انعقد في بيروت اخيراً "مؤتمر اعادة الاعمار في لبنان وفرص الاستثمار والتصدير"، برعاية رئيس الحكومة اللبنانية السيد رفيق الحريري الذي تحدث في المؤتمر مؤكداً ان "لبنان يخطو على طريق العافية ومباشرة ورشة الاعمار والانماء" ومعلناً ان "الحكومة اقرت قانوناً جديداً للضرائب يهدف الى تخفيف العبء عن الموظفين والعمال والمستخدمين ويشجع الاستثمار...". وحضر المؤتمر 200 رجل اعمال عربي وحشد كبير من رجال الاعمال اللبنانيين. وانتهى المؤتمر بتوصيات اكدت "الارتياح الى الاوضاع الراهنة" ودعت الى "تفعيل السوق المالية في لبنان واقرار مبدأ التخصيص...". "الوسط" التقت عدداً من رجال الاعمال العرب الذين شاركوا في المؤتمر وحاورتهم، وهم: - الشيخ اسماعيل داوود، رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة في المملكة العربية السعودية. - السيد حسين النويس، رئيس شركة الامارات القابضة. - السيد عبدالرزاق عبدالله معرفي عضو غرفة صناعة وتجارة الكويت. - السيد عبدالله فوزان، مدير في المجموعة الاستثمارية العقارية الكويتية. اسماعيل داوود بأي انطباع خرجتم من مؤتمر اعادة الاعمار في لبنان؟ - كنت متفائلاً قبل انعقاد المؤتمر بأن النتائج ستكون عملية من خلال مشاركة الفعاليات. وكانت استجابة الاخوة السعوديين، عندما دعوناهم لحضور المؤتمر، قوية، نظراً الى علاقاتهم الواسعة بلبنان، وان كانت الاحداث فكت هذا الارتباط وأخافت الناس. ونحن لا نزال نعتقد ان لبنان هو الدولة ذات الاقتصاد الحر الجيد، وأهله على مستوى المسؤولية، اذا ارتبطوا بكلمة اتمّوها، ولهذا لم يكن هناك داع لاغراء الاخوان بالحضور، فقدموا بدافع شخصي لدرس امكان انشاء مشاريع استثمارية في لبنان. المشاريع الحالية هي المشاريع العقارية لاعادة الاعمار. واعادة الاعمار قامت بها شركة واحدة، وساهم فيها المستثمرون السعوديون بنسبة عشرة في المئة، حسب القانون، لأنه لا يجوز لأي شركة اجنبية ان تساهم بأكثر من عشرة في المئة. ومع ذلك هناك مشاريع اخرى فردية او جماعية يقوم بها المستثمرون السعوديون، واعتقد انه ليست هناك اية عوائق، خصوصاً ان رئيس الحكومة اكد ان الدولة ستعمل على ازالة العوائق، وأول خطوة هي تخفيض الضرائب وهذا شيء مهم والثانية الاعفاء لمدة عشر سنوات للمشاريع الاستثمارية التي ستقوم في لبنان. والثالثة الايمان الكامل بأن لبنان كما كان سابقاً هو مصدر استثمار مريح، اهله ناس جديون يريدون العمل ولديهم رغبة دائمة لخدمة المصلحة المشتركة. تحدثتم عن ضرورة استصدار قوانين جديدة لمساعدة المستثمرين. ما هي هذه القوانين؟ - اولاً قانون الضرائب، وقال رئيس مجلس الوزراء أن لديه دراسات لمشاريع تنظيمية جديدة ستقدم قريباً من اجل مساعدة المستثمرين، وما اتطلع اليه شخصياً هو ايجاد المناخ الملائم الذي يساعد على الاستثمار. فبقدر ما تقدم الدولة من تسهيلات بقدر ما ينفذ المستثمرون المشاريع. ومن هذه التسهيلات: التسهيلات الضرائبية والاقامة، والتملك، مثلاً قال لنا الرئيس رفيق الحريري ان اي شركة صناعية يمكن ان تنفذ مشروعاً كبيراً على مساحة 50 ألف متر مثلاً، يُسمح للمستثمر الاجنبي ان يتملك ثلثي مساحة الأرض ويتملك اللبناني الثلث الباقي حتى يحافظ على الأرض فلا يصبح وضعها تجارياً. بين المملكة العربية السعودية ولبنان اتفاقية تبادل تجاري واقتصادي، ومع ذلك لا تمثل صادرات القطاع الخاص السعودي الى لبنان سوى 1 في المئة من اجمالي صادراته، خصوصاً ان المنتجات السعودية ذات جودة عالية. - نحن زرنا لبنان، وسيزور رؤساء الغرف اللبنانية التجارية والصناعية المملكة قريباً حيث سندرس الامور معهم بهدف ازالة المعوقات التي اوجدتها ظروف الحرب في لبنان. وربما تفرض الظروف تسيير خط نقل بحري لتسهيل انتقال البضائع بين المملكة ولبنان. ألن يحصل نوع من التكامل الاقتصادي بين الدول العربية لتتمكن من الوقوف في وجه العلاقات الاقتصادية الدولية التي تسعى الى توحيد الاسواق؟ - أنا لا احب هذه الاسئلة لأنها تفاؤلية، اذ ستكون الاجابة: سنعمل وسنقوم وسنحاول، بينما في الحقيقة لن نقوم بشيء. أنا اريد ان يتم العمل على الشكل الآتي: تعاون بين لبنان والدول العربية، ثم تعاون بين سورية والدول العربية. ثم بين مصر والدول العربية، وبعد هذا يتم اتفاق واحد يتفاعل ليشمل الجميع. يجب تهيئة الاجواء للوصول الى ما نطمح اليه من تكامل اقتصادي. تستعد المنطقة لتغيير جديد، بالنسبة الى مؤتمر السلام، ولبنان من البلدان المشاركة في المؤتمر. هل تعتقدون ان الاستثمارات ستتأثر بالتغييرات التي ستحصل بعد تحقيق السلام؟ - لا اعتقد ان اي تأثير سيحصل. السلام سيشجع على تطور الاستثمار وتسهيل الحركة. حسين النويس ما هو انطباعكم عن المؤتمر، وهل تتوقعون له نتائج جيدة تنعكس على لبنان ودول الخليج؟ - للمؤتمر ايجابيات كثيرة، اولها هذا الحضور الكثيف لحوالي 400 من رجال الاعمال العرب واللبنانيين الذين اكد حضورهم الثقة باستقرار لبنان السياسي والأمني. بأي هدف شاركتم في المؤتمر؟ - هدفنا الرئيسي هو تشجيع المستثمرين على الاستثمار في لبنان. وحتى يتم ذلك علينا ان نأخذ في الاعتبار عوامل كثيرة، منها توافر المناخ الاستثماري الملائم في لبنان، وهذا تحققه التشريعات الاقتصادية التي تكفل للمستثمر حرية تحويل رأسماله وأرباحه في أي وقت يشاء. وهذا موجود في لبنان منذ زمن، وأعتقد ان من الاشياء التي يفتخر بها لبنان الحرية الاقتصادية وسرية المصارف. ومن العوامل التي تشجع على الاستثمار البنية التحتية، لكنها تأثرت كثيراً بالاحداث التي عصفت بلبنان. وقد تجولت في المناطق فتأثرت بما رأيت، انا اعرف لبنان ما قبل 1975: ساحة البرج، باب ادريس، سوق الطويلة، الحمراء. لقد رأيت خراباً ودماراً. وحسب ما فهمت فان من خطط الحكومة اعادة بناء البنى التحتية، الكهرباء والطرق والجسور والنقل والاتصالات. ويجب ان نأخذ في الاعتبار ان هذا البناء يحتاج الى وقت وصبر وتمويل. كيف يمكن ان تساهم الامارات العربية في الاعمار؟ - يجب ان نحاول الفصل بين القطاع الخاص والقطاع العام. في ما يختص بالحكومة لا املك حق التعليق عليه لأنه يقوم بين حكومتين. اما في ما يختص بالقطاع الخاص فأعتقد انه في الامارات شأنه شأن اي قطاع خاص في اي دولة اخرى يبحث عن الفرص المناسبة للاستثمار، التي ستعود بمردودية على رأسماله. ومما لا شك فيه ان الجانب المعنوي يلعب دوراً مهماً، لبنان له مكانة خاصة وأهله لهم مكانة خاصة. وهذه النقطة تلعب دوراً في ان يتوجه المستثمر بقوة اكثر الى لبنان. كما ان الافراد في لبنان يملكون كفاءات خاصة على المستوى التعليمي والمهني والخبرات والعزم والمبادرة الفردية. وكل هذه الامور تشد المستثمر، وحتى اذا تساوت المعطيات بين بلد وآخر، فان المستثمر يتوجه الى لبنان. وينظر المستثمر في الامارات، الى العقار، في الدرجة الأولى. ويحظى قطاع السياحة باهتمامه، في الدرجة الثانية، نظراً الى الدمار الذي اصابه، فالفنادق تحتاج الى ترميم، خصوصاً اذا بدأ السياح والمستثمرون التوافد الى لبنان. القطاع الثالث الذي يشجع المستثمرين هو قطاع الصناعة. فلبنان كان بلداً صناعياً في الماضي، لكن مصانعه تضررت. واليوم قد يكون تحديث هذه المصانع وتجديد المعدات وتوسيع الانتاجية هو الحافز. فالصناعة تطورت، وهناك معدات جديدة وتكنولوجية جديدة. اما المجال الرابع والاخير فهو الزراعة، لأن لبنان بلد زراعي، تطوير الزراعة بالاساليب الحديثة وادخال المكننة واكمال الزراعة بالصناعات الزراعية، كلها امور يجب ان تؤخذ في الاعتبار. اعتقد ان المستثمرين في الامارات لديهم العزم على الاستثمار في لبنان شرط توافر الفرص واستمرار وترسيخ الاستقرار الامني والسياسي والنقدي. تحدثت عن توافر الفرص، لكن توافر الفرص يجب ان يرتبط بقوانين جديدة. - أول قانون، وقد تحدث عنه رئيس مجلس الوزراء، هو قانون الضرائب. فلكي يأتي المستثمر يجب ان يحصل على اعفاءات ضرائبية. فرؤوس الاموال المتاحة للاستثمار، سواء من دول الخليج او من غيرها، تواجه منافسة كبيرة من دول نامية تقدم تشجيعات وحوافز كثيرة. حتى ان اوروبا الشرقية وروسيا التي هي بحاجة الى تنمية اصبحت ساحة تنافس لرؤوس الاموال. كما يجب ان نأخذ في الاعتبار أن رؤوس الاموال الخليجية لم تعد مثلما كانت بسبب انخفاض الفوائد. على الصعيد السياسي، المنطقة تستعد لتغيير جديد بالنسبة الى مؤتمر السلام. هل يمكن ان يؤثر هذا على الاستثمار في لبنان؟ - مما لا شك فيه ان عملية السلام ستوفر الاستقرار الامني والسياسي، ورأس المال جبان يبحث دائماً عن مكان مستقر سياسياً وأمنياً واقتصادياً. عملية السلام ستوفر الجانب الامني والسياسي، ثم يقوم الجانب الاقتصادي بسن قوانين وتشريعات. في النهاية، احب ان اشير الى ان المستثمر العربي سيتشجع اكثر اذا وجد ان رأس المال اللبناني يتوظف في لبنان. الثقة بالبلد هي بأهله في البداية، نحن كرجال اعمال خليجيين نعرف رجال اعمال لبنانيين هم من كبار رجال الاعمال وحجمهم المالي كبير جداً. فاذا لم يوظف هؤلاء اموالهم في لبنان سيكون عندنا شك في بعض الامور. لأن المستثمر اللبناني ادرى ببلاده وأدرى بوضعه، فاذا لم يستثمر تظهر علامة استفهام. على رغم الركود الاقتصادي في البلدان الاجنبية، فان شركات من هذه البلدان تحاول الاستثمار في لبنان، بينما لا تزال مساهمة الدول العربية خجولة؟ - هناك نقطة مهمة يجب اخذها في الاعتبار بالنسبة الى الاستثمار الصناعي في لبنان. فالاجنبي عندما يستثمر في الصناعة يستثمر بمشروع مكمّل لاستثماراته في مناطق عدة، بينما يستثمر العربي في فرصة معينة. عبدالرزاق معرفي ما هو تقويمكم للمؤتمر؟ - اعتقد ان كلمة الشيخ صالح كامل في المؤتمر مهمة جداً لأنها تطرقت الى مسألة الاستقراض وكيفية الاستثمار. لكن لا شك ان المسألة الاهم هي الامان. المسألة المهمة الثانية هي ان اللبنانيين المهاجرين يمتلكون ثروة كبيرة، ومن المفروض ان يكونوا البادئين في تأسيس الشركات، باعتبار ان المستثمر الخليجي او العربي عندما يرى اهل البلد وقد ادخلوا اموالهم الموجودة في الخارج فانه يتشجع ويستثمر. وهناك مسألة اخرى مهمة هي العقار، لأن اي مشروع سيقام على مساحة من الأرض، وارتفاع اسعار الأرض رهيب جداً في لبنان. لقد اخبرني احد الكويتيين انه كان بصدد تنفيذ مشروع لصناعة الادوات الطبية، وعندما بحث عن قطعة ارض وجد ان قيمة الأرض ستكلفه اكثر من بناء المصنع وتجهيزه. وباختصار اقول ان هناك قضيتين يجب حلهما: المستثمر اللبناني والعقار. والقوانين الاستثمارية الجديدة، أليست مهمة؟ - أجل، اول ما يلفت اهتمام المستثمر القوانين التي تسمح له بتحويل جزء من الارباح ليموّل مشاريع اخرى. كذلك مسألة اليد العاملة. وأعتقد ان اليد العاملة اللبنانية مرتفعة جداً. المنطقة على ابواب تغيير، كيف تنظرون الى انعكاسات مفاوضات السلام على الاستثمار في لبنان؟ - اذا حصل اتفاق بين السوريين والاسرائيليين ستذلل كل المشاكل بالنسبة الى لبنان. وسيتم الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب، وهذا يؤثر ايجابياً على الاستثمار. وأشير هنا الى ان الاخوان السعوديين اكثر عقلانية منا في ما يخص الاستثمار. "دلة البركة" من الشركات الكبرى، ولا اعتقد انها تستثمر في لبنان لو لم تكن عندها رؤية مستقبلية كبيرة. عبدالله الفوزان كيف تستطيع الكويت المساهمة في اعادة اعمار لبنان؟ - هذا السؤال ينطبق على الكويت وغيرها. المساهمة الكويتية ستكون مئة في المئة، اذا تكلمنا عن الشركات الاستثمارية، ونحن منها، اذ كلنا نعتبر ان لبنان، على المدى البعيد، هو ارضية صالحة للاستثمار ونجاحه. لكن المسألة تحتاج الى خطوتين الى الامام، وحتى المؤسسات الدولية، تراقب الامن والاستقرار في لبنان. وستكون فترة الانتظار هذه صعبة. واذا استمر الامر على حاله ستأتي الشركات الكويتية وكل الشركات الاجنبية. ما هي القوانين التي تعتبرون انها ضرورية لتشجيع الاستثمار في لبنان؟ - الشعب اللبناني منتج والمناخ جيد وفرص الاستثمار موجودة. يبقى موضوع آخر يطرح نفسه وهو: ما هي معطيات النجاح على المدى القصير؟ اعتقد ان الذين تحدثوا في المؤتمر لامسوا المشكلة، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة اللبنانية الذي قال انه سيعمل على استصدار قوانين تشجّع الاستثمار. يبقى على اللبنانيين ان يطوروا مفاهيم الادارة العامة، نظراً الى غياب الحكومة لفترة طويلة. فهل الادارة الحالية قادرة على ادارة المساعدات المطلوبة؟ اعتقد ان هناك امكانية للنجاح، فالخطط الموضوعة معقولة وطموحة، واللبنانيون يحددون ما يريدون لبلدهم، وهذا لا يتحقق الا اذا كانت البنية اللبنانية قوية ومتماسكة وصلبة.