في الاستقصاء الذي اجرته المؤسسة العربية لضمان الاستثمار، وشمل نخبة مختارة من المستثمرين العرب، مؤسسات وافرادا، حول ابرز مقومات الاستثمار في العالم العربي، تصدر عدم الاستقرار السياسي طليعة الاسباب التي ما زالت تعيق حركة الاستثمارات باتجاه بعض الدول العربية، الا ان سبباً آخر لا يقل اهمية، اجمع عليه من ساهموا في الاستقصاء، ويتصل بالقيود التي لا تزال مفروضة على الاستثمار والرساميل والتحويلات وسياسات القطع، وغياب الحوافز امام المبادرة الفردية. اما السبب الثالث الذي اظهره الاستبيان فيتصل بعدم استقرار قوانين الاستثمار والتخوف الذي يمكن ان يفرضه فقدان الاستقرار الاقتصادي، والغموض في نصوص بعض القوانين، اضافة الى غياب التقاليد الاقتصادية... ولم ينس المستثمرون سبباً رابعاً يتصل في الاساس بضعف البنية التحتية و"ازدهار" البيروقراطية والرشاوى، وعدم توافر البنية الاقتصادية الاساسية، من انظمة مصرفية متطورة، وحرية تحويل، الى جانب غياب التسهيلات الحكومية، سواء لجهة الاعفاءات الضرائبية او لجهة توفير فرص الاستثمار، والنقص في الكفاءات البشرية، وفقدان المعطيات الاحصائية الاساسية... وغالباً ما يعكس واقع الاستثمار العربي هذه الاسباب بشكل او بآخر. ولعل ابرز هذه المؤشرات ما يتصل منها باستمرار ضعف وتيرة الاستثمار في الدول العربية، قياساً الى الاستثمارات العربية في الخارج، والتي تصل الى حوالي 325 مليار دولار، استناداً الى اكثر التقديرات تحفظاً، وبمعدل سنوي يصل احياناً الى 9 مليارات دولار، في حين لا تزال حركة الاستثمارات العربية - العربية اقل من ذلك بكثير، ولم تتجاوز حتى الآن سقف 500 مليون دولار سنوياً، وهو رقم هزيل جداً، اذا ما قيس بالامكانات العربية، الحكومية منها والخاصة. وغالباً ايضاً، ما يعكس واقع الاستثمار في بعض الدول العربية هذه الاسباب والمعوقات جزئياً او كلياً، وسلباً وايجاباً. فلقد ادت سياسة الانفتاح الاقتصادي في مصر، والاستقرار السياسي الذي نعمت به القاهرة في السنوات العشر الماضية الى مساعدتها في احتلال المرتبة الاولى بين الدول العربية على صعيد اجتذاب الاستثمارات الجديدة. وبالفعل، واستناداً الى تقديرات متطابقة، فقد حصلت مصر على ما نسبته 22 في المئة من اجمالي حركة الاستثمارات العربية - العربية، ولا يعني هذا ان مصر انجزت كل ما يتوجب عليها على صعيد توفير الاغراءات الكافية لاجتذاب الرساميل والاستثمارات الاجنبية، الا ان ثبات القرار الاقتصادي واستقرار التوجه الحكومي شكلا حافزاً، ولو في الحد الادنى، الى خلق مناخ استثماري سليم. لبنان يدفع الثمن بالمقابل، فان لبنان الذي شكل في السبعينات اهم مركز لجذب الرساميل العربية بفضل نظامه الاقتصادي الحر وتوافر الاغراءات القانونية والتسهيلات على اختلافها، يدفع حالياً ثمن فقدان الاستقرار السياسي، وحاجته المتزايدة الى استعادة الثقة الخارجية بأوضاعه العامة، على رغم ثبات القوانين الاقتصادية التي تحمي المبادرة الدستورية وحرية تحرك الرساميل وسوق القطع، الى جانب صمود القطاع المصرفي. والمفارقة، انه بدلاً من ان يستطيع لبنان اجتذاب المزيد من الاستثمارات العربية، يتحول اللبنانيون في ظل استمرار فقدان الثقة الى الاستثمار في الخارج، وقد بلغت الاستثمارات اللبنانية في العام 90 في الخارج ما مجموعه 3،42 مليون دولار، حصلت السعودية على حصة الاسد منها بواقع 50 في المئة تقريباً، ثم مصر 40 في المئة، فيما توزعت النسبة المتبقية على دول عربية اخرى مثل الامارات والمغرب وتونس. اما السعودية فاحتلت المركز الثاني بعد مصر، في اجتذاب الاستثمارات التي بلغ حجمها 8،80 مليون دولار في العام 90، وبتراجع 8،12 في المئة عن العام 89، في حين استحوذت البحرين على نسبة 5،18 في المئة من اجمالي الاستثمار العربي، وبحجم اجمالي بلغ 9،7 مليون دولار، بعدما كانت هذه النسبة 4،5 في المئة في العام 89. وكما البحرين، كذلك استطاع المغرب ان يرفع من حجم الاستثمارات الوافدة اليه بنسبة 2،5 اضعاف، ولتصل الى 7،52 مليون دولار في مقابل 4،8 ملايين دولار في العام 89. لقد ادى فقدان الاستقرار السياسي في لبنان، وعدم نضوج الانفتاح الاقتصادي في سورية وحالة الركود في الاردن الى احتلال البلدان الثلاثة للمراكز الثلاثة الاولى، بعد السعودية والكويت لائحة تصدير الرساميل والاستثمارات في الخارج. الاستقرار اولاً عندما سئلت مجموعة المستثمرين العرب عن ابرز العناصر التي تشكل عوامل الجذب في بلد من البلدان، كان الاجماع على اعتبار الاستقرار السياسي والاقتصادي في طليعة الاسباب التي يمكن ان تشكل مجموعة الحوافز، في حين يأتي الوضع المتعلق بقوانين الاستثمار وحرية تحويل العملات وسهولة التعامل مع المؤسسات الحكومية وتوافر البنى الهيكلية وشبكات الخدمات الاساسية والتسهيلات الخاصة، ليشكل "سلة من الحوافز" التي لا بد منها. ان الاستثمارات العربية التي تتوجه الى الخارج تحتاج الى سياسات عربية اكثر واقعية لاجتذابها، ومن غير ذلك، فان الفرص المتاحة امام بعض الدول العربية التي تسعى الى الافادة من الفائض المالي العربي، ومن الرساميل العربية الخاصة، ستكون محدودة جداً، وقد لا يكون الوقت كافياً للتردد، واجراءات الانفتاح بالتقسيط قد لا تكون كافية الى الحد الذي يمكن ان يقتنع فيه المستثمر العربي بجدوى الاستثمار في العالم العربي.