بدأت الخيارات المطروحة أمام الصوماليين تتضاءل مع اقتراب نهاية السنة التي تشهد استحقاقات عدة في مقدمها انسحابات جماعية لقوات عدد من الدول المشاركة في "عملية الأممالمتحدة الثانية في الصومال" يونوصوم - 2، وعقد مؤتمر للمصالحة الوطنية بين أطراف النزاع. وسيتحدد بعد ذلك مسار هذا البلد نحو السلم أو مواصلة الحرب الأهلية. وأول الاستحقاقات الصومالية بدأ قبل أيام مع شروع مجلس الأمن في اتخاذ قراره الخاص بمصير العملية الدولية في الصومال وانتهاء التفويض الدولي. وكان الأمين العام للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي عرض ثلاثة خيارات أمام المجلس في شأن "يونوصوم - 2"، أولها إبقاء المهمة نفسها التي تنفذها حالياً وكذلك عدد الجنود الذي يتجاوز 28 ألفاً. وثانيها الاحتفاظ ب 18500 جندي في مهمة جديدة أكثر تحديداً. والخيار الثالث ابقاء خمسة آلاف عسكري فقط لمهمات محددة تركز على الحد الأدنى من مهمتها الحالية. وأوضح غالي للمجلس ان أياً من هذه الخيارات يعتمد على مدى استعداد الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة لارسال قوات تحل مكان أكثر من 20 ألف عسكري سينسحبون بدءاً من الشهر المقبل وحتى حزيران يونيو المقبل. كذلك تعتمد على مدى توفير الأموال اللازمة لهذه العملية وتحديد أهداف جديدة لها. وأياً كان قرار مجلس الأمن في هذا الشأن، فإن الثابت حتى الآن انسحاب كل من القوات الأميركية 16450 عسكرياً في موعد أقصاه 31 آذار مارس 1994، والقوات الفرنسية والبلجيكية 3 آلاف عسكري نهاية الشهر المقبل، والقوات الايطالية نحو 3 آلاف في حزيران يونيو 1994. وعلى اللائحة أيضاً احتمال سحب كل من بون والسويد واليونان قواتها نحو 2500 عسكري قبل آذار المقبل. واشنطن والخيار الافريقي والبديل الذي طرحته واشنطن وبدأت الأممالمتحدة تعمل بمقتضاه، هو قوات افريقية مع منح الأفارقة دوراً سياسياً رئيسياً الى جانب المنظمة الدولية. وذلك عبر التفويض الى الرئيس الاثيوبي ملس زيناوي الاهتمام بملف الأزمة الصومالية. ويذكر ان زيناوي، هو الرئيس المقبل لمنظمة الوحدة الافريقية في دورتها التي تبدأ في حزيران 1994. سيستضيف في عاصمة بلاده أديس أبابا مؤتمراً دولياً لمانحي المساعدات الانسانية الخاصة بالصومال في 29 من الشهر الجاري. وسيشارك في هذا المؤتمر ممثلون عن جميع الفصائل الصومالية، بما في ذلك فصيل زعيم "التحالف الوطني الصومالي" الجنرال محمد فارح عيديد. وقبل انعقاد هذا المؤتمر الذي سيتبعه مؤتمر للمصالحة الوطنية، عرضت واشنطن مشروع قرار على مجلس الأمن لتأليف لجنة تحقيق في حوادث 5 حزيران الماضي التي قتل فيها 24 جندياً باكستانياً من قوات الأممالمتحدة في مقديشو. وأصدر مجلس الأمن بعدها قراراً بملاحقة الجنرال عيديد. ومع تشكيل هذه اللجنة تتوقف الأممالمتحدة عن ملاحقة عيديد الذي يمكن ان يشارك شخصياً في مؤتمر أديس أبابا. وتسعى الأممالمتحدة في هذا الاطار الى تأليف "المجلس الوطني الانتقالي" حكومة انتقالية استناداً الى قرارات مؤتمر أديس أبابا الأول عقد في آذار الماضي. وكانت العقبة الرئيسية أمام تشكيل هذا المجلس - كما تقول المنظمة الدولية - هو اختيار ممثلين عن اقليم بنادر الذي تقع مقديشو ضمنه. وبانتهاء معضلة الجنرال والتوقف عن ملاحقته تأمل الأممالمتحدة باستكمال تعيين اعضاء "المجلس الوطني" واعلان حكومة انتقالية تكون أول سلطة مركزية وطنية تحكم البلاد منذ اندلاع الحرب فيها قبل نحو ثلاث سنوات. أمام هذه الاستحقاقات، يبدو مستقبل الصومال متجهاً نحو السلام حسب خطط واشنطنوالأممالمتحدة، وهي في تسلسلها تبدأ كالآتي: 1- قرار من مجلس الأمن الاسبوع الماضي يمنح الأممالمتحدة تفويضاً جديداً لعمليتها في الصومال بالتعاون مع الأفارقة. 2- قرار من مجلس الأمن الاسبوع الماضي بالتوقف عن ملاحقة الجنرال عيديد. 3- عقد مؤتمر المصالحة الوطنية الثاني في أديس أبابا مطلع الشهر المقبل. 4- استكمال انشاء المجالس الاقليمية لتعيين أعضاء "المجلس الوطني الانتقالي". 5- انسحاب قوات بعض الدول الغربية وبينها الوحدات الأميركية بدءاً من نهاية الشهر المقبل. 6- يتابع الأفارقة باشراف زيناوي ادارة الأزمة في البلاد للتوصل الى حل نهائي لها. "أرض الصومال" وربما كانت هذه الخطط متفائلة جداً، خصوصاً إذا كانت الأممالمتحدة تعتقد بتأليف حكومة انتقالية منتصف السنة المقبلة أو حتى نهايتها. وأولى العقبات الرئيسية أمام هذه الخطط هي مصير "جمهورية أرض الصومال" في شمال البلاد والتي يعتبر المسؤولون فيها انهم يديرون "جمهورية مستقلة". وفي "أرض الصومال" خمسة أقاليم من أصل 18 تشكل الصومال لم يدخل اليها حتى الآن أي من أفراد قوات "يونوصوم - 2". وترفض "أرض الصومال" بشدة العودة عن قرارها بالانفصال. لذلك فإن أي حكومة يمكن أن تتألف في البلاد سيغيب عنها جزء مهم من البلاد. وهذا العائق وحده عامل حرب واردة في أي وقت بين الشمال والجنوب، اذ لم تكن بين القوات الأفريقية المتوقع حلولها محل القوات الدولية المنسحبة وقوات "أرض الصومال". العائق الثاني الذي كانت اشارت اليه "الوسط" العدد 87 في أيلول سبتمبر الماضي، هو نمو التيار الاسلامي في البلاد والمتمثل في سبعة تنظيمات اسلامية، تنتظر انسحاب القوات الأميركية لتشن حملتها العسكرية على القوات الدولية. وأكدت مصادر صومالية محايدة ل "الوسط" أخيراً، ان هذه الحملة بدأت فعلاً على نطاق محدود. وكانت واشنطن اعترفت الاسبوع الماضي للمرة الأولى بتسلل عناصر من "حزب الله" اللبناني والايراني الى مقديشو. وقالت ان بين هذه العناصر خبراء في تفجير السيارات. وحذرت من هجمات قد تشنها هذه العناصر ضد القوات الدولية. ونفى "حزب الله" اللبناني علاقته بهذه العناصر. ولكن إذا صح اتهام واشنطن وتحذيرها من هجمات الأصوليين على القوات الدولية، فإن المعركة المقبلة مع القوات الدولية ستكون أكثر شراسة، خصوصاً بعد انسحاب القوات الأميركية من الصومال. وبذلك يكون ترويض عيديد عبر التوقف عن ملاحقته أزال عقبة صغيرة تحل محلها عقبة كبيرة في مواجهة الأممالمتحدة. ويبقى السؤال الأخير عن مدى قدرة الأفارقة، وبالتحديد الدول المجاورة للصومال، على الحلول مكان الدول الغربية عسكرياً وسياسياً في هذا البلد، خصوصاً ان هذه الدول السودان واريتريا واثيوبيا وجيبوتي وكينيا تعاني هي نفسها من حروب طائفية أو قبلية أو نزاعات داخلية. كما ان أوضاعها الاقتصادية لا تسمح لها بصرف أموال خارج حدودها لمصلحة دولة أخرى. وفي المنظور البعيد، لا يبدو ان الاستحقاقات المقبلة على الصومال ستكون كلها لمصلحته. على رغم تفاؤل الأممالمتحدة. ولكن يبقى الخيار الوحيد وربما الأخير هو للصوماليين أنفسهم الذين سيجتمعون نهاية الشهر الجاري في أديس أبابا لاتخاذ قرار إنهاء الحرب في بلادهم أو مواصلتها. الصومال المساحة: 637.657 كيلومتراً مربعاً. عدد السكان: 8.29 مليون نسمة. العاصمة: مقديشو. الحدود: تحيط به كينيا وأثيوبيا وجيبوتي ويطل على المحيط الهندي وخليج عدن. تاريخ الاستقلال: أول تموز يوليو 1960. الحكم: لا يوجد حكومة أو رئيس للدولة منذ اندلاع الحرب الأهلية وفرار الرئيس السابق محمد سياد بري في 26 كانون الثاني يناير 1991. اللغة: الصومالية لغة رسمية، والعربية والانكليزية والايطالية والسواحلية يتخاطب بها السكان. الدين: 99 في المئة من السكان مسلمون. التركيبة السكانية: ثلاث قبائل رئيسية هي الاسحاق والهوية والدارود ويتفرع منها أكثر من مئة قبيلة صغيرة.