يرتبط حادث اغتيال حجة الاسلام السيد محمد تقي الخوئي بظروف وملابسات عدة تشير الى تورط السلطات العراقية. فهو حدث بأسلوب تقليدي مارسه كثيراً النظام الحالي في العراق للتخلص من الخصوم. السيد محمد تقي من مواليد النجف عام 1958 من عائلة متحدرة من خوء الايرانية. استقر والده في النجف للدراسة في سن مبكرة، واستمر فيها من دون ان يغادرها الى مكان آخر إلا نادراً. تتلمذ على يد السيد عبد الصاحب الحكيم وعلى يد والده في مسجد الخضراء وصدرت له مؤلفات عدة، منها تقريرات وشروحات لمحاضرات والده في سلسلة كتب "مباني العروة الوثقى"، النجف 1984 - 1986، وهي كتاب "النكاح" "دراسة تشريعية" وكتابا "المضاربة" و"المساقاة" دراسات اقتصادية. كذلك صدر له كتاب "الشروط او الالتزامات التبعية في العقود"، في ثلاثة اجزاء عن دار "المؤرخ العربي" في بيروت "1993". ويذكر في مقدمة هذا الكتاب الظروف الصعبة التي يعيشها بعد انتفاضة 1991: "ففي تلك الايام على رغم صعوبة الوضع وشدة الحال وقساوة الزمان وتوتر الاعصاب، خطر ببالي اللجوء الى الكتابة عساها ان تكون سلوة لي في بعض المصاب". وله دراسات اخرى مخطوطة لم تطبع بعد، كذلك حصل على إجازتين في الاجتهاد من كبار مراجع النجف، بعد والده، هم آية الله علي الحسيني البهشتي وآية الله علي الحسيني السيستاني. المرجعية الدينية والسلطة العراقية قبل الدخول في تفاصيل حادث الاغتيال، تجدر العودة الى العلاقة المضطربة بين القيادة الدينية في النجف والسلطة في بغداد، في مراحل تاريخية مختلفة. ففي العام 1057 طرأ ظرف سياسي قاهر على الحوزة العلمية في بغداد قبل انتقالها الى النجف، بعدما سقطت السلطة البويهية على ايدي السلاجقة، وأحرقت دار زعيم الحوزة شيخ الطائفة الطوسي، وضيق الخناق على التشيع بعد الانفتاح الكبير في العهد البويهي، فتحولت الحوزة الشيعية الى النجف. وظلت طوال قرون عدة غير مستقرة تنتقل بين مراكز مختلفة، كالحلة وكربلاء وسامراء. ثم عادت واستقرت في مدينة النجف منذ القرن العاشر الهجري. وفي فترة تاريخية أفادت الحوزة من المنافسة السياسية بين العثمانيين والاتراك والصفويين الفرس على كسب ود الشيعة، وذلك من خلال العناية بحوزتهم العلمية ومدينتهم المقدسة النجف. كذلك استقرت الامور العلمية فقهياً وعلمياً بعدما حسم الموقف لمصلحة الاصوليين الاجتهاديين إثر صراع طويل مع المدرسة الاخبارية النصية. الحوزة تتدخل واول تدخل حوزوي مباشر في السياسة العراقية بعد فتوى ثورة العشرين والاستقرار على علاقة معينة مع السلطة خلال الحكم الاموي، كان من خلال الفتوى التي اصدرها آية الله الحكيم، في العام 1959 ضد المد الشيوعي في العراق باعتبار ان الشيوعيين كانوا من ابرز مؤيدي النظام يومها. وقالت الفتوى انه "لا يجوز الانتماء الى الحزب الشيوعي فإن ذلك كفر والحاد أو ترويج لكفر والحاد اعاذكم الله وجميع المسلمين من ذلك وزادكم إيماناً وتسليماً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته". وفي ظل الاختلافات السياسية الحديثة بين اطراف المعارضة العراقية، وتمشياً مع موقف السلطات الايرانية من حزب "توده" في ايران اعادت صحيفة "الشهادة"، جريدة "المجلس الاعلى للثورة الاسلامية" في العراق الصادرة في ايران في 2 / 12 / 1986 نشر هذه الفتوى. كذلك تحركت الحوزة ضد البعثيين من خلال الفتوى التي اصدرها آية الله محمد باقر الصدر والقاضية بتحريم الانضمام الى حزب البعث، وتفادياً للضغوط التي كان يتعرض لها طلبة الحوزة اضافة الى الفتاوى الشفوية التي تحرم الانضمام الى حزب البعث والتي كان يفتيها حجة الاسلام السيد قاسم شبر ت 1980 في مدينة النعمانية القريبة من بغداد خلال خطبه بالاستناد الى فتوى آية الله الصدر، وكان وكيلاً له هناك، وقد اعدم وهو ابن 92 عاماً. دور الخوئي في الحفاظ على الحوزة في ظل الظروف الصعبة الموجهة ضد الحوزة العلمية لقمع السياسيين فيها اولاً، امثال آية الله محمد باقر الصدر، وكسب ود المعتدلين، كانت مهمة آية الله ابو القاسم الخوئي ت 1992 المحافظة على دور الحوزة والمرجعية، خصوصاً بعد قيام الجمهورية الاسلامية في ايران، وما يعنيه ذلك من خطر على النظام العراقي وعلاقة النجف التقليدية بإيران. ذلك ان ما تريده السلطة العراقية هو اكثر من تحييد المرجعية العلمية في النجف. انها تريد الانحياز اليها، ولذلك طلبت من السيد ابو القاسم الخوئي اصدار فتوى ضد ايران. وجاء رفضه لا ليؤكد العلاقة المميزة مع الجمهورية الاسلامية، بقدر ما جاء تأكيداً لمنهجه في التحفظ عن الشأن السياسي وحماية الحوزة. وهو الذي تحفظ عن مرجعية الخميني السسياسية وتجنب اغراق الحوزة في السياسة. وقد فعل ذلك ازاء النظام العراقي ايضاً، ومن خلال نصي الفتويين الصادرتين اثناء انتفاضة 1991، حيث اكد في الفتوى الاولى التمسك بالقيم الاسلامية وتجنب القتل والتمثيل بالجثث والنهب، والتزام الشرع في دفن القتلى وعدم التسرع في اتخاذ القرارات الفردية وغير المدروسة. واكدت الفتوى الثانية كبح الفوضى بتعيين لجنة عليا تشرف على ادارة الاوضاع وحفظ النظام، وكان السيد محمد تقي الخوئي احد اعضائها. وصدرن هاتان الفتويان بعد توجه الناس الى المرجع الديني ليقوم بمهمته في تلك الظروف. وتجنب السيد ابو القاسم الخوئي في هاتين الفتويين اي خطاب سياسي، على رغم انه كان مدركاً، كغيره من الناس، ان النظام لا حول ولا قوة له، قبل ان يكتشف الجميع ان قوات التحالف الدولي لم توفر حماية العراقيين في الجنوب. وقام بمهمته كمرجع ديني امام كارثة قد تؤدي نتائجها الى زوال الحوزة من الاساس، او تركيب حوزة يفصلها النظام. والذي ازاع هاتين الفتويين وتولى تنفيذهما السيد محمد تقي الذي رافق والده الى لقاء الرئيس صدام حسين، حيث انتهت المقابلة بعرض دعائي في التلفزيون، ثم مراقبة دائمة على النشاط العلمي للحوزة. دوافع الاغتيال هناك مسائل عدة كانت حافزاً لتدبير عملية اغتيال محمد تقي، منها كما ورد في الكتاب الذي اصدرته مؤسسة الخوئي الخيرية عن المغدور: 1- استمرار دور الحوزة العلمية في النجف، بعد وفاة والده، حيث حل محله آية الله السيستاني، تلميذ ابي القاسم الخوئي، إثر رفضه مرشح السلطة السيد محمد صادق الصدر. وهذا ما يعزز دور السيد محمد تقي الذي كان له في ظل مرجعية والده. 2- دور مؤسسة الخوئي الخيرية الاعلامي ضد النظام، ومركزها في لندن، وكان قرار تأسيسها صدر عام 1989، ودور السيد تقي في تأسيسها وادارتها اذ اصبح أمينها العام. ونشاط هذه المؤسسة خارج ارادة السلطات العراقية، مع وجود أمينها العام في العراق. وفي رسالة التعزية التي وجهها الامين العام للامم المتحدة الدكتور بطرس غالي في تاريخ 5 / 8 / 1994 الى السيد عبد المجيد الخوئي، إشارة الى التقارير التي رفعت الى الاممالمتحدة عن حقوق الانسان في العراق، وارتباط ذلك بحياة علماء الدين الشيعة في شكل عام. وكان المقرر الخاص لحقوق الانسان ماكس فان ديرشتول قال امام مجلس الامن في 11 / 8 / 1992: "يجب ان اعبر عن قلقي العميق حيال معاملة رجال الدين الشيعة بعد الانتفاضة في الجنوب في ربيع العام الماضي، إن كثيرين منهم معتقلون، وقد بذلت جهوداً للحصول على معلومات عن مصيرهم من الحكومة العراقية من دون جدوى". ووجه ديرشتول رسالة خاصة الى وزارة الخارجية العراقية في 7 / 10 / 1992 بخصوص احتجاز السيد محمد تقي قال فيها: "لفت انتباهي اخيراً ان السيد محمد تقي الخوئي ابن المرحوم آية الله العظمى الخوئي، احتجز في النجف لبضع ساعات من قبل موظفي الحكومة العراقية في 23 ايلول سبتمبر 1992 ووفقاً للمعلومات الواردة طلب هؤلاء من السيد الخوئي ان يدلي بتصريحات علنية معينة، وان يقوم بزيارة تقدير للرئيس صدام حسين في بغداد. وذكر ان تلك المطالب كانت مصحوبة بالتهديدات والتخويف من جانب موظفي الامن العراقيين". وأكد السيد محمد التقي، من خلال رسائله الموجهه الى اخيه السيد عبد المجيد الخوئي المقيم في لندن، ان هناك خطراً يتهدده، وان عدم مغادرته العراق مرتبط بالتزاماته حيال الحوزة العلمية وتراث والده الفقهي والعلمي. لقد كان مخطئاً في الاطمئنان الى التأثير الدولي، من خلال تعاطف مفوضية حقوق الانسان في الاممالمتحدة الظاهر مع الشيعة في العراق، من دون ان يقدر ان هذا في حد ذاته دافع للنظام الى تصفيته الجسدية، كرسالة الى العالم على قدرة النظام على التحكم بوضعه الامني. وورد في احدى الرسائل الموجهه الى اخيه السيد عبد المجيد والتي يطلب فيها تحريك الحماية الدولية: "حاولوا اعطاء بعد عالمي لقضية سماحة السيد والحوزة العلمية بالضغط على الاممالمتحدة عن طريق تحركات شعبية في الهند وباكستان، ولو عن طريق أغا خان. ويا حبذا لو يزور صدر الدين سماحة السيد، شرط عدم مرافقة مندوبي الحكومة العراقية له، كما اعتقد ان الشيخ "محمد مهدي" شمس الدين "رئيس المجلس الاسلامي الشيعى الاعلى في لبنان" يمكنه ان يلعب دوراً لا بأس به. حاول ان تعمل بجدية فالوضع خطر". هذا الوضع الخطر بالنسبة الى عائلة الخوئي والقريبين منه، ظهرت بوادره منذ العام 1979 عندما اعتدي بالضرب المبرح على نجل الخوئي الاكبر السيد جمال الدين، وعلى اثر ذلك اضطر الى مغادرة العراق الى سورية، وبعدها توفي في ايران. وفي العام 1982 اعدم السيد محمد تقي الجلالي سكرتير السيد الخوئي الخاص بتهمة الخيانة. وفي العام 1983 فجرت سيارة السيد الخوئي الخاصة، وفي عام 1985 اغتيل صهره السيد نصرالله المستنبط، بواسطة ابرة سامة، وكان من المجتهدين المتوقع ترشيحهم الى مركز المرجعية. اضافة الى اعدام واعتقال عدد من علماء الحوزة، كاغتيال آية الله محمد باقر الصدر واعتقال آية الله محمد تقي الجواهري عضو لجنة الاستفتاء، وآية الله هاشميان، وآية الله محمد الانصاري. واعدام عدد كبير من علماء اسرة آل الحكيم وآل بحر العلوم. خلفيات الاغتيال وتشير كل الدلائل الى ان السبب المباشر للاغتيال هو نشاط محمد تقي في الحوزة العلمية للمحافظة على منهج والده في استقلال الحوزة ونشاطه الخارجي من خلال المؤسسة وعلاقة ذلك بنشاط المعارضة العراقية. على رغم ان هذا النشاط لم يكن سياسياً مباشراً. وفي ما يخص نشاط الحوزة فقد فشلت السلطات العراقية في ايصال مرشحها الى قيادة الحوزة، بعد وفاة المرجع ابو القاسم الخوئي. وكان للسيد محمد تقي دوره في حصول هذا الفشل وتعزيز موقع آية الله السيستاني. علماً بأن إختيار المرجع لا يتم بطريقة انتخاب وتصويت او بطريق التعيين، بل يبرز من خلال دوره العلمي وثقة العلماء والمراجع به وبفقهه. وكان رد السلطة على هذا الفشل ان أغلقت جامع الخضراء الذي كان يقيم فيه ابو القاسم الخوئي صلاته وبحث الخارج "الخاص بأعلى مراحل الدراسة في الحوزة"، ثم تولى السيد السيستاني ذلك بعد وفاته. وبسبب ذلك - كما تؤكد الاخبار - قامت مشادة حادة بين محافظ النجف ومدير امنها من جهة ومحمد التقي، انتهت بتهديد المحافظ له. والمعروف ان آية الله السيستاني دأب على نهج استاذه ابو القاسم الخوئي في تجنب السياسة والتفرغ للحوزة العلمية والمحافظة على وجودها في النجف، وهو واحد من اثنين حصلا على شهادة الاجتهاد من ابي القاسم الخوئي، اما الثاني فهو السيد علي الفلسفي المقيم في ايران. ويظهر هذا النهج من خلال رسالة التعزية المقتضبة التي بعث بها من النجف الى السيد عبد المجيد الخوئي في لندن، ولم تتضمن أي إشارة الى الحادث أو الى أي أمر له علاقة بالسياسة. وقالت الرسالة: "أعزيكم والاسرة الكريمة بوفاة المغفور له اخيكم حجة الاسلام السيد محمد تقي الخوئي، طيب الله ثراه، وإذ نشارككم هذا المصاب الجلل، نسأل الله العلي القدير، أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ويحشره مع اجداده الكرام، محمد وآله الطاهرين، ويلهمكم الصبر والسلوان، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم". وفي ما يخص المؤسسة الخيرية، تقول رواية القريبين من محمد تقي ان مدير الامن العام سبعاوي، الاخ غير الشقيق للرئيس صدام حسين، استدعاه بعد عودته من لندن، وأبلغه بالحرف الواحد ان السلطة كانت سمحت له بالسفر أملاً منها بوقف نشاط المؤسسة الاعلامي وتجميد اصدار مجلة "النور" التي تصدرها المؤسسة في لندن، والتي تظهر كمجلة معارضة. وكان جوابه المنقول ضمن الرواية: "ليس الامر بيدي، وهل سمعت بأهل فقيد كفوا عن المطالبة بفقيدهم، اطلقوا سراح العلماء المحتجزين ليكف الناس عن المطالبة بهم". واستناداً الى الرواية التي وصلت من النجف، فإن محمد تقي قدم طلباً الى السلطات العراقية لمنحه تأشيرة مغادرة، كما هو العرف الرسمي الجاري في العراق، لحضور اجتماع امناء المؤسسة في لندن. فكرروا عليه طلب حل المؤسسة، واستدعاء ولده جواد الذي يدرس في لندن. وبعد رفضه ذلك، وافقوا على مغادرته البلاد شرط عدم العودة الى العراق ثانية والى الأبد... وكذلك كان جوابه الرفض. وفي يوم مراجعته الرسمية بخصوص تأشيرة المغادرة، زار مرقد الحسين في كربلاء، كتقليد اسبوعي يقوم به، وبعد عودته ليلاً، ولدى وصوله الى منطقة خان النص بين كربلاء والنجف، وهو المكان نفسه الذي ظهرت فيه مجموعة منتفضة في شباط "فبراير" من عام 1977 ضد السلطة وأعدم على أثرها اكثر من ثلاثين مواطناً بعد محاكمة صورية، تليت احكامها إثر تنفيذ حكم الاعدام، ظهرت شاحنة على جانب الطريق تسير من دون إنارة، ولدى وصول سيارته عمدت الشاحنة الى الاصطدام بها وقلبها، ثم اشعلت النار فيها. واخرج الركاب من السيارة، ومنعت قوات من الجيش والامن من الاقتراب من مكان الحادث وجرت "طمأنة" المارة باستدعاء سيارة إسعاف، بينما كان السيد محمد تقي مصاباً برأسه وينزف. وظل كذلك من دون اسعاف من الحادية عشرة ليل الخميس 21 / 7 / 1994 وحتى الرابعة من صباح اليوم التالي. وكان بصحبته نسيبه السيد محمد امين الخلخالي وطفله البالغ من العمر ستة أعوام. وقالت المعلوملت الواردة من النجف ان قوات من الجيش والامن طوقت مدينة النجف يوم الحادث، لتفادي حصول اضطرابات ومنع الاهل من رؤية الجثث او الاطلاع على اسباب الحادث. وجرى الدفن في اليوم نفسه من دون تشييع او مراسم صلاة. وتؤكد مصادر عراقية ان خطة تدبير هذا الحادث تكررت في العراق، ونسبة نجاحها مضمونة، ومنها عملية اغتيال حسن البكر ابن الرئيس العراقي السابق احمد حسن البكر، في اواخر آذار مارس 1978 مع جميع افراد عائلته، عندما انتظرته شاحنة على طريق تكريت - بغداد، إثر تعطيل فرامل سيارته، ما يؤكد ان المخطط واحد.