عشية القمة الأميركية - السورية اتجهت أنظار العواصم المعنية بجهود السلام في الشرق الأوسط الى جنيف. فلقاء الرئيسين بيل كلينتون وحافظ الأسد مرشح للانضمام الى المواعيد الكبرى في الجهود لانهاء النزاع العربي - الاسرائيلي كافتتاح مؤتمر مدريد وتوقيع الاتفاق الفلسطيني - الاسرائيلي على حد قول مصادر ديبلوماسية غربية. وضاعف من حالة الانتظار ما تسرب عن بوادر "تقدم تدريجي وهادئ" على المسار السوري - الاسرائيلي لا بد وأن يتبعه بالتأكيد تقدم بالوتيرة نفسها على المسار اللبناني - الاسرائيلي. كما زاد من حجم الانتظار التعثر العلني بين الحكومة الاسرائيلية وقيادة منظمة التحرير حول نتائج مفاوضات القاهرة والانفجار العلني لأزمة الثقة بين الأردن وقيادة المنظمة وحديث العاهل الأردني الملك حسين عن فرصة أخيرة للتنسيق مع القيادة الفلسطينية ارفقت بتحديد مواعيد وفي ما يشبه الانذار بوقوع الطلاق. وترافق ذلك مع ملامح تنسيق سوري - أردني اعتبرته مصادر في عمان "رداً على تفرد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ورغبته في ارجاء بت أي موضوع حساس الى ما بعد انتقاله الى الأراضي الفلسطينية". مصادر ديبلوماسية غربية شددت في حديثها الى "الوسط" على خصوصية الاطار الذي تنعقد فيه القمة الأميركية - السورية وتوقعت ان تكون نتائجها حاسمة بالنسبة الى عملية السلام من جهة والعلاقات الثنائية من جهة أخرى "حتى ولو تأخرت بعض النتائج في الظهور". وقالت المصادر: برغم الافتراق الذي تحقق على الجبهة الفلسطينية - الاسرائيلية تدرك ادارة الرئيس كلينتون ان دمشق تشكل المعبر الالزامي للسلام الشامل والدائم. وإذا كانت الادارات الأميركية السابقة اهتمت باضعاف العلاقة بين دمشق وموسكو فإن الادارة الحالية مهتمة بجعل سورية شريكاً في السلام والاستقرار خصوصاً بعدما استكملت سورية انضمامها الى معسكر الاعتدال العربي وشاركت في انهاء الغزو العراقي للكويت وقلصت دعمها للمجموعات الراديكالية في المنطقة. وأضافت المصادر: في المقابل تدرك سورية ان زوال الاتحاد السوفياتي أفقدها الحليف الكبير الذي كانت العلاقة معه توفر لها اضافة الى مصادر السلاح والدعم الديبلوماسي هامشاً واسعاً في المناورة حيال واشنطن. كما تدرك سورية ان الانتماء الفعلي الى النظام الدولي الجديد مشروط بالعبور عن طريق بوابة واشنطن أي بالقبول بمجموعة متغيرات وتغييرات بينها الدخول في سلام مع اسرائيل. ولاحظت المصادر انه اذا كان الاتفاق الفلسطيني - الاسرائيلي جذب عملية السلام من مدريد الى المنطقة ومكن اسرائيل من تقليص الوساطة الأميركية الى حدها الأدنى فإن قمة جنيف من شأنها انعاش دور الوسيط الأميركي لدفعه الى ممارسة ضغوط على الحكومة الاسرائيلية وبهدف دفعها الى القبول بشروط السلام الشامل بدلاً من الرهان على "حرب المسارات" وهي حرب شارك وزير الخارجية الأميركي وارين كريستوفر في اطلاقها. هكذا بدت قمة جنيف بمثابة موعد أخير لعرض الأوراق وفرزها بعدما استكمل كل فريق مرحلة تجميع الأوراق. وقال ديبلوماسي غربي: تمسك سورية بمجموعة أوراق هي لبنان والفصائل الفلسطينية العشرة والعلاقة مع ايران وتطالب في المقابل بضمانات حول السلام الشامل ومستقبل الجولان ومستقبل دور سورية في المنطقة. واستعداد سورية للتخلي تدريجياً عن بعض الأوراق مرهون بتوافر الضمانات الأميركية ولهذا اعتبرت قمة جنيف قمة ضمانات السلام المبرمج". مقترحات سورية وفي الأيام التي سبقت وصول كلينتون الى جنيف التي اختيرت بناء على اقتراح سوري التزم المتحدثون الناطقون باسم البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية الصمت التام بشأن المسائل التي اتفق الرئيسان على اعلان موافقتهما عليها في اللقاء. ولكن مصادر ديبلوماسية عربية في واشنطن أكدت أنباء نشرتها صحيفة "هاآرتس" الاسرائيلية ومفادها ان الجانب السوري قدم مقترحات جديدة تصلح أساساً لاتفاق سوري - اسرائيلي، وهي مقترحات يعتبرها الجانب الأميركي كافية للوفاء بالشروط الاسرائيلية لابرام اتفاق يستطيع رئيس الوزراء اسحق رابين الدفاع عنه أمام الكنيست الاسرائيلي. وقال مسؤول كبير في البيت الأبيض ل "الوسط" بأن "الأسد سياسي أكثر براعة من رابين أو عرفات، وأنه أحسن اختيار اللحظة المناسبة لمفاتحة الولاياتالمتحدة، بقصد إلزام رابين باتخاذ موقف محدد، وسحب الأضواء بعيداً عن عرفات، الذي يواجه مشكلات مع رابين والملك حسين ومع عدد من معاونيه أيضاً". ولا تبدي مصادر البيت الأبيض أو وزارة الخارجية أي استعداد لكشف النقاب عن أفكار دمشق، ولكن المراقبين في واشنطن يفترضون أن تفصيلاتها ستتسرب الى الصحافة الاسرائيلية. ويقول مصدر البيت الأبيض: "إن الولاياتالمتحدة معنية مباشرة بالمفاوضات السورية - الاسرائيلية، بدعوة من الطرفين، ولكنها تسعى الى الابتعاد عن حالة الارتباك التي تميز المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية. ففي هذا الجانب يسعى الطرفان الى الاستناد الى الولاياتالمتحدة طلباً لفك ما يشبه التنازع على طبق طعام. ونحن نعلم أنه ليس أمامهما الا الاتفاق مهما كانت الانذارات والتهديدات من جانب اسرائيل، وفوضى السياسة من الجانب الفلسطيني". هيئة "مبادرة السلام والتعاون في الشرق الأوسط" وهي متفرعة عن منظمة "البحث عن المواقف المشتركة" التي تتخذ من واشنطن مقراً لها ويرأسها ألفريد أثرتون، السفير الأميركي السابق في القاهرة، دأبت على العمل بعيداً عن الأنظار، للجمع بين سورية واسرائيل، على غرار ما فعله النروجيون حين جمعوا الفلسطينيين والاسرائيليين. ويقول ريتشارد ايزندورف، المتحدث باسم جمعية "المبادرة" انها عقدت سلسلة من الاجتماعات بين وفود اسرائيلية وسورية عام 1993، في سويسرا وألمانيا والنروج. ويضيف: "اننا نسير وفق القواعد التي رسمها تشاتام هاوس"، مشيراً في ذلك الى مقر المعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن، الذي يخفي ديبلوماسيته المثابرة وراء ستار من السرية. يذكر أن المنظمة التي يرأسها أثرتون، تتألف في معظمها من مسؤولين أميركيين متقاعدين مثله، وهي تنقل نتائج الاجتماعات الى وزير الخارجية كريستوفر، ومستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي أنطوني ليك. ومن المفترض أن يكون المسؤولون والأكاديميون السوريون، الذين شاركوا في هذه اللقاءات، على اتصال مباشر بحكومتهم أيضاً. ويقول ديبلوماسي أوروبي كبير مكلف بمتابعة السياسة الأميركية في الشرق الأوسط: "إن الأميركيين ليسوا في مستوى براعة النروجيين، ولكن جهود جمعية المبادرة مفيدة، لأنها مكَّنت السوريين من طرح أفكار يستطيعون التنصُّل منها في ما بعد، إذا رغبوا. ولكن لأن سورية ليست محرومة من العلاقات الديبلوماسية الاعتيادية، شأن الفلسطينيين، فانها تعتبر أقل منهم احتياجاً الى قناة خلفية يتحركون من خلالها". ويضيف مصدر البيت الأبيض: "لا أظن أن المرء يخطئ إذا تنبأ بحدوث انفراج قريب على الجبهة السورية. فالاسرائيليون لا يحترمون تعهداتهم دائماً، كما أنهم يراوغون، وفي هذا ما يشجع الفلسطينيين على سلوك المسلك نفسه. ولكننا نشدد على التزام رابين تعهداته لسورية... رزنامة واقعية وقصيرة المدى لانسحاب تدريجي في مقابل عملية تدريجية لتطبيع العلاقات مع اسرائيل من جانب سورية". دمشق: التشدد والمرونة وفي دمشق عوّل المسؤولون السوريون كثيراً على قمة كلينتون - الأسد ونتائجها في مجال العلاقات الثنائية والدور الأميركي في دفع عملية السلام نحو تحقيق أهدافها. وبينما أكد أكثر من مسؤول سوري على تمسك بلاده ب "كل ذرة تراب" في مرتفعات الجولان السورية في اطار حل سلمي شامل، تقول مصادر عربية مطلعة في لندن ان الرئيس الأسد لا يمكن أن يقدم أي تنازل في شأن مبدأ الانسحاب الاسرائيلي الكامل من الجولان "ويعتبر ان الأرض غير قابلة للمساومة أو التفاوض، تاركاً التفاوض يأخذ دوره في الشق الثاني من المعادلة السلمية الأرض مقابل السلام". وتوضح المصادر أن الرئيس الأسد قد يفاوض الرئيس كلينتون، وبالتالي اسرائيل، في شأن طبيعة السلام مع الاسرائيليين ومفهومه "الذي تعتبره تل أبيب جانباً مهماً في مسألة إحلال السلام، حيث أنها أكدت أكثر من مرة أنها لم تدرك مفهوم السلام الذي تتحدث عنه سورية". وأضافت المصادر ان سورية ستطرح في القمة "تعهدات حول مستقبل السلام والمسائل المتعلقة به، لكن بعد الالتزام الاسرائيلي بالانسحاب". وبالتالي فإن الطريق الى حل "العقدة" في المسار السوري - الاسرائيلي يمر من خلال هذه النقطة، حسب المصادر العربية التي تشير الى أن الديبلوماسية السورية وقبل انعقاد القمة بعدة أيام أرسلت رسالة مزدوجة الى الادارة الأميركية مفادها "لا مساومة على الأرض اطلاقاً حتى لو استمرت عملية السلام مئة قرن - حسب قول أحد المسؤولين السوريين - لكن المساومة تكون في كيفية حصول السلم وما يتضمنه من اقامة علاقات واعتراف" وتشير المصادر الى أن الرسالة السورية كانت دقيقة وعلى لسان مسؤول كبير هو نائب الرئيس السيد عبدالحليم خدام في الاسبوع الماضي، والذي أكد مراراً على "التمسك بكامل أرض الجولان لأنها تتعلق بكرامة السوريين" وان هذا التأكيد المتكرر ورفض مبدأ "التنازلات المتبادلة" أتى عن قناعة سورية راسخة تقول ان "أي تنازل ومهما كان صغيراً لا بد وأنه سيتبع تنازلات أخرى"، لذلك فإن دمشق ترى ان التفاوض مهما طال لن يجلب خسائر، اذا لم يقترن بالتوقيع "وتوقيع أي اتفاق لا بد وأن يكون بعد مفاوضات مطولة ومفصلة يتفق فيها على كل التفاصيل" وتشير المصادر الى أن السوريين استفادوا من التجربة الفلسطينية "المؤلمة" في هذا المجال، وما يحدث في "مأزق اتفاق الحكم الذاتي - الاداري" بين اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. اشارات ولفتات وترى المصادر ان تمسك الرئيس الأسد بما يعتبر جوهرياً في السلام ألا وهو "الأرض المحتلة"، تزامن مع عدد من الاشارات واللفتات التي ظهرت من دمشق في أمور تعتبرها واشنطن مبادرات حسن النية". وان هذه الاشارات جاءت وفق المنطق السوري المعروف "تشدد الى أقصى حد في ما هو جوهري، والابقاء على شعرة معاوية عبر تساهل في مسائل ثانوية"، ومن هذا المنظور تشير المصادر الى النقاط الآتية التي تأخذ أهميتها من كونها جاءت قبل القمة السورية - الأميركية في جنيف منتصف الشهر الجاري: رفع قيود السفر التي كانت مفروضة على اليهود السوريين، اذ منحت السلطات السورية في الفترة الأخيرة أكثر من 340 تأشيرة خروج ليهود يرغبون في السفر الى الخارج، وقالت مصادر رسمية سورية ان التأشيرات تصدر بمعدل 30 تأشيرة يومياً ليهود سوريين يرغبون بالمغادرة. تركيز المصادر الرسمية على زيارة اللجنة البرلمانية الأميركية الى سورية واسرائيل ولبنان لمعرفة مصير سبعة من الجنود الاسرائيليين المفقودين في لبنان بعد عام 1982، وتشير المصادر الى ان اعلان بيان القصر الرئاسي عن تناول هذه المسألة في اتصال الوزير وارين كريستوفر بالرئيس الأسد "يحمل مضموناً ايجابياً" خصوصاً وانه الاعلان الرسمي الأول الصادر من دمشق، مع ان كريستوفر ذكر إثر لقائه الرئيس الأسد خلال جولته الأخيرة ان الأخير وعد بتسهيل مهمة اللجنة. التصعيد في جنوبلبنان، ما يعني طرح ملف "حزب الله" والمقاومة الاسلامية والوطنية في الجنوب، وبالتالي طرح الملف اللبناني ككل في جدول أعمال القمة. مراوحة "الفصائل الفلسطينية العشرة" في مكانها في شأن الاتفاق على تشكيل جبهة معارضة للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات واتفاق "غزة - أريحا". وتقول المصادر ان "حيادية" هذه الفصائل، ستتخذ مسارها لجهة التصعيد أو الانفراط حسب نتائج القمة، خصوصاً وأن الرئيس كلينتون طلب من الأسد "ضبط" معارضي الاتفاق الموجودين في دمشق. لكن الى ماذا تستند دمشق في موقفها "المتشدد" هذا والذي سيحمله الرئيس الأسد الى جنيف؟ تجيب المصادر العربية ذاتها ان قوة الموقف السوري تكمن في الآتي: ادراك الأسد، وقبل أي شيء، بأن السلام في المنطقة "حاجة أميركية أولاً"، وان السلام لا يمكن أن يتم في المنطقة دون سورية جغرافياً، أم عسكرياً، أم شعبياً، وسياسياً وحتى اقتصادياً. امساك دمشق بأوراق تفاوضية تكتيكية عدة مثل "الفصائل العشرة" والمقاومة اللبنانية و"حزب الله". التأكيدات المستمرة التي حصل عليها الرئيس الأسد من الملك حسين ان الأردن لن يوقع اتفاقاً مع اسرائيل الا في اطار حل شامل، وهذا ما يتمسك به لبنان الذي "ينسق" في كل شيء مع السوريين. تمتع سورية بعلاقات جيدة مع دولة تعارض عملية السلام برمتها هي إيران ومحافظتهما على "ورقة حزب الله"، واستمرار الاتصالات بينهما رغم اختلاف موقفهما من عملية السلام، وكان آخر اللقاءات هو اجتماع الهيئة العليا المشتركة. بقي القول ان الخلاف حول الأفكار التي ستطرح في شأن ايجاد آلية لترجمة الموقف السوري في القمة السورية - الأميركية، لا يعني بالضرورة خلافاً على "أهمية" هذا الاجتماع الذي تعتبره المصادر الى حد ما "مفصلياً" في مسار عملية السلام، وهي تذكر بلقاء القمة الأول بين الأسد والرئيس الأميركي السابق جورج بوش والذي وضع أساس الملف عملية السلام الأول في جدول أعمال قمة كلينتون - الأسد. آلية تفاوض جديدة وتواترت، عشية القمة انباء التقدم المحتمل في المفاوضات على المسار السوري - الاسرائيلي، واللبناني - الاسرائيلي استطراداً. وتعزز ذلك من التعثر في المفاوضات الاسرائيلية - الفلسطينية لتطبيق "اتفاق واشنطن" وهو تعثر استغله اسحق رابين ليلوّح بوجود بدائل يمكنه اللجوء اليها لابقاء العملية السلمية على زخمها. وكان واضحاً ان تهديدات رابين تستند الى حيثيات تتجاوز مجرد المناورة للحصول على مزيد من التنازلات الفلسطينية. فمجرد الاعلان عن القمة السورية - الأميركية يعني ان شيئاً ما أصبح ناضجاً، ولا يخفي مسؤولون لبنانيون مقربون من دمشق ان الأشهر، ان لم يكن الأسابيع، القادمة "حاسمة" وان كانوا لا يفصحون عن المزيد اما حرصاً أو جهلاً! ولا يتردد مراقبون في تفسير التشدد الأردني المفاجئ حيال منظمة التحرير باعتباره النتيجة الطبيعية لشعور عمان بالمأزق الفلسطيني - الاسرائيلي وبالانفراج المحتمل السوري - الاسرائيلي. ومن هنا، ربما، تكاثف الاتصالات بين عمانودمشق. من المؤشرات على أن الحياة عادت لتدب في المسار السوري - الاسرائيلي الأنباء التي انتشرت في بيروت، ولم تلق تكذيباً، والقائلة بأن جولة كريستوفر في الشرق الأوسط أسفرت عن اتفاق على ضرورة انتهاء الجولة الثانية عشرة من المفاوضات الى اتفاق حول اعلان مبادئ بين كل من سورية ولبنان من جهة واسرائيل من جهة ثانية. ويبدو أنه تم التوصل، في سبيل ذلك، الى آلية تفاوضية جديدة على المسارين السوري واللبناني تقضي بانقسام وفد التفاوض الى ثلاث لجان للانسحاب والأمن والسلام تلتقي كل واحدة على حدة وتعود للالتئام من أجل تنسيق أي تقدم يحصل في واحد من المجالات. يبقى ذلك، معلقاً، بنتيجة القمة طبعاً. غير أنه من الملفت للنظر أن يسبق هذه القمة حديث عن توصل "خبراء" من سورية واسرائيل الى اتفاق حول الانسحاب من الجولان والسلام وذلك في اطار "مشروع البحث عن أرضية مشتركة" الذي يرعاه عدد كبير من أبرز الديبلوماسيين الأميركيين السابقين. سورية واسرائيل و"الخبراء" وأكدت مصادر أميركية واسرائيلية وعربية حصول عدد من الاجتماعات شارك فيها اسرائيليون وسوريون. والنفي الذي صدر من دمشق خجول الى الحد الذي يوحي بالعكس. ان السؤال المطروح ليس حول عقد هذه اللقاءات بل حول نوعية الحضور السوري فيها ومدى الصلة بين "الخبراء" الذين شاركوا وبين الحكومة السورية. الواضح ان الجانب الاسرائيلي غير متكتم على أسماء المشاركين من جهته وبعضهم ذو نفوذ في حين ان الغموض يحيط بهوية السوريين ويمنع التدقيق في مدى تمثيلهم. الاشارة الى هذه الناحية ضرورية. لماذا؟ تنشر "الوسط" نص الاتفاق الذي جرى التوصل اليه حول جنوبلبنان بين الباحث حسين آغا والجنرال الاحتياطي في الجيش الاسرائيلي اهارون ليفران. وإذا كان حسين آغا خبيراً في الشؤون الاستراتيجية، ومن أصل لبناني، فإنه لم يكن ممثلاً لحكومته في هذا الحوار وبالتالي فإن توقيعه على اتفاق مع اسرائيل لا يلزمها لا من بعيد أو قريب. انه شخص يعمل في اطار "مشروع البحث عن أرضية مشتركة" وقد وجد هذه الأرضية مع جنرال اسرائيلي فوافق على اصدار ورقة العمل المنشورة اعلاه ضارباً عرض الحائط بمدى ابتعادها عن الموقف الرسمي اللبناني. الاشارة الى "حالة" حسين آغا ضرورية من أجل التحفظ على أهمية ما نشر حول "اتفاق" سوري - اسرائيلي وذلك في انتظار معرفة الذين شاركوا من الجانب السوري ومدى اقترابهم من مراكز صنع القرار. يقول القائمون على فكرة "مشروع البحث عن أرضية مشتركة" انهم شرعوا في ذلك عشية "حرب الخليج" وكان في ذهنهم التطرق الى قضايا متعددة في الشرق الأوسط مستلهمين صيغة "مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي" هلسنكي. وقد جمعوا من أجل ذلك أكاديميين وخبراء عرباً واسرائيليين وأتراكاً وشكلوا لجنة أساسية تفرعت عنها أربع لجان فرعية: الامن. المجتمع المدني التعاون الاقتصادي الاقليمي، حل النزاعات. ويقول بيتر كونستايل رئيس لجنة الامن في المشروع "ان المتحاورين يمثلون انفسهم" غير انه يضيف ان للعديدين منهم "نفوذاً في مؤسسات بلدانهم، بما في ذلك حكوماتها، وان بينهم من هو منخرط مباشرة في الجهود الديبلوماسية الرسمية لحل النزاع العربي - الاسرائيلي". وهو يعتبر ان الغاية من تنظيم هذه اللقاءات هي التطرق الى مواضيع قد لا تكون مطروحة في المفاوضات الرسمية، وفتح قنوات اتصال ضمن الشرق الاوسط، وتأمين اطار لاستكشاف حلول يمكنها ان تفيد المفاوض الرسمي. "بناء الثقة" وحسب كونستابل فان الاجتماعات التي تطرقت الى "بناء الثقة" بين سورية واسرائيل بدأت في شباط فبراير 1992 وكانت في Air Line House بولاية فيرجينيا الاميركية. وقد تبين من سير المناقشات صعوبة فصل الموضوع اللبناني عن اي حوار اسرائيلي - سوري فطلب من لجنة الامن ضمن المشروع انتداب عضويها، حسين آغا والجنرال اهارون ليفران، لايجاد قواسم مشتركة اسرائيلية - لبنانية. وهكذا تقدم كل واحد منهما بورقة عمل تمثل وجهة نظره فنوقشتا وتم التوصل الى الصيغة التي تنشرها "الوسط"، والتي جاء في مقدمتها انها "نص تاريخي" و"باكورة" اوراق العمل التي يمكن لما يسمى الاتفاق الاسرائيلي - السوري ان يكون تلاها وان كان هو الذي يشكل اطاراً عاماً لها. ما هو معروف عن الورقة السورية - الاسرائيلية يؤكد ان الطرفين عرضا ملاحظاتهما ولم يتفقا على الامور كلها. غير انه امكن التوافق المشروط على ستة مبادئ عامة هي: 1 - قبول فكرة السيادة السورية على الجولان مع تمييزها عن فكرة الانسحاب. 2 - اعتراف الطرفين بمخاوف امنية لكل واحد منهما وضرورة معالجتها في الجولان. 3 - معاهدة السلام ممكنة في ظل تسوية شاملة مع الاصرار السوري على ان وصف "شاملة" يعني باقي المسارات. 4 - توافق الطرفين ان لهما مخاوف امنية في لبنان يجب ان تؤخذ في عين الاعتبار منذ تسوية الخلافات الثنائية. 5 - ازالة المستوطنات في حال الانسحاب الاسرائيلي الكامل من الجولان. 6 - الضمانات الامنية لا تلغي ضرورة ابقاء الطرفين على قدراتهما العسكرية. ليس من المستبعد ان يكون البحث وصل الى اقتراحات حلول لعدد من القضايا الاخرى غير انه من الواضح ان قيمة التوافق على هذه المبادئ مستمدة من ان ذلك يحصل للمرة الأولى في اطار العلاقات السورية - الاسرائيلية. عند قراءة "الاتفاق" اللبناني - الاسرائيلي يتضح ان "التنسيق" اللبناني - السوري في اطار "مشروع البحث عن ارضية مشتركة" معدوم وان كان "الخبراء" السوريون قد شاركوا في اللقاءات النهائية التي وافقت على اصدار هذا "الاتفاق" باسم الجميع. تتجاهل الورقة اللبنانية - الاسرائيلية "اتفاق الطائف" و"معاهدة التعاون" بين لبنان وسورية وتعامل تل ابيب ودمشق على قدم المساواة عندما تطلب منهما التوازي الكامل في اجراءات بناء الثقة بينهما فوق الارض اللبنانية. وهي اجراءات محتملة لبناء الثقة بين اسرائيل ولبنان طارحة، وذلك قبل الاتفاق الفلسطيني - الاسرائيلي، فكرة "جزين اولاً" البند الحادي عشر. الملك حسين لعرفات انها الفرصة الاخيرة وفي عمان سجل العاهل الاردني الملك حسين مفاجأة في اليوم الأول من العام الجديد بخطاب اعتبره المراقبون فريداً من نوعه لأن العاهل الاردني لم يستخدم سابقاً التعابير التي استخدمها هذه المرة. ومع ان المسؤولين الاردنيين، وبينهم، الدكتور جواد العناني وزير الاعلام الذي اتصلت به "الوسط"، يحاولون تخفيف لهجتهم خشية تعميق شقة الخلاف بين الاردن ومنظمة التحرير الا انهم مقتنعون بأن "غضب" الملك حسين لم يكن ليعلن على تلك الصورة لو لم يبلغ الخلاف مع الرئيس الفلسطيني حداً خطيراً. ففي حديثه الى كبار ضباط الجيش 1/1/1994 تحدث الملك حسين عن لقائه مع الرئيس الفلسطيني بمطار الملكة علياء الذي استغرق ساعتين 30/12/1994 واعتبره لقاء حاسماً... "الجو والمسؤولية تتطلب الصراحة الكاملة وكنا في هذا اللقاء بمنتهى الصراحة وأسدينا النصيحة وحددنا الواقع بأن نلتزم بما نتفق عليه وبأننا لا نستطيع ان نقول "لناسنا" بأن هنالك تنسيقاً ما لم يكن هنالك تنسيق او اتفاق". وقال الملك حسين: "وعدنا عرفات بأنه يوم الثلاثاء 4/1/1994 يكون بداية لمجيء الاخوة الى هنا ليعالجوا الاولويات المطلوبة بالسرعة الممكنة وبالقرار المطلوب والوضوح المطلوب... وقلنا من جانبنا ان هذه آخر فرصة وبعد الآن فليتحمل كل مسؤوليته على حدة". "حاولنا الكثير ولا نستطيع ان نستمر بهذه الطريقة وسنصارح الناس ونكاشفها بكل التفاصيل التي لدينا...". وأضاف العاهل الاردني: "وفي حديثي عن موضوع الكونفدرالية رجوت الاخ الرئيس عرفات ان يسقط هذا التعبير من قاموسه وان لا يبحثه معي بأي شكل من الاشكال... لقد اشتغل بنا الاعداء واشتغلت بنا عناصر جاهلة وجهات متعددة مست العلاقة المتميزة بين اهل وأخوة تحملوا وعانوا وعاشوا معاً". قبل حضور الرئيس الفلسطيني الى عمان بثلاثة ايام كان قد وصلها وزير الخارجية السوري فاروق الشرع حاملاً رسالة من الرئيس السوري الى العاهل الاردني ووعداً بتمتين العلاقات الثنائية بين البلدين من ابرز مظاهرها تحديد موعد لاجتماع اللجنة العليا المشتركة برئاسة رئيسي وزراء البلدين التي توقفت اجتماعاتها منذ مطلع عام 1990. وحمل الشرع الى الملك حسين اقتراحاً سورياً باستثناء منظمة التحرير الفلسطينية من التنسيق بين الاطراف العربية المشاركة في مسيرة السلام لأن المنظمة فقدت مصداقيتها منذ انكشاف امر مفاوضاتها السرية مع اسرائيل في اوسلو ومن ثم توقيع الاتفاق الفلسطيني - الاسرائيلي الذي يعتبره السوريون صلحاً منفرداً. وجوبه الطلب السوري بحرج اردني، فالاردن لا يريد استثناء المنظمة برغم غضبه من قيادتها، وهو في الوقت نفسه يريد علاقات جيدة مع سورية في ذلك الوقت كان الاردن ما يزال ينتظر رد الرئيس الفلسطيني بشأن الاتفاق الاقتصادي بين الاردن والمنظمة والذي سيحدد شكل العلاقة بين الاردن والكيان الفلسطيني الناشئ عن خيار غزة - اريحا. وكان الرئيس الفلسطيني قد حدد المهلة تلو الاخرى وكان آخرها عندما وعد بعرض مسودة الاتفاق على اللجنة التنفيذية فور عودته الى تونس من زيارة قام بها لبريطانيا. وقبل ذلك كان الرئيس الفلسطيني وعد العاهل الاردني بالتشاور بعد لقائه في مبنى السفارة الاميركية بعمان مع وزير الخارجية الاميركي كريستوفر، لكنه غادر مبنى السفارة الى المطار فوراً. اللقاء الساخن ومن اجل ذلك وعندما اعلن عرفات رغبته بزيارة عمان للقاء الملك حسين يوم الخميس في 3 كانون الاول ديسمبر سارع العاهل الاردني للقائه في المطار لمدة ساعتين وصف بأنه اكثر اللقاءات سخونة بين الرجلين. ويقول مسؤول اردني، طلب عدم ذكر اسمه، لپ"الوسط" ان اكثر ما اثار حفيظة العاهل الاردني هو تصريحات الرئيس الفلسطيني التي قال فيها ان الاردن يرفض سيطرة الفلسطينيين على المعابر بين اريحا والاردن الامر الذي نفاه الملك حسين واستنكره بشدة. وعقب لقائه العاصف مع عرفات اتصل العاهل الاردني هاتفياً بالرئيس المصري حسني مبارك وشرح له الموقف وأبلغه بأنه اعطى المنظمة فرصة اخيرة لمدة خمسة ايام للبحث الجدي من الاتفاق الاقتصادي. وقد اوفد الرئيس المصري وزير خارجيته عمرو موسى الى عمان في 3 من الشهر الجاري في الوقت الذي وصل فيه الى القاهرة فاروق القدومي رئيس الدائرة السياسية في المنظمة وياسر عبدربه عضو اللجنة التنفيذية. وحمل موسى رسالة من مبارك للملك حسين هدفت الى تطويق الخلاف بين الاردن والمنظمة. وأسفر تلويح العاهل الاردني باختراق الخيارات عن تكليف القدومي ابو اللطف، بدلاً من محمود عباس ابو مازن، بالتوجه الى الاردن لادارة المفاوضات معها. وقبيل توجهه الى عمان ركز القدومي على اهمية تعزيز العلاقات الاردنية الفلسطينية باعتبار ان الاردنيين والفلسطينيين شعب واحد لا تفريق بينهم على حد تعبيره. لكن مصادر فلسطينية اشارت الى ما ورد في خطاب الملك حسين اذ قال ان القيادة الفلسطينية يجب ان تكون لكل الفلسطينيين ودعا الى توسيع المشاركة في صنع القرار الفلسطيني. ونقل عن ياسر عمرو عضو اللجنة التنفيذية بمنظمة التحرير الفلسطينية قوله انه لا يرغب في المشاركة بالمباحثات الاردنية الفلسطينية لأنه في كل مرة يتم الاتفاق على اشياء لا تنفذ فيلاقي عتباً اردنياً خاصة وانه مقيم في عمان. ويأمل الاردنيون ان تسفر قمة الأسد - كلينتون عن دفعة جوهرية لمفاوضات السلام وتقدماً على المسار السوري الاسرائيلي لأن تحقيق مثل هذا التقدم يسهل مهمة الوفد الاردني المفاوض الذي التزم بعدم المضي قدماً على اي صعيد في المفاوضات قبل تحقيق تقدم جوهري على المسار السوري - الاسرائيلي.