الكنيست الاسرائيلي سياسة رابين حيال الفلسطينيين مسؤولية الاحداث الاخيرة. ويوضح الدراوشة، الذي يقوم بوساطة مع عرب فلسطينيين من الجليل والضفة بين "حماس" والسلطة الفلسطينية، ان هناك تيارين يتجاذبان السياسة الاسرائيلية: الاول يمثله رابين وإيهود باراك رئيس الاركان، وهو يؤمن بنظرية مفادها ان "عرفات ضعيف افضل كمفاوض من عرفات قوي". والثاني يمثله شمعون بيريز ومجموعة الحمائم داخل حزب العمل وحزب ميريتز اليساري، ويعتبر نفسه معنياً بمواصلة عملية السلام وتنفيذ الاتفاقات التي وُقّعت وإجراء انتخابات في مناطق الحكم الذاتي لاختيار المجلس التشريعي الفلسطيني، ويؤمن بوجود عرفات قوي لأن في ذلك ضمانة لاستمرار تنفيذ لاتفاقات ونجاح عملية السلام. ويتوقع الدراوشة الذي اجتمع مع رابين قبل توجهه الى واشنطن ومدريد، ان يتراجع رئيس الوزراء الاسرائيلي عن سياسته الفلسطينية بعد عودته من الولاياتالمتحدة لأن الاكثرية داخل الحكومة الاسرائيلية لها نهج مغاير لسياسته، وربما يؤدي هذا التغيير الى اتخاذ قرارات اسرائيلية دراماتيكية تؤدي الى تطبيق اتفاق اوسلو وعدم التلكؤ في تسهيل نشاط سلطة الحكم الذاتي، لا سيما لجهة وقف سياسة اغلاق المعابر. وعن الوساطة بين "فتح" و "حماس" يقول انها قطعت شوطاً لا بأس به، اذ اجمع الطرفان على عدم الاحتكام الى العنف او اللجوء الى السلاح لحل اي اشكال، مهما كان حجمه، اضافة الى اطلاق سراح المعتقلين، وتسيير لجان مشتركة في الاحياء لمنع اي اعتداءات وتهدئة الخواطر. وبانتظار التوصل الى نتيجة حول مسؤولية الاحداث التي تصر "حماس" و "الجهاد" على تحميلها للسلطة، يواصل وفد فلسطينيي ال48 جولاتهم المكوكية لاقناع الاطراف المعنية بطي صفحة الماضي. الشقاقي: لا حرب أهلية ويقول الدكتور فتحي الشقاقي زعيم تنظيم "الجهاد الاسلامي" ان السلطة مسؤولة مسؤولية كاملة عن الاحداث التي وقعت، لأنها بدأت بعرض قوة ونتيجة قرار سياسي اتخذ على أعلى المستويات. وأضاف ل "الوسط" "لقد كانت هناك نية مسبقة لدى السلطة الفلسطينية للقيام بما قامت به، بدليل ان تصريحات الاميركيين والاسرائيليين في هذا الشأن كانت واضحة". ويعتبر الشقاقي لجوء السلطة الى زج اسم "فتح" في الصراع بأنه دليل الى فشل سلطة الحكم الذاتي في تهدئة الاوضاع، لكن هذه المحاولة الجديدة ليست سوى تأكيد لاستمرار مسلسل الاخطاء. ويشدد على حرص "الجهاد" على عدم الانجرار الى حرب اهلية، ويقول: "نحن نقف بقوة ضد هذا الامر، وضد اي اقتتال داخلي، وندين اطلاق الرصاص على عناصر الشرطة، حتى لو بادروا الى اطلاق الرصاص علينا". ووصف جهود الوساطة بأنها لم تكتمل لأن السلطة رفضت تحمل المسؤولية، على رغم ان الملايين شاهدوا "من بدأ باطلاق النار". وكشف الشقاقي عن اتصالات جرت بين عدد من كبار ضباط الشرطة ومسؤولين في "الجهاد" في قطاع غزة، "اكد فيها الضباط انهم غير مسؤولين عما حدث لأنهم اعطوا أوامر بوقف اطلاق النار، لكن بعض العناصر لم يلتزم الأوامر". ورفض الشقاقي الاتهامات الموجهة الى تنظيمه بأنه يتلقى التعليمات من طهران وغيرها، بالقول: "انها اسطوانة قديمة، لقد لجأت انظمة الى مثل هذه الاقوال لتغطية فشلها في نهجها السياسي وللتهرب من المسؤولية تجاه شعوبها". الزهار: مسوؤلية عرفات ويؤكد الدكتور محمود الزهار احد ابرز قادة "حماس" في قطاع غزة ل "الوسط" اهمية عدم تحقيق رغبة اسرائيل في نشوب حرب اهلية فلسطينية، وقال ان "على عرفات ان يتحمل المسؤولية لأن رابين مثلاً تحمل مسؤولية قراره باقتحام المنزل الذي كان يختبئ فيه مجاهدو حماس الذين اختطفوا الجندي الاسرائيلي قبل بضعة اسابيع، كما ان كلينتون نفسه تحمل مسؤولية سقوط حزبه في الانتخابات الاخيرة، ولو كانت حماس مسؤولة عن الوضع في غزة لكانت تحملت المسؤولية". وعن عروض القوة بين "فتح" و "حماس" في شوارع غزة، قال الزهار، ان "حماس" حصلت على ترخيص باقامة احتفال حاشد لتأبين الشهيد عماد عقل قبل يوم واحد من احداث غزة، وما زال مفعول التصريح سارياً، اما هدف تظاهرات "فتح" فهو الالتفاف على طبيعة الصراع الذي نشب بين السلطة والشعب لإظهاره كصراع بين صقور "فتح" وحركتي "حماس" و "الجهاد". ان اجماع مسؤولي السلطة الفلسطينية، وفي مقدمتهم عرفات، وزعيمي "حماس" الشقاقي والزهار، على عدم تكرار الاحداث الاخيرة، يبقى معرضاً للاهتزاز اذا لم يقترن بتحرك فاعل على الارض يترجم عملياً بانسحاب اسرائيلي من المناطق المفترض ان تنسحب منها بموجب اتفاقات اوسلووواشنطن والقاهرة، وبتقديم مساعدات مادية سخية مع اجراء انتخابات حرة تكون بمثابة استفتاء فلسطيني على اتفاق السلام مع اسرائيل، الى جانب وضع حد لسياسة الاغلاق والضغط التي يمارسها رابين ضد قطاع غزة، بعد كل عملية عسكرية تنفذها "حماس" او "الجهاد" في عمق اسرائيل وما يرافق ذلك من قائمة مطالب لا تحصى ولا تعد.