حصلت "الوسط" من اصدقاء محمد سلامة على بعض رسائله اليهم، ويروي فيها حياته في السجن، وتنشرها كما هي باسلوبه من دون اي تدخل في لغتها: "... وأما بالنسبة للسجن وما ادراك ما السجن وأوضاع السجن. انتم تعلمون طبعاً ان السجن الذي اقيم فيه فدراليّ وهو مخصص للموقوفين للمحاكمة فقط، وهذا السجن يتكون من تسع طبقات، وشُيّد سنة 1969 م. ويوجد قسم خاص بالنساء. وجميع طبقاته السجناء فيها غير مفصولين عن بعضهم الا جزء من الطابق التاسع، وهو الطابق التاسع الجنوبي، حيث ان كل طابق قسمين، شمالي وجنوبي، وهنا الطابق 9 SOUTH لا يوجد فيه اختلاط أقصد بين السجناء وليس بين الجنسين حيث كل سجين لوحده في زنزانة منفردة، ويوجد في 9 SOUTH حوالي ثمانية وأربعون زنزانة انفرادية في ستة ممرات TIER كل ممر يحتوي على ثماني زنزانات، ويوجد TIER مخصص لشهود الحكومة وهم الذين دخلوا في قضايا وجرائم مشاركة ثم عقدوا اتفاقاً مع الحكومة على ان يشهدوا ضد الآخرين وغالباً ما يكونوا من صغار المتهمين تهمة. وهذا الپ9 SOUTH غالباً لا يدخله الا اصحاب القضايا السياسية الارهاب او الجرائم الكبرى او السجناء الخطرين او الذين لقضاياهم بعد اعلامي كبير وواسع او كل ما ذكر مجتمعاً. مساحة الزنزانة 20،2 X 40،2 سم وارتفاع 30،2 سم، فهي مكان النوم والأكل والمرحاض - اجلكم الله -. ومن حق كل سجين مهما كانت قضيته ومهما كان سلوكه ان يأخذ حماماً كل يوم اثنين وأربعاء وجمعة، ومن حقه كذلك ان يأخذ ساعة ترفيه كل يوم ما عدا السبت والاحد، يخرج فيها من زنزانته، ويقضي هذه الساعة على السطح مع بعض السجناء الآخرين وقد يقضيها في قفص في نفس الطابق التاسع. ومن حقه كذلك اجراء مكالمات قانونية كل يوم، ولكن قبل ذلك عليه ان يقدم طلباً بذلك. اما بخصوص المكالمات الاجتماعية فهي مرة واحدة في الاسبوع ومدتها حسب القانون عشرة دقائق. ولكن الذي يحدث ان السجناء يجرون المكالمات القانونية اجتماعية. ومن حقه كذلك ثلاث وجبات يومياً، ولكن طعامهم قليل وأحياناً بدون خبز، فلذلك فانه يوجد شيء اسمه COMMISORY وهو عبارة عن عملية شراء بعض المواد الغذائية والمستلزمات من السجن، حيث يجب ان يكون في حساب الشخص بعض المال لذلك، ويتم ذلك اسبوعياً لمن يريد، ولا يشترط حصوله على ما يطلب، فقد يكون غير متوفراً لديهم او يوجد ولكن كمية غير كافية، حيث يوجد في هذا السجن MCC حوالي تسعمائة سجين تقريباً. ومن حق كل سجين الحصول على زيارات اجتماعية وأخرى قانونية. فالزيارات الاجتماعية اما ان تكون ثلاث مرات في الاسبوع، كل مرة ساعة واحدة فقط، او مرتان كل مرة ساعة ونصف. ويمكنك المراسلة واستلام رسائل بعد فتحها وتسلم اليك مفتوحة، اما الرسائل او البريد القانوني LEGAL MAIL فلا يفتح الا امام السجين. ويوجد حقوق اخرى كثيرة، وفي حال عمل عقوبات فان هذه العقوبات لا يجوز قانوناً ان تشمل ساعة الترفيه، والبريد، والمكالمات القانونية، والزيارات القانونية، والطعام وغير ذلك. ومن الطبيعي في هذا السجن بالذات حيث انه زنازين ان تعترض على مساس حقك بضرب الباب او الصياح على الحرس، او للمطالبة بحق، او استعجال حق متأخر او تأخر عن موعده... الخ. وهذه عادة ولا تعتبر بين السجناء قلة ادب او جهل او همجية او ما الى ذلك، الا عند الدراويش او الذين يخافون كثيراً. من أول يوم جئت به هذا السجن، 4 مارس 1993 م، مكثت خمسة ايام على الاقل بدون حمام، وحيث ان الوقت كان شهر رمضان، فلا استطيع ان آكل الفطور ولا الغداء، واذا تركته فانه سيتلف او لا يصلح للأكل، وأما العشاء فكان يأتي متأخراً، فاذا حان موعد الافطار فان العشاء غير موجود علاوة على عدم وجود سحور. وكانوا لا يعطوني ساعة الترفيه حتى مضى شهر تقريباً، ومنعت كثيراً من الحمام وكانوا يمنعون عني في البداية وحتى هذه اللحظة المكالمات القانونية، وما كنت احصل عليه فهو من المصادفات او من النادر، وحيث يعطوني المكالمة القانونية بعد موعدها الذي اطلبه بساعة او ساعتين او ثلاث ساعات وكذلك المكالمة الاجتماعية، حيث كانوا يسمحون لي بعشرة دقائق وأحياناً ربع ساعة ان اتكلم مع الأهل في الاردن وفلسطين. ناهيك عن عدم العدل بين السجناء، فمثلاً النافذة الصغيرة الموجودة في اسفل بوابة الزنزانة وهي لادخال الطعام وغير ذلك، كانوا يفتحونها لبعض السجناء، فاذا طلبت منهم فتحها قالوا ممنوع. وأنت لا تعلم ماذا يعني بالنسبة لسجين الزنزانة ان تفتح له النافذة ولو لمدة دقيقة او دقيقتين، فهي الهواء وهي المتنفس الى الخارج ومنها يمكن ان تتحدث مع الآخرين. يحدث ان يفتحوا هذه النافذة يومياً لمدة ثلاث الى خمس دقائق يومياً لمن يريد ماء ساخناً وما ان تفتح النافذة حتى اندفع اليها وكذلك الجبروني حتى نتحدث مع بعضنا في هذه الدقائق التي لا تتجاوز اصابع اليد الواحدة وأحياناً نادرة اصابع اليدين الاثنتين. ويوم الاربعاء الماضي 9 يونيو 1993م نقلت كعقوبة الى ممر آخر، وكان في هذا الممر يوجد يهوديان اسرائيليان يتكلمان اللغة العربية ولكنهم تركوا الپ9 SOUTH قبل يومين فبقيت انا وحدي الآن في زنزانتي بين ثماني زنازين، لا يوجد من اتكلم معه سوى الحارس الذي يأتي بالطعام لمدة اقل من دقيقة، وأحياناً احاول ان اخترع موضوعاً لأتكلم به مع الحارس، وذلك بعد ان اشغل نفسي بقراءة القرآن الكريم حتى يستعين به في خلوته. قبل اسبوع بالضبط يوم الاربعاء الماضي 9 يونيو 1993، اقاموا لي محاكمة داخل السجن لبعض الحوادث التي تحدث كل يوم من السجناء، اما انا فانهم يقفون لي على الواحدة... سبحان الله. وكانت ضدي ثلاث تهم وهي: الأولى: انني كسرت بوابة الزنزانة. والثانية: انني رفضت الاوامر الموجهة اليّ من المسؤولين في السجن. الثالثة: انني رفضت ان افتح مؤخرتي عند التفتيش. فقلت لهم اما الأولى: فان الباب لم يكسر، ولكن الذي حدث ان قفل الباب القديم من ضربي له اصابه عطل، وهذا العطل يمكن اصلاحه، وهذا القفل قديم جداً وكان لا بدل له ان يعطل في يوم من الأيام. والثانية، انني رفضت الاوامر الموجهة اليّ بالتوقف عن ضرب البوابة برجلي لأن الذي اطلب منه ان يعطيني حقي لا يفعل لي شيئاً، فكيف اتوقف عنه، المهم ان نتيجة المحاكمة كانت انني مذنب في التهم الموجهة اليّ. والحكم كان: الحرمان من المكالمات الاجتماعية، مدة ثلاثين يوماً، الحرمان من الزيارات الاجتماعية مدة خمسة وأربعين يوماً، الحرمان من الپCOMMISARY مدة خمسة وأربعين يوماً، الحرمان من الذهاب الى السطح مدة خمسة وأربعين يوماً، الانتقال الى زنزانة اخرى في ممر بمفرده فقط. هذه هي الاحكام، ولكن الذي حدث انهم تجاوزوها بكثير، فقاموا بحرماني من ساعة الترفيه في القفص في الطابق التاسع، وصاروا لا يعطوني المكالمات القانونية الا بعد عناء وقهر شديدين هذا ان حصلت عليها، حيث منعوها عني اربعة ايام على الاقل. وصادروا كل ما اشتريته من قبل من داخل الزنزانة، حتى انهم اخذوا منشفة كنت اصلي عليها. واليوم صادروا الصحف العربية الحياة وجميع قصاصات الصحف فيما يختص بقضيتي وبعض الاوراق القانونية، وجميع الكتب التي حصلت عليها كعارية من السجن، حتى انهم اخذوا الخزانة الحديدية من داخل الزنزانة. ويرفضون اخذ المخلفات من اطباق وطعام بعد الفطور والغداء والعشاء، فتجمع عندي زبالة كثيرة، فماذا عساي افعل؟ القيتها لهم في الممر، حيث ان الزنزانة الجديدة لا يوجد لها زجاج للنافذة العلوية، وأما نافذة الطعام الحديدية فقد كسرتها برجلي. اخواني: هؤلاء يمارسون الضغط والقهر ضدي، حيث انهم يعتقدون انني مذنب وان عندي كما كبيراً من المعلومات، فهم يفعلون معي كل ذلك من باب الضغط النفسي، فحسبنا الله ونعم الوكيل. والاسلام لا يعني الخضوع لهؤلاء من قبيل الخلق، حيث انه ليس من اخلاق الاسلام السكوت عن الحق، ومن ظن ذلك فما فهم الاسلام بعد، الاسلام دين الاباء والرفعة والشرف والكبرياء على هؤلاء، دين العزة، دين الوحدة، دين القوة، دين الرحمة، دين المحبة، دين الفطرة، دين التسامح، دين العدل والمساواة، انه الاسلام. قال تعالى: ومن يبتغِ غيرَ الاسلام ديناً فلن يُقْبَلَ منه وهو في الآخرة من الخاسرين. اللهم لا ُتِمْتنا الا على مِلّة الاسلام، واجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير ايامنا يوم لقائك. اللهم آمين، آمين، آمين. وتحياتنا الى جميع الاخوة في مسجد السلام ومدينة جيرسي سيتي، والى كل من يسأل عنا! والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته - اخوكم في الله: محمد أمين سلامه.