تعتبر إيزابيل هوبير إحدى النجمات البارزات في السينما الفرنسية، وكانت بدأت مسيرتها الفنية "كومبارس" في فيلم شهد بداية الممثل جيرار دو بارديو على الشاشة، ثم انطلقت وعملت مع أكبر المخرجين في فرنساوايطاليا وحتى هوليوود عبر تجربة تميزت بالغرابة الى حد ما. إيزابيل هوبير هذه عملت أخيراً في موسكو في فيلم نزل الى بعض صالات السينما في العالم. وفي باريس التقتها "الوسط" وحاورتها في شؤونها الفنية، وكانت الحصيلة التحقيق الآتي: إيزابيل هوبير ممثلة قديرة قصيرة القامة، بيضاء البشرة ذات عينين تجمعان بين الحزن والابتسامة الماكرة، وهي لا تتردد في قبول الأدوار الجنونية القابلة الى كسر سمعتها نهائياً، أو الى الرفع من شأنها أكثر وأكثر في عيون جمهورها. ألم تمثل في "غادة الكاميليا" في ايطاليا ذلك الدور الذي خلدته غريتا غاربو في الأذهان منذ 55 سنة؟ ألم تقف أمام كاميرات السينمائي كلود شبرول في فيلمه "حكاية نساء" في 1988، متلقية بسبب دورها الجريء جداً عاصفة من الاحتجاج؟ لذا جاء سؤالنا الأول عن فيلمها الجديد الذي مثلته في موسكو: ما هي حكاية الفيلم الذي قمت بتمثيله في موسكو؟ - حكاية الفيلم شيء وحكاية تصويره شيء آخر. ولو سألتني عن قصة السيناريو، لقلت ببساطة إنها حكاية زوجين تتمزق العلاقة بينهما بسبب عدم انجاب الزوجة على الرغم من مرور السنوات على الحياة المشتركة بينهما. وتدخل مراهقة الى حياتهما عن طريق المصادفة بمثابة ابنة لهما، لكن الأحداث تجري نحو المشاكل المتعددة وتدور المأساة في يوم ممطر في مدينة بيتروغراد في العشرينات. وعنوان الفيلم هو "الفيضان". ماذا عن حكاية التصوير؟ - انها تمسني عن قرب، ليس فقط كوني شاركت في الفيلم كممثلة، ولكن لأن المشروع هو مشروعي الشخصي في الأساس. اكتشفت الرواية وفكّرت في تحويلها الى فيلم سينمائي فبذلت كل الجهود اللازمة لأجعل من فكرتي الخيالية حكاية واقعية يشهدها الجمهور السينمائي في الصالات. استغرقت المسألة أكثر من سنتين كاملتين وها هي الآن قد تمت. ما الذي جذبك في الرواية أساساً ومن مؤلفها؟ - المؤلف اسمه ايفغيني زمياتين وهو روسي طبعاً كما يدل عليه اسمه. والشيء الذي جذبني في الرواية هو الطابع الأسود اليائس في العلاقة بين الزوجين في بداية الأمر بسبب عدم انجاب الزوجة. ثم في اللحظة التي يعتقد القارئ أنه قد أدرك حقيقة ما يربط ويفصل بين هذين الشخصين، يكتشف ان العلاقة بينهما أقوى بمراحل عما بدت عليه. فالزوجة مستعدة لارتكاب جريمة قتل بسبب خيانة زوجها لها. فهل هذا هو التصرف العادي لامرأة تعتبر علاقتها الزوجية فاشلة منحدرة وشبه منتهية بأي حال من الأحوال؟ لا أعتقد ذلك. أنا وجدت الرواية جميلة جداً وواقعية جذابة تكشف عنفوان امرأة تجاه حبها. مخرج روسي وكيف حوّلت مشروعك الى واقع؟ - أول ما فعلته بطبيعة الحال كان اقتناء حقوق الرواية. ثم بحثت عن امكانية جمع الموازنة الضرورية للانتاج، وصرحت بفكرتي الى المنتج دانيال توسكان دو بلانتييه رئيس مؤسسة غومون السينمائية سابقاً، ومؤسس شركة إيراتو فيلم للانتاج وزوج إيزابيل هوبير سابقاً فاقتنع بها بعد دراسة عميقة للرواية ولمدى صلاحيتها سينمائياً. اقترحت اسم السينمائي الروسي إيغور مينايف لاخراج الفيلم، إذ كنت أحلم بالعمل معه منذ أن شاهدت فيلمه "الطابق الأرضي" في مهرجان "كان" منذ أربع أو خمس سنوات. هل كان من الضروري في رأيك أن يخرج الفيلم سينمائي روسي بعدما أمّنت انتاجاً فرنسياً له؟ - الرواية ألّفها كاتب روسي وأحداثها تدور في روسيا، فمن أحسن من مخرج روسي كان في امكانه سردها على الشاشة؟ فمهما كان أي مخرج فرنسي يحب الرواية لا بد من أن تظل نظرته خارجية و"سياحية" الى حد ما. أنا حاولت تفادي هذا العيب، كما اني بشكل عام مولعة بالأدب الروسي الى درجة تمنعني من منح قصة منه الى مخرج فرنسي أو غير روسي عامة، لتحويلها الى فيلم سينمائي. عملت في هوليوود في فيلم "أبواب النعيم" تحت إدارة مايكل شيمينو، والآن عملت في موسكو. ما هو وجه المقارنة بين أسلوب العمل السينمائي في البلدين؟ - المقارنة صعبة. أنا قادمة من موسكو حيث عملت في استوديوهات عتيقة عمر الأجهزة التقنية فيها يتجاوز الخمسين سنة. إننا اضطررنا الى استدعاء تقنيين فرنسيين لتصليح المعدات أو تبديلها بأخرى قادمة خصيصاً من باريس. وفي هوليوود شاهدت أحدث المعدات والاستوديوهات وتعجبت أمام التقدم الالكتروني والأشياء التي يمكن تنفيذها بفضله، فلا مجال إذاً للمقارنة. وكل ما استطيع قوله هو اني ذهلت أمام قدرة التقنيين الروس، فهم ينجزون عملهم بطريقة مدهشة فوق آلات أثرية. ولا أدري ما يفعله التقني الأميركي مثلاً إذا وجد نفسه أمام مثل هذه المعدّات. وعلى العموم أنا أعتبر تجربتي الروسية أكثر فائدة من مثيلتها الهوليوودية. لماذا؟ - أولاً لأن الفيلم الذي مثلته في روسيا مأخوذ عن رواية أعجبتني وجعلتني أهتم شخصياً بتحويلها الى فيلم. وهذه النقطة وحدها تجعل رحلتي الروسية أكثر إثارة من أي تجربة ثانية قمت بها، سواء في هوليوود أو فرنسا أو أي مكان. فأنا في "الفيضان" أكثر من مجرد ممثلة. أنا المحرك الأول لوجود هذا الفيلم. ثانياً أتذكر ان تجربتي الهوليوودية تميزت بالغرابة الى حد كبير. فأنا كنت سعيدة جداً بالحصول على البطولة النسائية في فيلم أميركي، خصوصاً ادارة مايكل شيمينو المخرج الذي كان أنجز "صائد الغزلان" قبل سنتين أو ثلاث سنوات محققاً أعلى رقم في الايرادات على المستوى العالمي. كان "صائد الغزلان" ولا يزال بين أجمل الأفلام التي شاهدتها في حياتي. لكن سرعان ما بدأت المشاكل تظهر خلال تصوير "أبواب النعيم"، إذ كان المنتج يعترض بشكل مستمر على طريقة عمل شيمينو ويتهمه بتضييع الكثير من الوقت وبالتالي من المال. يمكنك ان تتخيل الجو الذي ساد التصوير تبعاً لهذه الاعتراضات، خصوصاً ان المخرج كان يصرّ على تنفيذ الفيلم بالطريقة التي كانت تعجبه وتناسبه. وفي النهاية وجدت نصف دوري قد حُذف عند تركيب الفيلم بسبب اصرار المنتج على التقليل من مدة عرض الشريط. غضبت جداً امام هذه الحكاية المؤسفة، ولم يتعدل الأمر الا بعد عشر سنوات، اي في العام 1990، حينما نجح شيمينو، بعد كفاح مرير، في العثور على موزع وافق على اعادة توزيع الشريط عالمياً في نسخته الاصلية اي دون حذف أدنى لقطة منه. مثلت الدور في العام 1980 وشاهدته على أصوله في 1990. حسن إختيار خضت أكثر من تجربة جريئة في حياتك المهنية مثل اعادة تمثيل بطولة "غادة الكاميليا"، علماً انه من الصعب جداً محو اداء غريتا غاربو من الاذهان، او قبول العمل في "حكاية نساء" لكلود شبرول وهو فيلم منافٍ لقواعد الاخلاق، حسب ما قيل عنه عند ظهوره. هل تميلين طبيعياً الى التحدي والمجازفة بسمعتك ام انك غير واعية بالامور؟ - انا واعية جداً بالامور ولا اوافق على المشاركة في أي فيلم اراه يسرد حكاية جريئة ليست مبنية على قاعدة متينة وصحيحة. فأنا اختار ادواري ولولا حسن هذا الاختيار لكنت انتهيت فنياً منذ سنوات طويلة، وربما منذ بدايتي الفنية فوق الشاشة. عندما ظهرت في دور صغير جداً، الا انه جريء جداً في فيلم "لي فالسوز" المتأرجحات في العام 1973، كان عمري 18 سنة وكنت بعد تلميذة في معهد الفن الدرامي في فرساي ضاحية باريسية، وكان من السهل جداً حصولي بعد هذا العمل على عروض جريئة فضلاً عن أي شيء آخر. وافقت على الدور استناداً الى احساسي القوي بموهبة مخرج الفيلم وقدرته على تصوير الجرأة بطريقة فنية مميزة. وأسعفني الحظ الى حد كبير، فقد كنت على حق، اذ ان مخرج الفيلم برتران بلييه هو احد ألمع مخرجي السينما الفرنسية حالياً، وأبطاله كانوا جيرار دوبارديو وميو ميو وباتريك ديفير. كان هذا هو الفيلم الأول لكل واحد من هؤلاء وتحولوا كلهم الى نجوم بفضل النجاح الهائل للفيلم. وفي ما يخص "غادة الكاميليا" لا شك في ان غريتا غاربو ادته بشكل لا ينسى ابداً. وأنا حلمت طويلاً بأداء هذا الدور فلم استطع المقاومة حينما عرضه عليّ الايطالي ماورو بولونيني. وتفاديت فخ تقليد غاربو، فرحت اؤدي الشخصية على طريقتي الخاصة. وهذا ما انقذني من الانتقادات ومن الاتهامات الخاصة بمحاولة منافسة غاربو. اما "حكاية نساء" فجلب لي الكثير من الاتهامات، لكن خلاصة الكلام كانت في الاعتراف العام بحسن ادائي الدور وهذا هو المهم. تركت القرار لاحساسي الداخلي قبل الموافقة على الدور، وهذا ما افعله في اكثر الحالات، وكنت عملت مرات عدة بادارة كلود شبرول فلم اتخيله يطلب مني ما لا يليق بي. وهناك نقطة اخرى هي كون قصة فيلم "حكاية نساء" حقيقية دارت في بداية القرن العشرين. مثلت دور امرأة كانت تجري عمليات الاجهاض، وتم اعدامها بعد اتهامها بممارسة نشاط اجرامي في حق الانسانية. لقد عاشت هذه المرأة بالفعل ولا عيب في تصوير حياتها سينمائياً. شعرت ان الذين اتهموني قد دمجوا بين دوري فوق الشاشة وحقيقة شخصيتي. وبشكل عام، انا احب التحدي فهو يعطي الحياة النكهة التي لا بد منها. هل سيعرض "الفيضان" في أي مهرجان سينمائي قريباً؟ - لا أعرف بعد. انا اتمنى لأني اعتز جداً بالفيلم وأحلم بعرضه في اجمل المناسبات السينمائية العالمية. وبهذا الصدد عشت لحظات حلوة في موسكو حينما طلبت مني اللجنة التي تنظم سهرة توزيع جوائز "نيكاس" المعادلة للأوسكار الاميركية، الوقوف فوق المسرح وتسليم الجوائز بنفسي الى الفائزين. وفعلت ذلك متكلمة بالروسية، فأنا اجيد هذه اللغة تماماً.