مع حاجة لبنان الى مصارف للتسليف الصناعي والسياحي، وللتسليف الزراعي والعقاري، لم تنجح محاولات تأسيسها نظراً إلى عدم توافر مصادر تمويل كافية لها، يفترض في الحكومة ان تساهم في جزء مهم منها، وهي التي تلجأ الى الاقتراض لتمويل نفقاتها. ويُعتبر القطاع السياحي من أهم القطاعات الاقتصادية اللبنانية. واستثمر فيه، في الاعوام العشرة الأخيرة، نحو بليون دولار أميركي، خصوصاً في قطاع الفنادق. ومعظم التمويل في هذا المجال ذاتي، لا يعتمد الا جزئياً على قروض مصرفية. ويتأثر هذا القطاع بعوامل منها المشاكل التي يعاني منها قطاع الخدمات، والبنى التحتية كالكهرباء والطرقات وغيرها، إلى المشاكل التي تعود الى عدم الاستقرار السياسي والأمني، وتؤثر سلباً بصورة مباشرة في هذا القطاع، وفي القطاعات الاقتصادية الأخرى. وعلى رغم ذلك، فإن وضع هذا القطاع يتحسن باستمرار، ولو انه لا يزال يفتقر الى بعض عناصر المنافسة في مجال الأسعار، مقارنة بالدول المجاورة وغيرها. وكان لنجاح الموسم السياحي السابق دور مهم في تحسين وضع ميزان المدفوعات اللبناني، وإنقاذ لبنان من كارثة اقتصادية كانت منتظرة. وفي عام 2002 بلغ عدد السياح 956464 مصطافاً وسائحاً، وبلغت قيمة انفاقهم 956.5 مليون دولار أميركي. وعلى رغم اهمية القروض التي يدعمها المصرف المركزي، وتقدمها المصارف التجارية للقطاع الصناعي، الا انها لا تكفي قطاعاً يحتاج الى مصادر تمويل كبيرة، خصوصاً لمؤسساته الصغيرة والمتوسطة، والى تسهيلات اضافية من المصارف ترفع سقوف التسليفات. وهو في حاجة الى دعم اوضاعه الانتاجية، ورفع قدرة مؤسساته على المنافسة وتوسيع اسواقها العربية والاجنبية. ولعل دمج المؤسسات الصناعية الصغيرة والمتوسطة يساعد في زيادة حجم المؤسسات، وتوسيع قدرتها على الاقتراض والانتاج، والتخفيف من مستوى المنافسة الداخلية بينها. ويجعلها تستفيد من وفورات الحجم الكبير. وتشير الإحصاءات الى ان عدد المصانع عام 2002، بلغ 824 مصنعاً جديداً، عدد العمال فيها 6721 عاملاً، وبلغت رؤوس اموالها 7،118 مليون دولار، وقيمة الآلات الصناعية المستوردة 104 ملايين دولار اميركي. اما القطاع الزراعي فهو، الى ضعف الدعم المصرفي له، يحتاج الى تعاونيات للتسليف الزراعي، ولا يزال في معظمه ذا طابع عائلي، ويفتقر الى سياسة حكومية تعمل على تنميته وتحديثه، وتحميه من منافسة الدول المجاورة، وتجد له الأسواق، او توسعها لتصريف منتجاته. مشكلة الديون وعلى رغم ان القطاع التجاري يستحوذ على القسم الأكبر من القروض المصرفية، وهو القطاع الأضخم في الاقتصاد اللبناني، إلا ان اسعار الفائدة على هذه القروض تُعتبر مرتفعة. ويعجز عدد كبير من التجار عن سداد ديونهم المتراكمة. وأصبح حل هذه المشكلة غير ممكن من دون تقسيط هذه الديون. ولا يزال كثير من السلع المستوردة يخضع للرسوم الجمركية، في حين انها يعفى من الرسوم في الدول المجاورة، ما يؤثر في عمل التجار وقدرتهم على المنافسة ومعدل ارباحهم. وحل هذه المشكلة يصبح ممكناً بدخول لبنان منظمة التجارة الدولية. ويؤكد بعض ممثلي التجار ان التجار والصناعيين سددوا الفوائد مقدار 10 اضعاف نتيجة التراكم، بينما لم يتحرك الدين الأساسي، وأصبحوا عاجزين عن توسيع اعمالهم او تطويرها نظراً إلى عبء الدين. ويُعتبر هؤلاء ان حل هذه المشكلة هو بجدولة الديون وتقسيطها على آجال طويلة، وخفض الفوائد المتراكمة جراء الديون والمتوجبات المالية على القطاع التجاري، وإلزام المصارف إجراء اعفاءات مالية للمدنيين بواسطة خفض الفوائد الى النصف. وتحصل القطاعات الاقتصادية اللبنانية من هيئات الأممالمتحدة ومؤسسات دولية، ودول معينة، على بعض المساعدات التي تُعتبر غير كافية، ولا تسد سوى حاجات جزئية. والأمل معقود حالياً على اتفاق الشراكة الأوروبية - المتوسطة الذي وقعه لبنان ليقوم بتنفيذ برامج المساعدات التي سيقدمها الاتحاد الأوروبي للقطاعات الاقتصادية والتي من شأنها زيادة قدرات لبنان التصديرية الى الأسواق الأوروبية. الضريبة ومن الطبيعي ان تُقلق المصارف اللبنانية ضريبةُ 5 في المئة فرضتها الحكومة اللبنانية، أخيراً، على ودائع المقيمين وغير المقيمين. فمثل هذا الإجراء يتعارض مع القوانين والمراسيم السابقة التي انشئت بموجبها السوق المصرفية الحرة، ونظمت سوق بيروت المالية لتكون سوقاً اقليمية ودولية قادرة على جذب رؤوس الأموال إليها، والإفادة من ذلك لمصلحة الاقتصاد اللبناني وتطويره. وإلى ذلك فإن هذا القرار يضعف القدرة التنافسية لسوق بيروت المالية وجاذبيتها، ويعوقها عن استعادة دورها المذكور. وهو يتعارض مع ما هو معمول به في السوقين الإقليمية والدولية. لذلك يمكن فهم اصرار المصارف اللبنانية على إعفاء الودائع، وسائر الالتزامات المصرفية بالعملات الأجنبية العائدة الى غير المقيمين، من ضريبة الدخل المفروضة على الفوائد، بما فيها تلك الموجودة لدى المراكز الرئيسة للمصارف، اضافة الى إعفاء شهادات الإيداع المصرفية، وسندات الدين الصادرة عن الشركات المغفلة من الضريبة على عائدات رؤوس الأموال المنقولة، على ان تعامل المؤسسات المالية، وفقاً للمصارف، بالنسبة الى اعفاء التزاماتها بالعملات الأجنبية لغير المقيمين من ضريبة الدخل المفروضة على الودائع، وإعفاء الإيرادات والأرباح الناجمة عن مختلف اعمال ونشاطات مؤسسات الوساطة المالية من الضريبة. والسوق المالية اللبنانية لا تزال ضعيفة وتحتاج الى قوانين وتشريعات تجعلها اكثر ملاءمة لمتطلبات الأسواق العصرية، وإلى نشر الوعي لدى الجمهور والمسؤولين بأهميتها لجذب الاستثمارات للاقتصاد اللبناني. ويتعامل فيها 26 مؤسسة مالية يعتبر التنسيق بينها ضعيفاً، علماً ان لديها الكفايات والخبرات اللازمة. والصعوبات التي تعانيها السوق المالية اللبنانية تحد من اهتمام الزبائن بها. وعلى سبيل المثال، كان سعر سهم "سوليدير" يساوي 17 دولاراً، وانخفض الى 4 دولارات. وأسهم المصارف انخفضت اسعارها بنسبة 50 في المئة. ويلاحظ هبوط اسعار الأسهم، وتراجع حجم التداول، وفقدان الحوافز المشجعة على تنشيط السوق التي تعاني مشاكل جدية للسنة الرابعة على التوالي. ومن ناحية اخرى، نجد بعض التحسن عام 2002 بالمقارنة مع عام 2001، اذ ازداد حجم الأسهم المتداولة في بورصة بيروت بنسبة 1،78 في المئة، وبلغ 18،26 مليون سهم. اما قيمتها فازدادت بنسبة 3،124 في المئة. والقيمة السوقية لهذه السندات ارتفعت الى 395.1 بليون دولار، بنسبة قدرها 8،11 في المئة. لكن مؤشر القيمة السوقية المثقل انخفض من 07،17 نقطة الى 34،14 نقطة في المدة نفسها. وشكلت اسهم شركة "سوليدير" نحو 1،80 في المئة من حجم التداول الإجمالي، تليها اسهم المصارف بنسبة 9 في المئة، وأسهم الشركات الصناعية والتجارية بنسبة 6،6 في المئة و7،3 في المئة على التوالي، وأسهم صناديق الاستثمار 6،0 في المئة. السياسة المالية ونتائجها إذا كانت السياسة النقدية نجحت في توفير التمويل اللازم للإنفاق الحكومي من جهة، ولجم معدلات التضخم من جهة ثانية، للحفاظ على القوة الشرائية للعملة الوطنية، إلا أنه لا يبدو ان السياسة المالية قامت بالتنسيق مع السياسة النقدية لتحقيق الأهداف الاقتصادية المنشودة. فقد كان على هذه الأخيرة أن تتبع سياسة أكثر حزماً ودقة وحداثة في مجال تحصيل الإيرادات العامة، وأكثر تقشفاً في مجال النفقات، خصوصاً الجارية منها. وعلى رغم ان الإيرادات العامة ازدادت بوتائر متصاعدة، إلا أنه ظهر تقاعس أو عجز في مجال مكافحة التهرب الضريبي. وحددت الضرائب على القطاع الخاص، في كثير من الأحيان، على أساس التقديرات، وهي أقل عادة من النسبة الفعلية التي يجب أن يسددها أصحاب العلاقة. الاملاك العامة... والموازنات ولم تقم الدولة بجباية الضرائب والرسوم من أملاكها العامة، من برية وبحرية ونهرية التي استولى عليها بعضهم بصورة غير قانونية. وهي يمكن أن تأتي للخزينة بأموال مهمة تحتاج اليها. كما ان المؤسسات الخاصة تقدم عادة موازنات غير صحيحة لوزارة المال تتحقق بموجبها خسائر أو أرباح ضئيلة، ما يجعل ضريبة الدخل التي تتحملها معدومة أو ضئيلة، وذلك الى الهدر في مرافق الدولة العامة، كالمرافئ، وقطاع الاتصالات، وقطاع الكهرباء والمياه، ومصلحة الميكانيك والدوائر العقارية وغيرها. ونتيجة لذلك تخسر الدولة اموالاً طائلة هي في امس الحاجة إليها. وأصبح من الواضح ان ثمة حاجة ملحة الى اصلاح النظام الضريبي الحالي بصورة جذرية، واستبداله بنظام جديد أكثر حداثة وتطوراً، وأكثر عدلاً وانصافاً لمختلف الفئات الاجتماعية والاقتصادية، وأكثر ملاءمة لحاجات الاقتصاد والدولة والمجتمع. وفي حين ان الضرائب غير المباشرة كانت القسم الغالب من الضرائب 70 في المئة فإن الضريبة على الأرباح، التي حددت بين 10 و15 في المئة، لم تساعد على جذب الاستثمارات الى الاقتصاد اللبناني. والسبب هو ان الاقدام على الاستثمار يتعلق أصلاً بشروط أخرى سبق ذكرها. أما ايرادات ضريبة الدخل فلم تتجاوز نسبتها 13 في المئة من مجمل الضرائب. في المقابل ازدادت النفقات العامة بوتائر عالية. فغلبت عليها النفقات الجارية التي شكلت القسم الأساس من النفقات، بينما لم يبق للنفقات الاستثمارية غير نسبة ضئيلة. وكان الهدر كبيراً في مجال الانفاق. وهو وزع بصورة اعتباطية وعشوائية على مختلف الإدارات والمؤسسات العامة إرضاء للسياسيين النافذين. ولم تكن زيادات الأجور مدروسة بصورة كافية، وحصل الموظفون والمستخدمون في القطاع العام على امتيازات كثيرة. ومن أبرز الأمثلة على ذلك امتيازات موظفي وزارة الدفاع الوطني، ووزارة الداخلية، وصندوق المهجرين، ومجلس الجنوب، ومجلس الإنماء والإعمار، والقضاة، وأساتذة الجامعة اللبنانية، والموظفين في صندوق الضمان الاجتماعي والمصرف المركزي، وغيرها من الهيئات. فزادت نسبة الهدر على 20 في المئة من الانفاق. وفي عام 2002 توزعت النفقات على الشكل التالي: النفقات الجارية 8.4 في المئة، والنفقات الاستثمارية 10.8 في المئة، ونفقات الأجور 34.4 في المئة، وخدمة الدين العام 46.3 في المئة. وبلغ صافي الدين العام 30258 مليون دولار، منه دين داخلي بلغ 17471 مليون دولار، ودين خارجي 12787 مليون دولار. وبلغت خدمة الدين 3066 مليون دولار ونسبتها الى النفقات 45.6 في المئة. وإذا كانت الإيرادات العامة للدولة تأثرت سلباً بالركود الاقتصادي الناتج عن ضعف معدل الاستثمار، فإن هذا الأخير يتأثر أيضاً بالفساد السياسي والإداري الذي يعوق سير عمل القطاعين العام والخاص. وتستخدم الطبقة السياسية الحاكمة نفوذها لتحسين صورتها، وتدعيم مصالحها الذاتية والسياسية. وتقدر العمولات على عقود موقعة في مرحلة اعادة الإعمار بنحو 20 في المئة، وقد تدنت جراء تخفيض الانفاق الحكومي الاستثماري. الفساد والقطاع الخاص غير بريء من الفساد نتيجة لتواطئه المنظم مع القطاع العام. فهذان القطاعان متداخلان ويصعب التمييز بينهما لأن السلطة تمارس فيهما، عبر شبكات من العائلات والأفراد، تملّك مواقع موازية في السياسة والعمل، وتستعمل الرشاوى والمحسوبية على نطاق واسع لتسيير الأعمال. ويفاقم هذا الوضع عدمُ استقلالية القضاء وتجاوز القوانين، ومحدودية هامش الحرية المتاح للتعبير والانتقاد والمحاسبة. ويتحول المجلس النيابي من منبر للتقويم والمحاسبة واتخاذ القرارات، باسم الوطن، الى مؤسسة مستفيدة من الأوضاع القائمة. ما يسبب الاستتباع، أو الخوف، أو شراء الأصوات الانتخابية، وغيرها من النقابات التي أضعفتها الطبقة السياسية الحاكمة، وحولتها الى أداة طيعة في يدها. فدعمت مواقع احزاب وتنظيمات مرتبطة ببعض هذه الطبقة. اما الهيئات والجمعيات المدنية التي تقوم بمحاربة الفساد فهي لا تزال ضعيفة وغير مؤثرة. والحكومة اللبنانية مضطرة للإفادة القصوى من نتائج مؤتمر "باريس -2"، ودخول المساعدات الى لبنان، لاعادة هيكلة المالية العامة، ما يعني خفض الانفاق، والتوسع في جباية الضرائب لزيادة الايرادات العامة، وتنفيذ برنامج التخصيص. ومن دون ذلك لا يمكن تحسين وضع المالية العامة والموازنة الحكومية، وخفض حجم الدين المرتفع الذي وصل الى نسبة 185 في المئة من اجمالي الناتج المحلي في اواخر عام 2002. واستمرار هذه الاصلاحات شرط لتدفق المساعدات الخارجية، الى لبنان. ويتيح لها المساهمة الفاعلة في النمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات المحلية والاجنبية، ما يساعد بدوره على خفض اسعار الفائدة. وتشير التقديرات الى ان نتائج مؤتمر "باريس -2" ستسمح للنفقات أن تكون اقل بمقدار 9،5 بليون دولار اميركي، اي بنسبة 15 في المئة، مقارنة بعام 2002. وهذا ينجم عن خفض في خدمة الدين بنسبة 20 في المئة تقريباً. وهو البند الاكبر في نفقات الموازنة. ومن المتوقع ايضاً ان تزيد الايرادات بنسبة 8 في المئة مقارنة مع عام 2002، بفضل الضريبة على القيمة المضافة. الى ذلك من المنتظر ان تصل نسبة العجز الى 2،8 في المئة من اجمالي الناتج، وهي اقل نسبة للعجز منذ الحرب، علماً ان عجز الموازنة بلغ 18 في المئة من الناتج بين 1994 و2002. واذا كانت خلافات اركان السلطة وصراعاتهم على النفوذ السياسي قد تؤدي الى بروز معوقات وصعوبات امام تحقيق برنامج الاصلاحات، فإن ذلك سيُقلص من قدرة لبنان على خفض حجم دينه العام. وفشل الدولة في خفض حجم الانفاق وعجز الموازنة يدفعها مجدداً الى طلب المساعدات الخارجية، مع احتمال عدم التجاوب من الدول المانحة للمساعدات. السياسة النقدية بعد مؤتمر "باريس -2" تابعت السياسة النقدية دورها لكن هذه المرة من اجل العمل على خفض اسعار الفائدة لاستبدال الدين العام الداخلي بدين خارجي اقل كلفة. فإضافة الى اكتتاب مصرف لبنان بسندات الخزينة بقيمة 4 بلايين دولار اميركي، بفائدة 4 في المئة، شطب المصرف 8،1 بليون دولار من محفظته لمصلحة الخزينة. ووافق القطاع المصرفي على الاكتتاب بسندات الخزينة، بقيمة 4 بلايين دولار، بفائدة معدومة مساعدة منه للدولة في اعادة هيكلة دينها. وفي حين بدأت المساعدات الخارجية تتدفق الى لبنان ساعد مؤتمر "باريس -2" مصرف لبنان في خفض الفوائد الى ادنى مستوياتها منذ الحرب، من 16 في المئة الى 2،9 في المئة في آخر آذار مارس الماضي. وبدأت المصارف تخفض الفوائد على التسليفات والقروض، بعد خفضها على الودائع. وقدرة مصرف لبنان على ضبط الفوائد، والاستمرار على خفضها، مرتبط بوضع الليرة اللبنانية ومدى الضغوط عليها، علماً ان انجاز الاصلاحات المالية، المقررة في عامي 2003 و2004، قادر على التخفيف من هذه الضغوط، وإبقاء الفوائد عند مستواها المنخفض. والى تدفق القروض على لبنان من مؤتمر "باريس -2"، فإن من الايجابيات في المجال النقدي عدم ظهور طلب كثيف على الدولار، مقابل طلب كثيف على شهادات الايداع لمدة ثلاث سنوات، وهبوط مردود سندات "اليوروبوند" من نحو 14 في المئة، بالدولار، الى نحو 30،7 في المئة، ما يؤكد التحسن المستمر في نظر الاسواق الخارجية الى لبنان. الى ذلك فإن فائض ميزان المدفوعات اللبناني بلغ 5،1 بليون دولار، في نهاية 2002. وحقق فعلاً فائضاً زاد على بليوني دولار، في آخر آذار مارس 2003. وبموازاة انخفاض الفوائد على الودائع، انخفض معدل دولرة هذه الاخيرة الى نحو 63 في المئة. وارتفعت قيمة احتياط مصرف لبنان من العملات الاجنبية الى ما يزيد على 10 بلايين دولار. وعلى رغم ان تقليص النفقات الحكومية، وسياسة التقشف المسبقة، سيكون لهما تأثيرات سلبية على النمو، الا ان معدل النمو قد يرتفع من 5،1 في المئة، عام 2002، الى 3،2 في المئة، عام 2003. وهو اعلى معدل للنمو منذ عام 1997. وفي مجال التضخم، بعد ثلاث سنوات من استقرار الاسعار، فبلغ معدله 4 في المئة، بسبب الضريبة على القيمة المضافة وانخفاض سعر صرف الدولار قياساً على اليورو. ولكن هذا المعدل قد يبقى على حاله جراء ارتفاع قيمة الايرادات، لينخفض فيما بعد وتتدنى تدريجاً آثار الضريبة على القيمة المضافة. ويمكن القول ان السياسة النقدية في المدى المنظور لم تتخل عن اهدافها المرسومة، المختصرة في تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية بالنسبة الى الدولار الاميركي، ولجم معدلات التضخم، ورفع معدلات النمو. لذلك فهي، في المرحلة الراهنة وبعد مؤتمر "باريس -2"، تجهد للحفاظ على سعر منخفض للفوائد على التسليفات بغية استبدال الدين الداخلي بدين خارجي اقل كلفة، وتشجيع القطاع الخاص على الاقتراض من القطاع المصرفي بهدف زيادة معدل الاستثمار الذي بدوره يعتبر العامل الاساس في مجال رفع معدل النمو. سعر صرف الليرة اما التخلي عن سعر الصرف الثابت لليرة اللبنانية، وتركه لعوامل العرض والطلب في السوق، فرهن بحصول تغيرات بنيوية في الاقتصاد اللبناني تساعد على توازن ميزان المدفوعات واستقراره، وعلى تدعيم احتياطات مصرف لبنان من العملات الاجنبية، ورفعها الى مستويات عالية ليكون قادراً على حماية الليرة من الضغوط التي تتعرض لها في سوق القطع. وعلى رغم حال الاسترخاء السائدة في لبنان بعد مؤتمر "باريس -2"، تسنى التوصل الى بعض النجاح في المجالات النقدية والمالية، وتحديداً في مجال خفض اسعار الفوائد المصرفية، وتحويل الدين العام الداخلي الى دين عام خارجي. ولكن ثمة عوائق لا تزال ظاهرة في مجال النشاط الحكومي والسياسي، وتتعلق بمسألتي التخصيص والتسنيد. ونظراً الى تدني مستوى الاسعار في الاسواق الدولية فقد يتأجل التخصيص الى السنة المقبلة. وعدم التنفيذ الكامل للبرنامج الاصلاحي، الذي على اساسه أقر مؤتمر باريس مساعداته الى لبنان، يؤثر سلباً في نظرة مؤسسات التصنيف الدولية. * أستاذ الاقتصاد في كلية العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال - الجامعة اللبنانية.