ادخلت حادثة مقتل الجنود الاميركيين الاربعة في مقديشو في الثامن من الشهر الجاري القوات الاميركية رسمياً في مستنقع فيتنام القرن الافريقي. اذ أعلن المسؤولون الاميركيون بدءاً بالرئيس بيل كلينتون وانتهاء بمبعوثه الخاص الى الصومال السفير روبرت غوسندي أنهم ينوون الثأر والانتقام من منفذي العملية ضد جنودهم. وعلى رغم نفي انصار زعيم "التحالف الوطني الصومالي" الجنرال محمد فارح عيديد اي علاقة ل "التحالف" بمقتل الاميركيين، فان الاستعدادات العسكرية الاميركية في الصومال بدت موجهة الى عيديد نفسه، خصوصاً ان قيادة "العملية الثانية للامم المتحدة في الصومال" يونوصوم - 2 تسعى الى اعتقاله منذ الخامس من حزيران يونيو الماضي بتهمة قتل 23 جندياً باكستانياً من قوات "يونوصوم - 2". وكان الجنرال "المتمرد" نجح في الاختباء داخل الشطر الجنوبي من العاصمة مقديشو حيث المقر العام لقيادة "يونوصوم - 2" وفي ظل وجود اكثر من 18 الف جندي دولي تابعين لهذه القيادة. وعلى رغم ان الممثل الخاص للامين العام للامم المتحدة اعلن مكافأة قيمتها 25 الف دولار لمن يعتقله او يدلي بمعلومات تساعد على اعتقاله، الا ان الجنرال استطاع من مخبئه تنظيم تظاهرات شبه يومية ضد الاميركيين، واعداد ميليشياته لشن حرب عصابات يومية ضد القوات الدولية، اضافة الى تحريضه الصوماليين على شن عمليات انتحارية واعلانه "الجهاد" ضد القوات الاميركية عبر اذاعة سرية متنقلة في العاصمة. وعلى رغم كل ذلك، حاول الاميركيون تجنب الوقوع في مصيدة عيديد والدخول في مواجهة مسلحة مباشرة مع انصاره. ولوحظ في هذا الشأن مقتل نحو 36 عسكرياً من قوات "يونوصوم - 2" منذ 5 حزيران يونيو الماضي على ايدي المسلحين الصوماليين، في حين لم يقتل اميركي واحد حتى الثامن من الشهر الماضي عندما انفجر لغم ارضي في سيارة عسكرية في حي مدينة جنوب مقديشو وقتل اربعة جنود اميركيين. فالقوات الاميركية حرصت دائماً على التحليق في طائرات هليكوبتر "كوبرا" في سماء العاصمة وشن عملياتها من الجو، الى ان وقعت أخيراً في فخ المسلحين على الارض. ودعا بعض المسؤولين الاميركيين والغربيين الى التهدئة وعدم السقوط في مواجهة مباشرة مع انصار عيديد، لكن كل المؤشرات تؤكد حتمية الانقضاض الاميركي على الجنرال "المتمرد" لانهاء وجوده وميليشياته نهائياً في مقديشو، خصوصاً انه بات في نظر "يونوصوم - 2" والاميركيين العقبة الوحيدة امام السلام في البلاد. وإذا انجرت القوات الاميركية وراء "الطعم" الذي انتظر عيديد طويلاً كي يبتلعه الاميركيون، فان ذلك يعني بداية لدورة عنف جديدة في البلاد، ستكون هذه المرة مريرة جداً، اذ اثبتت تجربة الضربات العسكرية الاميركية السابقة لأنصار عيديد، ان هؤلاء تزداد وتيرة عملياتهم ضد القوات الدولية. وفي آخر هجوم اميركي على مقر لانصار عيديد في مقديشو الشهر الماضي، كان الرد عنيفاً ضد القوات الدولية. بل طاول صحافيين اجانب قتل منهم اربعة على ايدي مواطنين غاضبين... فهل تقع الولاياتالمتحدة في فخ فيتنام اخرى، او تنجح في تفاديها مكتفية برد جزئي على مقتل جنودها؟