ما هو موقع المصارف العربية، في دول اوروبا واميركا اليوم؟ وما هو مصير هذه المصارف، في دوامة الازمات المالية، وحالة الانكماش الاقتصادي التي يعاني منها العالم؟ ثم ما هي الحلول "العجائبية" التي يجب ان يعثر عليها رجال المال والاقتصاد العرب، لتفادي الانعكاسات المالية السلبية على حركة الانتشار المصرفي العربي في الدول المتقدمة؟ اسئلة كثيرة مشابهة تحيط بالوضع المصرفي العربي في دول اوروبا وأميركا، على اثر انكشاف سلسلة من الفضائح المالية في القطاع المصرفي الدولي، واضطرار السلطات المصرفية الرسمية في بعض الدول الى اتخاذ قرارات واحكام بإقفال مصارف عدة بين باريسولندنونيويوركوطوكيو. لقد سمحت الحملات الاعلامية الغربية ذات الدوافع المشبوهة احياناً، في هذا الاطار، بتكوين صورة خاطئة، في تعميمها، لدى المواطن الغربي عن طريقة التحكم بالمال العربي من قبل اصحابه. واتهام القيمين على استثمارات هذا المال في القطاع المصرفي الدولي بالتلاعب بالمدخرات والتحايل على القوانين، وعدم احترام مصالح المودعين، واظهار حوادث اقفال عدد محدود من المصارف او فروع المصارف هنا وهناك لأسباب قانونية او ادارية او مالية، وكأنها صورة جماعية للسلوك العربي في حقل المال، مع ان مديري بعض البنوك التي اقفلت او حوكمت، هم من جنسيات لا تمت الى العربية بصلة. وفي مجال متابعة تطورات هذا الموضوع المهم سلطت الاضواء على الاوضاع المالية للمصارف العربية في اوروبا، وقال خبراء ان الازمة التي بدأت خلال الاعوام السابقة بإقفال ابواب بعض المصارف العربية في بريطانيا ودول اوروبية اخرى، ستستمر خلال الفترة الحالية والمقبلة، وان الطفرة المصرفية العربية التي شهدتها العواصم الغربية في السنوات السابقة، ستشهد انحساراً، اما في عدد الفروع، او في اقفال حسابات بعض المصارف بصورة كلية. وقال هؤلاء الخبراء ان عدد المصارف اللبنانية العاملة في بريطانيا، على سبيل المثال قد يتقلص من خمسة مصارف الى مصرف واحد او مصرفين. وان عدد المصارف العربية في لندن الذي يصل اليوم الى 31 مصرفاً سيتقلص الى 15 او عشرة مصارف على الاكثر خلال السنوات الخمس المقبلة. ويرجع الخبراء اسباب هذا التقلص الى عوامل واسباب عدة، بينها الظروف الاقتصادية الصعبة والاضطرار للبحث عن مبررات اقتصادية ناجحة وكافية لاستمرار فروع المصارف العربية بالعمل في السوق الاوروبية، وتوفير رؤوس الاموال الكافية لتمكين هذه المصارف من التأثير في المحيط المالي الغربي ومنافسة المؤسسات المالية الغربية بكفاءة وخبرة. ويؤكد الخبراء المشار اليهم، انه لن يكون للمصارف او فروع المصارف الصغيرة مكان المصارف الكبرى في اوروبا واميركا، خصوصاً بعد ان بدأت دول اوروبا اقفال ابوابها في وجه المصارف والرساميل الصغيرة، وتشديد اجراءاتها القانونية لحماية حقوق المودعين الاوروبيين. وسعياً وراء صورة واضحة عن هذا الجانب المتصل بدور الرساميل العربية، العاملة في الدول الغربية، في قطاع المصارف، توجهت "الوسط" الى السيد كوستي شحلاوي احد المصرفيين العرب المشاركين في دورة الحركة المصرفية في بريطانيا، للوقوف على حقائق الوضع المصرفي العربي في دول الغرب، والاخطار التي تتهدده، وتؤثر على مستقبله. والسيد شحلاوي يتولى مهام الرئيس التنفيذي ل "ترست بنك" الذي شارك في تأسيسه في بريطانيا برأس مال شرق اوسطي، بهدف تعزيز الروابط المالية بين اوروبا والعالم العربي وافريقيا. والسيد شحلاوي سوري الاصل، يحمل الجنسية الاميركية، تلقى دروسه في جامعة كولومبيا وحصل على البكالوريوس في الاقتصاد وادارة الاعمال. عمل 14 سنة في مصرف "ارفين ترست" الاميركي. وتابع دراسته في جامعة هارفارد حتى حصل على شهادة الماجستير في الاختصاص نفسه، ثم عمل لمدة 11 عاماً في بنك الخليج الدولي منتقلاً بين فروعه في كل من نيويوركولندن والبحرين، الى ان تولى رئاسة "ترست بنك". وفي ما يلي نص الحديث مع شحلاوي: * ما هي الدوافع التي حدت بالرساميل العربية الى تأسيس مصارف عربية في دول اوروبا واميركا؟ - يعود تاريخ تأسيس المصارف العربية في الخارج الى الخمسينات. وقد تم ذلك، بعد تزايد الحاجة الى الخدمات التي تؤديها هذه المصارف لزبائنها العرب. وكان بنك انترا الذي تأسس في باريس، في طليعة المصارف العربية التي انشئت في اوروبا، ثم في الولاياتالمتحدة الاميركية، قبل ان تكر السبحة ويتزايد انشاء المصارف العربية في اوروبا، وفي سويسرا بالذات، سعياً وراء مغريات نظام سرية المصارف، ثم في لندن، التي تعتبر اليوم مركزاً رئيسياً لمجموعة كبيرة من المصارف، وفروع المصارف العربية. ومع نمو التجربة، يتزايد الاقبال العربي على انشاء مزيد من المصارف في لندنوباريس وجنيف، خصوصاً من قبل اصحاب الرساميل العربية التابعين للدول العربية التي يتقن ابناؤها اللغة الانكليزية في لندن، واللغة الفرنسية في باريس، ثم في بعض المدن الاميركية والافريقية. ولوحظ في هذا السياق ان بعض المصارف العربية، راح يسعى الى افتتاح فروع له في العواصم الاوروبية والاميركية لا لسد حاجة مبررة الى هذه الفروع، وانما لتأكيد قدراته المالية، والامل في تصنيفه كواحد من المصارف الدولية الطابع. وقد قامت في هذا السياق انواع من المشاركة المالية بين مصارف عربية ومصارف محلية في اوروبا واميركا، كالشركات المصرفية التي قامت في باريس بين مصارف جزائرية وفرنسية، وبين مصارف عربية واميركية مثل الشراكة التي تمثلت في البنك العربي - الفرنسي الذي مثل رساميل عربية وأوروبية واميركية، وتلك التي تمثلت في الشراكة بين بنك انترا ومؤسسات اميركية ادت الى فتح فرع له في نيويورك في اواسط الخمسينات. ثم فرع بنك الخليج العالمي في نيويورك بعد صدور نظام الفروع المصرفية الفيديرالي للبنوك الاجنبية في اميركا، ثم تزايد عدد فروع المصارف العربية هناك. * ماذا عن النشاط المصرفي العربي في اليابان والشرق الاقصى؟ - عدد الفروع المصرفية في اليابان والشرق الاقصى قليل ومحدود جداً، لأن النظم المصرفية هناك معقدة وصعبة، ولأن المنافسة المصرفية في دولة كاليابان صعبة وذات نفقات مالية باهظة، ولأن نسبة الصادرات العربية الى اليابان قليلة باستثناء النفط، وهذه يتم التعامل معها على اساس الدفع المالي الروتيني، في حين تقوم المصارف اليابانية بادارة شؤون الصادرات اليابانية الى الاسواق العربية. من دون وسيط مصرفي عربي. ولا يعني هذا الواقع انه ليس هناك وجود مصرفي عربي في الشرق الاقصى. فهذا الوجود قائم الا انه محدود جداً، وهو وجود بدأ في مرحلة السبعينات في طوكيو وهونغ كونغ وسنغافورة وكوريا. * هل يمكن القول ان مركز الثقل المصرفي العربي قائم في لندن؟ - نعم، فلندن تستوعب العدد الاكبر من المصارف العربية وفروعها، الى جانب عدد من المصارف البريطانية التي تمولها رؤوس اموال عربية كمصرفنا نحن. ومن الواضح اليوم، انه في ظل المناخ المصرفي الجديد، من الصعب على المصارف العربية الاستمرار في العمل خارج المنطقة العربية، ما لم تثبت هذه المصارف قدرة حقيقية على المنافسة الجدية، برؤوس اموال كبيرة. * لماذا غيرتم اسم مصرفكم من "بنك لندن العربي للاستثمار المحدود" الى "لندن ترست بنك"، وماذا تغير في عملياتكم؟ - لقد غيرنا اسم مصرفنا لأسباب عملية، بينها ان البعض فهم في السابق اننا مصرف يهتم بالعرب فقط، مع اننا في الواقع مصرف تجاري كامل. * ما هي الاسباب التي تحمل المواطن العربي الذي يعيش خارج العالم العربي على الميل الى التعاون مع المصارف العربية واداراتها العربية؟ - الاسباب عديدة ومتشعبة، منها العامل النفسي وسهولة الاهتمام من قبل هذه المصارف او فروعها بالاحتياجات الصغيرة وعامل الوقت والسرعة وحسن تفهم ادارات هذه المصارف لمطالب المواطن العربي، فضلاً عن عامل اللغة، وتفهم المصرفيين لعقلية ومزاج الزبون العربي من دون ان يعني ذلك خروج هذه الادارات على القوانين المصرفية المنفذة في الدول الغربية، وعامل الثقة. * ما هي نسبة الاموال العربية المودعة بكميات كبيرة في المصارف الاجنبية؟ - ليس من السهل تقرير نسبة هذه الودائع، وهي في معظمها آتية من دول عربية تملك فائضاً مالياً كبيراً في الداخل. وقد بدأ بعض هذه الدول بتعديل قوانينه لتشجيع اصحاب الرساميل العرب على توظيف اموالهم في الداخل بدلاً من ايداعها في المصارف الدولية، وبدأت مغريات هذا النوع من الاستثمار باجتذاب اموال العرب والمغتربين. وهذا ما نراه يحدث اليوم في دول مثل مصر وسورية حيث اصدرت الحكومة السورية قوانين ضريبية متسامحة. ومن المناسب القول ان ما حدث في الكويت قبل سنتين لقن الناس درساً مفاده ان ايداع جزء من المدخرات خارج الدولة لمواجهة الامور الطارئة امر مفيد مما ادى الى ازدياد الاقبال على اتباع هذا الاسلوب. * لماذا لا تأخذ الودائع المالية الكبرى في الخارج طريقها الى المصارف العربية العاملة في اوروبا واميركا؟ - الاسباب كثيرة، واذكر، بعضها هنا، لا حسب اهميتها، بل كما ترد في الذاكرة: اولاً: لأن العديد من العرب يظنون انهم اذا ما وضعوا اموالهم لدى مصرف عربي يعمل في الخارج فإن سرية هذه الودائع ستمس، وسيعرف الكثير من الناس اسرارهم المالية. ثانياً: ان هؤلاء يعرفون او يظنون ان اعضاء مجلس ادارة البنك العربي الذين يودعون فيه اموالهم سيطلعون على اسرارهم المالية. وهذا غير صحيح لأن الفروع المصرفية في الخارج، لا تعود الى المصرف الام للحصول على معلومات حول المودعين فهذا غير مسموح به اصلاً، ونحاول دائماً توضيح هذا النوع من الحقائق للزبائن ونؤكد للجميع انه ليس من حق اي عضو في مجلس ادارة المصرف ان يطلع على اسرار المودعين والمتعاملين مع المصرف. ثالثاً: اطمئنان المواطن العربي للمصارف الاجنبية واعتقاده تحت تأثير الاجنبي بأن التعامل مع الاجانب اكثر اماناً وسرية وثقة. رابعاً: الخوف على الودائع، وعدم توافر عوامل الثقة الكاملة بكفاءة وقدرات المصارف العربية، وتمكنها من الاستمرار. * هل تعتقد فعلاً بأن كفاءة المصارف العربية في الخارج موازية لكفاءة المصارف الاجنبية؟ - ليس من الانصاف ولا من العدالة في شيء مقارنة قدرات وخبرات وامكانات مصارف دولية مثل لويدز او باركليز، بقدرات فروع المصارف العربية العاملة في بريطانيا مثلاً. لا من حيث الاساس المالي ولا من حيث حجم العمليات، ولا من حيث عدد الموظفين. ومع ذلك فأنا اعتقد ان لدى المصارف العربية في الخارج نخبة من الموظفين الاكفاء، وان اختيارهم يتم بعناية فائقة ودقة ليكونوا على مستوى عال من القدرة لاداء ما هو مطلوب منهم من خدمات. * ما هي اسباب تدني عدد المصارف العربية في البلدان الغربية، هل هو الكساد الاقتصادي ام تعديل الانظمة المصرفية؟ - هناك اسباب كثيرة لذلك، منها ان العديد من المؤسسات المصرفية اغلق ابوابه لأنه تسرع اصلاً في اتخاذ قرار العمل في اوروبا، ولم يحظ هذا القرار بما يحتاجه من دراسة ودقة. ولذلك فإنها عندما جربت وعملت وجدت نفسها بعد حين مضطرة لوقف عملياتها واقفال ابوابها. ويرد بين هذه الاسباب ايضاً، تعرض بعض المصارف الام الى عقبات اساسية في الدول العربية، فاضطرت تحت تأثير هذه العقبات الى تقليص عملياتها واقفال ابواب فروعها في الدول الغربية. وللكساد العالمي دوره هو الآخر في تقليص النشاطات المصرفية وتخفيض عدد الموظفين عصراً للنفقات، وهذا أمر لم يقتصر على المصارف العربية، وانما شمل المصارف الدولية كلها. * ماذا عن ازمة بنك الاعتماد والتجارة الدولي، وهل ان ذيولها ما زالت مستمرة؟ - انا لا اتطلع الى هذا المصرف على اساس انه مصرف عربي، لأنه مصرف كان يعمل بإدارة باكستانية وزبائنه كانوا خليطاً من الاميركيين والبرازيليين والعرب وغيرهم، واعماله المصرفية لم تكن محصورة بالعرب. ومن هنا فإن ازمته كانت ازمة مصرفية عامة لا ازمة سببها العرب او ناشئة عن النظام المصرفي العربي. * كيف تنظر الى علاقة المصارف العربية بالدول الغربية، كبريطانيا مثلاً، وهل هناك عقبات؟ - المصارف العربية في بريطانيا كغيرها من المصارف العاملة في بريطانيا، تخضع للقوانين ولرقابة بنك انكلترا. ويمكنني القول ان العلاقة بين الطرفين جيدة طالما كان المصرف حريصاً على القيام بالأعمال القانونية المشروعة، بعيداً عن المحرمات وأموال المخدرات والعمليات اللاقانونية.