خلال زيارة الى اسرائيل دامت اسبوعاً كاملاً، سمعت الكثير من الكلام عن اسحق رابين رئيس الوزراء الاسرائيلي وعن استراتيجيته في مفاوضات السلام. كذلك استمعت اليه وهو يتحدث ويرد على الاسئلة لحوالي ساعة من الزمن. ومن خلال كل ذلك برزت لي نقاط عدة مهمة: ان رابين يتحكم كلياً في المفاوضات الثنائية، كما أنه يعطي صورة من القوة والثقة الذاتية. فهو يتحدث بقوة ووضوح من دون اللجوء الى أية ملاحظات مكتوبة. وحتى في سن السبعين يبدو أن لديه قدراً كبيراً من الطاقة. رابين غير مرتاح لصيغة مؤتمر مدريد في التفاوض. فهو يفضل التعامل مع كل طرف عربي على حدة، ويريد من الولاياتالمتحدة أن تقوم بدور أكبر كوسيط. ومع أنه لا يزال مستعداً للعمل ضمن الاطار الحالي للمفاوضات فانني أتوقع منه أن يحاول ايجاد رديف آخر من قنوات الاتصال والحوار مع الاطراف العربية لمحادثات واشنطن الراهنة. يركز رابين الآن بصفة أساسية على الجبهة السورية. فهو يعتقد أن الرئيس حافظ الاسد ربما يحذو حذو السادات، ليس بزيارة درامية الى القدس، وإنما بالتوصل الى اتفاق يقوم على مبدأ "الارض مقابل السلام". ورابين على استعداد الآن للقول ان اسرائيل "ستنسحب الى حدود آمنة معترف بها"، لكنه لن يحدد تلك الحدود الى ان تشرح سورية بصورة واضحة مفهومها للسلام. ومع ذلك فان رابين يقول انه على استعداد لاتخاذ قرارات لا تحظى بالشعبية في اسرائيل، كما أنه ألمح الى أن مستوطنات الجولان ليس لها قيمة او فائدة أمنية. ورابين يدرك جيداً ان المفاوضات مع الاردن ولبنان لا يمكن ان تحرز تقدماً حقيقياً ما لم تحرز المفاوضات مع سورية ومع الفلسطينيين تقدماً فعلياً. رابين ليس على تلك الدرجة من الثقة في التوصل الى اتفاق مع الفلسطينيين، مع أنه يعترف بوجود تغييرات في مواقف الفلسطينيين في الاراضي المحتلة وفي الخارج وربما "حتى في تونس"، والمقصود بذلك منظمة التحرير الفلسطينية. والواقع ان تعليقه الاخير عن تونس أثار دهشة بعض الاسرائيليين. ومع ذلك لا يزال يهاجم رئيس المنظمة ياسر عرفات علانية لوضعه عقبات امام المفاوضات. ويقول بعض الاسرائيليين ان عرفات "يخشى" من حصول "السلطة التنفيذية" المنتخبة في الضفة الغربية وقطاع غزة على الكثير من السلطة على حسابه. وفي الآونة الاخيرة طرح الاسرائيليون مفهوماً لادارتين متوازيتين في الاراضي المحتلة: ادارة للمستوطنين اليهود وأخرى للفلسطينيين، مع وجود آلية للتنسيق بينهما. وألمح رابين ايضاً الى انه على استعداد لتجاوز ذلك شرط "عدم تضرر المصالح الامنية الاسرائيلية". السيادة السورية على الجولان لا يتوقع رابين ان تنال مفاوضات السلام أية قوة دفع جديدة حتى اوائل 1993. فهو يعتقد ان الاطراف العربية ستمتنع عن تقديم اية تنازلات الى ان يتولى الرئيس الاميركي الجديد كلينتون مهام السلطة. وعندما سألته ما هي النصيحة التي يقدمها الى الرئيس الجديد كلينتون اكد ان هناك فرصة فريدة الآن لاحلال السلام بين العرب واسرائيل بعد أن انتهت الحرب الباردة. ويعطي رابين الانطباع بأنه "يتلهف" على تقدم المفاوضات في العام الجديد، وأنه يريد احراز تقدم حقيقي فيها بحلول فصل الربيع المقبل. وهو يلمح ايضاً الى انه ربما يعيد النظر في صيغة مدريد للمفاوضات اذا لم تتوصل هذه المفاوضات الى نتائج واضحة في اواسط عام 1993. ومن خلال احاديثي مع الاكاديميين والديبلوماسيين الاسرائيليين اعتقد انهم يدركون جيداً ان الرئيس الاسد لا يمكن ان يتوصل الى سلام مع اسرائيل بشروط اسوأ من شروط السادات. وهم يقولون بصراحة ان عودة السيادة السورية على مرتفعات الجولان "امر ضروري اذا كانت اسرائيل تريد تحقيق السلام". إلا أنهم يعتقدون أيضاً أن الاسد سيقبل جدولاً زمنياً للانسحاب وسيوافق على ترتيبات امنية واضحة في الجولان كجزء من التسوية السلمية. ويقبل الاسرائيليون بصفة عامة أيضاً أن أي اتفاق مع سورية ينبغي ان يكون جزءاً من اتفاق شامل. الا انهم يصرون بالطبع على وضع تعريف واضح شامل للسلام بما في ذلك إقامة علاقات ديبلوماسية كاملة بين اسرائيل والدول العربية. ويبدو لي أن رابين يتلهف فعلاً على احراز تقدم، إذ أن مكانته السياسية محفوفة بالمخاطر بسبب ضعف حزب شاس، شريكه في الائتلاف الحكومي. ومع ذلك فان رابين يتصرف وكأنه يتمتع بأغلبية كبيرة. وأنا اتوقع ان يحث رابين الرئيس الاميركي الجديد كلينتون على القيام بدور انشط في دفع المفاوضات الى الامام، كما انني اتوقع فتح قنوات جديدة من المفاوضات، ستكون اقل علانية، ولكنها ستكون على مستويات أعلى من أجل دفع العملية البطيئة الحالية في واشنطن. واخيراً، يجدر بالذكر ان رابين اشترك عام 1949، اي عندما كان ضابطاً شاباً، في مفاوضات رودس. واليوم وبعد ثلاثة وأربعين عاماً ها هو يعطي الانطباع بأنه يريد ان يختتم حياته العامة بحل الصراع العربي - الاسرائيلي. وسيكون بلا شك مفاوضاً صعباً، ولكنني اعتقد انه واقعي ويعرف ان السلام يحتاج الى تنازلات. ولهذا فان الاشهر القليلة المقبلة ستكون حاسمة بالنسبة الى عملية السلام. * مستشار الرئيس الاميركي السابق كارتر وخبير بارز في شؤون الشرق الاوسط.