سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
رابح كبير يروي لپ"الوسط" أياماً جزائرية : وفوجئنا بتحول سريع للشارع الجزائري الى فكرة ... "الدولة الاسلامية" كنا غرباء في مجتمع قومي اشتراكي متحمس الى غيفارا أكثر منه الى فلسطين ! 2
"أيام جزائرية" ليست "مذكرات رابح كبير"، انها بعض من محطات في سيرته الخاصة التي تلقي ضوءاً على مسيرة الجبهة الاسلامية للانقاذ في الجزائر. والتقت "الوسط" الشيخ رابح في المانيا، قبل اعتقاله بأيام، وعقدت معه سلسلة لقاءات. وتحدثت في الحلقة الأولى عن نشأته، وكيف وعى، اثناء اصطدام الطلاب المعرّبين مع الفرنكوفونيين في الجامعة البعد الثقافي والحضاري للاسلام، وكان لا يزال طالباً في الثانوية. وروى كيف تعرف عن قرب، لدى دخوله الجامعة، الى الحركة الاسلامية التي كانت في بداية تشكيلها. وهنا الحلقة الثانية يرويها استاذ الفيزياء، أحد كبار قادة الجبهة الاسلامية للانقاذ: اخذت الحركة الاسلامية الشابة في الجزائر تتلمس طريقها وانتماءها الجزائري الطبيعي ممثلاً في تراث جمعية العلماء وحركة الاخوان المسلمين التي كان رموزها يحظون باحترام كبير في صفوفنا، وغيرها من الجبهات والتيارات التي تصلنا من المشرق العربي تارة ككتاب او شخص. وقد وفد المئات من المدرسين المشرقيين الى الجزائر اثناء حملة التعريب التي انطلق بها الرئيس هواري بومدين اوائل السبعينات، وكان هؤلاء من مصر وسورية والعراق وغيرها من الدول، وكثيرون منهم كانوا يحملون افكار تيارات اسلامية في بلدانهم. وكانت العاطفة الدينية فطرية عند الكثير من الشباب، اي انها لم تكن حزبية. وكذلك كانت جماعاتنا، واستمرت بلا اسم او تنظيم لسنوات. ومع تطور العمل واتساعه تحولت العاطفة والحماسة الى حزب وتنظيم من دون ان ندري هل كانت هناك جماعات اسلامية اخرى تنمو في مختلف مناطق الجزائر ام لا. والحقيقة ان جزائر الاستقلال لم تكن جديدة عليها فكرة الحركة او الجمعية الاسلامية، ففي الستينات ظهرت جمعية القيم وكان لها نشاط محدود جداً، ذلك انها جمعت عدداً من الرجال المتحمسين الى الاسلام لكنهم كانوا كالغرباء في مجتمع كاد ان يدير ظهره للاسلام، اذ لم يكن في الشرق العربي من يناصر الاسلام. وكانت الموجة العارمة هي القومية والاشتراكية. وقد ابتلينا بالاشتراكية اللادينية والفرانكوفونية، حتى اصبح المسلم غريباً في بلاده. ولذلك لم يصعب على بومدين حل هذه الجمعية بقرار وزاري بسيط لمجرد ان افرادها بعثوا بخطاب الى الرئيس المصري جمال عبدالناصر يناشدونه فيه اطلاق الشهيد سيد قطب، رحمه الله... وحلّت الجمعية ولم يهتم احد، وربما لم يشعر بذلك الا القليل. اما حركتنا فظهرت في مرحلة شهد الاسلام فيها تباشير نهضة في الجزائر وغيرها. وكانت المفاجأة، او ربما عنصر التغيير الرئيسي في مسار العمل الاسلامي ان هذه النهضة استهوت الكثير من الشباب. كنا غرباء في بلادنا وفي منتصف السبعينات كانت جامعة قسنطينة هي الجامعة الوحيدة في شرق الجزائر، فضمت مختلف ابناء الشرق، وتفوق فيها كثير من الشباب. وكان الجو السائد فيها ليبيرالياً: ندوات شعرية تسمع فيها الكفر، حفلات راقصة احتفاء برموز الفكر والحضارة في الغرب. وكان المتحمسون الى نضال تشي غيفارا وحركة التحرير في جنوب افريقيا اكثر من المتحمسين الى فلسطين. وكانت هموم الطالب الفرنسي في جامعة باريس تنعكس عندنا لمجرد التقليد... كنا غرباء في بلادنا. وتدريجاً تشكلت جماعة كأصدقاء او رفاق دراسة، وليس اعضاء في تنظيم، ورحنا نتدارس الاسلام ونتحاور في افكار ابن باديس وحسن البنا وسيد قطب ومالك بن نبي والمودودي الذي كان لأفكاره اعمق الاثر في صوغ تفكيرنا الحضاري امام المسائل المتداولة، كالمرأة وعلاقة المسلم بالغرب، ومفهوم الدولة الاسلامية. اما حسن البنا فكانت أفكاره تدفعنا نحو التنظيم والعمل الجماعي وضرورة التحرك وليس مجرد الاقتناع بسمو الدين الاسلامي. جمعية المسجد الخطوة الأولى نحو التنظيم كانت عندما شكلنا جمعية المسجد. وكان مجرد اقامة مسجد في الجامعة حدثاً يستحق التسجيل. وطرحنا الفكرة في اجتماع منظمة الشبيبة، وهو التجمع الطالبي التابع للدولة ويسيطر عليه الشيوعيون. وأذكر انني طلبت فيه الحديث وما ان وقفت وقلت بسم الله الرحمن الرحيم حتى علا الصفير والضحك. ومضيت في حديثي مقترحاً بناء مسجد في الجامعة، وكانت الغالبية غير متحمسة الى الفكرة، لكنها كانت منطقية ولا يملك احد حجة قوية لمنعها وكان الجواب "اذ معك فلوس ابنِ مسجداً". وبنينا المسجد بدعم من بعض تجار المدينة، ونظمنا حملات لجمع التبرعات. ومع تقدم المشروع كان عدد المتحمسين يزداد. وأصبح مسجد الجامعة القلعة الحصينة وأرضنا الخاصة بنا، وأخذنا نتميز عن غيرنا ونعرف بين بقية الطلاب بأننا جماعة المسجد. ومن دون تخطيط سابق علمنا في وقت لاحق ان الامر نفسه تكرر في جامعات اخرى، كأنها سنة طبيعية ان يكون المسجد اللبنة الأولى في البناء الاسلامي مثلما فعل الرسول عليه الصلاة والسلام عندما هاجر الى المدينةالمنورة. وظلت هذه المساجد تقوم بدورها الاسلامي طوال العقدين الماضيين ولم تغلق الا الآن على يد العسكر الذي يحكم الجزائر بالقوة، كمسجد الجامعة في العاصمة الذي اغلق بالطوب والاسمنت. ومع نمو التيار الاسلامي في الجامعة وممارسته نشاطاً ايجابياً كانكار بعض المنكرات التي كانت تعج بها الجامعة بدأ التصادم مع الشيوعيين والفرانكوفونيين. ولكن لم يكن العمل منظماً بل كان فعلاً ورد فعل. وأذكر ان اول تحد مهم نجح فيه الاسلاميون عندما وقف العشرات منهم وسط مسرح الجامعة ليمنعوا عرض مسرحية لكاتب ياسين تدور على فكرة قبيحة انه حان الوقت لأن تتخلى الجزائر علناً عن الاسلام وتتحول الى دولة لا دينية. وكاد الصدام ان يقع بين الاسلاميين والشيوعيين في منظمة الشبيبة الذين نظموا المسرحية. وفوجئنا بأننا بوقفتنا تلك شجعنا كثيراً من الطلاب الصامتين الذين مست المسرحية كبرياءهم واعتزازهم بالرسول عليه الصلاة والسلام، على رغم عدم تدينهم، فوقفوا معنا وشاركونا فتأكد لنا في ذلك اليوم ان الغالبية معنا او ستكون معنا، اذ عملنا باخلاص وأحسنا عرض الاسلام، وان الشعب الجزائري لا يزال متعلقاً باسلامه لكنه يريد من يتقدم المسيرة. والمفاجأة الثانية ان الشرطة لم تطردنا من المسرح عندما جاءت للتدخل وانما امرت بخروج الجميع وعدم عرض المسرحية وكان هذا هو ما نريده. حصلت هذه الحادثة عام 1978 اثر وفاة بومدين وتسلم الشاذلي بن جديد الرئاسة، وبدا كأنه ينوي وقتها اقامة توازن بين الشيوعيين والمسلمين، ولعل ذلك يفسر موقف الشرطة في حادثة المسرحية. الجيل الأول واستمرت جماعة المسجد تعمل بلا تنظيم حتى تلك المرحلة، بعدها شعرنا بالحاجة الى اقامة هيكلية للشباب بعدما اتسعت الجماعة، فاختير الشيخ عبدالله جاب الله رئيساً رئيس حركة النهضة حالياً وكان يكبرني بعام واحد وله سابقة في الدعوة. كما كان خطيباً جيداً وله معرفة طيبة بفكر الاخوان ونواحي التنظيم. وكان معظمنا في سن متقاربة. وأذكر من الجيل الأول في الحركة في قسنطينة علي جدي وعبدالقادر حساني وعبدالقادر بوضمخم، وأكاد اجزم بأن 80 في المئة من هذا الجيل التحق بصفوف الجبهة الاسلامية للانقاذ. فالاخوة الذين ذكرت اسماءهم جميعهم معتقلون مع بقية قادة الجبهة وهناك آخرون في مواقع قيادية لا اذكر اسماءهم اذ انهم يتحملون اليوم مسؤوليات خطيرة في العمل المنظم ضد الانقلابيين. وكان الهدف الأساسي لعملية الهيكلة هو الانتشار وذلك بتشكيل اسر وتحديد المسؤولين عنها، وهؤلاء يتبعون بالتالي مسؤول المجلس الولائي ويسمى مسؤول ولاية، وبالتالي ينتشر العمل جغرافياً الى كل ارجاء الوطن. فخرجنا مبكراً من نطاق الجامعة. غير اننا لم نحقق الانتشار على مستوى الوطن بوجود تنظيمات اخرى، واكتفينا بوجود قوي في الشرق الجزائري ليس في اطار الطلاب فقط وانما بين الموظفين والعمال والتجار. وأخذنا في تأسيس الجمعيات المرتبطة بالمساجد والعمل الخيري والثقافي والرياضي. وانتشرت الدروس في المساجد والمدارس والحفلات الخاصة في المنازل. بل اننا افدنا من كل المناسبات التي يجتمع فيها عدد كبير من الناس كحفلات الافراح والمآتم لابلاغ رسالتنا ودعوتنا. وعقدنا ايضاً تجمعات كبيرة في دور السينما ومسارح المدن. "الجماعة" و"الدولة" وفي وقت لاحق، وبالتحديد عام 1980 اعتمدت جماعة المسجد مسمى "الجماعة الاسلامية" ولم نقرر اختيار الاخوان المسلمين تحاشياً للمشاكل ولخصوصية الدعوة في الجزائر التي لا يمكن ان تعتبر الاخوان مصدراً واحداً للالهام. وكان ذلك اعلاناً بتطور الجماعة وأهدافها من مجرد شباب يعملون في الجامعة لاعادة الاعتبار الى الدين واحترام شرائعه، الى حركة تسعى الى اقامة المجتمع الاسلامي المتكامل في الجزائر حسب فهمنا الشمولي لدور الاسلام في الحياة. وبينما كان بعضهم يرى ان الاصلاح يتم بالعمل من داخل مؤسسات الدولة كجبهة التحرير، كنا نشعر بأننا اصحاب فكر متميز يصعب ان يتفق مع جبهة التحرير التي غلب عليها الاتجاه اليساري. وكنا نرى في هذه السياسة ترقيعاً، وكنا نخطط لمشروع طويل الاجل. والحقيقة اننا فوجئنا بسرعة التحول نحو الاسلام في الشارع الجزائري وتبني غالبيته في وقت قصير فكرة "الدولة الاسلامية". غير ان جماعتنا كانت دوماً وفي الغالب قادرة على التطور في سرعة لتواكب الواقع الذي نعيشه وتشير الى ذلك مناهج التوجيه والتثقيف لافراد الجماعة، فبعدما بدأنا بكتابات عامة عن محاسن الاسلام اخذنا بعد اول تشكيل للجماعة تهتم بالعلوم الشرعية الاساسية، وأصبح التعرف الى المسائل الفقهية والعقيدية من الأساسيات لدى افراد الجماعة، فلا يقتصر العضو على القراءة العامة والحرة. وفي عام 1984 ادخلنا دراسات الفقه السياسي عندما شعرنا بأن للحركة الاسلامية دوراً قادماً في التغيير الذي كان يتوقعه الجميع في الجزائر ولكن لا يعرف احد متى سيكون. واعتمدنا في مناهج الفقه السياسي على الكتابات القديمة ككتب الماوردي والسياسة الشرعية لابن تيمية وكان لفتاويه وكتبه تأثير كبير، ومن كان يملك المجموعة الكاملة لابن تيمية يتحول بيته مقصداً لطالبي العلم. اما الجامعة فكانت المعركة قد حسمت فيها لمصلحة الاسلاميين الذين تسلموا قيادة معظم الجمعيات التي يقوم نظامها على الانتخاب، وتركنا للشيوعيين اتحاد الشبيبة الرسمي والمرتبط بجبهة التحرير. واعتادت الجامعة في كل الجزائر على النشاطات الاسلامية كمعارض الكتب والمحاضرات وعرض اشرطة الفيديو. وأذكر ان معظمها كان عن الجهاد في افغانستان، ووفرنا الزي الاسلامي للنساء بأسعار زهيدة، وكان الطلب عليه كبيراً لانتشار الحجاب... لقد كانت اياماً سعيدة حقاً. لم تنتشر الجماعة الاسلامية خارج الشرق الجزائري. ففي العاصمة وما حولها كانت هناك اكثر من حركة تعمل للاهداف والافكار نفسها واحياناً للمناهج نفسها، ولكن ظهر ما يمكن تسميته "جيوباً" لكل حركة في منطقة الحركة الاخرى، وذلك عند تنقل الطلاب والموظفين. وكانت العلاقة جيدة بين ابناء الجيل الأول من ابناء تلك الحركات. ولكن تطورت العلاقات، ويا للأسف، من تعاون الى تنافس، وأصبح هم كل حركة التوسع ولو على حساب الحركة الاخرى، وأصبح التوحيد الهم الأول لنا فكان طرحنا منطقياً اذ كنا نتفق في الاهداف وجميعنا يقرأ للمفكرين انفسهم، من بن باديس وحسن البنا الى مالك بن نبي والمودودي فلماذا نختلف؟ وبقي هذا السؤال بلا اجابة، ولعل خطأنا ان عملية التوحيد انيطت بمجموعة صغيرة. ففي حركتنا كان المسؤول عن الاتصال بالحركات الاخرى الاخ عبدالله جاب الله وآخرون والغالبية لا تعرف شيئاً عما يجري من اتصالات. وتعرفت الى ابناء الحركات الاخرى وتصادقت معهم، وأذكر الدكتور محمد بوجلخه وهو من مؤسسي حركة الجامعة المركزية المعروفة حالياً بالجزائر، وتحدثنا مراراً وعزز ذلك شعوري بعدم وجود سبب حقيقي لتميز حركة عن اخرى، ولاحظنا كىف تتطور المواقف بسبب هذا التنوع الى اختلاف حقيقي: فكان هناك من يؤيد العمل داخل النظام للاصلاح، وهناك من يفكر في دخول مؤسسات النظام، فتجد نفسك امام موقفين متضادين تماماً. ونشأت لدي قناعة ان لا حل الا بتوحيد هذه الحركات وظهور قيادة لها مرجعية، فتقف الغالبية مع رأي واحد ومن شذّ برأي او منهج يظل اقلية مهملة لا تؤثر في المسار الرئيسي للحركة. لكن بقاء الانقسام ترك اصحاب الآراء الشاذة مهمين وشركاء في العمل الاسلامي وإن أساؤوا اليه. بناء مؤسسات اقتصادية ومع انشغالنا بهذا الهم الجديد استمر العمل، فأخذنا نهتم ببناء مؤسسات اقتصادية وخرجنا من اطار الانتقاء الى الاتصال المباشر بالجماهير ونشر الدعوة فيها وأصبحنا اشبه بالاحزاب التقليدية الشعبية التي لها انصار في كل مكان وان كان عملنا لا يزال وقتذاك سرياً. ولم نصطدم فقط بالشيوعية وانما بالمجتمع التقليدي المتدين وفق تصورات قديمة واحياناً منحرفة، فالمجتمع الجزائري تغلب عليه الصوفية التي كان لها دورها الحقيقي في الابقاء على الاسلام في الجزائر على رغم تحفظاتنا. ومن العادات الصوفية الخاطئة التي واجهناها "الزردة" وهي وليمة تقام للولي ومنتشرة في الريف والمدن. وكانت اشبه بسنة مقدسة عند الناس، فعندما أشعنا بأن "الزردة" حرام وانها من البدع في الدين أثرنا بلبلة ورفض الكثير من كبار السن ذلك، حتى اذكر انني اختلفت مع والدي على هذه المسألة، وعجب الناس من جرأتنا ولسان حالهم يقول "ما بال هؤلاء الشباب يعلموننا الاسلام وهم لم يعرفوا الصلاة الا امس". لكن حجتنا كانت قوية في الكتاب والسنّة ولم يؤثر ذلك في شعبية الاسلاميين. وأذكر انني كنت من القلائل الذين يخطبون الجمعة في القل ولم يتجاوز عمري 22 عاماً، وأثرت الموضوع من فوق المنبر مرة ولم يعترض أحد والحمد لله، لكنها كانت تجربة مهمة استغرقت منا اكثر من عام حتى اصبح معظم الناس في الشرق يتفقون معنا على بدعة "الزردة" وتعلمنا من ذلك الكثير في فن مخاطبة الناس بكل طبقاتهم. وساعدنا في الحصول على ثقة العامة اننا أحطنا بالعلماء الذين يحترمهم الجزائري بفطرته كالشيخ مرزوق في قسنطينة والشيخ العرباوي وعبداللطيف سلطاني، رحمهم الله، والشيخ سحنون أمد الله في عمره. وكان هؤلاء العلماء صلة الوصل بيننا وبين تراثنا الجزائري وكانوا شجعاناً في قول الحق فننقل حديثهم الى الناس اذ كانت الصحافة وقتذاك تحت سيطرة الدولة تماماً، لكن اخبار العلماء وآراءهم كانت تتناقل عبر المجالس والمساجد، وكان ذلك سابقاً لمرحلة تأسيس التنظيمات وتمهيداً لها. وكانت تحديات كثيرة في تلك المرحلة تواجه الاسلام بمبادئه الاساسية، كالثورة الزراعية والمفاهيم الاشتراكية التي بلغت اوجها عام 1972 بانطلاقة الثورة الزراعية، ووجدها الشيوعيون فرصتهم لنقل فكرهم الضال الى الريف ولكنهم حتى في ذلك لم يفلحوا اذ كانت رحلاتهم وقوافلهم عبثاً في عبث ولهواً وتسلية. وأذكر قصة ساخرة تدل على تمسك الريفي البسيط بما يعتقده من الدين عندما اخذ احد الطلاب يشرح له كيف ينزل المطر من السماء وذلك على اساس الفكر العلمي الذي كانوا يقدمونه بديلاً من الاسلام، وعندما انتهى الطالب من تقديم النظرية العلمية المعروفة بتفاصيلها عن تبخر الماء وعن اصطدام السحب وما يحصل من كهرباء الى آخر النظرية في شكل مجرد عن مشيئة الله عزّ وجلّ، قال احد الفلاحين "لقد عرفنا الآن كيف ينزل المطر ولكن ماذا عن بحرورش البرد فهل تصعد والدتك الى السماء فتكوره ثم تلقيه الينا"؟ وأصبحت هذه القصة نكتة ساخرة يتداولها الجزائريون عن قوافل الاصلاح الزراعي التي في رأينا لم تهدف الى تنمية زراعية بقدر ما هدفت الى تغيير المجتمع الجزائري وابعاده عن ثوابته الدينية. وعندما انتقد العلماء القوانين الجديدة وأفتوا بعدم جواز فلاحة ارض مغتصبة وقع الناس في حيرة، اضافة الى سوء الادارة والتوزيع ومصادرة الأراضي وتأميم المزارع الكبيرة انخفض الانتاج وزادت الهجرة الى المدن التي ادت الى ازمة اقتصادية لا تزال تعيشها الجزائر. وأذكر انني ذهبت مرة في واحدة من قوافل الاصلاح الزراعي فامضينا يوماً في مزرعة برتقال، وكان المفترض أن نعاون الفلاحين لكن كل ما فعله الطلاب هو العبث وأكل البرتقال فرفضت أن أشارك مرة اخرى في هذه الحملات.