حقق لبنان ما سمته حكومته، أهم انجاز مالي في الخارج، عندما نجحت، ليس فقط في تغطية الاكتتاب بسندات الخزينة للدولار الذي طرحته في لندن، وانما في تحقيق فائض تجاوز ضعف ما هو مطلوب. ولم يجد القريبون من رئيس الحكومة رفيق الحريري انجازاً مشابهاً، سوى الفائض الذي حققه الاكتتاب بأسهم الشركة اللبنانية لاعمار وسط بيروت سوليدير. والرأي الجامع في بيروت هو ان نجاح الاكتتاب بسندات الخزينة بالدولار ليس الاّ مؤشراً الى تنامي الثقة الخارجية بلبنان، خصوصاً في المجال المالي، باعتبار ان الجهات التي اكتتبت بالسندات هي مؤسسات ومصارف دولية، معروفة بدقة حساباتها وتقييمها الموضوعي للأوضاع والتطورات. غير ان هناك وجهاً آخر للعملية لا يجوز التقليل من أهميته، ويتمثل في الانتقادات الواسعة للخطوة، إذ يرى كثيرون في بيروت ان لبنان الذي حمى نفسه طوال السنوات ال 19 الماضية من الانزلاق في دوامة القروض الخارجية، قد يكون الآن اكثر تعرضاً لمخاطر مثل هذا الانزلاق، لاعتبارات كثيرة، أبرزها حاجته الى المزيد من التمويل لتغطية المشاريع الواردة في خطة النهوض الاقتصادي التي قد ترتفع اكلافها الى 18 مليار دولار في السنوات المقبلة. ويقول خبراء اقتصاديون في بيروت، ان لجوء الحكومة الى الاقتراض من الاسواق المالية الدولية، بفوائد مرتفعة بما لا يقل عن 3 نقاط، يعود في الجزء الاهم منه الى عجزها عن الحصول على قروض ميسرة ومساعدات كانت تتفاءل بالحصول عليها من دول شقيقة وصديقة في الخليج واوروبا ومن مصادر التمويل الدولية. كذلك ثمة تفسير آخر للاقبال الواسع الذي شهده الاكتتاب بالسندات، وهو يتصل بارتفاع معدلات الفائدة عليها قياساً بما هو معمول به في الاسواق المالية للدولار. طبعاً الانتقادات الواسعة التي طالت الخطوة، تعود في جزء كبير منها الى رغبة اصحابها بانتقاد الرئيس الحريري، اما لاعتبارات سياسية، او لاعتبارات شخصية تتعلق بنظام المصالح والتوازنات السياسية المحلية. لكن، أياً كان هدف الانتقادات، ومعظمها من معارضين سياسيين لرئيس الحكومة، فإن الاكيد هو ان لبنان مع دخوله السوق المالية الدولية للاقتراض منها، دخل منعطفاً جديداً، من الضروري تقدير المخاطر الناتجة عنه، في موازاة الفوائد التي سيجنيها. وجدوى الاقتراض لتمويل مشاريع ذات مردود مرتفع، ربما كان التبرير الوحيد لقبول هذا المستوى من الفوائد والاكلاف.