سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
يسعى الى تفاهم دولي على سياسته ويأمل بزيادة الودائع الخليجية والضمانات الخارجية . الحريري يتوقع خفض خدمة الدين العام باقتراض3 بلايين دولار بفائدة متدنية لتسديد المرتفعة
} يبدو ان تطلعات لبنان لانعقاد مؤتمر الدول المانحة من أجل مساعدته على انماء الجنوب ودعم خططه الانمائية لسائر المناطق مؤجل، ما دام عدد من الدول الكبرى يربطه بأوضاع مفاوضات السلام في المنطقة. وهي مفاوضات مصيرها ما زال مجهولاً بتولي آرييل شارون رئاسة الحكومة الاسرائيلية وبعد التطورات المتعلقة بالعراق. الا ان الوضع الاقتصادي لا يحتمل الانتظار، ولذلك يسعى لبنان الى توافق دولي على صيغ مساعدته، كبديل ولو موقتاً من مؤتمر المانحين، عبر زيارات رئيس حكومته رفيق الحريري المتواصلة، بصرف النظر عن المناخ الاقليمي والدولي. وعلى رغم تساؤلات بعض العواصم في شأن مدى الاستقرار في لبنان، للتوظيف فيه، فإن نيته خصخصة بعض القطاعات تجذب انظارهم الى ما يعد فيه من مشاريع، فضلاً عن ان بعض هذه العواصم لا يمانع في اتخاذ قرار سياسي بتشجيع الاستثمار فيه بهدف توفير مناخ يرجح الاستقرار على التوتر. ماذا تنوي الحكومة اللبنانية فعله في معالجتها الأزمة الاقتصادية؟ وماذا يفعل رئيسها رفيق الحريري في جولاته المتواصلة على دول الخليج والدول المانحة واتصالاته مع الاتحاد الأوروبي؟ وهل تكفي كل هذه الحركة وإعلان اجراءات تشجيع الاستثمار لتفادي انعكاس تعاظم العجز والديون أزمة مالية يحذر منها الخبراء وتجر معها أزمات سياسية لا يلبث لبنان ان يخرج من احداها حتى يدخل في غيرها؟ تكثر الأسئلة في بيروت، فيما تبدو التوجهات الاقتصادية الجديدة للحكومة موضوع تأييد من خبراء، فيما البعض يشكك في قدرة أهل الحكم على التوافق السياسي على خطة انقاذية. أما الرأي العام وحتى رجال الاعلام، صلة الوصل معه، فينقصه الكثير من الشرح الذي يوضح مدى ما يتطلبه العلاج، فالناس يتوقون الى تحسن الوضع المعيشي الذي أخذ يتراجع في السنوات الأخيرة، اليوم قبل الغد. وعادوا الى المراهنة على ان يتمكن الحريري من القيام بشيء ما، بعدما غاب سنتين عن الحكم، اختلطت خلالها في اذهانهم الأسباب السياسية المعقدة، من خلافه ورئيس الجمهورية اميل لحود الى غيرها، مع الأسباب الاقتصادية، ومنها ان سياسته السابقة بين 1992 و1998 فشلت، في تبرير هذا الغياب. ومع المراهنة على ان يحول الحريري دون التدهور، فإن خصومه، وبعضهم في الحكم، يراهنون على ان يفشل على رغم ان التأزم قد ينعكس عليهم كما عليه، سلباً. أما هو فيراهن على مفاجأة الآخرين، بقدرته على اجتراح معالجات تبقى قدر الامكان في منأى عن التجاذبات السياسية التي سبق ان حالت دون المعالجات. والمفارقة في ما ينويه رئيس الحكومة اللبنانية أنه يريد معالجة الديون المتراكمة نحو 24 بليون دولار بنوع جديد من الديون. الا ان هذه المفارقة تحمل مغامرة، يعتبرها هو محسوبة وتعينه على كسب الوقت للسنة المالية الجارية، وللآتي من السنوات. واذا كان الخبراء في لبنان والخارج اعتبروا ان الخروج من "الحلقة المفرغة"، كما يسميها سلفه الدكتور سليم الحص، يتطلب سياسة من ثلاث قوائم هي: خفض الانفاق على مؤسسات الدولة بترشيده والتخلص من الفائض البشري، والخصخصة وتشجيع الاستثمارات... فإن الحريري جعلها أربعاً، باضافته الاقتراض بالعملة الأجنبية بفائدة متدنية. واذا كان اعطى بإجراءاته مقاربة مختلفة للقوائم الثلاث الأولى خفض الجمارك، الأجواء المفتوحة، قانون تشجيع الاستثمار، اطلاق مشاريع سوليدير... فإنه جعل الرابعة جزءاً من الحل، فيما البديهي والشائع ان الاضطرار الى المزيد من الاقتراض، نتيجة تراكم العجز وعدم تحسن الواردات، يمعن في احكام تلك "الحلقة المفرغة"، بدلاً من كسرها. لكن الحريري يأمل بكسرها، عبر القوائم الأربع، وإحداها المزيد من الاقتراض المحدود، الذي يتوقع ان يبلغ ثلاثة بلايين دولار أميركي لهذا العام الحكومة طلبت في مشروع الموازنة الاجازة لها ان تقترض بليوني دولار من الخارج، يضاف اليها امكان تجديد بعض اصدارات السندات السابقة عندما تستحق. كيف؟ مع ان هذا الاقتراض يزيد الدين العام الى 27 بليون دولار، فإن الحريري يعتقد، بحسب معاونيه، ان خدمة الدين التي تبلغ قيمتها في موازنة 2001، نحو 4300 بليون ليرة لبنانية، 43 في المئة من حجم الموازنة هي التي باتت تسبب اضطراد العجز، وبالتالي المديونية العامة، نظراً الى ارتفاع الفائدة التجارية على المبالغ المقترضة سابقاً بالدولار، وعلى الليرة اللبنانية الدين الداخلي بالمقارنة مع الفائدة على العملات الأجنبية في السوق العالمية، الآن. وهو يرى ان الاقتراض من الأسواق العالمية، بما يوازي ثلاثة بلايين دولار، بفائدة متدنية تتفاوت بين 2 في المئة و7 في المئة، يسمح باستخدام ما يوازي هذا المبلغ في الخزينة، في تسديد ديون مستحقة، فائدتها عالية 12 الى 14 في المئة بالنسبة الى الليرة. وبمعنى آخر يسدد لبنان خدمة الدين، المرتفع الفائدة، بدين اخر قليل الفائدة فيحول ذلك دون ان ترتفع خدمة الدين العام المقبل، على رغم ازدياد الدين بقيمة ثلاثة بلايين دولار. وفي حسابات هذه العملية انها تؤدي الى خفض خدمة الدين الى نحو الثلثين بسبب فارق معدل الفائدة المدينة الجديدة بنحو الثلث، عن الديون المستحقة بالليرة. وهكذا دواليك، فإن السنوات المقبلة يمكن ان تشهد انخفاضاً في خدمة الدين يؤدي الى انخفاض تدريجي في العجز يراهن الحريري على ان يكون بنسبة خمسة في المئة كل سنة، اذا اضيفت الى هذه العملية، أموال الخصخصة، وما توفره الخزينة من اجراءات خفض الانفاق وارتفاع الواردات من زيادة الاستثمارات، فيسمح كل ذلك بالسيطرة على العجز، آخر العام الجاري ويؤدي الأمر الى اعادة الثقة بالوضع الاقتصادي تكسر الحلقة المفرغة، وتشجع المتمولين على توظيف المزيد من المال في مشاريع داخل لبنان... وتتولد دينامية جديدة. لكن ما الذي يضمن الحصول على فوائد مخفوضة للقروض الجديدة؟ يقول معاونو رئيس الحكومة ان احد أهداف جولاته، وبعض زياراته المفاجئة احياناً للخارج، هو زيادة الودائع العربية والخليجية في المصرف المركزي من جهة، والحصول على كفالات وضمانات من الدول المعنية والبنك الدولي، للاقتراض باصدار سندات بالعملة الأجنبية من جهة ثانية، كما حصل حين تبلغ من السلطات النقدية والمالية اليابانية، قبل اسبوعين، انها ستكفل قيمة سندات "ساموراي" بالين التي ابلغها الحريري ان لبنان سيصدرها قريباً لتمويل مشاريع يتفق عليها مع طوكيو، في السوق اليابانية. وهذه الكفالات والضمانات تسمح بخفض فائدة السندات، وبالتالي الديون، نظراً الى ان الدائن يثق بكفالة دولته وضمانها، فضلاً عن أن استمرار الودائع الخليجية، بل رفعها، يشكل عنصر دعم لمالية الدولة اللبنانية، بسبب تدني فائدتها الى الحد الأدنى، في شكل يسمح لها بالاقتراض بفائدة متدنية، في ظل استمرار انخفاض هذه الفائدة في السوق العالمية وبسبب عنصر الثقة بقدرة لبنان على التسديد، من جراء قيام دول مهمة بايداع مبالغ مهمة لديه. وبعض هذه الفوائد قد ينخفض عن نسبة 2 في المئة كما هي الحال في السوق اليابانية على ما يقول خبراء ماليون. وعليه، فإن الحريري يأمل ان تزيد الدول الخليجية ودائعها في لبنان، اضافة الى القروض الميسرة التي تعطيها لمشاريع انمائية صناديقها المالية. وتتوقع مصادر قريبة منه ان ترفع المملكة العربية السعودية وديعتها في مصرف لبنان من 600 مليون دولار الى مبلغ أكبر، بعد ان جددتها قبل ان تستحق، لثلاث سنوات، كما فعلت الكويت التي زادتها مئة مليون دولار بعدما جددتها بداية هذا الشهر، وأن تحوّل سلطنة عمان، بناء على ما وعد به السلطان قابوس وديعة اخرى، اضافة الى بعض الدول الخليجية، على ان تكون قابلة للتجديد سنوات مديدة، ويبدو ان الحريري حصل على موافقة كبار المسؤولين في الدول التي تجاوبت معه، على ان تكون هذه الودائع طويلة الأمد. بل ان البنك الدولي يدرس تقديم قروض أو كفالة قروض أيضاً، بعدما اطلع على سياسة الحريري هذه أثناء زيارة رئيسه جيمس ولفنسون لبيروت، كذلك الاتحاد الأوروبي، خلال زيارة رومانو برودي الأسبوع الماضي. ثم ان زيارته فرنسا تناولت أيضاً هذا التوجه مستعيناً بشيء من الثقة الدولية به كرجل اعمال، يرتاح الى وجوده في الحكم الدائنون، من أجل الحصول على تفاهم دولي على دعم هذه الخطة، تجلى في اتصالات الرئيس الفرنسي جاك شيراك مع اليابان والبنك الدولي وبنك الاستثمار الأوروبي، لمساندة هذه الخطة. ثم انه يستفيد من صداقاته الخارجية من أجل قيام تفاهم دولي على دعم هذه السياسة، حصل على جزء كبير منه. هل تنجح هذه السياسة التي يقول خبراء ماليون ان من الممكن تعريفها ب"اعادة هيكلة الدين العام"، التي كان تقرر تنفيذها في الورقة الاصلاحية الاقتصادية العام 1997، حين كان الحريري ما زال في الحكم في عهد الرئيس السابق الياس الهراوي ولم تسمح الظروف السياسية في تطبيقها آنذاك؟ بل ان بعض الاختصاصيين يسأل هل هذه السياسة، حتى لو نجحت، كافية في حال لم يتوافق اركان الحكم على القوائم الثلاث الأخرى، لتستقيم طاولة الحل. بعض الخبراء الاقتصاديين الذين كانوا انتقدوا سياسة الحريري السابقة يعتبرون ان توجهاته المالية، اذا نفذت بدقة تساعد في الخروج من المأزق... وذلك في حال اقترنت مع الاجراءات المطلوبة في شأن القوائم الأخرى، أي الخصخصة وخفض الانفاق على ادارة الدولة وتشجيع الاستثمارات، والتي قد تتطلب مقداراً أكبر من التوافق السياسي الذي نصح به ولفنسون. ولو لم يكن رئيس البنك الدولي على علم بأن اركان الحكم ليسوا متفقين على الحلول الجراحية في شأن خفض الانفاق، بالتخلص من الفائض في الادارات وتقليص مصاريف الخدمة العسكرية، لما قدّم النصيحة... التي تعكس اقتناعات دول كبرى ومانحة. ومع اقتناع الحريري ان الحلول تكمن في التعاطي مع كل من القوائم الأربع على ان نجاح انجازها مرتبط بالنجاح في انجاز القائمة الأخرى ضمن سلة اجراءات متوازية ومتزامنة، فإن عدداً كبيراً من الاختصاصيين يعتبر ان لولا تأخر الحلول بسبب الخلافات السياسية، لما كانت معالجة الاقتراض، بالاقتراض القليل الفائدة، أحد الحلول المعتمدة الآن، على رغم الحسابات الدقيقة لايجابياتها في خفض خدمة الدين. بل ان البعض يتخوف من ان يكون لجوء الحريري الى هذا الحل هو كسب للوقت بسبب عدم تجاوب شركائه في الحكم ولا سيما منهم رئيسا الجمهورية اميل لحود والمجلس النيابي نبيه بري مع الاجراءات المطلوبة بالنسبة الى خفض الانفاق على الادارة، وتالياً على الخصخصة. وفي كل الأحوال، فإن أول الاختبارات لمدى التوافق سيكون في التدابير التي تتخذها الحكومة خلال الأسبوعين المقبلين، في خفض الفائض من الموظفين في وزارة الاعلام وتلفزيون لبنان، لأنه سيشهد على مدى قدرة الحكم على الحد من الخسائر في مؤسسات أخرى، النزف فيها أقوى، ولها أثر أكبر في الوضع الاقتصادي، وينعكس وضعها على اقبال المستثمرين أو عدمه على خطة الخصخصة التي تتيح البدء بمعالجة أساس خدمة الدين والعجز، أي تسديد الدين.