مرة اخرى يبدو عامل الوقت ضاغطاً لتحقيق خطوة متقدمة على المسار السوري - الاسرائيلي. وليس من قبيل المبالغة القول إن زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين لواشنطن ومحادثاته مع المسؤولين الاميركيين تشكل هي ايضاً، مثل زيارة حاشمة... وإلا وقع الجميع في مأزق فعلي وتوقفت المفاوضات نهائياً. ووجه الحسم هو في الجواب الذي ينتظر ان يكون رابين قدمه الى كلينتون رداً على المقترحات التي حملها من دمشق والتي ضاعت او حاولت اوساط كثيرة، اميركية واسرائيلية، التغطية عليها بالقول إن محادثات الرئيس الاميركي لسورية لم تكن ناجحة، لأن المطلوب كان - في رأيهم - ان يقدم الرئيس حافظ الأسد "تنازلات"، وأن يكون أكثر وضوحاً في مواقفه اثناء انعقاد المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيره الاميركي من مفهوم الاعتراف باسرائيل والتطبيع معها وموضوع "الارهاب". في اي حال لا يريد الاسرائيليون "تنازلات" فحسب، فهم لا يزالون يتمسكون بمبدأ وجوب تفاوض سورية معهم مباشرة وليس عبر الاميركيين، كما حصل مع القيادة الفلسطينية والأردن. لكنهم يعرفون ان التفاوض على المسار السوري يتجاوز مسألة الانسحاب الى الجدول الزمني والترتيبات الامنية والقوة الضامنة - الاميركية بالطبع - اضافة الى دور سورية في لبنان والمنطقة. ولا شك في ان زيارة رابين لواشنطن تأكيد لدور الوسيط الاميركي الذي يرفض السوريون التوجه الى غيره. ذلك ان أبسط ما يعنيه التوجه الى اسرائيل هو تكريس قيادتها للمنطقة. وهي تأكيد لاستعجال جميع المعنيين بالتسوية وإدراكهم ان عامل الوقت ضاغط. فالرئيس الاميركي سيضطر الى التركيز على الشرق الاوسط لتحقيق انجاز يعيد اليه بعض البريق الذي فقد بعد هزيمته الكبرى في الانتخابات الاخيرة. لكنه سيعود بعد اشهر الى الداخل مع احتدام الصراع على المسائل الداخلية استعداداً لمعركة الرئاسة. ورابين، مثل الرئيس الاميركي، يستعجل التسوية قبل الربيع. وهو اذا كان يريد ثمناً من السوريين عنوانه انهم يتفاوضون معه من دون الوسيط الاميركي، الا انه لا يريد حتماً الصدام مع كلينتون، خصوصاً ان الجمهوريين الفائزين سينكفئون الى الداخل الاميركي لكسب بقية المعركة مع الديموقراطيين. كما ان زعيم حزب العمل يدرك تعاظم المعارضة الاسرائيلية التي تخوض معركتها معه على اساس ايديولوجي اولاً وأخيراً عنوانه القبول للمرة الاولى بحدود جغرافية واضحة للدولة العبرية. وكذلك يدرك المعنيون ان التقدم ملح على المسار السوري، بهدف استعجال رسم النظام الاقليمي، سياسياً وأمنياً واقتصادياً، ذلك ان التسوية الشاملة وحدها ستلزم المنخرطين فيها الدفاع عنها وعن مصالحهم في مواجهة العودة المحتملة للعراق وإيران الى أداء دور في النظام الاقليمي لا يكونان معه قادرين على ضرب ميزان القوى. ولم تكن "سياسة الاحتواء المزدوج" سوى تعبير عن سياسة اقفال الباب في وجه النظامين في بغداد وطهران للحؤول دون تدخلهما المعرقل لمسيرة مؤتمر مدريد. وإذا كان المنخرطون في التسوية يدركون ان القوى المناهضة لمؤتمر مدريد، من اصولية وغير اصولية، غير قادرة على مواجهة قطار السلام، وان الدول التي يمكن ان تدعم هذه القوى لا تسمح لها متاعبها الاجتماعية والاقتصادية بخوض مواجهة مكشوفة تضمن بنتيجتها سقوط مسيرة السلام. إلا انهم يدركون ايضاً ان الرافضين يكسبون كلما طال الوقت وظهرت ثمار السلام بعيدة المنال. فضلاً عن ان الشؤون الداخلية الضاغطة في كل دولة من الدول المعنية بالتسوية لا تسمح لها بمزيد من الانتظار. لذلك لا بد أن تكون زيارة رابين لأميركا قدمت شيئاً... مثلما قدمت زيارة كلينتون لدمشق.