على رغم ان النتائج التي حققتها الاستثمارات والاصول العربية في الخارج في الاعوام الخمسة الماضية كانت اقل بشكل واضح مما كان يؤمل به، الا انها تجاوزت بسهولة في نهاية العام 1992 معدل 900 بليار دولار، من بينها 800 بليار دولار استثمارات في الاسواق المالية والعقارية و001 بليار دولار ايداعات مصرفية بالعملات الاجنبية في المصارف العالمية، طبقاً لتقرير اعده اتحاد غرف التجارة في دول مجلس التعاون الخليجي. وجاء ارتفاع الاصول العربية في الخارج على رغم التقلبات الحادة في الاسواق المالية العالمية، وتراجع معدلات الربحية في ظل الركود الاقتصادي في الدول الصناعية، خصوصاً في دول اوروبا الغربية والولاياتالمتحدة، وهما المنطقتان اللتان تجتذبان عادة الحصة الكبرى من الاستثمارات العربية في الخارج، ولو ان اتجاهاً متنامياً بدأ يدفع المزيد من التوظيفات الى الشرق الاقصى، وتحديداً الى دول نجحت في السنوات الاخيرة في تجاوز ازمة الركود الاقتصادي، مثل سنغافورة واندونيسيا وتايوان وكوريا الجنوبية وحتى اليابان وأخيراً الصين. الاستقرار السياسي والنقدي ويستمر تدفق الاستثمارات العربية الى الدول المصنفة متقدمة للاعتبارات نفسها التي دفعت هذه الاستثمارات في الأساس الى التوظيف في دول مثل الولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول الصناعية، بسبب الاستقرار السياسي والنقدي فيها وتوافر الفرص الكافية للمستثمرين، اضافة الى الفرص والخيارات الواسعة التي توفرها الاسواق المالية في هذه الدول. الا ان الجديد اللافت في حركة الرساميل والتوظيفات العربية في السنتين الماضيتين، وبشكل اكثر بروزاً منذ انتهاء ازمة الخليج، هو توجهها الى العمل والاستثمار في الدول العربية، سواء في الدول المصدرة للاستثمارات، وهي عادة دول الخليج العربي او في الدول الساعية الى اجتذاب التوظيفات، مثل مصر وسورية والاردن ودول المغرب العربي واليمن ولبنان. وبحسب تقرير اعدته حديثاً "المؤسسة العربية لضمان الاستثمار"، فقد زادت قيمة الاستثمارات العربية - العربية الخاصة، اي تلك التي تدار على اسس تجارية، سواء كانت استثمارات عائدة لأفراد او لحكومات، ولا تشمل القروض التي تمنحها الدول، او صناديق التنمية الحكومية لحكومات اخرى، من 5،258 مليون دولار في العام 1989، الى حوالي 400 مليون دولار في العام 1990، اي بزيادة نسبتها 7،54 في المئة في عام واحد. الا ان الزيادة الاهم حصلت في العام 1991، عندما ارتفعت قيمة هذه الاستثمارات الى 6،848 مليون دولار، اي بزيادة نسبتها 5،112 في المئة بالمقارنة مع ما كانت عليه في العام 1991. وطبقاً لتقديرات اخرى، فان هذه الاستثمارات حققت نسبة الزيادة نفسها في نهاية العام 1992، لتتجاوز في نهاية العام الجاري مستوى 2 بليار دولار بحسب توقعات توصف عادة بأنها متحفظة. القطاع الخاص يكسر احتكار الدولة وقد استمرت دول الخليج العربي محور الاستثمارات الجديدة، سواء على صعيد اجتذابها او على صعيد تصديرها، وثمة ظاهرة جديدة في هذه الدول تتمثل في دخول القطاع الخاص في مجالات استثمار جديدة، كانت محصورة الى وقت قريب بالدولة، كما هي الحال في السعودية، مثل دخول شركات خاصة في قطاع تكرير النفط والصناعات البتروكيماوية، وهي صناعات ضخمة تحتاج الى رساميل وتوظيفات عملاقة. كما تتمثل هذه الظاهرة في مشاركة رجال الاعمال الخليجيين، على اختلاف بلدانهم، في المؤتمرات والبرامج والندوات الاقتصادية التي تعقدها دول تسعى الى اجتذاب المزيد من الاستثمارات. واستمرت مصر الدولة الاكثر جاذبية للاستثمارات العربية، والتي بلغت طبقاً لتقديرات حكومية، مستوى 5،4 بليار دولار تشكل 25 في المئة تقريباً من اجمالي رساميل المشاريع الجديدة. وينظر الى تدفق الاستثمارات العربية الى مصر على انه على اتصال وثيق بالعلاقات السياسية الممتازة التي تربط القاهرة بالعواصم الخليجية من جهة، والى تحسن المناخ الاستثماري في هذا البلد، ومواصلة تطبيق سياسة جزئية للاصلاح الاقتصادي. وتبرز سورية كدولة جاذبة للاستثمارات. وقد عكس الحضور القوي في مؤتمر رجال الاعمال العرب الذي عقد في دمشق في ايار مايو الماضي، وتجاوز عدد المشاركين 600 من كبار رجال الاعمال العرب، الجاذبية التي بدأت تمثلها سورية بشكل واضح. ويُنظر الى الاستقرار السياسي والامني الذي تتمتع به سورية على انه احد ابرز عناصر جذب التوظيفات، الا ان الاعتبار الاهم هو ما يمثله المناخ الاستثماري الذي اوجده القانون الرقم 10، وهو القانون الذي يعطي التوظيفات والاستثمارات الجديدة اعفاءات وتسهيلات واسعة، كما يوفر لها ضمانات قانونية قوية تخفف كثيراً من المخاوف التي كان يثيرها التوظيف في سورية. والى سورية ومصر، زادت دول المغرب العربي، خصوصاً المغرب وتونس، من عناصر الجذب لديها مع استكمال برامج الاصلاح الاقتصادي، وتحرير العملة، والغاء القيود على حركة الرساميل وتنوع فرص الاستثمار. كما ان دولاً عربية اخرى، مثل اليمن وحتى السودان، بدأت السعي لاجتذاب الاستثمارات ويتكل اليمنيون بشكل واضح على اطلاق مشروع المنطقة الحرة في مدينة عدن لاجتذاب التوظيفات، في حين تصطدم محاولات الخرطوم لاقناع رجال الاعمال بالاستثمار في السودان، والمشاركة في برنامج تخصيص قطاعات الخدمات بتحفظات تتعلق بفقدان الاستقرار السياسي في البلاد، واستمرار الوضع الامني على حاله. اما الاردن فما زال ينتظر اقفال ملف سوء التفاهم مع دول الخليج الذي ارتبط بصورة مباشرة بالموقف الاردني من الغزو العراقي للكويت. ويتكل المسؤولون الاردنيون على الحوافز والضمانات التي اوجدها القانون الجديد للاستثمار، وعلى مواصلة تحرير الاقتصاد الاردني ورفع القيود على العمليات المالية والمصرفية. وثمة اجماع على ان لبنان سيكون في خلال السنوات الثلاث المقبلة نقطة الجذب الرئيسية للاستثمارات العربية، اذا ما نجح في مواصلة ترسيخ استقراره السياسي والامني. وبحسب المؤسسة العربية لضمان الاستثمار حول مناخ الاستثمار في الدول العربية، فان لبنان احتفظ دائماً بجاذبية قوية للاستثمارات، على رغم التردي الذي عانى منه طوال السنوات الماضية على صعيد كفاءة الخدمات العامة، مثل الاتصالات والكهرباء والمياه والطرق. واستناداً الى تقديرات غير رسمية فان اجمالي الاموال التي انتقلت الى المصارف اللبنانية من الخارج بلغت في الاشهر الثلاثة الاخيرة 600 مليون دولار، لاستثمارها في مجالات متنوعة.