لماذا الترشيحات الآن، لانتخاب مجلس الرئاسة؟ هناك اجابتان عن هذا التساؤل. الأولى، رسمية ودستورية، تولى مجلس النواب اعلانها، وهي ان المادة 89 من الدستور تنص على الآتي "قبل انتهاء مدة مجلس الرئاسة بتسعين يوماً، تبدأ الاجراءات لانتخابات مجلس رئاسة جديد". ومدة مجلس الرئاسة بالتمديد تنتهي في 15 تشرين الأول اكتوبر المقبل. والاجابة الثانية يرددها الاختلاف داخل الائتلاف الثلاثي الحاكم. وعلى رغم ان الاجابة الدستورية كافية لتبرير فتح مجلس النواب باب الترشيحات لانتخابات مجلس الرئاسة مدة الترشيحات، من 19 تموز - يوليو الى 20 آب - اغسطس، الا انها ليست كافية لتبرير التنازل المفاجئ عن مشروع التعديلات الدستورية، وفي مقدمتها تحويل مجلس الرئاسة الى رئيس ونائب للرئيس خصوصاً اذا ما اخذ في الاعتبار ان الغرض من تمديد الفترة لمجلس الرئاسة الحالي من 15 ايار - مايو الماضي، الى 15 تشرين الأولاكتوبر - المقبل هو تحويل مجلس الرئاسة الى رئيس ونائب له، يتم انتخابهما في المرة الاولى من مجلس النواب، بعد اجراء التعديلات الدستورية اللازمة. وهذا هو السبب الوحيد للتمديد، والا لكان مجلس النواب انتخب مجلس الرئاسة عقب انتهاء فترته الانتقالية الاولى في 27 نيسان ابريل الماضي. اضافة الى ان الانتخاب سيتم لفترة خمس سنوات، طبقاً لنص الدستور. على ان تحلّ مسألة "نائب رئيس مجلس الرئاسة"، التي يخلو منها النص الدستوري، عن طريق النظام الداخلي لمجلس الرئاسة. ويشير هذا الوضع الى ان اعلان الترشيحات لمجلس الرئاسة، جاء محاولة لحل الخلافات التي تطورت بين احزاب الائتلاف. في الوقت الذي يعتبر فيه شبه الغاء لمشروع التعديلات الدستورية، بصفة مباشرة وغير مباشرة... ويتضح هذا في النقاط الآتية: - ما أكده نواب المؤتمر الشعبي العام، من اعتبار مشروع التعديلات، امراً غير وارد الآن، وبالذات ما يتعلق منه بشكل رئاسة الدولة وانشاء مجلس الشورى والجمعية الوطنية وانتخاب هيئات الحكم المحلي. - ان التجمع اليمني للاصلاح، يرى ان مشاركته في الائتلاف، تعطيه الحق في ان يكون ممثلاً في رئاسة الدولة، بدلاً من اقتصارها على شريكيه المؤتمر والاشتراكي. - ان المؤتمر الشعبي العام، بعد ان تنازل فجأة عن مقترحاته في التعديلات، ومنها تحويل مجلس الرئاسة الى رئيس ونائب، اصبح فجأة يؤكد عدم الجدوى من هذا التعديل في حل مشكلة التقاسم، الا اذا اقتصر شكل الرئاسة على رئيس فقط. والا فان اقرب الحلول الآن التمسك بالقيادة الجماعية. - من هنا فان ما يطرحه نواب المؤتمر، بتأييد خافت من نواب في الكتلة الثلاثية، من ترشيحات لأعضاء مجلس الرئاسة، يشمل تمثيل حزبي الاصلاح والبعث والاخير ممثل في مجلس النواب بسبعة مقاعد، وفي الحكومة بحقيبة نائب رئيس الوزراء العميد مجاهد ابو شوارب. وتتضمن قائمة الترشيحات: الفريق علي عبدالله صالح، الامين العام للمؤتمر، وعبدالعزيز عبدالغني، الامين العام المساعد للمؤتمر، وعلي سالم البيض، الامين العام للاشتراكي، وعبدالملك الطيب، عضو الهيئة العليا للاصلاح، ومجاهد ابو شوارب، عضو قيادة حزب البعث. اي ان المؤتمر سيصبح ممثلاً بعضوين بدلاً من ثلاثة، والاشتراكي بعضو واحد بدلاً من اثنين. ولكن هل يقف الامر عند هذا الحد؟ لا يبدو الوضع بهذه البساطة، اذ ان منشأ الاختلاف، ليس موضوعياً بقدر ما هو في الائتلاف ذاته. بذلك تبدو هناك ملامح تغييرات ومعالجات مستقبلية يظهر منها الآتي: اتجاه نحو العمل على اعادة غربلة التعديلات الدستورية، لطرحها في صيغة تستفيد من نقاط الاختلاف والاخطاء والظروف المستقبلية المتوقعة. بحيث تركز الصيغة على تحويل مجلس رئاسة الدولة، الى رئيس يختار نائباً له بالتعيين. ولذا فان التنازل عن مقترحات التعديل والعودة الى انتخاب مجلس الرئاسة وتوسيع المشاركة فيه الى رباعية، لا تبدو سوى ارهاصات تدفع في الاتجاه نفسه نحو الغايات البعيدة. هذا الوضع الجديد سيفرض تغييرات في الائتلاف، تعطي المبرر لالغاء الوثائق الثلاث: "الائتلاف الثلاثي" و"التنسيق التحالفي على طريق توحيد المؤتمر والاشتراكي" و"ميثاق العمل السياسي" الخاص بتنظيم العلاقات بين الاحزاب والتنظيمات السياسية. وهي شبه ملغاة اذ لا وجود عملياً لها. على ان يتم وضع بديل عنها في ضوء التطورات الجديدة والمتوقعة. ومما يترتب على انتخاب مجلس الرئاسة، تشكيل حكومة جديدة، او الاكتفاء بادخال تعديلات على الحكومة الحالية. وفي كلا الحالين، تتوقع مصادر سياسية، ان تتضمن التعديلات، تحويل منصب وزير الدفاع، الى قائد عام للقوات المسلحة، يكون تابعاً ومرتبطاً بالقائد الاعلى رئيس مجلس الرئاسة، بدلاً من رئيس الوزراء، نظراً الى اتساع الخلاف بين وزير الدفاع العقيد هيثم طاهر من الاشتراكي، ورئيس هيئة الاركان العامة، العقيد عبدالله حسين البشيري من المؤتمر ما ادى الى استقالة الاخير 20 تموز - يوليو، والى عدم قدرة الحكومة على السيطرة على الخلاف وتصحيح اوضاع وزارة الدفاع والمضي في عملية الدمج التي لم تتجاوز حدود ما تم منها بعد الوحدة مباشرة. هذه ابرز الاحتمالات للتغييرات والمعالجات المتوقعة مستقبلاً... استخلصتها "الوسط" من حوارات اجرتها مع عدد من الشخصيات لدى مختلف الاطراف والسلطات ويؤكد اعضاء من المؤتمر الشعبي العام، لپ"الوسط"، ان العودة الى انتخاب مجلس الرئاسة، وما يترتب عليه، ما هي الا معالجات آنية، الا انها تساعد على تهيئة الوضع لمعالجات اوسع وأعمق. وان المؤتمر يواجه المعالجات منفرداً وليست هذه مشكلته، لأن مشكلته تتمثل في ما يواجهه من احباط.