المملكة تختتم مشاركتها في المنتدى الحضري العالمي wuf12 بالقاهرة    فان نيستلروي فخور بمسيرته كمدرب مؤقت مع يونايتد ويتمنى الاستمرار    النصر يتغلّب على الرياض بهدف في دوري روشن للمحترفين    القبض على شخص بمنطقة الجوف لترويجه مادة الحشيش المخدر    مدرب الأخضر يضم محمد القحطاني ويستبعد سالم الدوسري وعبدالإله المالكي    الهلال: الأشعة أوضحت تعرض سالم الدوسري لإصابة في مفصل القدم    المملكة تؤكد التزامها بالحفاظ على التراث الثقافي في الاجتماع الوزاري لدول مجموعة العشرين بالبرازيل    حائل: القبض على شخص لترويجه أقراصاً خاضعة لتنظيم التداول الطبي    إطلاق النسخة التجريبية من "سارة" المرشدة الذكية للسياحة السعودية    ممثل رئيس إندونيسيا يصل الرياض    انطلاق أعمال ملتقى الترجمة الدولي 2024 في الرياض    زلزال بقوة 6.2 درجات يضرب جنوبي تشيلي    ترقية بدر آل سالم إلى المرتبة الثامنة بأمانة جازان    جمعية الدعوة في العالية تنفذ برنامج العمرة    «سدايا» تفتح باب التسجيل في معسكر هندسة البيانات    الأسهم الاسيوية تتراجع مع تحول التركيز إلى التحفيز الصيني    انطلاق «ملتقى القلب» في الرياض.. والصحة: جودة خدمات المرضى عالية    تقرير أممي يفضح إسرائيل: ما يحدث في غزة حرب إبادة    خطيب المسجد النبوي: الغيبة ذكُر أخاك بما يَشِينه وتَعِيبه بما فيه    فرع هيئة الهلال الأحمر بعسير في زيارة ل"بر أبها"    بطلة عام 2023 تودّع نهائيات رابطة محترفات التنس.. وقمة مرتقبة تجمع سابالينكا بكوكو جوف    رفع الإيقاف عن 50 مليون متر مربع من أراضي شمال الرياض ومشروع تطوير المربع الجديد    أمانة الطائف تجهز أكثر من 200 حديقة عامة لاستقبال الزوار في الإجازة    المودة عضواً مراقباً في موتمر COP16 بالرياض    خطيب المسجد الحرام: من صفات أولي الألباب الحميدة صلة الأرحام والإحسان إليهم    في أول قرار لترمب.. المرأة الحديدية تقود موظفي البيت الأبيض    دراسة صينية: علاقة بين الارتجاع المريئي وضغط الدم    5 طرق للتخلص من النعاس    «مهاجمون حُراس»    حسم «الصراعات» وعقد «الصفقات»    محافظ محايل يبحث تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين    شرعيّة الأرض الفلسطينيّة    جديّة طرح أم كسب نقاط؟    الموسيقى.. عقيدة الشعر    في شعرية المقدمات الروائية    ما سطر في صفحات الكتمان    لصوص الثواني !    مهجورة سهواً.. أم حنين للماضي؟    لحظات ماتعة    متى تدخل الرقابة الذكية إلى مساجدنا؟    حديقة ثلجية    محمد آل صبيح ل«عكاظ»: جمعية الثقافة ذاكرة كبرى للإبداع السعودي    فراشة القص.. وأغاني المواويل الشجية لنبتة مريم    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    أنماط شراء وعادات تسوق تواكب الرقمنة    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    من توثيق الذكريات إلى القصص اليومية    الأزرق في حضن نيمار    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    التعاطي مع الواقع    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوسط" تدخل العالم السري لجبهة الانقاذ وتتحاور مع قياداتها الهاربة وتطلع على خططها . قيادة خاصة للاتصال بانصار الجبهة في الجيش والاجهزة الامنية ، "نريد حواراً مع السلطة لا للاعتراف بشرعيتها بل لاقامة الدولة الاسلامية"
نشر في الحياة يوم 03 - 08 - 1992

عاش موفد "الوسط" الى الجزائر اياماً عدة في ما يسمى "العالم السري" للجبهة الاسلامية للانقاذ. والتقى الموفد، خلال هذه "الرحلة" في عالم الاصوليين الجزائريين، مجموعة من قيادات الجبهة وعناصرها واجرى معها حوارات ومناقشات للاطلاع على افكار الجبهة وخططها وتصوراتها، ولمعرفة طبيعة علاقاتها مع النظام الحالي الممثل بالسيد علي كافي رئيس المجلس الاعلى للدولة ورئيس الحكومة السيد بلعيد عبدالسلام والممثل ايضاً بالمؤسسة العسكرية ورجلها القوي وزير الدفاع اللواء خالد نزار. وحصيلة الرحلة هذا التحقيق المتضمن حوارات مع قيادات الجبهة السرية:
بعد اشهر من المداهمات واعتقال ائمة المساجد عقدت السلطة في الجزائر هدنة، من جانب واحد، مع الجبهة الاسلامية للانقاذ المنحلة حسب القانون، تترك السلطة للجبهة حرية العمل في معظم مساجد العاصمة والمدن الكبرى "وعندما يخرج الانقاذيون من المسجد لتهديد الامن العام سنواجههم ونعيدهم الى صوابهم" حسب قول مسؤول جزائري كبير.
غير ان الجبهة الاسلامية لم تعترف بالهدنة فشهدت الايام الماضية محاولات من انصار الجبهة للتجمع خارج المساجد وفي اماكن مفاجئة لقوات الامن. وحتى تقوم الحكومة الجزائرية بمبادرة حسن نوايا فان الجبهة ستصعد الموقف خلال الايام والاسابيع المقبلة، وفي جميع الاحوال تبقى المساجد "قواعد" ينطلق منه عمل الجبهة: السياسي في مواجهة السلطة، والاجتماعي، لجمع التبرعات وتوزيعها على أسر المعتقلين، والتعبوي بالدروس والخطب.
الانطباع الاول الذي تكون لدي هو ان الجبهة لا تزال متماسكة على رغم شهور من المطاردة والاعتقالات شملت الصف الاول من مناضليها ودفعت البقية الباقية نحو السرية. ويقول الدكتور محمود وهو اسم مستعار مثل معظم الاسماء التي سترد في الموضوع "لم يتغير الكثير بالنسبة الينا، اذ عدنا الى وضع مارسناه لسنوات طويلة، وهو ما نسميه سرية التنظيم وعلنية الحركة، وجاءت مرحلة التعددية والشفافية كاستثناء عندما كان التنظيم يعمل بعلنية نسبية".
ان ما يجري في مسجد الوفاء بالعهد وغيره من مساجد العاصمة هو جانب من الحركة العلنية للجبهة الاسلامية. فككل مسجد آخر في اي مدينة اسلامية يتوافد المصلون نحو المسجد بعد رفع الآذان، ولكن التفاصيل تختلف في الجزائر.
لم يكن وقت المغرب قد حان ولكن في المسجد عدداً كافياً من الشباب لملئه بالحياة. البعض يقرأ القرآن منفرداً ومجموعات صغيرة تتبادل حديثاً عن الاوضاع بصوت خافت وآخرون يقفون امام مساحة كبيرة علقت عليها بيانات الجبهة الاسلامية والمنشورات السرية المؤيدة لها، وفي الجانب الآخر من المسجد مساحة اخرى ولكنها مخصصة للبيانات باللغة الفرنسية، انه اعلام الجبهة الاسلامية المواجه لاعلام الدولة. ويعبر عن ذلك الدكتور محمود بقوله: "انهم يمتلكون الاذاعة، والتلفزة والجيش ونحن نملك المسجد والشعب".
ومع ارتفاع آذان المغرب يصل مزيد من الشباب، معظمهم يرتدي "القندورة" والثياب التي تتوقف دون الكعب وقد اطلقوا لحاهم ويمثل هؤلاء رصيد الجبهة الاسلامية من المتحمسين المستعدين للموت من اجل "الدولة الاسلامية" التي يريدون تأسيسها في الجزائر.
ولا يتردد عدد من كبار السن وعامة الجزائريين من دخول المسجد الذي يقع وسط حي القبة المزدحم والذي يتميز بعدد كبير من المساجد بالمقارنة مع الاحياء الاخرى. وعلى رغم انه حي لمتوسطي الدخل الا انه اصبح معقلاً للجبهة الاسلامية للانقاذ، مثله في ذلك مثل الاحياء الشعبية التي اشتهرت في الاحداث الجزائرية كباب الواد والحراش وبلكور.
وفي طريقه الى باب المسجد يتوقف البعض امام مزيد من البيانات الملصقة على جدران المسجد الخارجية. وكان ابرز بيانات ذلك اليوم منشور يحمل عبارة "النصيحة التي لم يلتفت اليها بوضياف"، وهو يتضمن الخطاب المفتوح الذي وجهه نواب الجبهة الاسلامية المنتخبون غداة وصول الرئيس السابق محمد بوضياف الى الجزائر في كانون الثاني يناير الماضي لتسلم الحكم والغاء الانتخابات التي كان من المؤكد ان تفوز بها الجبهة الاسلامية. ورحب النواب في خطابهم بعودة المناضل بوضياف وعرضوا عليه التعاون بعد ان وضعوا شروطهم حول ضرورة احترام اختيار الشعب واستئناف الانتخابات.
ولعل الجبهة اعادت نشر البيان والتذكير به لتضمنه تحذيراً لبوضياف من "الذين سيستخدمونه ضد الشعب ثم يتخلصون منه".
منشور آخر علق في اكثر من مكان بالمسجد حمل عبارة واحدة هي "ايذاء الشيوخ = ثورة الشعب"، في اشارة الى محاكمات قادة الجبهة الاسلامية التي كانت جارية آنذاك. ويقول الدكتور محمود انه "يجب التفريق بين بيانات الجبهة والمنشورات المؤيدة لها. فالبيانات التي تعبر عن رأي الجبهة الرسمي هي تلك الحاملة توقيع "المكتب الوطني الموقت" لجبهة الانقاذ. اما نشرات "محراب الجمعة" و"النفير" و"صوت الحق" فهي تسير في اطار الجبهة ولكنها لا تعبر عن رأيها الرسمي".
المنشورات التي اشار اليها الدكتور محمود اشبه بالصحف "السرية" فهي تصدر بشكل منتظم كل بضعة ايام وتحمل اخباراً وتعليقات تهاجم السلطة وتساهم بدور كبير في نشر الشائعات حول الخلافات داخل السلطة، فتركز على اخبار الاشتباكات التي تقع بين اجهزة الدولة الامنية. وهناك منشور يحمل "رسالة الجهاد" تضمن بحثاً قصيراً حول ضرورة الجهاد استشهد فيه بعلماء من مختلف الاتجاهات منهم الشيخ عبدالله عزام الذي قتل في بيشاور قبل عامين والغزالي صاحب احياء علوم الدين.
اما اكثر المنشورات الملصقة اثارة فهي رسالة من قلب الدين حكمتيار زعيم الحزب الاسلامي في افغانستان موجهة الى "المجاهدين في الجزائر المسلمة" يبلغهم فيها ان اخوانهم في افغانستان "يقفون معهم ويؤيدونهم". ويعقد مقارنة سريعة بين النظام الحاكم في الجزائر والنظام الذي اسقطه المجاهدون قبل ثلاثة أشهر في كابول. ويبدو ان حكمتيار اصبح القائد الاسلامي صاحب الشعبية الاكبر بين انصار الانقاذ لمواقفه المتشددة في الجهاد الافغاني. وهناك ملصق آخر له مغزى سياسي اذ يحمل توقيع "الحركة الاسلامية الامازيغية" - وهي حركة بربرية جزائرية - ويتضمن الافكار نفسها للجبهة الاسلامية للانقاذ ولكن يبدو ان الجبهة تريد ان تؤكد وجودها بين القبائل والبربر التي يقف معظم افرادها مع جبهة القوى الاشتراكية وزعيمها حسين آيت احمد الذي يريد جزائر علمانية وحقوقاً لقوميته "البربرية" او "القبائلية". والمعروف ان الجبهة الاسلامية خسرت الانتخابات في مناطق القبائل والبربر الا انها جاءت في المرتبة الثانية بعد القوى الاشتراكية، كما ان الزعيم الرئيسي للجبهة الاسلامية حالياً، الشيخ محمد السعيد، قبائلي هو الآخر.
نشاط الحركة السرية
ويؤذن احد الشباب باقامة الصلاة، وقبل ان يكبر الامام الشاب بالصلاة يتوجه للمصلين ويقول لهم: "ايها الاخوة ان اخاً لكم ينوي القيام بعملية جراحية غداً، فادعو الله مخلصين ان يعينه على انجاح العملية". ثم يوجه لهم طلبه الثاني فيقول: "هناك اسرة محتاجة وسوف نجمع لها التبرعات بعد الصلاة، فبادروا لمساعدة هذه الاسرة" وفي الصلاة كان الامام اكثر صراحة، اذ قام باداء دعاء القنوت سنة يمارسها المسلمون عند النوازل والازمات ودعا للشيوخ المعتقلين في المحتشدات المعتقلات الصحراوية وحمل بحدة على النظام الذي سماه المجلس الاعلى للكفر. وقد خالف قانون الطوارئ عندما قال: "اللهم عليك بهم فانهم لا يعجزونك... الهم شتتهم بدداً واحصيهم عدداً ولا تغادر منهم احداً" وسط صرخات المصلين "امين... امين".
وتوتر الجو بما فيه الكفاية لتوقع مداهمة رجال الدرك، ولكن الصلاة انتهت بشكل عادي، وكأن الذي جرى تصرف طبيعي يجري كل يوم.
بعد صلاة العشاء التي تكرر فيها الدعاء نفسه، كان الدرك وقوات امن خاصة تنتظر المصلين في الخارج. وكان بعض رجال الامن يرتدون زياً مدنياً وقد ربط كل واحد منهم أعلى ذراعه بعصبة سوداء، فيما كان بعضهم ملثماً. وعندما حاولوا اعتقال بعض الشباب التف حولهم عدد كبير من المصلين بينهم بعض كبار السن الذين اخذوا يوبخون رجال الشرطة. وخلال لحظات علت اصوات النساء اللواتي اخذن يزغردن بشكل وتر الجو في الساحة حول المسجد، فما لبث رجال الشرطة ان استقلوا سياراتهم وغادروا المكان.
ويبدو ان رجال الامن اخذوا يجدون حرجاً في عمليات المداهمة واعتقال انصار الانقاذ. فهم يصلون في سيارات عسكرية وقد شهروا سلاحهم في وجه المواطنين حول المساجد، وعندما يحاولون اعتقال احد الشباب يتضامن معه كل سكان الحي بل يستطيع ان يهرب، ويتردد رجال الامن في تتبعه خوفاً من كمين او حرجاً من التعدي على حرمات البيوت في مجتمع لا يزال شديد المحافظة. كما ان الشاب المطارد يتمتع بامكانية التنقل فوق الاسطح، من دار الى آخر، ويجد من يساعده، بينما يشعر رجل الامن انه في ارض معادية.
ويتحدث مصطفى، وهو شاب اعتقل بتهمة الانتماء "للحركة الاسلامية المسلحة" وهي حركة سرية تنشط في الجزائر ومن ضمن اعضائها الافغان، وقد جلس والده بجواره: "في الساعة الثالثة والنصف قبيل الفجر دخل عدد من رجال الشرطة، بعضهم كان ملثماً، البيت عنوة، واستيقظت على اصوات اخواتي اللواتي كن يصرخن. والدتي كان مغمياً عليها امام الباب وعندما خرج اخي من غرفته اشتبك معهم بالايدي فاطلقوا الرصاص داخل المنزل. كان الامر مرعباً".
كان رجال الامن يريدون مصطفى بالتحديد، وعندما تعرفوا عليه اصطحبوه الى مكان يجهله. ويقول انه ضرب وهدد ووجد معه اربعة من شباب الحي، وبعد اربعة ايام من التحقيق والضرب وقع على محضر باعترافاته. وبعد عدة ايام وقف في محكمة البليدة العسكرية متهماً في مؤامرة ضد امن الدولة، وعرف في وقت لاحق ان اسمه ورد في اعترافات احد شباب الحي اتهم بالانتماء الى "الحركة الاسلامية المسلحة" وهنا تدخل رجل عجوز يعيب على الشباب اعترافهم بعد اقل ضرب يتلقونه، وقال ان النساء في زمن الثورة كان يقطع لحمهن ولا يعترفن بشيء. وعلى رغم العتاب الحاد من الشيخ العجوز، الا ان في حديثه ما يحمل المؤازرة للشباب الاسلاميين، خصوصاً مقارنة عملهم بنضال آبائهم ضد الاستعمار الفرنسي، وهذه المقارنة تثير غضب الكثيرين في الاوساط الحاكمة. وتوفر قصص المداهمات الليلية ودخول البيوت مادة غزيرة تستخدمها الجبهة الاسلامية للتعبئة ضد النظام من خلال منشوراتها السرية وخطب الجمعة وذلك لما للجزائري من عزة بالنفس وحرص على حرمة المنازل. كما يوفر المعتقلون الذين يطلق سراحهم فرصة للحديث عن المعتقلات في الصحراء وما يجري فيها ونقل اراء الجبهة الى عامة الجزائريين في الاحتفالات المتواضعة التي يقيمها الاهل لابنائهم العائدين من المعتقلات. وتجد الجبهة في هذه المناسبات فرصتها لممارسة التعبئة ضد النظام خارج المساجد.
خلايا في الجيش
وبينما يمكن ان يشارك في العمل التعبوي بالمساجد وتوزيع المنشورات عدد كبير من الشباب في ظل علنية حذرة، الا ان هناك اعمالاً سرية تبقى محصورة في شباب الحركة "المنظمين"، واغلب هؤلاء من تنظيمات اسلامية سرية سبقت قيام الجبهة الاسلامية للانقاذ واعادت هيكلة وضعها تبعاً لتطور الاحداث واضطرار اكثر من جماعة اسلامية للتعاون من اجل هدف مشترك. وانخرط هؤلاء الشباب، واغلبهم من الجامعيين والموظفين، في مختلف الانشطة السرية، واهمها اعداد المنشورات. ويتم ذلك على اجهزة كومبيوتر حيث تحفظ المعلومات على اقراص تنتقل باستمرار من مكان الى آخر. ويقول الدكتور عبدالرحمن: "من المستحيل ان تجد جهاز كومبيوتر وفي المنزل نفسه قرص يحتوي على بيان او نسخة من محراب الجمعة"، فما ان يطبع البيان او يحرر العدد الجديد من محراب الجمعة حتى تنتقل النسخة المطبوعة الى مكان آخر حيث توجد آلات التصوير، ويختفي القرص في احد المنازل او يمسح تماماً".
وتساعد الشعبية الهائلة التي تتمتع بها جبهة الانقاذ على العمل بحرية وسط الشعب الجزائري، فشراء كميات كبيرة من الورق يمكن ان يثير الشبهات، ولكن بين انصار الجبهة الكثير من التجار الذين لا يترددون في تقديم المساعدات لها، كما عمدت الجبهة الى تخزين كمية كبيرة من الورق ونقل اجهزة التصوير الى اماكن سرية منذ ما قبل الغاء الانتخابات واقالة الشاذلي بن جديد اذ توقعت الجبهة ضربة كهذه.
ويفتخر عبدالقادر تاجر بان بيانات الجبهة تستغرق 24 ساعة لتوزع في مختلف انحاء الجزائر، ويقول: "حتى المحتشدات في الصحراء تصلها البيانات ولكن قد تتأخر بضعة ايام". ويتحدث عبدالقادر عن عملية التوزيع فيقول: "بعد صدور البيان من القيادة ينتقل الى لجنة التوزيع ومن هناك يوزع بصورة اصبحت روتينية، على المدن الاخرى واحياء العاصمة". ويقول ان الفاكس لا يستخدم الا بصورة محدودة جداً لارسال البيان الى خارج الجزائر، ومن هناك يوزع من جديد على وكالات الانباء ويعاد ارساله من جديد الى الجزائر للمكاتب المحلية لوكالات الانباء والصحف وبعض الشخصيات.
وعندما يحصل "فراغ" في شبكة التوزيع نتيجة اعتقال احد الافراد يتم ملء الفراغ فوراً بمناضل آخر. ومن الواضح ان لدى الجبهة رصيداً لا ينقطع من الشباب المستعدين للخدمة، كما ان المعتقلين يعاد توظيفهم من جديد ولكن مع بعض الحذر.
ويتحدث عن ذلك الدكتور محمود: "احياناً يطلق سراح بعض المسؤولين المعروفين في الجبهة. فأنا على سبيل المثال معروف عندهم، بل انهم اطلقوا اسراح اعضاء في مجلس الشورى. ونعتقد انهم يفعلون ذلك حتى يخطئ احد ما ويتصل بالقيادة السرية، فيكون هو الطريق الموصل اليها بحسن نية". ويرى الدكتور محمود ان الاتصال بالقيادة غير ضروري، الا لعدد محدود جداً، "فالمهام واضحة والتعليمات تصل للجميع، ونحن في حالة طوارئ لا تسمح بمراجعة التعليمات مع القيادة، وعندما يكون لدى احد القياديين استفسار او يريد تقديم اقتراح فالسبل الامنة موجودة لذلك".
وعن المرحلة التي اعقبت الضربة الاولى بعد الغاء الانتخابات يعترف الدكتور محمود بان السلطة نجحت في حرمان الجبهة من اهم قياداتها، ويقول ان عمليات الاعتقال العشوائي شملت قياديين غير معروفين اعتقلوا فقط بسبب اطلاقهم لحاهم، او لتوجههم الاسلامي المعروف. ويتحدث عن تلك المرحلة قائلاً: "عقدت المجموعة التي نجت من الاعتقالات والقيادات غير المعروفة اجتماعات مطولة استمرت اياماً عدة اعادت فيه هيكلة الحركة ونظمت عملية ملء الفراغات التي يمكن ان تحدث مع استمرار الاعتقالات وشكلت خلايا ازمة". ويقول ان خلية الازمة تشبه الحكومة في ظل حالة الطوارئ، اذ تتمتع بصلاحيات واسعة ولكن محددة، ولا تحتاج الى مشاورة القيادة في كل التفاصيل. ورفض الاجابة على سؤال في ما اذا كانت هذه الخلايا تجتمع بصورة دورية مع القيادة.
المهمة السرية الاخطر والتي تقل المعلومات عنها هي الخلايا السرية المؤيدة للجبهة داخل الجيش او افراد الامن او المؤسسات الرسمية. ويبدو انها في عهدة "قيادة محددة" وتعامل بسرية مطلقة ويكتفي عبدالقادر بالقول: "لدينا انصارنا في اماكن عديدة، وبعضهم متعاطف ويتدخل في الوقت المناسب، مثل التدخل لاطلاق سراح معتقل او نقل معلومات لاهله، وهناك المتعاطفون المؤمنون معنا بمشروع الدولة الاسلامية. وهؤلاء يتلقون معلومات ويعدون تقارير عن توجهات الحكومة والصراعات داخلها. وكدلالة على مدى نفوذهم قال عبدالقادر: "على سبيل المثال لدينا الشريط الكامل لعملية اغتيال بوضياف". وعندما سألته اذا كان الشريط يقدم اية معلومات جديدة عن عملية الاغتيال قال: "لا جديد يؤثر على رواية الحكومة، والاهم من الشريط هو المعلومات المتناقضة عن الحادثة والتي تؤكد وجود صراع حقيقي داخل السلطة".
وبالاضافة الى المنشورات توزع الجبهة بين انصارها اشرطة كاسيت تحمل دروساً منهجية تعالج قضايا معينة، كالتنظيم والجهاد والصبر ومفاهيم مختلفة تناسب المرحلة التي تمر بها الجبهة. ويعد هذه الدروس احد قادتها المطاردين، الشيخ يخلف الشراطي، وهو شاب لديه حصيلة كافية من العلوم الشرعية. وقد بلغت عدد اشرطته السرية ستة ولا يتردد فيها عن مهاجمة النظام بصورة صريحة.
حوارات مع قيادات الجبهة
يؤخذ على جبهة الانقاذ انها لا تقدم تفاصيل مشروعها لبناء "دولة اسلامية" في الجزائر، والامر نفسه يتكرر الآن في صراعها ضد السلطة الجزائرية. فهي رغم البيانات العديدة التي تصدر بمعدل بيان واحد كل اسبوع الا ان الجبهة لم تعدل في مواقفها ولم تقدم اي عرض تفاوضي مع السلطة، فهي تصر على ان الشعب الجزائري "صوت على الخيار الاسلامي" وانها بذلك - بعد الانتخابات النيابية الملغاة - اصبحت تمثل الشرعية.
ويبدو واضحاً ان جبهة الانقاذ والسلطة الجزائرية تسيران في اتجاهين متعارضين تجعل اللقاء بينهما مستحيلاً. فهل تستطيع الجبهة الاسلامية تحقيق حلمها ببناء دولة اسلامية باتخاذ هذا الموقف الحاد؟ وما هي استراتيجية الجبهة الاسلامية؟ هذه الاسئلة وغيرها طرحتها "الوسط" على عدد من قيادات الجبهة الهاربة من السلطة في منزل احدهم في العاصمة الجزائرية. وطلب هؤلاء عدم ذكر اسمائهم لطبيعة عملهم السري وهم : اساتذة جامعيون وتاجر وامام مسجد وضابط سابق في جبهة امنية رفض تحديدها. وفي ما يأتي الحوارات مع هذه القيادات:
ما هو الهدف الاساسي للجبهة الاسلامية خلال هذه المرحلة؟
- هدف الجبهة الحالي هو ابقاء فكرة الدولة الاسلامية حية في ضمير كل جزائري وتجاوز كل العراقيل، مثلما كان الاستقلال هو الهدف والامل في نفوس اجيال جزائرية متعاقبة. ان فكرة الدولة الاسلامية في الجزائر ليست بدعة مستحدثة وانما هي الوضع الطبيعي. فالاسلام بشرائعه كان النظام السائد في الجزائر عندما غزتها فرنسا واصبح هو المطلب بعد الاستقلال.
وكيف ستحققون هذا الهدف في ظل احكام الطوارئ والمطاردة من قبل السلطات لكم؟
- تنطلق التجارب التي تقودها الحركات الاسلامية من الواقع المعاش في كل مجتمع ونحن في الجزائر ركزنا على ان تأتي الدولة الاسلامية برضى الشعب وبرغبة منه، والحمدلله نجحنا في ذلك. وقد عملنا على ان تتوغل الدعوة في داخل المجتمع وفي كل بيت وان تعاد الذاكرة الاسلامية للشعب بعد مرحلة غابت عنه. وجبهة الانقاذ لا تمثل حزباً فقط او مدرسة اسلامية او حركة اسلامية، فالحزب او التنظيم السياسي مهما اتسع يبقى ضيقاً. الجبهة تمثل الشعب ولا تمثل افراداً. وحتى لو نجحوا في قتل واعتقال جميع قادتها فسيخرج من صفوف الشعب من يتسلم الراية. لقد اعتقدوا ان الجبهة مجرد حزب، فاعتقلوا قادته وانتظروا ان تنهار، كما يحصل عادة في الاحزاب، ولكن هذا لم يحصل.
لقد قام النظام باخطاء جعلته يعجز عن فهم طبيعة الجبهة وطبيعة الشعب الجزائري، وهذه الاخطاء ليست نتيجة سهو. فمنذ ان تولى النظام الحالي السلطة عام 2196 اسند كل الامر للجيش والعسكر. والتخطيط لذلك بدأ قبل الاستقلال. ورفض النظام المناقشة والمنافسة ورفض مبدأ التناوب على الحكم، الا في حدود ابناء النظام، مثل سيد احمد غزالي رئيس الوزراء المستقيل وبلعيد عبدالسلام رئيس الوزراء الحالي الذي شب وشاب داخل النظام.
كيف تفسرون الاحداث الجارية، فالوضع متأزم والحكومة لا تزال على مواقفها الرافضة للجبهة الاسلامية، ومن جهتكم لا تقدمون مواقف تفاوضية، فكيف تخرج الجزائر من ازمتها، ليس بما يرضيكم فقط وانما بما يرضي الاطراف الاخرى؟
- نعتقد ان الوضع يسير لصالح جبهة الانقاذ والمشروع الاسلامي، ونحن لسنا في عجلة من امرنا. كما لا يمكننا التنازل عن مبادئ من اجل الوصول الى حل. ان السلطة الحاكمة لا تزال على مواقفها المبدئية وكل ما تمارسه من تغييرات انما هو مناورات وما تقتضيه طبيعة الاحداث المتغيرة. اما مواقفهم فلا تزال ثابتة وهي رفض المشروع الاسلامي والعمل على اقصائه.
هناك تراجع تكتيكي من جهة السلطة في ما يخص الاحكام الصادرة ضد شيوخ الجبهة، اذ كانت لدينا معلومات مؤكدة ان هناك من يريد الاعدام للشيخ علي بلحاج والمؤيد للشيخ عباسي مدني، ثم تراجعوا عن ذلك . ورغم هذا فاننا نرى ان الاحكام جائرة ولا ينبغي ان يكون الدعاة اساساً في تلك المحكمة. ان استراتيجية النظام قائمة على التفسير الماركسي الغربي للاحداث، اذ يعزون اسباب ظهور الجبهة والرفض الشعبي لهم الى الظروف المعيشية السيئة وان الشعب صوت للجبهة الاسلامية ليرفض الحزب الحاكم جبهة التحرير الوطني. والرد على ذلك سهل فالجبهة لم تكن وحدها وانما كان معها احزاب اخرى في الانتخابات امام الشعب للاختيار تمثل مختلف الاتجاهات، وبذلت هذه الاحزاب جهداً كبيراً ومالاً وفيراً ولكنها لم تنجح. نحن نعترف بان الظروف الاقتصادية قد تدفع البعض لتأييد الجبهة الاسلامية، ولكن الحق الذي لا يستطيع احد اخفاءه هو ان الاسلام ضمير الشعب الجزائري واختياره.
نحن لم نتسبب في الازمة القائمة الا اذا كان ذنبنا اننا نجحنا في الانتخابات ونعرف انه اذا فازت الجبهة بعشرين او ثلاثين في المئة لما حصل شيء ولما الغيت الانتخابات واقيل الشاذلي بن جديد. لقد قدم غزالي خطة متكاملة للسلطة يضمن بها نجاح 100 مرشح مستقل من بين الف مرشح دعمهم في الانتخابات اغلبهم من المؤيدين للنظام على ان يفوز مئة آخرون من الاحزاب المسماة بالديموقراطية. وبقية المقاعد ال 230 تتقاسمها جبهة التحرير والجبهة الاسلامية والاحزاب الاسلامية الاخرى خصوصاً في منطقة الشرق. ونجد الآن في المجلس الاستشاري كثيراً من الشخصيات التي دعمها غزالي في الانتخابات وفشلت بشكل ذريع، حتى ان رئيس الوزراء المعين بلعيد عبدالسلام خسر امام مرشح مجهول للجبهة الاسلامية في معقله وبين قبيلته بعين كبيرة في ولاية سطيف.
المساجد قلاع الجبهة
انتم موجودون بقوة في المساجد، الا تخشون ان ينحصر بقاؤكم في المساجد فقط؟
- المساجد قلاع الجبهة، ومنها تنطلق خيوط التنظيم والعمل السري وفيها تجرى التوعية والتكوين لذلك لن نتنازل عنها ونحن موجودون في كل مكان يعيش فيه الشعب. انظر الى المحتشدات الصحراوية والمعتقلات، على سبيل المثال، ستجد جميع ابناء الشعب هناك: ابناء القبائل، الفقير، الغني، التاجر، المتحدث بالفرنسية، حتى تارك الصلاة. ان النظام لا يضرب الجبهة وانما يعاقب الشعب الذي اختارها، ان بعض اركان النظام لا يتردد ان يقول في مكان عام ان الشعب الجزائري غبي ومتخلف عندما اختار الجبهة الاسلامية للانقاذ. الجبهة الاسلامية لن تتحول الى طائفة الا اذا انحرفت عن خطها ودجنت قيادتها، لقد هوجمنا بشدة في الاعلام، خصوصاً في وقت الانتخابات وعلى رغم ذلك فازت الجبهة، ونعتقد ان جمهورنا هو اكبر مما وضع في الصندوق. ان الدليل هو ان الجبهة الاسلامية لن تكون طائفة انها الحزب الوحيد الذي نجح في تحريك الشعب للاعتماد على نفسه واحياء معاني التضامن، وهذا نجده كل يوم في علاقات الجار بجاره عندما يعتقل احد افراد الاسرة.
ان للشيخ محمد السعيد كلمة يصف فيها الجبهة الاسلامية فيقول: "استطاعت الجبهة ان تؤطر وتنظم كل الذين كانوا يرفضون التنظيم وتقلم اظافر كل الذين يريدون استخدام وسائل اخرى". ان هذا يدل على طبيعة الجبهة البعيدة عن صفات الطائفة او الحزب.
نعود الى مرحلة الانتخابات فنلاحظ ان الجبهة حذرت من الغاء الانتخابات وهددت بان الشعب سيرفض اية مصادرة لحقه، وعندما حصل ذلك والغيت الانتخابات لم يحصل شيء سوى صدامات محدودة، فهل جرى حوار داخل الجبهة حول ذلك، وهل ترون ان لجوء الجبهة الى السكينة كان اختياراً موفقاً؟
- لقد كان هذا اختيار الجبهة لحقن الدماء وبني على موقف شرعي. وكانت هناك اراء اخرى، ولكن المحاسبة والمعاتبة تأتي بعد النصر، ويمكننا ان نقول الآن ان هذا الاختيار حقق اقصى ما يمكن تحقيقه بالممارسة السياسية، وهو الفوز الكبير في الانتخابات. واصبحت الدولة الاسلامية مطلباً شعبياً لا بد ان يتحقق بطريقة او بأخرى. ولكل مرحلة اجتهادها المناسب. ونعتقد ان اختيار الجبهة خلال مرحلة الديموقراطية كان مناسباً، والدليل ان احزاباً اسلامية اخرى اختارت اجتهاداً آخر فرفضها الشعب.
استراتيجية حماس هي التدرج حتى اقامة الدولة الاسلامية، بينما اعتمدت الجبهة الاسلامية اسلوباً مغايراً، وهو الانتقال مباشرة الى الدولة الاسلامية بصورة اشبه ما تكون بالانقلاب العسكري على رغم شكلها الديموقراطي، اذ كنتم ستحلون نظاماً جديداً بالكامل باشخاصه الجدد مكان نظام آخر، واشخاص آخرين مما جلب لكم عداء الكثيرين، فما هي استراتيجيتكم في العمل؟ وهل اعدتم تقييمها من جديد؟
- نهج الجبهة الاسلامية هو المطالبة والمغالبة وليس المشاركة، ونعترف ان منهجنا جلب لنا عداوة الكثيرين، اذ نؤمن ان بناء الدولة الاسلامية يكون بعد القطيعة مع الانظمة الاخرى، وبناء المجتمع الاسلامي بعد القطيعة والتميز عن المجتمعات الاخرى. والقطيعة هنا لا تعني المقاطعة اذ يستمر التعامل مع النظام الآخر والمجتمع الآخر، ولكن نتميز عنه باسلامنا. ان فهمنا للقطيعة لا يستلزم العنف ولا تكفير الآخرين. لقد وضع شيوخنا معالم حتى لا نقع في التكفير كما وقع غيرنا، وهذا ما صرح به الشيخ عباسي مدني ورفض بوضوح ادعاء البعض ان الجبهة تكفر من لم ينتم اليها. ان نهج القطيعة مع النظام يعرفه الشعب الجزائري ومارسه مع المستعمر الفرنسي، اذ كان يعمل معه ويحصل على بطاقة المواطنة الفرنسية ويحاربه بوسائله بل يأخذ سلاحه ويقتله به. اننا نتعامل مع النظام بقدر محدد، ولكن في تعاملنا مع الوضع القائم نستبعد العنف تماماً، الا دفاعاً عن النفس، وهذا ما اجازه الشرع.
شروط الحوار مع السلطة
تحدثت عن الشيخ محمد السعيد فكيف دخل الجبهة الاسلامية واصبح قائداً مؤثراً فيها وهو لم يشارك في تأسيسها؟
- لقد دخل الشيخ محمد السعيد الجبهة بعد تأسيسها، وهذا مصداقاً لطبيعتها، فهي لا تمثل مدرسة فكرية او حركة معينة. وانما جهد لكل مسلم. وعندما اصبحت هذه حقيقتها لم يتردد الشيخ في دخول الجبهة. وهو عندما تقدم في 3 تموز يوليو من العام الماضي لقيادة الجبهة في ازمتها، بعد اعتقال الشيوخ وظهور خطة السلطة لتقسيمها، التف الشعب حوله لأنه لم يمثل نفسه وكان معروفاً على الساحة، وجاء ممثلاً للجبهة الاسلامية ولما تنادي به. وعلاقة الشيخ بالجبهة قديمة، فلقد ايدها في الانتخابات البلدية وعندما دعت الجبهة الى الاضراب العام في ايار - مايو 91 كان في مقدمة المسيرات مع قادة الجبهة الآخرين.
الشيخ محمد السعيد يمثل خطاً معيناً في التيار الاسلامي، فهل اثر ذلك على توجه الجبهة الاسلامية للانقاذ؟
- عندما دخل الشيخ الجبهة دخلها لمناصرة افكارها ومبادئها ولذلك التف حوله الناس.
في الجبهة الاسلامية تيارات متعددة فهل تستطيع العمل معاً من دون خلافات؟
- الجبهة الاسلامية موحدة ولن تنقسم باذن الله، وتعدد الآراء محمود، ولكننا الآن في مرحلة خطيرة لا تسمح بالخلافات والاجتهادات المتناقضة. والحمدلله الجميع متفقون على ذلك. وكان لاتفاقنا على الاهداف والمبادئ عامل ساعد على اعادة هيكلة الجبهة الاسلامية، بما يسمح للجميع تقديم ما يستطيعون تقديمه من اجل بناء الدولة الاسلامية.
من يعبّر حالياً عن الجبهة الاسلامية؟
- المواقف الرسمية تجدها في البيانات الموقعة من المكتب التنفيذي الوطني الموقت، اما اراء الاخوة الآخرين، وان كانوا من قيادات الجبهة ومهما كانت وضعيتهم في هياكلها، فلا تعبر عن موقف الجبهة الرسمي، وانما اراء تخصّ اصحابها ويستأنس بها.
هل يمكن ان تحركوا الشارع نحو انتفاضة شعبية؟
- نحن حريصون على دماء الشعب ولا نريده ان يخرج اعزل والجبهة تطلب من الشعب احياناً تحركاً محدوداً، وهو يستجيب لذلك من دون تردد.
هل يمكن ان يبدأ حوار غير مشروط بينكم وبين السلطة؟
- نريد حواراً جاداً ومسؤولاً، ليس من اجل حلول جزئية ولا من اجل الاعتراف بشرعية السلطة وانما لرد المظالم واعادة المسار الانتخابي وتحقيق اهدافنا وعدم مصادرة اختيار الشعب. ولا نتوقع حواراً قريباً مع السلطة فللحوار ميزان قوى، والسلطة في موقف ضعيف لذلك لن يدخلوا معنا في حوار الآن.
هل يستطيع النظام ان يتحاور مع جهة في الجبهة من دون اخرى؟
- هذا لن يكون باذن الله، فليس بيننا معتدلون ومتشددون وانما مبادئ اتفق عليها الجميع. بل لا يمكن التفاوض مع القيادة في الخارج من دون القيادة في السجن، والعكس صحيح هذا موقف مبدئي اتفقت عليه القيادة.
كيف هي علاقتكم بالاحزاب الاخرى؟
- ان الموقف المبدئي من مختلف الاحزاب جيد، فهي ترفض المشاركة من دون الجبهة الاسلامية، اذ يعلمون ان لا مستقبل للنظام وان الذي يشاركه سيتحمل وزره ويخسر مصداقيته امام الشعب، وهذه الاحزاب تعرف حجم الجبهة الاسلامية وفضلها على العمل الديموقراطي اذ انها كانت الجهة التي فرضت الاساليب الديموقراطية على النظام، فاول من نظم المسيرات كان الجبهة، واول من نظم التجمعات هو الجبهة، واول من مارس حرية التعبير والصحافة هو الجبهة.
هل أثرت الاحداث على طبيعة الحركة الاسلامية في الجزائر؟
- نخشى من المواقف المتطرفة. فكثير من المناضلين بدأ يفقد القناعة في العمل السياسي ويبتعد عن العمل المنظم، وفي الوقت نفسه استفدنا من التنظيمات التي ظلت محافظة على سريتها. فبعض الدعاة لم يثق يوماً في ديموقراطية العالم الثالث فابقوا على سرية تنظيماتهم، والآن نستفيد من هذه التنظيمات.
هل أثرت المطاردة والعودة الى السرية على معنوياتكم؟
- لا ... فنحن مقتنعون بأن طريق الدولة الاسلامية صعب ومليء بالدماء، وعودتنا الى السرية هي عودة لممارسة تعودنا عليها لسنوات طويلة منذ عهد بومدين، لذلك لا نرى جديداً وكل ما يجري هو طبيعي ومتوقع.
قادة جبهة الانقاذ
من هم أبرز قادة الجبهة الاسلامية للانقاذ وأين هم حالياً؟
1 - الشيخ عباسي مدني معتقل: اكبر القادة سناً 68 عاماً ويعتبر الرجل الاول في الجبهة، قاد عملية الاضراب في حزيران يونيو 1991 واسقط حكومة مولود حمروش. يميل الى الاعتدال في ارائه الاسلامية، غير انه اتخذ مواقف سياسية متشددة. معتقل منذ تموز يوليو 1991. عمل استاذ تربية في الجامعة.
2 - الشيخ علي بلحاج معتقل، الرجل الثاني في الجبهة 36 عاماً له شعبية واسعة اكتسبها من مواقفه المتشددة ضد النظام، اشتهر بالخطابة منذ ان كان شاباً يافعاً ودخل السجن في قضية مصطفى بويعلى، واسع الاطلاع ومتآثر بالعلماء الجزائريين والتيار السلفي وحركة الاخوان المسلمين في آن واحد. مواقفه من تطبيق الشريعة والتعامل مع السلطة متشددة. معتقل منذ تموز يوليو 1991 في سجن البليدة.
3 - عبدالقادر حشاني 36 عاماً خلفيته علمية في الصناعات البترولية، متأثر بحركة الاخوان المسلمين جناح عبدالله جاب الله، مقرب من عباسي مدني وقاد الجبهة الاسلامية في انتصارها الثاني في الانتخابات التشريعية في كانون الاول ديسمبر 1991. اراؤه الاسلامية معتدلة ومفاوض جيد، غير انه ملتزم بخط الشيوخ. يعيش حالياً خارج المعتقل.
4 - محمد السعيد 65 عاماً داعية معروف وزعيم تنظيم سري يتميز بالتركيز على الطبيعة الجزائرية للدعوة، متأثر بمالك بن نبي والاخوان، مع حرص شديد على الاستقلالية قاد الجبهة بعد اعتقال عباسي مدني وعلي بلحاج في تموز يوليو 1991 وانتسب الى الجبهة منذ ذلك الوقت. يعتقد ان له الدور الرئيسي حالياً في القيادة السرية. اراؤه الاسلامية معتدلة ومواقفه السياسية متشددة. يميل الى السرية ولا يحب الظهور. خارج المعتقل.
5 - عبدالرزاق رجام في اواخر الثلاثينات يوقع بيانات الجبهة حاليا ويترأس اللجنة الاعلامية فيها مقرب من عبدالقادر حشاني. خارج المعتقل.
6 - رابح كبير في الاربعينات استاذ في الفيزياء وتحت الاقامة الجبرية في مدينة القل شرق الجزائر. معتدل في ارائه الاسلامية وملتزم بخط القيادة. معظم تصريحاته تسير في اطار بيانات الجبهة الاسلامية. من مجموعة حشاني.
7 - عثمان عيساني طليق، وهناك غموض حول شخصيته اذ تنازل عن رئاسة الجبهة بعد اعتقال حشاني وسلمها لرابح كبير، صرح اخيراً ان هناك اتصالات تجري بين السلطة وقيادة الجبهة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.