الممثلة الاميركية جينا ديفيس جميلة وجذابة ومرحة تتصرف ببساطة كبيرة متجاهلة شهرتها الواسعة وجائزة "أوسكار" جلبت لها تقدير العالم السينمائي العريض. وجينا ثلاثينية فارعة الطول كان من الممكن ان تحترف عرض الأزياء، وفي احد افلامها الاخيرة ظهرت الى جوار مادونا القصيرة فأثارت مواقفهما المشتركة ضحك المتفرجين، بسبب الفارق الكبير في القامتين. "الوسط" التقت جينا ديفيس في باريس وحاورتها حول شؤونها الفنية. لمعت جينا ديفيس في أفلام عدة كان احدثها "ثيلما ولويز" في 1991 من اخراج ريدلي سكوت، بعد "سائح بالمصادفة" مع ويليام هارت الذي نالت على دورها فيه جائزة "اوسكار" لأحسن ممثلة، و"الذبابة" الخيالي المخيف مع جيف غولد بلوم. و"فريق خارج العادة" من بطولة مادونا. هل كان العمل مع مادونا مسألة سهلة؟ - انا عامة، أركز تفكيري على دوري في الافلام التي امثلها، ولا اتمادى في الاهتمام بما يفعله غيري الا في حالة الضرورة او اذا كانت هناك صداقة تربطني بأحد زملائي. وفي فيلم "فريق خارج العادة" اعترف بأن مادونا جلبت لي الحظ الى حد كبير، ولا يعني ذلك أنها اختارتني شخصياً للعمل معها، بل اني فزت بالدور بعدما اعتزلت النجمة ديبرا وينغر فكرة تحمل مادونا طوال فترة التصوير. فكانت ديبرا هي المرشحة اساساً لمشاركة مادونا البطولة، الا انها لا تتحمل مشاهدة هذه او حتى سماع اسم مادونا. وهي تكرهها كثيراً، ولا اعرف السبب بالتحديد. ومادونا من جانبها تدّعي عدم العلم بشيء لكنها خبيثة تعرف خبايا الامور وتتصرف كأن الاخبار جديدة عليها فتتعجب امام هذا النبأ او ذاك. وفرحت انا بحصولي على الدور، وكانت علاقتي بمادونا عادية خلال العمل، واكتشفت انها فنانة مجتهدة تسعى لاتقان تفاصيل دورها في كل لقطة. عرض الأزياء هل عملت في ميدان عرض الازياء قبل احترافك التمثيل؟ - تضحك اعرف سبب هذا السؤال، فهو طولي أليس كذلك؟ نعم انا عملت عارضة ازياء فترة قصيرة قبل ان أبدأ في السينما. لكني كنت عارضة فاشلة والقدر انقذني حينما سمح لي بالعثور على ادوار في السينما. والواقع اني لم احلم ابداً بممارسة مهنة عرض الازياء بشكل جدي، فالتمثيل هوايتي وأملي الوحيد من الناحية المهنية منذ طفولتي. لكن صعوبة البدء فيه جعلتني افكر في استخدام طولي الفارع لكسب لقمتي، فرحت اتقدم للعمل في وكالات متخصصة تختار العارضات لدور الازياء. ولم احصل على اي عمل من هذه الناحية، فاضطررت الى البحث عن وسيلة اخرى لكسب المال وعثرت على وظيفة بائعة في متجر. والطريف ان العمل في المتجر ادى بي الى حقل عرض الازياء بعدما تعرفت الى اشخاص كانوا يوزعون الثياب على المتاجر وكانوا يعرفون المبتكرين والمسؤولين عن تعيين العارضات في دور الازياء. عملت اذاً عارضة ولم انجح فعلاً لأن هذه المهنة تتطلب اكثر من الطول الفارع. فلم اتمتع بسائر الشروط مثل طريقة ارتداء الزي والسير امام المشاهدين والوقوف امام عدسات المصورين بشكل يبرز الثوب على حساب شخصية العارضة. كيف جاء التمثيل من بعد ذلك؟ - جاء بواسطة الشاشة الصغيرة. فقد كنت اسعى الى التمثيل، وذات يوم عثرت على فرصة للمشاركة في احد المسلسلات التلفزيونية، ثم مثلت في مسلسل آخر الى ان حصلت على دور صغير جداً في فيلم سينمائي عنوانه "توتسي" مع داستين هوفمان وهو من اخراج سيدني بولاك. لاقى هذا الفيلم نجاحاً ضخماً وسمح لي بالعثور على ادوار اكثر اهمية في افلام ربما لم تكن كلها على مستوى "توتسي" من ناحية الجودة، لكنها ادت بي الى بطولة فيلم "الذبابة"، التي اعتبرها انطلاقتي في السينما، وهي لم تتوقف الى الآن. عرش الضحك تمثلين في اعمال متنوعة جداً، اذ ان "الذبابة" يختلف جوهرياً عن "سائح بالمصادفة" وعن "ثيلما ولويز". كيف تنتقلين من دور الى آخر، وبمعنى اصح بين لون وآخر؟ وأي نوع تفضلين؟ - أفضل اللون الكوميدي، لكني لم استطع ممارسته فعلاً حتى الآن. فاذا كان "فريق خارج العادة" يتميز بطابع مرح، فأنا لا اعتبره قد منحني فرصة اثبات كفاءتي بشكل فعّال في اضحاك الجمهور. والذي حدث عبر افلامي هو وجود لقطات ضاحكة هنا وهناك، ربما تبرز موهبتي الكوميدية او على الاقل مدى قابليتي لاثارة الضحك. وأنا في انتظار السيناريو الكوميدي الجيد الذي يوصلني الى عرش الضحك. ولا ارغب في تخصص من اي نوع، فأدواري الجادة تعجبني الى حد بعيد وأنا احب الافلام التي مثلتها حتى الآن وأحب مدى تنوعها، وأود اضافة اللون الفكاهي الى قائمة اعمالي. فأنا اتنقل بسهولة بين نوع وآخر، وهذه الطريقة الوحيدة التي تجعلني اتقن عملي كممثلة. فالانتقال يعني الحرية وأنا اعتدت الحرية في حياتي فلو وجدت نفسي في يوم ما حبيسة اي شيء، لا سيما ادواري التمثيلية، لشعرت بضيق في التنفس وابتعدت فوراً عن مصدره. مثلت دور امرأة متحررة جداً في "ثيلما ولويز" للمخرج ريدلي سكوت، فلا شك في ان يكون الدور اعجبك، فالى اي حد كان هذا الاعجاب؟ - ان دوري في "ثيلما ولويز" من اجمل الادوار التي مثلتها حتى الآن، وهو دور امرأة تهجر حياتها المدنية المثيرة للضجر ومهنتها الكئيبة، وتنطلق في مغامرة وسط الصحراء مع اعز صديقة لها. انها تواجه المخاطر والحياة الهامشية وتختار الموت في النهاية فضلاً عن معاودة اسلوبها الأساسي في العيش. وأنا اعتبر كلاً من الامرأتين، ثيلما ولويز، كنموذج تام لمعنى الحرية. تلك الحرية التي لا تقبل اي شروط سوى الوصول الى نهاية المطاف دون قيد ودون النظر الى الوراء، مهما بدت الصعوبات كبيرة ومستحيلة التحمل. تعلمت الكثير اثناء تصوير الفيلم من زميلتي الممثلة سوزان ساراندون، فهي تقود حياتها المهنية بالاسلوب ذاته. انها تختار ادوارها دون التوقف عند النقاط التقليدية الخاصة بالقيل والقال وبمدى حجم الدور مثلاً، فقد قبلت اخيراً دورين صغيرين، على الرغم من انها نجمة معروفة عالمياً. وكل ما في الامر ان السيناريو اثار اعجابها في كل مرة، وشعرت برغبة في خوض تجربة المشاركة، ولو بدور بسيط، في فيلم جيد. وأعرف انها ترفض بعض العروض المغرية جداً على الصعيد المادي لأن السيناريو لا يرضيها. انها ظهرت في لقطتين فقط من فيلم "بوب روبرتس" الذي اخرجه زوجها الممثل تيم روبينز، لقد كانت هذه تجربته الأولى في الاخراج، ولم يسمح السيناريو بمنح اي دور كبير لسوزان ساراندون، فأدت دور مذيعة تلفزيونية تقدم نشرة اخبارية، ولا يتعدى وقت ظهورها فوق الشاشة في الفيلم كله الخمس دقائق. انها فعلت ذلك لمساندة زوجها معنوياً ولأن وجودها في الفيلم يعتبر علامة جودة للشريط. انا اعتبر سوزان مثالاً للفنانة الحرة، وطموحي يكمن في الوصول الى مستوى جرأتها في التعامل مع اصحاب النفوذ في المهنة السينمائية. هل تعتبرين ان المخرج ريدلي سكوت قد احسن ادراك الكيان النسائي عبر سرده حكاية ثيلما ولويز بالكاميرا؟ - بنى ريدلي سكوت حبكة الفيلم بشكل يناسب فعلاً طابع المرأة وكيانها، باستثناء بعض النقاط وهي بدت "رجالية" الى حد ما. وأشرفنا أنا وسوزان ساراندون اولاً بأول على تعديل هذه النقاط الطفيفة عن طريق تقديم نصائحنا الى ريدلي سكوت. وهكذا تم تنفيذ الفيلم بأكمله بصورة منطقية تتفق مع واقع عقلية المرأة. لكن السيناريو الأساسي كتبته امرأة اسمها كالي خوري، وهو لا يخلو من اللمسات النسائية في تفاصيله. هل كان من الافضل ان تتولى امرأة الاخراج مثلاً؟ - لا أبداً، فالرجل في كثير من الاحيان يحسن الكتابة عن المرأة او تصويرها او رسمها. وهناك افلام ممتازة عن المرأة اخرجها رجال. وبين اجمل هذه الاعمال "جوليا" لفريد زينمان مع فانيسا ريدغريف وجين فوندا. يبدو أنك تميلين الى التمثيل في افلام تعالج موضوع النساء المتحررات، كما في "فريق خارج العادة" حيث تؤدين دور امرأة تشرف على فريق رياضي مكون من نساء فقط بعدما انشغل الرجال بالخدمة العسكرية خلال الحرب العالمية الثانية. - أحب هذا النوع من الادوار لأني اعتبر نفسي امرأة حرة. لكن هذا الفيلم الاخير اقل جدية من "ثيلما ولويز" ومن فيلمي الجديد الذي امثل فيه دور اول امرأة قادت طائرة، وهي بيريل ماركهام. هل انت متزوجة؟ - انا مطلقة مرتين. أليس جينا اسماً ايطالياً؟ - اسمي فيرجينيا وأنا اميركية، وتحويل اسمي الى جينا كان مجرد نزوة. فزت بجائزة "اوسكار" كأحسن ممثلة، فما هو شعورك تجاه مثل هذا التقدير؟ - لم اتوقع الفوز بجائزة ابداً، لا عن دوري في "سائح بالمصادفة" ولا عن غيره، فكانت المفاجأة كبيرة عندما علمت بترشيحي للجائزة أولاً، ثم عندما فزت بها فعلاً. وكان شعوري في تلك اللحظة هو الرغبة القوية في البكاء، لأن الجائزة كللت جهودي التي بذلتها من اجل اتقان دوري في الفيلم، وهو دور جمع بشكل حساس ما بين روح الفكاهة والدراما العنيفة. وسعدت بالعمل مع ويليام هورت زميلي في الفيلم وأحد اكبر الممثلين حالياً. أكره الذباب فيلم "الذبابة" هو من النوع الخيالي المخيف، فهل تركت هذه التجربة بصماتها على اعمالك المهنية؟ - نعم، فأنا كنت متأثرة بدوري كامرأة تصادق شاباً يتحول الى ذبابة ضخمة متوحشة. انا اكره الذباب عامة وأحب الافلام المخيفة، فوقفت مثل الطفلة، مندهشة امام الامكانات الهائلة المستخدمة في الخدع المرئية بالفيلم. انها كانت تجربة مثيرة لن أنساها، والفيلم نجح بشكل جيد عند عرضه في الصالات. آخر افلامك عنوانه "بطل" وهو لم ينزل الى الاسواق بعد. ما هو دورك فيه؟ - مثلت في هذا الفيلم دور صحافية لا تتردد في القيام بتصرفات غير قانونية لتحقيق اهدافها المهنية. انها امرأة انتهازية وطموحة الى ابعد حد. وهذه هي المرة الثانية التي اشارك فيها داستين هوفمان البطولة، بعد دوري الصغير في "توتسي". وها انا اعمل معه بطريقة رسمية. انني تعلمت الكثير من خلال مشاهدتي اسلوبه في تقمص شخصيته السينمائية. انا مدينة للسينمائي البريطاني ستيفن فريرز، مخرج الفيلم، باتاحته هذه الفرصة. وكان فريرز يرغب في العمل معي منذ ثلاث سنوات، وفي فيلمه "المحتالون" بالتحديد، لكنه اختار أنيت بينغ في اللحظة الاخيرة.