نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على هذال بن سعيدان    الموت يغيب مطوف الملوك والزعماء جميل جلال    رايكوفيتش: كنا في غفوة في الشوط الاول وسنعود سريعاً للإنتصارات    البليهي: مشكلة الاتحاد انه واجه الهلال وكل المدافعين في اتم الجاهزية    وزير الاتصالات: بدعم ولي العهد.. المملكة تقود أعظم قصة في القرن ال 21 في الشمولية وتمكين المرأة    «الأمم المتحدة»: السعودية تتصدر دول «G20» في نمو أعداد السياح والإيرادات الدولية    "متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح والسلام في السودان" يؤكد على مواصلة العمل الجماعي لإنهاء الأزمة في السودان    غزة.. الاحتلال يبيد العائلات    أمريكا: نحذر من انهيار البنوك الفلسطينية    مئوية السعودية تقترب.. قيادة أوفت بما وعدت.. وشعب قَبِل تحديات التحديث    السيوفي: اليوم الوطني مناسبة وطنية عظيمة    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الجزائري الأوضاع في غزة    ريال مدريد يسحق إسبانيول برباعية ويقترب من صدارة الدوري الإسباني    الهلال يكسب الاتحاد بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    في كأس الملك.. الوحدة والأخدود يواجهان الفيصلي والعربي    خادم الحرمين لملك البحرين: نعزيكم في وفاة خالد آل خليفة    ولي العهد يواسي ملك البحرين في وفاة خالد آل خليفة    أمانة القصيم توقع عقداً لنظافة بريدة    "طويق" تحصل على شهادة الآيزو في نظام الجودة    وداعاً فصل الصيف.. أهلا بالخريف    «التعليم»: منع بيع 30 صنفاً غذائياً في المقاصف المدرسية    "سمات".. نافذة على إبداع الطلاب الموهوبين وإنجازاتهم العالمية على شاشة السعودية    دام عزك يا وطن    بأكبر جدارية لتقدير المعلمين.. جدة تستعد لدخول موسوعة غينيس    للأسبوع الثاني.. النفط يواصل صعوده    "قلبي" تشارك في المؤتمر العالمي للقلب    فريق طبي بمستشفى الملك فهد بجازان ينجح في إعادة السمع لطفل    اكتشاف فصيلة دم جديدة بعد 50 عاماً من الغموض    لا تتهاون.. الإمساك مؤشر خطير للأزمات القلبية    الابتكار يدعم الاقتصاد    تعزيز أداء القادة الماليين في القطاع الحكومي    أحلامنا مشروع وطن    القيادة تعزي ملك البحرين في وفاة الشيخ خالد بن محمد بن إبراهيم آل خليفة    "الداخلية" توضح محظورات استخدام العلم    «الخواجات» والاندماج في المجتمع    لعبة الاستعمار الجديد.. !    مركز الملك سلمان: 300 وحدة سكنية لمتضرري الزلزال في سوريا    ضبط 22716 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    فلكياً.. اليوم آخر أيام فصل الصيف    فأر يجبر طائرة على الهبوط    حل لغز الصوت القادم من أعمق خندق بالمحيطات    نسخة سينمائية من «يوتيوب» بأجهزة التلفزيون    صور مبتكرة ترسم لوحات تفرد هوية الوطن    الملك سلمان.. سادن السعودية العظيم..!    خمسة أيام تفصل عشاق الثقافة والقراء عنه بالرياض.. معرض الكتاب.. نسخة متجددة تواكب مستجدات صناعة النشر    تشجيع المواهب الواعدة على الابتكار.. إعلان الفائزين في تحدي صناعة الأفلام    مجمع الملك سلمان العالمي ينظم مؤتمر"حوسبة العربية"    "الداخلية" تحتفي باليوم الوطني 94 بفعالية "عز وطن3"    مصادر الأخبار    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. تنظيم المسابقة المحلية على جائزة الملك سلمان    يوم مجيد لوطن جميل    مسيرة أمجاد التاريخ    الطيران المدني.. تطوير مهارات الشباب خلال "قمة المستقبل".. الطيران المدني.. تطوير مهارات الشباب خلال "قمة المستقبل"    إقامة فعالية "عز الوطن 3"    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة يستأصل بنجاح ورماً ضاغطاً على النخاع الشوكي    شرطة الشرقية: واقعة الاعتداء على شخص مما أدى إلى وفاته تمت مباشرتها في حينه    أبناؤنا يربونا    خطيب المسجد النبوي: مستخدمو «التواصل الاجتماعي» يخدعون الناس ويأكلون أموالهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عاصفة جنيف تهز طهران . ضمانات أميركية سهلت لسورية التزام علاقات سلم عادية "نقلة نوعية" في لغة دمشق وواشنطن تعترف بدورها الاقليمي

عندما ألقى الرئيس الأميركي السابق جورج بوش كلمته في مؤتمر مدريد 30 تشرين الأول / اكتوبر 1991 بدا واضحاً ان القيادة الأميركية للنظام الدولي الجديد أعدّت برنامجاً لقيام الشرق الأوسط الجديد ينطلق من "سلام حقيقي" على الخطوط العربية - الاسرائيلية ليشمل كل الملفات الحيوية في المنطقة.
وبعد انعقاد قمة الرئيسين بيل كلينتون وحافظ الأسد بدا ان الشرق الأوسط يقف على أبواب منعطف جديد، فحين تتغير سورية تتغير معها المنطقة او تتغير جملة علاقات تربط دمشق بأطراف قريبة وبعيدة.
"الوسط" رافقت مجريات قمة جنيف وتسلط الضوء على النتائج المحتملة على مسارات التفاوض العربية - الاسرائيلية مع التركيز على الانعكاسات الأخرى. فحين تعتمد دمشق السلام "خياراً استراتيجياً" يطرح السؤال عما ستفعله المنظمات الرافضة والمجموعات المتشددة ويطرح السؤال أيضاً عن مصير "حزب الله" وهو كان حاضراً على طاولة المفاوضات كما أشار الرئيس الأميركي. وقبل ذلك ماذا عن العلاقات السورية - الايرانية ومخاوف طهران من العزلة واحتمالات ارغامها على الابتعاد عن خط التماس العربي - الاسرائيلي. وماذا عن الجدل الدائر في الأوساط الشيعية في بيروت حول المرجعية والتباين بين "حزب الله" وايران من جهة والسيد محمد حسين فضل الله من جهة أخرى. خصوصاً ان طهران تتهم معارضي توجهها في مسألة المرجعية بأنهم "جزء من مؤامرة". في حين يعتقد قادة روحيون في لبنان ان الحملة على فضل الله ترمي الى منعه من قطف ثمار السلام في لبنان خصوصاً انه الوحيد المؤهل، في رأي كثيرين، لعقلنه الاصولية في لبنان. كما ترمي الحملة الى ابقاء التيارات الأصولية في لبنان تحت السيطرة الايرانية خصوصاً بعد بروز مؤشرات سلام اثر قمة جنيف.
المنطقة تتغير وأفرقاء النزاع العربي - الاسرائيلي يتغيرون. هذا ما لمسه الجميع حين تحدث الرئيسان بيل كلينتون وحافظ الأسد في جنيف عن "سلام الشجعان" و"علاقات سلام عادية" في اطار سلام شامل. فسورية لا تستطيع استجابة متطلبات السلام من دون ان تدخل تغييراً أساسياً يتخطى حدود التغيير في لغة تعاملها مع النزاع العربي - الاسرائيلي. واسرائيل لا تستطيع التوصل الى سلام مع سورية من دون ادخال تغيير على لغتها وخياراتها. والأمر نفسه بالنسبة الى الأطراف الاخرى، ذلك ان شروط الانتماء الى النظام الدولي الجديد والشرق الأوسط الجديد معروفة وصارمة.
هكذا انضمت قمة جنيف الى المواعيد الكبرى في الجهود لانهاء النزاع العربي - الاسرائيلي، كمؤتمر مدريد والاتفاق الفلسطيني - الاسرائيلي، طبعاً مع الالتفات الى ان قمة جنيف حملت في ثناياها محاولة لتصحيح المسار. فعبر الاتفاق بين منظمة التحرير والحكومة الاسرائيلية انتقلت عملية صناعة السلام الى المنطقة حيث اسرائيل هي الأقوى والأقدر. وعبر قمة جنيف حاولت سورية ان تعيد صناعة السلام الى روح مدريد، مجددة الرهان على الوسيط الأميركي. اختارت المنظمة البوابة الاسرائيلية للدخول الى الولايات المتحدة فيما اختارت سورية البوابة الأميركية لدخول السلام مع اسرائيل. ولم يكن سراً في جنيف ان سورية نجحت في تسجيل نقاط وتحقيق مكاسب بعدما برعت في توظيف الأوراق التي في حوزتها وأرسلت اشارات حسن نية مدروسة.
ربما طال الجدل حول ما دار في قمة جنيف. لكن الثابت هو انها تشكل منعطفاً كبيراً. والمصادر الأميركية تقول ان الجانب الاميركي عرض تصوره لمعنى السلام وان الجانب السوري وافق على هذا التصور في اطار سلام شامل ما اثار ارتباكاً في اسرائيل تجلّى في الجدل حول الاستفتاء.
خيار استراتيجي
لم تكن قمة جنيف قمة البحث في مصير الجولان، فالاميركيون والاسرائيليون يعرفون ان عودة الجولان أمر حتمي لضمان انخراط سورية الكامل في عملية السلام والسير فيها الى نهاياتها. كان الغرض من القمة ارساء قواعد "شراكة" بين الولايات المتحدة وسورية يشكل السلام السوري - الاسرائيلي الجانب الرئيسي فيها لكنه ليس الجانب الوحيد.
وقال ديبلوماسي اميركي ل "الوسط": "تدرك سورية تماماً ان الاتحاد السوفياتي لم يعد موجوداً وهي تبحث عن صديق كبير في هذا العالم وهذا الصديق هو الولايات المتحدة. واذا كانت سورية أعلنت في جنيف ان السلام الشامل هو خيار استراتيجي بالنسبة اليها فانها اعلنت عملياً ان الصداقة مع الولايات المتحدة هي أيضاً خيار استراتيجي بالنسبة اليها ولا يمكن اعتماد احد الخيارين من دون السير في الآخر".
وكرّر الديبلوماسي ما اعلنه الرئيس بيل كلينتون ان سورية هي مفتاح السلام الشامل وانها مدعوة الى دور قيادي فيه. ولاحظ ان خيار السلام الشامل وخيار الصداقة مع أميركا "يعنيان في الضرورة استعداد سورية لاعادة نظر شاملة وعلى مختلف المستويات في السياستين الخارجية والداخلية. واعادة النظر هذه قد تتم تدريجاً وبسرعات مختلفة لكن الأكيد هو ان سورية تتغير وفي طريقها الى استجابة متطلبات الشراكة الجديدة".
وأضاف: "يستحيل في ظل الخيارات الجديدة ان تكون العلاقات السورية - الايرانية على ما كانت والأمر نفسه بالنسبة الى علاقات دمشق مع طرابلس. ثم ماذا عن الجهات الفلسطينية المتشددة التي تتخذ من دمشق مقراً لها"؟
وأعرب في ختام حديثه عن اعتقاده بأن قوى الرفض في المنطقة تبحث عن عاصمة جديدة متسائلاً هل طهران مستعدة للعب مثل هذا الدور، خصوصاً في ظل الظروف الحالية للعراق وليبيا؟
إعادة صياغة للمنطقة
وعشية انعقاد القمة بين الرئيسين بيل كلينتون وحافظ الأسد كانت الأوساط الديبلوماسية في جنيف متفقة على ان المدى الذي ستذهب اليه سورية في تسهيل انطلاقة جديدة لعملية السلام مرهون بضمانات اميركية لمواصفات السلام الشامل من جهة وبضمانات أميركية لمستقبل الدور الاقليمي لسورية من جهة أخرى. فدمشق تدرك ان ما يجري عملياً هو اعادة صياغة لصورة المنطقة سياسياً واقتصادياً، وان حصولها على موقع الشراكة يعزز موقعها وموقع العرب او يخفف على الأقل من انعكاسات الخلل الذي أصاب في السنوات الأخيرة ميزان القوى دولياً واقليمياً.
ثمة لحظات يصنع فيها التاريخ. هكذا شعر الصحافيون الذين توافدوا الى فندق انتركونتيننتال في جنيف في 16 كانون الثاني يناير للاستماع الى الرئيسين كلينتون والأسد في ختام محادثاتهما. وهكذا شعر كثيرون واكبوا اللقاء من عواصمهم ومنازلهم عبر الشاشات الصغيرة. ففي ذلك الموعد فتحت صفحة جديدة في عملية السلام في الشرق الأوسط وصفحة جديدة أيضاً في العلاقات الأميركية - السورية.
والنجاح لا يعني الحلول السحرية او الفورية، خصوصاً حين يتعلق الأمر بنزاع كالنزاع العربي - الاسرائيلي. لكن الأكيد ان محطة جنيف شكلت بداية "نقلة نوعية" في عملية البحث عن السلام وكذلك في العلاقات الثنائية.
ولا يمكن عزل هذا الموعد الكبير عن مواعيد كبيرة سابقة سهلت الوصول اليه او عجّلت في انعقاده. فمثل هذا التغيير ما كان ليحصل لولا القمة التي عقدت بين الأسد والرئيس الأميركي جورج بوش في جنيف نفسها. ففي تلك القمة اختارت دمشق صراحة الانضمام الى المعسكر العربي - الدولي المناهض للغزو العراقي للكويت. وترجمت ذلك ميدانياً واختارت الولايات المتحدة رعاية محاولة جديدة مختلفة لاحلال السلام في الشرق الاوسط. وفي ذلك اللقاء بدا واضحاً ان سورية ادركت حجم التغيير الذي عصف بموازين القوى الدولية وقدمت طلب انتسابها الى النظام الدولي الجديد. وبدا واضحاً ايضاً ان واشنطن ازدادت اقتناعاً بأهمية العامل السوري في احتواء الأزمات الكبرى في الشرق الأوسط. ولولا الأسباب التي أدت الى لقاء بوش - الأسد لما كان لمؤتمر مدريد ان يعقد جامعاً للمرة الأولى تحت سقف واحد كل أطراف النزاع العربي - الاسرائيلي بلا استثناء.
ولا يمكن بالتأكيد عزل لقاء جنيف عن حفلة توقيع الاتفاق الفلسطيني - الاسرائيلي في حديقة البيت الأبيض. وسرعان ما أظهرت التجربة ان انتزاع الحلقة الفلسطينية من الخط العربي المواجه لاسرائيل، لا يكفي، على اهميته، للحديث عن نهاية النزاع أو انطلاق السلام الشامل. والاتفاق الفلسطيني - الاسرائيلي نفسه قدّم الدليل على ان السلام الشامل يمر حكماً عبر دمشق. لا بل ان قدرة هذا الاتفاق على البقاء حياً مرهونة باختراق على الجبهة السورية - الاسرائيلية او ببدايات اختراق. قبل ذلك لم تكن "حرب المسارات" سراً وما حصل لا يعني نهايتها، لكن قمة جنيف نقلت هذه الحرب الى دائرة السلام الشامل.
كلينتون جاء من موسكو
لم تكن المرة الأولى التي يلتقي فيها الرئيس الأسد رئيساً أميركياً. فهو استقبل الرئيس ريتشارد نيكسون في دمشق في 1974. والتقى كارتر وبوش في جنيف. لكنها أول قمة سورية - أميركية تنعقد في ظل تبلور وحدانية القيادة في العالم وغياب الاتحاد السوفياتي عن الخريطة وانكفاء روسيا الى اوجاعها الداخلية. في السبعينات والثمانينات كان هاجس الادارات الأميركية المتعاقبة ابقاء الحوار حياً مع سورية والسعي الى عدم تحولها "وكيلاً" سوفياتياً في المنطقة. كان الأميركيون يتحدثون الى دمشق وعينهم على موسكو. وكانت سورية تدرك قيمة الأوراق التي في يدها وتعرف الهامش الواسع الذي تستطيع التحرك فيه. هذه المرة تغيرت الصورة فالرئيس كلينتون جاء الى جنيف في ختام جولة كانت روسيا أبرز محطاتها، روسيا التي زارها كلينتون لدعم رئيسها في مواجهة خصومه، وهي روسيا التي لم تعد تمارس حق النقض الفيتو ضد الصياغة الأميركية للعالم الجديد.
على رغم الخسارة التي شكّلها بالنسبة الى سورية غياب الاتحاد السوفياتي والكتلة الاشتراكية، وعلى رغم معاني الاتفاق الفلسطيني - الاسرائيلي ودلالاته وبينها عدم امتلاك دمشق ورقة الشرعية الفلسطينية، فان سورية ذهبت الى جنيف تحمل أوراقاً مهمة، أولها استحالة الحديث عن سلام شامل في غياب سورية واستحالة حماية ما تحقق حتى الآن على المسار الفلسطيني - الاسرائيلي من دون تفاهم فعلي معها. فالاردن الذي مزج بين اسلوبي المنظمة وسورية في تعامله مع موضوع السلام أي بين المبادرة والانتظار وعد سورية بعدم توقيع اتفاق نهائي مع اسرائيل ما لم تتوصل سورية الى اتفاق من هذا النوع.
ولبنان اختار اصلاً التطابق مع سورية على مسارها. ومنظمة التحرير تعرف ان مستلزمات انجاح قمة جنيف هي التي حالت دون دعم سورية معارضي الاتفاق الفلسطيني - الاسرائيلي ما جعل معارضتهم نوعاً من الاحتجاج لا يصل الى محاولة اسقاط الاتفاق فعلياً. يضاف الى كل ذلك ان سورية حصلت قبل القمة على دعم الدول الموقعة على "اعلان دمشق" فضلاً عن كونها الأقدر على التحدث الى ايران ومختلف أنواع المتشددين في المنطقة.
وفي مقابل اعلان الرئيس الأسد ان السلام هو خيار استراتيجي وان سورية مستعدة لعلاقات سلم عادية وللاستجابة لمتطلبات السلام اذا امتلكت اسرائيل الشجاعة الكافية للسير في السلام الشامل وفق قرارات الشرعية الدولية، رد كلينتون بالاعتراف بالأهمية الحاسمة لسورية في عملية السلام وبأهمية دور سورية الاقليمي.
المسار السوري - الاسرائيلي
ماذا بعد القمة؟
على صعيد المفاوضات الثنائية كان واضحاً انها حصلت على دفع جديد ستسهل ترجمته الطريقة الجديدة في التفاوض والتي ستتيح قدراً أكبر من التعمق والخوض في التفاصيل وستوفر فرصة لتدخل أميركي أكثر فاعلية. واذا تخطت حكومة اسحق رابين فكرة الاستفتاء على الجولان واعتبرت ان التفويض الممنوح لها أصلاً يمكنها من تقديم التنازل المطلوب رداً على كلام الرئيس السوري في جنيف، فان المفاوضات ستشهد تحركاً في اتجاه اعلان مبادئ او اطار ربما أقر على مستوى وزيري الخارجية. والتوصل الى اعلان للمبادئ يتضمن ضمانات للسلام الشامل سيسهل آنذاك البحث في امكان مشاركة سورية وتالياً لبنان في المفاوضات المتعددة الأطراف. واذا تردد رابين في دفع "الثمن الفادح" في مقابل السلام مع سورية واشترطت اسرائيل "عبارات اكثر وضوحاً" قبل تقديم موقفها النهائي فان مفاوضات صعبة ستدور حول حدود الكلمات.
اللبناني - الاسرائيلي
على المسار اللبناني - الاسرائيلي يمكن توقع تقدم مضبوط ومتناغم مع كل تقدم يحصل على المسار السوري - الاسرائيلي. ويتوقع ان تبادر الحكومة اللبنانية فور نضج الظروف باعادة فتح ملف ارسال الجيش الى الجنوب وهذه المرة في صورة فعلية لا رمزية، ما يعني حرمان "حزب الله" ليس فقط من حق الوجود على خط التماس مع اسرائيل او قربه بل أيضاً حرمانه من حق الاحتفاظ بترسانته أو على الأقل من القدرة على استخدامها.
وأظهرت قمة جنيف ان موضوع الانسحاب العسكري السوري من لبنان ليس مدرجاً بين أولويات الولايات المتحدة في هذه المرحلة، لكنه سيطرح بعد نجاح عملية السلام، على حد قول المصادر الأميركية التي لاحظت ان دور سورية في لبنان سيكون أكثر ايجابية في المرحلة المقبلة. وأشارت المصادر الى ما اعلنه كلينتون في شأن بقاء لبنان حراً ومستقلاً واتفاق الأسد معه في هذا الخصوص.
على الصعيد الاردني - الاسرائيلي يتوقع المراقبون ان تشجع نتائج قمة جنيف الاردن على التقدم خطوات جديدة في البحث في تفاصيل السلام مع اسرائيل وبلورة ملامح الحل النهائي معها ليكون جاهزاً في انتظار ما يحصل على المسار السوري - الاسرائيلي. وترى مصادر ديبلوماسية عربية ان منظمة التحرير ربما لجأت الى استعجال الحوار مع الاردن من جهة ومع اسرائيل من جهة اخرى كجزء من "حرب المسارات" وفي ضوء ما حصل في جنيف.
يبقى ان العلاقة السورية - الايرانية ستجتاز في المرحلة المقبلة امتحاناً غير مسبوق فمستلزمات السلام مع اسرائيل والشراكة مع واشنطن تتعارض مع ركائز العلاقة التي قامت بين سورية وايران في الاعوام الماضية. وستجد طهران نفسها أمام خيار القبول بافتراق الحسابات السورية عن حساباتها في الصراع العربي - الاسرائيلي ولبنان والعراق أيضاً والرهان على وساطة سورية مع الغرب او تقليص هذه العلاقات والسعي الى نوع من التطبيع مع العراق. وربما حدث الأمر نفسه بالنسبة الى علاقات سورية مع ليبيا خصوصاً ان مسألة لوكربي أثيرت في لقاء جنيف.
"حزب الله"
وسيحدد مسار العلاقات بين سورية وايران جانباً من علاقات دمشق مع الأطراف الأصولية في المنطقة ومع مجموعات فلسطينية معارضة قد يختار بعضها قبول اللغة السورية الجديدة فيما ينصرف بعضها الآخر الى البحث عن "محطة انتظار". لكن المصادر تتفق في القول ان "حزب الله" في لبنان والجماعات الأخرى التي اشار اليها كلينتون في جنيف كحزب العمال الكردستاني و"الجبهة الشعبية - القيادة العامة" بزعامة احمد جبريل مرشحة لأن تدفع ثمن التحول الجديد.
ورأت مصادر ديبلوماسية انه سيكون من الصعب بعد الآن علي عبدالله اوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني الافادة من الهامش الذي امتلكه سابقا ذلك ان تطبيع العلاقات التركية - السورية يمر حكماً ب "ازالة هذه العقبة".
وتطرقت قمة جنيف ايضا الى عناوين اخري مثل اسلحة الدمار الشامل وضرورة ارساء قواعد لامن دول المنطقة وتعاونها.
ارتياح أميركي
وفي واشنطن بدت أوساط الادارة الأميركية مرتاحة الى نتائج قمة جنيف واعتبرت ان النتائج ستمكّن رابين من بلورة رد ملائم. وقال مصدر أميركي شارك في لقاء جنيف ان موضوع الجولان قابل للحل. وأضاف: "ان معظم المستوطنين الاسرائيليين الثلاثة عشر ألفاً في الجولان من اليهود غير المتديّنين كما ان معظمهم يصوّتون لحزب العمل وليس لتكتل ليكود. ومع أنهم سيظهرون بعض المعارضة للانسحاب فانهم سيوافقون على التخلّي عن مزارعهم في الجولان في مقابل الحصول على تعويضات. ومعنى ذلك ان عودة الجولان الى سورية ممكنة. وعلينا ان نتذكر ان الأسد قال علناً ان هذا سيعني إقامة علاقات عادية طبيعية وسلمية بين سورية واسرائيل ما يعني إقامة علاقات ديبلوماسية وبعض التبادل التجاري الرمزي".
في هذه الأثناء كان وزير الخارجية وارن كريستوفر أوفد الى اسرائيل دنيس روس المنسّق الأميركي لمفاوضات السلام ومارتن إنديك المسؤول عن الشرق الاوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي لاطلاع الاسرائيليين على نتائج محادثات جنيف.
وعلق المصدر الأميركي على ذلك بقوله: "هنا تظهر فائدة إنديك. فاذا قال ان الاوضاع على ما يرام فان هذا سيقنع رابين".
وكذلك رحّب مسؤولو الادارة الاميركية بتصريحات نائب وزير الخارجية الاسرائيلي يوسي بيلين التي قال فيها ان اقامة المستوطنات في الجولان كانت "غلطة" - مع أن رابين قال لاحقاً ان بيلين تجاوز الحدود بتصريحه. وصرح مصدر مقرب من أنطوني ليك مستشار الأمن القومي: "ان المستوطنات هي العقبة الأساسية في طريق إحلال السلام بين العرب واسرائيل. ولهذا السبب سيكون اغلاق المستوطنات في الجولان أقل صعوبة".
كما رحب المسؤولون الأميركيون بقبول الأسد فكرة الانسحابات من لبنان وتأكيده انه لن يدخل في اتفاق نهائي مع اسرائيل الى ان يكون هناك اتفاق سلام شامل بين اسرائيل وسورية وفلسطين والاردن ولبنان.
قوات أميركية عازلة
وتقول المصادر الأميركية ان الولايات المتحدة كررت للرئيس الأسد استعدادها لتقديم قوات أميركية عازلة للتخلص من أي ذريعة اسرائيلية للاحتفاظ بقوات في الجولان بدعوى حماية أمنها. وتعزو الفضل الأول في انعقاد قمة جنيف الى السفير الأميركي في دمشق كريستوفر روس لا قرابة بينه وبين دنيس روس الذي يتحدث العربية بطلاقة، فهو ديبلوماسي محترف ضمن للجانب الأميركي وجود "محتوى حقيقي" لتصريحات الأسد العلنية.
أما بالنسبة الى مسألة ادراج اسم سورية في قائمة وزارة الخارجية الأميركية للدول التي تساند الارهاب فتقول تلك المصادر ان وزيري الخارجية كريستوفر ونظيره السوري السيد فاروق الشرع سيشكلان لجنة خاصة لوضع صيغة لرفع الحظر التجاري جزئياً عن سورية. وقال مصدر أميركي اشترك في محادثات جنيف ان واشنطن تقبل عموماً رأي دمشق القائل ان من الأفضل ل "جميع المعنيين" ان يظل قادة الفئات الراديكالية في دمشق لأنها تستطيع السيطرة عليهم أفضل من أي طرف آخر. ويبدو ان الاسرائيليين يقبلون بهذا الرأي أيضاً.
وكذلك أبلغ الرئيس السوري نظيره الأميركي ان دمشق ستتعاون في مواصلة التحقيق في تفجير لوكربي لكنه أصر على عدم وجود اي صلة لسورية بالحادث. وأشار ايضاً الى ان طالباً سورياً كان بين ضحايا الانفجار. وقال الأسد انه يؤيد اقتراح الجامعة العربية محاكمة الشخصين المتهمين في مالطا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.