لم يغب عن أذهان وزراء الدفاع في دول مجلس التعاون الخليجي وأبواب "قاعة التعاون في الرياض توصد وراءهم الاسبوع الماضي لبدء مناقشاتهم ذات الصبغة السرية، ان اجواء الحروب في المنطقة العربية بدأت تزول مع مسيرة السلام العربي - الاسرائيلي. كما لم يغب عن بالهم ان تجارب "أهل الخليج" مع العراق وإيران لا تزال قائمة على الاولويات في وضع استراتيجية عسكرية واقتصادية تحقق لدول المجلس القوة الذاتية للدفاع عن نفسها ومكتسباتها. غير ان الحفاظ على القوة الذاتية وتنميتها لا يعنيان ان الأمن يزيل شروط هذه القوة. بدليل ان القوى العظمى، حتى مع زوال شبح الحروب المدمرة، لم تلغ ارقام موازناتها الكبيرة للتسلح والصناعات العسكرية. تعلمت دول الخليج الكثير من الحربين بين العراقوايران، والعراقوالكويت، وكذلك من الاجواء التي رافقت حرب اليمن، والنزاع على الجزر الاماراتية العربية المحتلة وغيرها. وكلها ليست ظاهرة عارضة لأن الظروف التي تتوالى على المنطقة والحسابات غير المتوقعة والتغيرات السريعة اسباب تفرض وجود قوة خليجية على مستوى اهمية دول مجلس التعاون ونظرتها الى المستقبل. واذا كانت الدول الخليجية تملك الامكانات المادية والبشرية والقدرة على تنويع مصادرها من السلاح من مختلف الاسواق العالمية. وكذلك الاستعانة بالخبرات المتقدمة وفق حاجاتها، فإن التجارب المأسوية التي أثارها العراق لم تقتصر نتائجها عليه وحده. مثلما ان ايران قد تصبح وفق ظروفها الحاضرة مصدر زعزعة لأمن الخليج، خصوصاً في ظل حكومة لا تزال تسيطر عليها هواجس القوة وتفترض انها النظام المثالي الذي يجب ان يسود العالم اياً كانت الوسائل للوصول الى هذا الهدف، سواء حرباً او تصديراً للعنف. ان الاجتماع الأخير لوزراء الدفاع في دول مجلس التعاون الخليجي برئاسة الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران السعودي يعتبر اجتماعاً دورياً روتينياً، لكنه من حيث الدور والتطلع لم يكن هذه المرة اجتماعاً عادياً. اذا اضيف الى جدول الاعمال "العسكري" البحت، الاطار السياسي الذي انطلق منه الوزراء الستة في مناقشاتهم المغلقة التي دامت قرابة ثماني ساعات على مدار يومين. التزام أدبي وأخلاقي أقر وزراء الدفاع ان دولهم تحملت معظم نفقات الحرب العراقية - الايرانية، انطلاقاً من "التزام ادبي وأخلاقي" مع دولة عربية لا يمكن القبول بسقوطها او هزيمتها. واعتبروا هذا واجباً تمليه ظروف المصير المشترك ولم تفرضه اي قوة اقليمية او دولية. لكن الامر اختلف حين اصبحت الكويت الهدف الثاني. وحتى لو افترض بعضهم ان الرئيس صدام حسين مسكون بهاجس الحرب والدمار وإنكار الجميل حتى لمن تربطهم به علاقة رحم، فإن المجتمع الخليجي مقتنع بأن ما حدث للكويت يعد "احدى طفرات صدام ودوره في تخريب المنطقة مع سبق الاصرار والتصميم". والشيء الذي بدأ يتضح لأهل الخليج بعد الحشود العراقية الاخيرة على الحدود مع الكويت ان الدول التي ساندت ووقفت مع بغداد تحول بعضها الى ادانته بما يشبه العتب على الصديق، وأخرى آثرت الصمت لئلا تجرح كبرياءها القديمة او توصف بالرياء وانقلاب المواقف. وهو ما يكشف ان الاندفاع العاطفي واحياناً موروث الاحقاد وتعطيل العقل هي من المآزق التي قسمت العرب. خلاصة التحليل والرأي لدى وزراء الدفاع الخليجيين ان الاحداث الاخيرة اثبتت "ان قصة الهجوم والانسحاب ثم تدخل وسطاء دوليين واختراع مبدأ الاعتراف بالكويت ضمن شروط معينة، ثم الاعتراف من دون اية شروط ثم عودة القوات العراقية الى مواقعها الاصلية والابقاء على بعضها... جاءت جميعاً نتيجة اضطراب سياسي، لأن القرار ونقيضه بيد فرد واحد هو صدام حسين نفسه الذي اثار المجتمع الدولي ودفع القوى الكبرى الى حشد قوة عسكرية هائلة. لكنه عندما أدرك ان المغامرة خطيرة وان الموقف لم يعد يحتمل اي لعبة، كان لا بد من وسيط يعطيه بعض الأمان في مقابل الوعد بالاعتراف بالحدود الدولية للكويت ثم تسوية بقية القضايا الاخرى. ولكن حتى في هذا الخيار لم يصبح صدام مصدر ثقة الطرف المقابل لأن التنفيذ وحده والصدق في اتخاذ القرار هما الوسيلة لانقاذ وضعه. وهذا ما لا يستطيع احد ان يراهن عليه الا بعد التحقق من الفعل لا نقيضه". لذا كان ثمة شبه اجماع بين وزراء الدفاع على ان الواقع الحالي نتيجة التصرفات العراقية، لا يعدو ان يكون استمراراً لأحداث حربي العراق مع ايرانوالكويت. وان المنطقة لا يمكنها ان تستقر بوجود زعامات لا يمكنها التعايش مع الظروف الدولية والمحلية ولا تدرك ان الامن قضية لا يساوم عليها. وهي النتيجة التي تنطبق على واقع العلاقة الخليجية - الايرانية على رغم الايمان الراسخ بوجود الرابط الاسلامي والترابط الجغرافي والقضايا المشتركة التي يتقاسم تحدياتها الطرفان، وهي طبيعة فرضتها احداث التاريخ ومسلمات الواقع. وضع ايراني صعب وفي عرض للواقع الايراني المأزوم اقتصادياً وسياسياً ومحاولات تصدير العنف الى الخارج، لا يصعب على المراقب فهم ابعاد موقف اهل المنطقة وغيرها، وأكثرها وضوحاً ضرورة "لجم الحكم" في طهران واتخاذ اجراءات رادعة لمواجهة تحركاته، الامر الذي استدعى مقاطعته على المستويات السياسية والاقتصادية مع اكثر من طرف دولي. وقاد هذا الى خسائر موجعة في الداخل ووصول المواطن هناك الى حافة الفقر على رغم الموارد والثروات الهائلة التي تتمتع بها ايران، مما دفع قادتها الى شن حرب اعلامية على الجيران ومحاولة التحرش بهم لالهاء المواطنين الايرانيين عن معاناتهم، كما حدث تماماً في الخلاف مع دولة الامارات العربية المتحدة على الجزر الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى. ويقول مسؤول خليجي ل "الوسط" ان "التصور الامثل الذي بنت عليه دول الخليج موقفها من النظام الايراني بعد التغيير هو ان تكون دولة جوار مسالمة لا دولة عدوان، وان يرتكز التعامل على التعاون الصادق في كل الميادين لمصلحة شعوب المنطقة عموماً والشعب الايراني خصوصاً، بحكم انه المتضرر من احداثه الداخلية في ظل حكم قاد المنطقة الى كوارث وحروب وتدخلات في شؤون دول الجوار وبقية الدول الاسلامية ومحاولة تصدير افكار الى اكثر من جهة في دول آسيا وأفريقيا ورعاية منظمات ارهابية ما زالت تمارس ادواراً مشبوهة الى اليوم". لذلك كان لا بد لوزراء الدفاع في دول مجلس التعاون الخليجي من اتخاذ قرارات في اجتماع الرياض، فكانت الموافقة على رفع عدد عناصر قوة "درع الجزيرة" من 5 آلاف الى 25 ألف مقاتل خلال سنة 1996، مع التركيز على اجراء المناورات العسكرية لجميع القطاعات المسلحة البرية والبحرية والجوية والدفاع الجوي، واعدادها اعداداً جيداً لتكون في مستوى قوة للتدخل السريع والفعال عند تعرض أمن اية دولة من دول المجلس للخطر، مع السعي الى تحديث الاسلحة التي تمتلكها جيوش المجلس واقامة شبكة للانذار الجوي المبكر. ولخص عضو بارز في الوفد السعودي الى الاجتماع مناقشات الوزراء بقوله ل "الوسط": "ان الاجتماع اثبت ان دول المجلس تملك التصور وارادة العمل والقدرة على سد كل الفجوات في موازين القوى واعداد استراتيجية طويلة المدى تستجيب حاجاتها الأمنية في استقرار هذه المنطقة".