تُفتتح اليوم السبت 9 كانون الأول/ ديسمبر أعمال قمة مجلس التعاون الخليجي ال27 في ظل خيارات مبهمة قد ترسم صورة مستقبل الدول الست لسنوات طويلة مقبلة. وعلى رغم الظروف الاقليمية السيئة التي رافقت تطور هذه المجموعة العربية، إلا أن استمرارها لأكثر من ربع قرن، اعتبر انجازاً استثنائياً فريداً. والسبب أن كل المحاولات السابقة لم تعمر طويلاً بدليل أن الوحدة بين مصر وسورية لم تكمل سنتها الرابعة، أما الاختبارات الأخرى فقد ولدت جهيضة مثل الاتحاد المغاربي والاتحاد الرباعي بين مصر والسودان وليبيا وسورية والاتحاد الثلاثي بين العراق ومصر والأردن الذي فككه غزو العراق للكويت. ويستدل من نص المادة الرابعة في النظام الأساسي لمجلس التعاون، ان أسباب بقائه واستمراره تجلت في الهدف الأول الرامي الى"التكامل بين دول المجلس الست وصولاً الى وحدتها". أي أن قادته تجاوزوا أخطاء الاتحادات العربية الأخرى التي بدأت"بالوحدة السياسية"، في حين انطلق مجلس التعاون بتجربة التكامل الاقتصادي مثلما فعلت دول الاتحاد الأوروبي. وهكذا قدر له أن يعمر أكثر من ربع قرن وسط ثلاث حروب عصفت بأكبر جارتيه ايرانوالعراق اضافة الى الكويت، إحدى الدول الست. يقول مؤسسو مجلس التعاون ان الدافع الأساسي لتضامنهم هو ايلاء المشكلة الأمنية الاهتمام الأول مع كل ما يترتب عن ذلك من تنازلات تجاوزت الخلافات الثنائية والحساسيات العشائرية. ذلك أن مخاوفهم من وصول نيران الحرب العراقية - الايرانية سنة 1981 الى حدود دولهم، شجعتهم على بناء نظام أمني - اقتصادي قادر على امتصاص الصدمات المتواصلة. اي الصدمات الدولية والاقليمية التي نتجت عن الغزو السوفياتي لأفغانستان واندلاع ثورة الخميني، والحرب العراقية - الايرانية التي استمرت ثماني سنوات. ثم جاءت عملية غزو الكويت لتضاعف المخاوف وتدفع الدول الخليجية باتجاه الانفاق العسكري الذي شكل جزءاً كبيراً من الناتج المحلي الاجمالي، وكان من حصيلة زيادة الانفاق على التسلح أن تعرضت الموازنات الوطنية للعجز ولارتفاع نسبة المديونيات الداخلية والخارجية. ونتج عن تلك المشاكل المالية تراجع في تحقيق مشروعات التكامل الاقتصادي بسبب وجود دول مجلس التعاون في قلب العاصفة، وبسبب اتساع هلال الأزمات المتأتية عن حرب العراق الأخيرة وما أفرزته من حركات إرهابية. يجمع المراقبون على القول ان الاتحاد الاقليمي الممثل بمجلس التعاون كان أقصر محاولة للتكامل المرتجى باتجاه الوصول الى الوحدة العربية. لذلك قصد الانضمام اليه العراق واليمن بحجة الانتماء الخليجي أولاً، والمشاركة في"أوبك"ثانياً. ولكن فكرة خصوصية تناسق أنظمة المجلس وانسجام بنيتها الاجتماعية، فرضتا على الأمانة العامة التريث في قبول أعضاء جدد، خشية أن يثير ذلك غضب دول أخرى مثل ايران. وهذا يعني بالطبع ان معيار صفة انسجام الأنظمة الستة قد تعرض للتجاوز والاختراق على الصعيدين الأمني والاعلامي، كما ظهر في مسألة الأمن المشترك ونظام الاتحاد الجمركي وأداء قناة"الجزيرة". من هنا اضطر مقررو القمة السابقة في ابوظبي الى تأجيل تطبيق نظام الاتحاد الجمركي الخليجي حتى نهاية سنة 2007 بدلاً من 2005، كما كان مقرراً سابقاً. كذلك اضطروا الى إرجاء عملية استكمال خطوات إصدار عملة خليجية موحدة أربع سنوات إضافية، اي حتى سنة 2010. في حديثه أمام المنتدى الاستراتيجي العربي الذي عقد هذا الاسبوع في دبي، قال كبير مفاوضي الملف النووي الايراني علي لاريجاني، ان بلاده لا ترى ضرراً من امتلاك التقنية النووية من قبل مصر والسعودية ودول أخرى. وكان بهذه الإشارة يحاول رفع الحظر الدولي عن المنطقة، وتشجيع الدول العربية السنية على منافسة اسرائيل في امتلاك السلاح الذري. وكرر في الندوة اقتراح وزير الدفاع الايراني مصطفى محمد نجار، حول استعداد طهران لتوقيع معاهدة أمنية مشتركة مع دول الخليج بهدف تطمينها الى سياسة التقارب الاقليمي. ونفى تدخل بلاده في تأجيج القتال الطائفي في العراق، مؤكداً ان العداء غير موجود بين السنة والشيعة، لا في العراق ولا في لبنان ولا في البحرين. ويبدو انه اختار هذه الدول العربية التي تقطنها غالبية شيعية، كي يمحو أثر الاتهامات الموجهة الى ايران بأنها تتدخل في مصائر هذه الدول. ومن منطلق مختلف عن منطلق القوة التي يهدد بها مرشد النظام علي خامنئي والرئيس نجاد، تحدث لاريجاني عن لغة الحوار كأفضل وسيلة للتفاهم مع دولة الامارات بشأن وضع جزر أبو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى، واتهم في خطابه الولاياتالمتحدة بأنها تسعى الى خلق التوتر بين دول المنطقة، مكرراً ان مسألة الجزر الثلاث هي من صنع واشنطن. وكانت طهران قد أعلنت الشهر الماضي انها ستقدم احتجاجاً رسمياً لدولة الامارات العربية المتحدة، تشكو فيه النشاط المعادي لها بتحريض من السفارة الاميركية. ويرى المسؤولون الاماراتيون ان هذه الشكوى - إذا كانت صحيحة - لا تبرر استمرار احتلال الجزر الثلاث. لذلك قررت الأمانة العامة لمجلس التعاون إثارة هذه المسألة المعلقة منذ منتصف السبعينات، على ان تكلف احدى اللجان بفتح الحوار الذي اشار اليه لاريجاني. في الاجتماع التحضيري الذي عقده وزراء خارجية دول مجلس التعاون، تمت مراجعة شاملة للمتغيرات السياسية التي فرضتها الانتخابات الأخيرة في الولاياتالمتحدة، وما أسفر عنها من تعديل ملحوظ في السياسة الخارجية الاميركية. وعليه تقرر اتخاذ موقف موحد في السياسة الخارجية ينسجم الى حد كبير مع سياسة كل الدول العربية. ومعنى هذا ان انحسار النفوذ العسكري الاميركي - البريطاني في العراق وافغانستان، سيجدد الهموم الأمنية ويدفع الدول الست باتجاه مزيد من التعاضد والتكامل لجهة تطوير الجيش الموحد المعبر عنه"بقوات درع الجزيرة". وفي هذا السياق، يتوقع المراقبون في واشنطن ان يتراجع التدخل العسكري الاميركي في المنطقة، في حين تقوى المبادرات السياسية التي تطرحها لجنة بيكر - هاملتون من أجل رأب الصدع وملء الفراغ الأمني. وبما ان المطلوب من اسرائيل ان تدفع ثمن تدني الدور الأميركي - البريطاني عن طريق تخليها عن الجولان والضفة الغربية، فإن أحداث لبنان المتوقعة قد تكون المبرر لاندلاع حرب أخرى دأبت اسرائيل على الاستعداد لها منذ مُنيت بالهزيمة السابقة. لذلك يشعر أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى بأن الشعارات المذهبية التي تغذي تظاهرات بيروت وطرابلس، ربما تطلق العنان لاندلاع حرب طائفية سبق للبنان أن نجا من تفاعلاتها السلبية في حرب 1975. وبسبب فشل المشروع الأميركي لإقامة شرق أوسط كبير تحصنه قوات الوزير المستقيل دونالد رامسفيلد، تتجه إدارة جورج بوش حالياً الى تغيير مسار أحداث المنطقة، مثلما فعلت في حرب ال15 سنة أثناء تغطية اتفاق"كامب ديفيد". يتوقع الخبراء أن تنصح القمة الخليجية بضرورة تطوير اقتصادها بطريقة علمية مدروسة بحيث تتحاشى تكرار الأخطاء السابقة وكل ما نتج عنها من انهيارات اضطرت الدول لأن تتدخل من أجل انقاذ المغامرين. وبما ان ارتفاع أسعار النفط خلال السنتين الماضيتين بلغ معدلاً غير مسبوق، فإن نظام الاستثمارات يجب أن يخضع لعوامل الانتاج وفرص الاندماج الاقليمي. والملاحظ خلال هذه الفترة ان الأداء الاقتصادي وحوافز التنمية لم تمنعهما الهموم الأمنية من ممارسة أقصى درجات التعاون. وربما تعدى المجلس سنوات التأسيس والترسيخ، وتحررت استثماراته من تدخل الدولة المباشر في الشؤون الاقتصادية والقطاع الخاص. علماً بأن الدولة في الخليج تبقى هي مصدر الاستثمار والمعيار الأول والأخير للحكم على الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية المشتركة. في ظل التطورات الجديدة، بدأ مجلس التعاون الخليجي يتطلع الى المنطقة التي تضم دوله، من زاوية سياسية - استراتيجية نظراً لاهتمامها برعاية أمنها النفطي، خصوصاً بعدما أصبحت ايران لاعباً أساسياً قد تعهد إليه واشنطن بمعالجة التداعيات التي خلفتها معارك العنف الدموي في العراق. أي المعارك التي ساهمت في افتعالها من أجل الوصول الى الهدف الذي وصلت إليه. وكان من الطبيعي أن تحصل طهران على هذه النتائج المرضية بعدما أُخرج الاتحاد السوفياتي من أفغانستان وتم القضاء على نظام طالبان. ثم اتبعت واشنطن قصاصها بضرب نظام صدام حسين الذي فرض على ثورة الملالي إعلان وقف النار كاعتراف بهزيمة وصفها الخميني بأنها أبشع من شرب السم. وكان من نتيجة هذه الأخطاء الاستراتيجية المميتة أن ترك المجتمع العراقي نهباً لجارتيه سورية وايران، اضافة الى المتسللين عبر الحدود تحت راية"القاعدة"وحلفائها. بعد مرور 27 سنة على إنشاء مجلس التعاون الخليجي، تبدل الواقع الأمني المحيط بالدول الست، فإذا بالنصر الذي أحرزه العراق في الثمانينات ينقلب الى فوضى عارمة بسبب الاجتياح الأميركي. واذا بقادة المجلس في المؤتمر الذي يفتتح اليوم في الرياض، يضطرون الى اجراء مراجعة شاملة لشؤون المنقطة وشجونها. ويرى المراقبون ان الأمن الخليجي لا ينحصر في محيط هذه البقعة الجغرافية المهمة، وانما يتعداها ليصل الى مفاصل أساسية تشكل دول الخليج احدى حلقاتها الحيوية. وعليه يتوقع المحللون أن تكون تجربة مجلس التعاون نموذجاً لحياد مثمر استطاع أن يتجاوز تداعيات حربي الخليج الأولى والثانية. فهل بالمستطاع خلال سنة 2007 تجاوز الآثار السلبية التي ستفرزها الأحداث الأخيرة؟! * كاتب وصحافي لبناني