نائب أمير تبوك يطلق حملة نثر البذور في مراعي المنطقة    منتدى المدينة للاستثمار.. يراهن على المشروعات الكبرى    انطلاق منافسات سباقات الخيل في ميدان الفروسية بالدمام الجمعة المقبل    عبد العزيز بن سعد يشهد الحفل السنوي لجمعية الأطفال ذوي الإعاقة بحائل 2024    المملكة تُطلق الحوافز المعيارية لتعزيز الصناعة واستقطاب الاستثمارات    مدرب البحرين مازحاً: تمنياتي للعراق التوفيق في كأس العالم وليس غداً    سفير المملكة لدى أوكرانيا يقدّم أوراق اعتماده للرئيس فولوديمير زيلينسكي    خطة تقسيم غزة تعود إلى الواجهة    225 مليون مستفيد بجمعية هدية الحاج والمعتمر    مسفر بن شيخة المحاميد في ذمة الله    فريق علمي لدراسة مشكلة البسر بالتمور    فرصة لهطول الأمطار على الرياض القصيم الحدود الشمالية والشرقية    من رواد الشعر الشعبي في جازان.. عبدالله السلامي    تشريعات وغرامات حمايةً وانتصاراً للغة العربية    "الوعلان للتجارة" تحتفل بإطلاق "لوتس إمييا" 2025 كهربائية بقدرات فائقة        "البروتون" ينقذ أدمغة الأطفال.. دقة تستهدف الورم فقط    الترفيه تعلن عن النزالات الكبرى في فعالية UFC ضمن «موسم الرياض»    الجيلي يحتفي بقدوم محمد    جسر النعمان في خميس مشيط بلا وسائل سلامة    وزير داخلية الكويت يطلع على أحدث تقنيات مركز عمليات 911 بالرياض    عمان تواجه قطر.. والإمارات تصطدم بالكويت    تيسير النجار تروي حكاية نجع في «بثينة»    الصقارة.. من الهواية إلى التجارة    زينة.. أول ممثلة مصرية تشارك في إنتاج تركي !    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان    تحت رعاية خادم الحرمين.. «سلمان للإغاثة» ينظم منتدى الرياض الدولي الإنساني الرابع    قبل عطلات رأس السنة.. أسعار الحديد ترتفع    "الصحي السعودي" يعتمد حوكمة البيانات الصحية    مستشفى إيراني يصيب 9 أشخاص بالعمى في يوم واحد    5 طرق لحماية أجسامنا من غزو البلاستيك    وتقاعدت قائدة التعليم في أملج.. نوال سنيور    «بعثرة النفايات» تهدد طفلة بريطانية بالسجن    رشا مسعود.. طموح وصل القمة    "فُلك البحرية " تبني 5600 حاوية بحرية مزود بتقنية GPS    استدامة الحياة الفطرية    قدرات عالية وخدمات إنسانية ناصعة.. "الداخلية".. أمن وارف وأعلى مؤشر ثقة    آبل تطور جرس باب بتقنية تعرف الوجه    محمد بن سلمان... القائد الملهم    تنمية مهارات الكتابه الابداعية لدى الطلاب    منصة لاستكشاف الرؤى الإبداعية.. «فنون العلا».. إبداعات محلية وعالمية    محافظ جدة يطلع على برامج "قمم الشبابية"    البرازيلي «فونسيكا» يتوج بلقب بطولة الجيل القادم للتنس 2024    هجوم ألمانيا.. مشهد بشع وسقوط أبشع!    سيكلوجية السماح    عبد المطلب    زاروا معرض ومتحف السيرة النبوية.. ضيوف «برنامج خادم الحرمين» يشكرون القيادة    الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يلتقي بابا الفاتيكان    26 مستوطنة إسرائيلية جديدة في عام 2024    "الداخلية" تواصل تعزيز الأمن والثقة بالخدمات الأمنية وخفض معدلات الجريمة    إعداد خريجي الثانوية للمرحلة الجامعية    التشريعات المناسبة توفر للجميع خيارات أفضل في الحياة    سعود بن بندر يلتقي مجلس «خيرية عنك»    خادم الحرمين يرعى منتدى الرياض الدولي الإنساني    تجويد خدمات "المنافذ الحدودية" في الشرقية    الأمير سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف.    لتعزيز الروابط النيابية وتوعية الجمهور.. تدشين الموقع الالكتروني لجمعية النواب العموم العرب    ولادة المها العربي ال15 في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوسط" في كوبا : دولة على وشك الافلاس التام يحكمها رئيس مرهق . المرشح لخلافة كاسترو : نريد علاقات ودية مع أميركاوالتغيير قد يحصل مع كلينتون لأنه يريد الاهتمام بالقضايا الداخلية
نشر في الحياة يوم 07 - 06 - 1993

بعد ثلاثة عقود من التبعية للاتحاد السوفياتي السابق أصبحت كوبا الآن على وشك الافلاس التام.
وصلت الى كوبا على متن طائرة تقوم برحلتين اسبوعياً من مدينة كينغستون عاصمة جامايكا الى هافانا. والطائرة ذات المحركين هي من طراز انتونوف التي يزيد عمرها على ثلاثين عاماً. وبدلاً من ان تحمل ثمانية وثلاثين راكباً فان الكوبيين زادوا عدد المقاعد فيها الى ستة وأربعين مما يجعل الرحلة مرهقة. اما التكييف الهوائي فيها فهو معدوم. وبعد أن حلّقنا على ارتفاع ثمانية آلاف قدم وصلنا بعد ان قطعنا الرحلة التي يبلغ طولها حوالي اربعمئة ميل في مدة ساعتين وربع الساعة.
اجراءات الهجرة، عند الوصول الى مطار خوزيه مارتيه، ودية، ولكن كل شيء يخضع للتفتيش الدقيق. اما الرحلة من المطار الى المدينة وهي حوالي ثلاثين كيلومتراً، فتكلف بالتاكسي تسعة دولارات. وليس في وسع احد استخدام سيارات تاكسي الاجرة الا اذا كان معه دولارات. على جانب الطريق من المطار ترى اشارة كبيرة وقد كتب عليها: "الاشتراكية او الموت". وحين قلت للسائق ان الاعلانات الايجابية أفعل أثراً من الاعلانات السلبية وان الافضل ان تستبدل الاشارة بأخرى تقول: "الحياة او الرأسمالية"، قال ان المسألة ليست مسألة اختيار. فاذا انهار النظام وعاد الكوبيون المهاجرون والمعارضون من ميامي فانهم سيقتلون كل اولئك الذين يعملون الآن مع نظام الرئيس فيديل كاسترو.
وبعد وصولي بيومين سألني ديبلوماسي اميركي عما اذا لاحظت اي تغيير منذ زيارتي الاخيرة لكوبا عام 1977. قلت له ان الكوبيين كانوا يتذمرون آنذاك من مستويات المعيشة وكانوا يلومون نظام فيديل كاسترو على ذلك. اما اليوم فان الكل يلومون الولايات المتحدة لان النظام يلقي باللوم في المعاناة المتزايدة على الحصار الاقتصادي الذي تفرضه الولايات المتحدة على كوبا. لكن الواقع هو ان السبب في المعاناة يعود الى توقف المساعدات والاعانات السوفياتية. فمع ان موسكو لا تزال تشتري الجزء الاعظم من السكر الكوبي وغيره من المحصولات وتزود كوبا بمعظم حاجتها من النفط، فانها تزودها به بسعر السوق، كما انها لم تعد تدفع ستة اضعاف ثمن السكر في السوق مثلما كانت تفعل في السابق. وهكذا انخفض حجم الاقتصاد الكوبي بنسبة حوالي اربعين في المئة كما انخفض حجم التجارة الخارجية بنسبة خمسة وثمانين في المئة.
والواقع ان كوبا تخضع للمقاطعة الاميركية منذ اربعة وثلاثين عاماً، اي منذ اطاحت الثورة نظام باتيستا. ومن الواضح ان الحياة في كوبا اصبحت الآن اكثر عناء ومشقة مما كانت عليه عام 1977. فمعظم الوقود محجوز مثلاً لسيارات الاجرة التي يستخدمها السياح وللسيارات الحكومية، لا سيما العسكرية منها. اما المواصلات العامة فهي شبه معدومة. صحيح ان هناك بعض سيارات الباص المجرية التي عفا عليها الزمن، ولكن الناس يقفون في طوابير طويلة لمدة طويلة في انتظارها. ولهذا يلجأ من يستطيع تأمين المال اللازم الى شراء دراجة للعائلة بأكملها. اذ ان ثمن الدراجة يبلغ معدل راتب طبيب لمدة ثلاثة اشهر.
والمواد الغذائية تخضع لنظام التقنين: 5،2 كيلوغرام من الارز في الشهر، 600 غرام من الفاصوليا، 3 كيلوغرامات من السكر مع انه محصول البلاد الأساسي، 250 غراماً من السمك، 125 غراماً من البن وأربع بيضات كل اسبوع. اما اللحوم فلا تتوافر في أغلب الاحوال إلا في السوق السوداء والفنادق السياحية.
ومع ان نظام التعليم أدى الى القضاء على الأمية وكان يكفل للطفل زجاجة مجانية من الحليب كل يوم، فانه لا يقدم اليوم للاطفال سوى زجاجة من المياه التي اضيف اليها السكر. كذلك لا يزال نظام الضمان الصحي يكفل العلاج المجاني للجميع، ولكن هناك نقص شديد في الادوية والمعدات الطبية.
ونظراً الى نقص المحروقات، وما يترتب على ذلك من انقطاع دائم في امدادات الكهرباء، فان المصانع تعمل ما بين الساعة السابعة صباحاً والثالثة بعد الظهر فقط لكي تتيح للعمال العودة الى بيوتهم مشياً على الاقدام قبل حلول الظلام.
وقد انخفض محصول السكر هذا العام الى خمسة ملايين طن عما كان عليه عام 1990، اذ بلغ آنذاك حوالي ثمانية ملايين ونصف المليون طن. ومن اهم اسباب ذلك نقص الاسمدة ومبيدات الحشرات. وفي عام 1986 مثلاً بلغ دخل كوبا من السكر اكثر من خمسة آلاف مليون دولار بينما انخفض دخلها الآن الى حوالي الف مليون دولار فقط. ولا يزيد مجموع احتياطي البلاد من الذهب والعملات الاجنبية على عشرة ملايين دولار، مما يعني ان كوبا التي يزيد سكانها على أحد عشر مليون نسمة أفقر من غرانادا القريبة منها التي لا يزيد عدد سكانها عن ثمانين الف نسمة.
ويعلق ديبلوماسي كندي على الوضع العام في كوبا بقوله: "للمرة الاولى منذ ان اكتشف كريستوفر كولومبوس اميركا، نجد ان كوبا أصبحت مستقلة الآن عن اسبانيا وأميركا وروسيا. ولهذا يجب عليها ان تشق طريقها بنفسها".
اللوبي الكوبي
لكن المشكلة هي ان كوبا يجب ان تعيش في واقع جديد وأن تتخلى عن الاعتقاد القديم بأن الاتحاد السوفياتي موجود دائماً وعلى استعداد لمساعدتها. فهي بلاد فيها موارد لا يستهان بها، فاضافة الى السكر والنيكل والسياحة، هناك صناعة ادوية متطورة لها سوق عالمية واسعة، وهناك مجال هائل لتطوير الصناعة السياحية. ولا بد لها من اتخاذ الاجراءات الكفيلة باجتذاب الاستثمارات الاجنبية اليها.
ويمكن لكوبا ان تتعلم من الصين التي اخذت تغير سياستها الاقتصادية منذ سنوات وتتبنى نهجاً اقتصادياً يساعدها على تحقيق النمو المطلوب. كما ان عليها ان تدرك ان الحرب الباردة انتهت، مما يعني ان كوبا لم تعد تلك الدولة التابعة "للعدو"، من وجهة نظر واشنطن.
لكن بنفنيدو غارسيا رئيس دائرة اميركا الشمالية في وزارة الخارجية الكوبية يقول: "ان الولايات المتحدة تواصل الحرب الباردة مع كوبا فقط". ويتفق الديبلوماسيون البريطانيون والكنديون، وحتى الاميركيون، في هافانا، على ان المقاطعة الاقتصادية الاميركية لكوبا هي نتيجة لضعف الكونغرس في مواجهة اللوبي الكوبي المعادي للنظام في الولايات المتحدة. اذ ان هذا اللوبي الذي يرأسه جورجيه ماس كانوسا رئيس الاتحاد الوطني للكوبيين الاميركيين يريد تجويع الكوبيين تمهيداً لاسقاط نظام كاسترو. ومع ذلك فان المرء لا يشعر بوجود عداء واضح في هافانا للأميركيين وإنما يستطيع ان يرى ان العداء موجه نحو سياسة الولايات المتحدة ونحو اللوبي الكوبي فيها. اذ ان الكوبيين يذكرون جيداً حادثة "خليج الخنازير" وأزمة الصواريخ ومحاولات وكالة المخابرات المركزية سي.آي.ايه لاغتيال كاسترو، لا سيما في الستينات.
ومع ان الكوبيين كانوا يأملون في حدوث تغيير في السياسة الاميركية تجاههم مع تولي بيل كلينتون الرئاسة في واشنطن، فانه لا يبدو ان هناك اي دليل على ذلك. اذ ان ألبرت غور نائب الرئيس الاميركي ابلغ مجموعة من الكوبيين في ميامي اخيراً ان الادارة "ليس لديها أية خطط لتغيير سياستها تجاه كوبا عما كانت عليه في عهد ادارة بوش".
وحين سألت احد كبار الديبلوماسيين عن السبب الرسمي لاستمرار المقاطعة الاميركية لكوبا قال: "ان مسألة حقوق الانسان على درجة عظيمة من الاهمية. وأنا اعرف ان الكثير من الناس يقولون ان وضع حقوق الانسان في فيتنام والصين أسوأ مما هو عليه في كوبا، ولكن حقوق الانسان هي السبب".
لكن الديبلوماسيين في هافانا يردون على ذلك بقولهم ان واشنطن لم تفعل شيئاً لمنع تايوان واليابان وكوريا الجنوبية وأوروبا من التعامل مع فيتنام والاستثمار فيها. وهم يشيرون الى ان الادارة الاميركية تخشى في واقع الامر اللوبي الكوبي في الولايات المتحدة.
في هذه الاثناء تواصل المقاطعة الاميركية المساهمة في تدهور كوبا الاقتصادي، ويستمر المواطنون العاديون في دفع ثمن هذا النزاع بين الحكومتين. وعلى رغم ان واشنطن تريد عودة الكوبيين من ميامي ليحكموا البلاد فان الكوبيين في بلادهم يرفضون ذلك ويقولون ان الحاجة تدعو الى اصلاحات داخلية. ومع انه ليس هناك من يعرف ما الذي يمكن ان تعطيه استطلاعات الرأي المستقلة من نتائج، فان معظم الديبلوماسيين في هافانا يبلغون حكوماتهم ان معظم الكوبيين يريدون اقتصاداً مختلطاً في بلادهم، اي ان يكون مزيجاً من الاشتراكية والرأسمالية، على غرار ذلك الذي يسود دولاً مثل كندا والسويد. أما أكثر مشاعر المرارة بين السكان نحو النظام فتتركز بين العائلات التي كان بعض افرادها او لا يزالون سجناء سياسيين.
هل دفعت الحساب؟
ومن الجدير بالذكر ان أفضل اصدقاء كوبا هما المكسيك وكندا، شريكا الولايات المتحدة في منطقة التجارة الاميركية الحرة. ومن المؤكد انه اذا ما تخلت اميركا عن اعتراضاتها فان الاستثمارات ستبدأ في الوصول الى كوبا. الا ان المشكلة الاساسية التي تواجه الحكومة الآن هي تأمين الغذاء والسلع الاساسية للسكان. وما دام الحصار الاميركي قائماً فان كاسترو يستطيع القاء اللوم في كل شيء على واشنطن. ومع هذا فان الحكومة الكوبية اعترفت اخيراً بأنها ارتكبت خطأ جسيماً بافراطها في الاعتماد على الاتحاد السوفياتي السابق. ولذا فمن المحتمل ان نرى هافانا وقد بدأت تجربة مشاريع السوق الحرة خلال فترة قصيرة، وإذا ما حدث ذلك فان ادارة كلينتون ربما تبدأ في التفكير بجدية بتخفيف العقوبات والحصار، مما سيعطي كلاً من الجانبين الفرصة لادعاء تحقيق النصر. وهناك عدد من الديبلوماسيين في هافانا ممن يشعرون ان انهاء الحصار سيساعد كوبا على التخلص من الكثير من مشاكلها ويدفع الحكومة الى التوصل الى صفقة مع واشنطن، لا سيما ان هافا على استعداد لفعل ذلك الآن اكثر مما كانت عليه في السبعينات. وهم يقولون ان على واشنطن ان تعاملها كدولة مستقلة لها وزنها مثلما تعامل فيتنام والصين لأن هذا سيجعل الكوبيين يشعرون باحترام ذاتي كبير. ويقول هؤلاء الديبلوماسيون ايضاً ان كوبا لبّت الكثير من الطلبات الاميركية، فقد سحبت قواتها من افريقيا، ولم تعد عضواً في الكتلة الشرقية التي انتهت بانهيار الاتحاد السوفياتي. وها هي الآن تخطو الخطوة الأولى على طريق السوق الحرة.
وهناك نقطة مهمة اخرى في رأي الديبلوماسيين وهي ان النخبة المثقفة في كوبا لا تستطيع ان تقوم بدورها الحقيقي الناقد والفعّال ما دام الحصار الاميركي قائماً، وما دامت واشنطن تواصل عداءها نحو هافانا. اذ ان المفكرين والكتّاب يتجاهلون الواقع في بلادهم انطلاقاً من ولائهم للثورة وادراكاً منهم بأن كوبا تواجه ما يكفي من العداء الخارجي.
ويلخص أليخاندرو أوتيرو وهو مؤلف ذائع الصيت منعت السلطات نشر كتبه في البلاد، المزاج العام بقوله: "ان النظام بحاجة الى اصلاح وبحاجة ايضاً الى اجراء اصلاحات مختلفة. لكن الناس يشعرون بالخوف من العواقب في حال فشل الثورة، لا سيما ان معظمهم يؤيد الاشتراكية".
ويضيف القول: "بمزيد من الذكاء وبعد النظر الاميركي يمكننا ان نحقق انفتاحاً سياسياً يساعد على احداث تغييرات في الاسلوب والايديولوجية والممارسات داخل كوبا. ولهذا فنحن نتطلع بأمل الى الادارة الجديدة".
ان كوبا تمثل بالنسبة الى الصحافي الاجنبي الذي يزورها لفترة قصيرة صورة من الصعب التمييز فيها احياناً بين المظهر والحقيقة. فحين غادرت الفندق في طريقي الى المطار تقدم شرطي ليمنع سائق التاكسي من المغادرة ريثما يتأكد من الفندق انني دفعت الحساب. وفي الطريق الى المطار سألت السائق: وهل هناك من يغادر الفندق من دون ان يدفع الفاتورة؟ رد عليّ السائق: "بالطبع لا. ولكن لو لم يوقفنا فان الشرطي الآخر كان سيبلّغ عنه ويتهمه بالتقاعس والتقصير في واجبه!".
حوار مع خليفة كاسترو
قبل ان اغادر هافانا عائداً الى واشنطن التقيت الرئيس الكوبي كاسترو مع مجموعة من الاميركيين، كما اجريت مقابلة خاصة لپ"الوسط" مع وزير خارجية كوبا روبرتو روبيانا الرجل الذي ترشّحه الاوساط السياسية والديبلوماسية في هافانا لخلافة الرئيس الكوبي الحالي بعد وفاته.
يبدو فيديل كاسترو وهو في السابعة والستين من عمره مرهقاً، وأشبه بجد منه بزعيم دولة، مع انه لا يزال يتحدث كقائد لا يعترف بوجود اية معارضة او انشقاق. وهو يعتبر عداوة اميركا مسألة طبيعية في كل معادلة كوبية، ويعرف جيداً ان الاميركيين يريدون رأسه. ولا يزال يرتدي بزة الثوار القديمة والقبعة التي تحمل شعار الجنرالات. قال لنا خلال هذا اللقاء: "ان الادارات الاميركية تأتي وتذهب ولكن الثورة الكوبية تظل موجودة. فقد ألحق الفيتناميون الهزيمة بالامبرياليين الاميركيين مثلما هزمناهم نحن. ونحن نعرف ان هناك الملايين من الاميركيين الطيبين الذين يرجون لنا كل خير، كما اننا نحبهم كأخوة وأخوات لنا. كل ما نطلبه من واشنطن هو ان تتركنا وشأننا وأن تكف عن اضطهادنا في مختلف ارجاء العالم".
كان كاسترو يتحدث امام مجموعة من الزوار الاميركيين جاء بهم الى كوبا المدعي العام الاميركي السابق رامزي كلارك ومعهم تبرعات من الادوية والفيتامينات للشعب الكوبي. وحضرت هذا اللقاء. وقبل ذلك تحدث كاسترو مع كلارك حوالي اربع ساعات عن حاجات كوبا من المواد الطبية والأدوية وبحث معه أدق تفاصيل هذه المواد. وبعد الحديث قال كلارك ان كاسترو يعرف تفاصيل الامور في مختلف ارجاء البلاد. اذ انه لا يزال يتدخل في كل شيء.
ان التاريخ فيه كثير من القصص عن الزعماء الذين يقنعون اعداءهم بالحفاظ على حياة شعوبهم من خلال عرض انفسهم فدية لتلك الشعوب. ولكن لو ان كاسترو تنازل عن السلطة لأحد اتباعه الاكثر مرونة فان من غير المحتمل ان تنظر واشنطن الى مثل هذه الخطوة نظرة جدية ما دام كاسترو في البلاد. لكن اين يمكن ان يذهب كاسترو اذا تنازل عن السلطة؟ فلم يعد هناك الكثير من الدول الاشتراكية ذات المناخ الدافئ. اذن هل يذهب الى ليبيا؟
الرجل الذي طالما تردد اسمه ليخلف كاسترو اذا ما قرر فعلاً انه تعب مما يسميه "الماراثون الطويل" هو روبرتو روبيانا وزير الخارجية الجديد الذي حل مكان ريكاردو ألاركون الذي اصبح الآن سفيراً لبلاده في الأمم المتحدة. ويبلغ روبيانا او "روبيرتكو" كما يحلو لكاسترو ان يسميه السابعة والثلاثين من عمره. وكان قبل تولي منصبه الجديد زعيم اتحاد الشببية الشيوعية. وهو ابن الثورة. فعندما دخل كاسترو العاصمة هافانا كان روبيانا في الثالثة من عمره. وهكذا لم يعرف سوى كوبا الثورة.
قال لنا روبيانا: "ليس هناك مبرر سياسي لعداء الولايات المتحدة نحو كوبا. فقد انتهت الحرب الباردة. وسرعان ما ستجد الولايات المتحدة انها الدولة الوحيدة في العالم التي لا تتعامل معنا". وكرر ما قاله رئيسه: "ومع ذلك فان كل ما نطلبه من واشنطن هو ان تتركنا وشأننا. يجب على الادارة الاميركية الجديدة ألاّ تستخدمنا لتحويل الانتباه وأن تكف عن اضطهادنا في مختلف ارجاء العالم. ونحن قادرون على الصمود لأن افضل مواردنا هي الناس. فمنذ سنوات وهم يقولون في الولايات المتحدة ان نظام كاسترو على وشك الانهيار. لكن الذي يحصل مثلاً ان نظام بوش هو الذي انتهى بينما لا نزال نحن هنا. اننا نأمل في نشوء علاقات ودية بيننا وبين كلينتون".
وعلى عكس سلفيه ألاركون وغارسيا اللذين يتحدثان الانكليزية بطلاقة فان روبيانا يتحدث الاسبانية باللهجة الكوبية وبطريقة يكاد يبتلع معها الحروف الصحيحة، الى درجة انه يحذف المقاطع الاخيرة تقريباً من الكلمات. وفي ما يأتي نص المقابلة الخاصة التي أجرتها "الوسط" مع وزير الخارجية الكوبي:
هل تغير اي شيء بالنسبة الى كوبا منذ ان تولى كلينتون السلطة في واشنطن؟
- بعد سنوات طويلة من العداء تجاه كوبا، لا سيما في عهدي ريغان وبوش، يمكن القول ان وصول رئيس جديد وفريق جديد الى البيت الابيض، بنظرة جديدة الى المشاكل الوطنية والعالمية، يتيح الفرصة للتغيير. وقد وعد كلينتون بالتغيير. ولكن لا اعتقد ان التغيير سيكون نحو الاسوأ.
هل هناك اشارات على ان الامور ستتغير؟
- ليس هناك اشارات، كما ان نائب الرئيس ألبرت غور قال انه لن يحدث تغيير في السياسة. ولكن ربما كانت الاشارة الوحيدة الواضحة هي ان ادارة كلينتون ستحاول عدم مواجهة الشؤون الخارجية على الاطلاق والاكتفاء بردود الفعل على الاحداث والتطورات غير المتوقعة، كما هو الحال في سياسة واشنطن تجاه البوسنة والهرسك والاهتمام بالقضايا الداخلية. اذ ان كلينتون لم يتخذ موقفاً او سياسة واضحة حتى الآن تجاهها.
يتولى انطوني ليك الذي كان مدير التخطيط السياسي في عهد الرئيس كارتر، رئاسة مجلس الامن القومي الآن. فهل كانت الامور افضل في عهد كارتر، من وجهة نظر كوبا؟
- نعم. ففي عام 1977 بدأ كارتر يتعامل مع كوبا من زاوية مختلفة. اذ الغى القيود على سفر الاميركيين اليها. كذلك جرت محادثات بين البلدين لبحث المسائل البحرية، وتوصل الطرفان الى اتفاق على صيد الاسماك في المياه الاقليمية لكل منهما. وكانت تلك خطوات لبناء الثقة. وقد اقام كل من الجانبين قسماً لرعاية المصالح في عاصمة الجانب الآخر. والآن ها نحن نرى في واشنطن ادارة ديموقراطية مماثلة. ونظراً الى انتهاء الحرب الباردة فان الامور يجب ان تتحسن. وأنا أقول يجب. اما اذا كانت ستتحسن فعلاً فلا احد يعرف. فمع ان الحرب الباردة انتهت فان الولايات المتحدة لا تزال في حالة حرب باردة مع كوبا. فأميركا تقول لنا انه يجب علينا ان نتمشى مع افكارها عن حقوق الانسان وأن نجري انتخابات حرة. لقد انتهينا للتو من اجراء انتخابات بالاقتراع السري. لكن المشكلة هي ان الكونغرس الاميركي لا يمكن ان يقول ان انتخاباتنا كانت نزيهة وحرة الا اذا لم تعد الثورة تتولى الحكم في البلاد. وهكذا فان ما يهم اميركا في الواقع هو نتيجة الانتخابات وليس نزاهتها. اننا نعتقد ان انتخاباتنا كانت ديموقراطية. لكنهم يقولون انها غير كافية لأنه ليس لدينا سوى حزب واحد. الا ان المرشحين كانوا جميعاً مستقلين. لماذا لا ينظرون حولهم: ان معظم الدول الافريقية فيها حزب واحد. والصين ايضاً فيها حزب واحد. وكذلك الحال في فيتنام. ثم ماذا عن بعض دول الشرق الاوسط؟ فهل كوبا أهم من كل تلك الدول؟ وهم يقولون لنا ايضاً انه يجب علينا ان نطبق اقتصاد السوق الحرة. فهل هذا شيء يجوز لحكومة اجنبية ان تطبقه علينا؟ كل هذا من مخلفات ادارة بوش، ونحن نأمل في ان يتغير ذلك.
نحن نعرف ان هناك مشاريع نفطية مشتركة بين كوبا وكندا وفرنسا. فهل حققتم اي نجاح في اجتذاب مصالح الاعمال اليابانية؟
- معظم معدات صيد الاسماك عندنا صناعة يابانية. ونحن نود دراسة انشاء مشروع مشترك في هذا المجال. فالبحر الكاريبي فقير بالاسماك، ولذا فان قوارب صيد الاسماك الكوبية تبحر حتى شواطئ ألاسكا ونيوفاوندلاند. واضافة الى رغبتنا في التعاون مع اليابان في مجال الصيد، نود ايضاً التعاون معها في مجال السياحة. ونحن الآن نتفاوض مع شركة سياحة كندية - يابانية في فانكوفر. كذلك نأمل بتنفيذ مشاريع صناعية مشتركة مع الصين.
الشرق الاوسط وايران
هل لدى كوبا سياسة محددة تجاه الشرق الاوسط؟ اذ يقال ان كوبا تشاطر الولايات المتحدة قلقها من التطرف الاسلامي.
- نحن نخشى الحروب والدمار وفقدان الارواح مهما كانت اشكال ذلك. ونحن لا نريد حدوث اي شيء يؤدي الى نشوب حرب سواء كان ذلك خلافات عرقية او دينية.
ما هو شعوركم تجاه ايران التي فيها حكومة دينية وتضطهد الشيوعيين؟
- ايران دولة مستقلة ذات سيادة ويجب علينا ان نحترمها كما هي. فنحن نفضل نظاماً آخر لنا ولكننا لا نحاول فرضه على الآخرين. وعلاقتنا مع ايران جيدة. وقد ساعدناها حتى على تأسيس صناعة للسكر من خلال تقديم الفنيين الكوبيين.
لديكم اتفاق جديد مع روسيا لبيعها السكر. فهل ستظل هي المصدر الأساسي لنفطكم؟
- ليست وحدها، وإنما هناك دول الاتحاد السوفياتي السابق الاخرى. كما اننا نحصل على امدادات صغيرة من الشرق الاوسط. لكننا لم نعد نحصل على نفط من فنزويلا بسبب الضغط الاميركي عليها. وفوق هذا بدأنا نزيد انتاجنا الوطني كما اننا ننقب عن حقول نفط جديدة، وبعضها في البحر لكن معظمها في البر. وقد بدأنا نحصل على تكنولوجيا افضل لآبارنا الحالية، من كندا وفرنسا، ستساعد على مضاعفة انتاج هذه الآبار.
هل هناك اي شيء انتم على استعداد لفعله من أجل تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة؟
- الواقع اننا نحن الذين تعرضنا للهجوم في خليج الخنازير عام 1961، فبعد ان أطحنا الدكتاتورية في بلادنا عام 1959 اتخذت الحكومة الاميركية موقفاً عدائياً تجاهنا منذ ذلك الوقت، اي منذ عهد ايزنهاور. اي اننا لسنا نحن الذين تسببنا بهذا الوضع العدائي.
لكنكم ربطتم أنفسكم مع الاتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية.
- لنحتمي من الولايات المتحدة، ولأننا كنا بحاجة الى المساعدة في بناء المجتمع الاشتراكي. نحن الذين تعرضنا للهجوم، ولهذا فان عليهم هم الاميركيين ان يتغيروا اولاً. اما نحن فلن نغير نظامنا السياسي لارضاء دولة اجنبية، مع اننا نريد ان نحل مشكلاتنا مع الولايات المتحدة على اساس المساواة. ولكن لنا الحق في نظام الحكومة الذي نرغب فيه وان نختار قادتنا حسب رغباتنا. باختصار من حقنا ان نتمتع بالحرية وتقرير المصير وعلى الآخرين ان يقبلونا كما نحن.
هل يمكن القول ان أفضل اصدقائكم هما كندا والمكسيك؟
- ان كندا لم تغير اطلاقاً علاقاتها الديبلوماسية والتجارية مع كوبا. فمنذ سنوات طويلة لم يكن هناك احد في نصف الكرة الغربي له علاقات مع كوبا سوى كندا والمكسيك. اما الآن فلدينا علاقات مع 91 دولة. صحيح ان هذا العدد اقل من عدد الدول التي لها علاقة مع منظمة التحرير الفلسطينية، ولكنه اكثر من الدول التي لاسرائيل علاقات معها. كذلك لم يسبق ان واجهتنا اية مشكلة في السوق الكندية التي تشبه السوق الاميركية، مع انها اصغر منها. فنحن نشتري الاخشاب الكندية مثلاً، ونستطيع ان نستورد من كندا وان نصدر اليها من دون اية قيود. ولدينا اهتمام بالزراعة الكندية التي يمكن ان نطور شيئاً مماثلاً لها هنا، وان نطورها ايضاً بشكل يسد جميع احتياجات كوبا من الغذاء البحري.
أخيراً هل تعتقدون ان في وسع كندا ان تؤثر في سياسة الولايات المتحدة تجاه كوبا؟
- لم نطلب ابداً من كندا ان تتوسط نيابة عنا، كما انها لم تطلب اطلاقاً منا التوسط لدى واشنطن. ومن الطبيعي انها تفضل ان نكون على علاقة افضل مع الولايات المتحدة. ولكن علاقاتنا التجارية بشكل عام في نمو مضطرد مع كندا والمكسيك والبرازيل واسبانيا وإيطاليا والبرتغال، اي ان صلاتنا التجارية معها غير مقيدة. والواقع ان اسبانيا أجّلت للتو الديون المستحقة لها علينا، بل وقدّمت لنا قرضاً جديداً. ولهذا فانني اعتقد ان الولايات المتحدة هي التي تعاني العزلة، وليس كوبا.
لا تعليق على كلام وزير الخارجية الكوبي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.