سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ندوة "الوسط" عن نهاية عصر التطرف السياسي وبداية عصر التطرف الديني . الاسلام لم يبدأ بالثورة الايرانية او بجبهة الانقاذ والسودان نموذج سيىء ، والحالة الليبية لا جذور لها 2
هذه هي الحلقة الثانية من الندوة التي عقدتها "الوسط" في القاهرة وأدارها عمرو عبدالسميع وتناولت المسائل الآتية: هل سقطت الراديكالية العربية؟ هل انتهى عصر التطرف السياسي العربي وأصبحت ظاهرة "الاسلام السياسي" او "التطرف الديني" هي سمة هذه المرحلة من تاريخنا؟ وقد شارك في هذه الندوة: 1 - فهمي هويدي، كاتب ومفكر سياسي متخصص في الفكر الاسلامي وله مؤلفات عدة. 2 - تحسين بشير، سفير سابق ومتحدث رسمي باسم الحكومة المصرية في مطلع السبعينات وخبير في الشؤون الدولية. 3 - محمد سيد أحمد، كاتب ومفكر سياسي له مؤلفات بارزة عدة. 4 - سعد الدين ابراهيم، استاذ جامعي وكاتب وخبير سياسي معروف. 5 - أحمد يوسف، استاذ النظم السياسية في جامعة القاهرة وله مؤلفات عدة. وفي ما يأتي الحلقة الثانية من هذه الندوة: "الوسط" عند الحديث عن نهاية أية ظاهرة سياسية او اجتماعية ينبغي التمييز بين مستويين: استراتيجي او بعيد المدى وتكتيكي او موقت، فهل نستطيع اجراء هذا التمييز في حالة الراديكالية العربية، بحيث نسأل عما اذا كان سقوطها موقتاً ام نهائياً؟ - محمد سيد احمد: فكرة نهاية الراديكالية العربية تفترض اننا بصدد عالم مختلف وان هذه الراديكالية منسوبة الى فترة ماضية ولم تعد لها مبررات في الحاضر. وأعتقد ان هذا هو الموضوع الجوهري وبناء عليها أرى انه اذا انتهت الراديكالية العربية فسيكون هذا تكتيكياً، ولكنها لن تنتهي استراتيجياً. تكتيكياً بمعنى ان سبل احتواء هذه الراديكالية واردة، ولكن القدرة على اجتثاث جذور هذه الراديكالة غير واردة لأن لها اسبابها الموضوعية. ومعنى الراديكالية هو اتخاذ مواقف فيها قدر من التطرف، من لوي ذراع التاريخ، من الفرص. وفي العالم الحالي هناك مبادئ معينة مثل الديموقراطية وغيرها اصبحت لها مرجعية لدى الكل، ولكن هناك فارق بين ان تكون لها مرجعية وبين ان تتوافر الظروف الموضوعية بحيث ان هذه المرجعية تتحقق، توجد مسافة كبيرة، المشكلة الحقيقية هي كيف نتعامل مع تجدد هذه الراديكالية في ظل المرجعية المنشودة التي لم تتوافر لها ظروف التطبيق. وقبل ان اتكلم دفاعاً عن التيار الديني في مواجهة التيار القومي والتيار القومي في مواجهة الماركسي، قبل هذا كله ما الذي يجدد هذه المشكلة باستمرار ويجعلها قائمة على رغم ما يقال؟ يعني على سبيل المثال يمكن القول ان المواجهة بين الشرق والغرب غذّت وشجعت وجود الراديكالية، ولكن ليس معنى ذلك أن اختفاء المواجهة بين الشرق والغرب ترتب عليه اختفاء الراديكالية او مبرراتها، فهل نقول هناك مشكلة الشمال والجنوب؟ نعم وهذه المشكلة متجاوزة كل الايديولوجيات، وعندما تثبت ايديولوجية فشلها في ان تعالج الاشكالية تبرز ايديولوجية بديلة يجري التعلق بها كبديل لتبرير الراديكالية، هذه هي المشكلة. يعني المسألة ليست مواجهة بين راديكاليين متطرفين وبين عقلانيين، فما السبب في ان العقلانية - مع وضوح معنى العقلانية - تفشل؟ انا اعتقد ان هذا الموضوع الذي تجدر مناقشته في اطار الحاضر والمستقبل اكثر من اعتبارات تتعلق بالماضي، اكثر من امثلة مستمدة من تجربة التيار القومي او الاسلامي. هل معنى ذلك ان الراديكالية غير عقلانية؟ - محمد سيد احمد: لا، انا اقول ان الراديكالية تعبير سياسي معين تبرره تباينات عنيفة، بحيث ان الصدام لا مفر منه، لكن توجد اليوم بدائل حيث المرجعية الحالية تتحدث عن ديموقراطية، بمعنى ان اللجوء الى التطرف هو تصرف صدامي غير عقلاني، والافتراض الكامن وراء ذلك هو: كان يمكن ان تتغلب على الخلافات بطرق لا تلجأ الى العنف او الى الراديكالية او الى التطرف او الى التعبئة المتعسفة. ومع ذلك ارى انه حتى الآن فان الاسباب الموضوعية التي تغذي هذه الراديكالية لم يتم التغلب عليها، ومن هنا عقلانية الحلول الراديكالية، بهذا المعنى. الترحال لدينا تساؤل عن تفسير لعملية ترحال الفكر التي تتم الآن ما بين الاتجاه القومي الى الاتجاه الاسلامي، سواء عند بعض القيادات الكبيرة او عند قطاع الشباب على وجه التحديد؟ - احمد يوسف: بدأنا الحديث وكأننا متفقون على المفاهيم والألفاظ، ولكن الاستاذ فهمي هويدي نبهنا الى انه قد يكون بيننا خلاف. ويبدو اننا نفهم الراديكالية بمعنى عام جداً، بدليل اننا جئنا الى هذه الندوة ونحن قابلون من حيث المبدأ بأن الحركة القومية والحركة الاسلامية تدخلان في موضوعها، فهي معنى عام ينصرف الى التغيير الجذري الواسع النطاق. وهنا لا يوجد خلاف ظاهر، لكن اعتقد ان جزءاً من الخلاف هو ما يبدو من تمايز في الآراء، فنحن ايضاً ربما نتحدث عن الحركة القومية العربية وعن الحركة الاصولية الاسلامية وكأنهما كل لا يتجزأ، يعني وكأنهما تعبران عن تيار واحد، وهذا غير صحيح. فعندما يقول الاستاذ فهمي كلاماً معيناً عن الحركة الاسلامية انا اوافقه، وعندما يقول غيره من الناس كلاماً معيناً عن الحركة القومية العربية أراه صحيحاً، لكن المشكلة ان الحركة القومية العربية فيها فصائل، فيها فصائل عقلانية وفيها فصائل لا تقبل العقل. والشيء نفسه بالنسبة الى الحركة الاصولية الاسلامية، ففيها فصائل تحمل مشروعاً متكاملاً للمستقبل، وفيها فصائل لا تحمل مشروعاً على الاطلاق. وأنا لا أدري ما هو الميزان، من هو الاقوى، من هو الاكثر وجوداً، لكن هذا موجود وذلك موجود، وبالتالي ربما يأتي الخلط من هنا على المستوى العقيدي والفكري. بالتأكيد هناك فصائل اسلامية تملك تصوراً كاملاً للمستقبل، الشيء نفسه بالنسبة الى الحركة القومية، ولكن ايضاً توجد داخل فصائل اخرى تتحدث مثلاً، بالنسبة الى القوميين، في رومانسيات لم تعد مقبولة، تتحدث، بالنسبة الى الاسلاميين، في امور صغيرة جدا لا يمكن ان تصلح كخطوط للحديث عن المستقبل. فهذه نقطة يجب ان نكون متفقين عليها، وهي اننا لا نتحدث عن تيار اسلامي واحد ولا عن تيار قومي واحد. والملاحظة الثانية هي: من المقصود بمعنى الهزيمة؟ فهل هي هزيمة النظم؟ اعتقد انه بصفة عامة النظم ثابتة الاقدام حتى الآن، لكن الهزيمة في تقديري تنصرف اكثر الى الهدف والغايات التي طرحت في اطار نوع من انواع التحدي، وبدا في النهاية ان المشروع الذي طرح في بداية الحقبة الراديكالية في الخمسينات والستينات وجد تحدياً ما في النهاية فبدأ يحدث نوعاً من التكيف الواضح. فالهزيمة تنصرف الى الاهداف، وهنا اؤكد نقطة قالها الاستاذ محمد سيد احمد، وهي اننا عندما نتحدث عن الهزيمة او المستقبل فيجب ان يكون واضحاً بالنسبة الينا الفرق بين المدى القصير والمدى الطويل، او ما اسماه بالمدى بين النظرة الاستراتيجية والنظرة التكتيكية، لأنه على المستوى القصير او التكتيكي بالتأكيد هي ان يكون هناك تراجع او تكيف، اياً كان اللفظ الملائم، ولكن اذا كنا نؤمن حقيقة بأن هناك هوية معينة في هذه المنطقة ونقول بايمان انها هوية عربية اسلامية وان مفهومنا للاسلام مفهوم حضاري يشمل غير العرب، اذا كنا نؤمن بهذا فسنؤمن في الوقت نفسه بأن المدى الطويل، او النظرة الاستراتيجية تعني ان الراديكالية بالمعنى الذي نفهمه قادمة من جديد بأي شكل من الاشكال. وعندما نتكلم على اثر العامل الدولي اعتقد انه متباين حسب جوهر هذه الراديكالية. فاذا كان جوهرها، مثلاً، اشتراكياً فبالتأكيد سيكون اثر العامل الدولي سلبياً، بمعنى ان يوجه لها ضربة ما بسبب سقوط النموذج الاشتراكي، وإذا كان جوهرياً قومياً او اسلامياً ربما في ظل ترابط الصفوف يكون الاثر ايجابياً، لأنه في ظل التغيرات الدولية الحالية يبدو العامل القومي كعامل حاكم. فالهوية الاسلامية يمكن ان تتصدى للاختراق الخارجي. اما في ما يتعلق بتفسير الترحال الفكري من الاتجاه القومي الى الاتجاه الاسلامي فيجب ان نميز ما بين الترحال وما بين ابراز بعض المفاهيم. يعني انا ربما اختلف قليلاً مع الاستاذ فهمي في انه على ارض الواقع حدث صدام بين الاخوان وبين ثورة 1952 على انه صدام شامل بين الحركة القومية والحركة الاسلامية، انما بالتأكيد بسبب دور مصر ودور حركة الاخوان في المنطقة فهذا الصدام ترك فعلاً بصمات. انما في الوقت نفسه عندما نتأمل في الاصول الحقيقية لحركة الاخوان كما نقرأها من خلال رسائل حسن البنا مثلاً او الاصول الحقيقية للحركة القومية العربية سواء في البعث او عبدالناصر فلن تجد التناقض في الفكر. وبالتالي قضية الترحال يمكن ان استبدل بها قضية ابراز الجوانب، بمعنى ان العناصر المستنيرة في التيار القومي تبرز انها لم تكن ابداً ضد الاسلام وانما ضد نظم تتستر بالاسلام. فلا يمكن القول مثلاً ان تركيا دولة اسلامية في دولة اطلسية. وبالنسبة الي حدث صدام بين الحركة القومية العربية وبين تركيا ليس لأنه صدام بين القومية والاسلام ولكن لانه صدام بين القومية العربية وبين تركيا الاطلسية. كما يبرر الاسلاميون عدم معارضتهم للعروبة، فهذه عملية ابراز الجوانب التي ربما كانت خافية في هذا المفهوم او ذاك - لكن هذا لا يمنع ان هناك ترحالاً بالفعل، بمعنى انتقال البعض من معسكر الى معسكر، وتقديري ان الترحال يحدث اساساً من المعسكر القومي الى المعسكر الاسلامي لسببين: الأول، يمكن ان يكون تطوراً فكرياً طبيعياً، والسبب الثاني، لا نستطيع ان ننكر انه يحمل نوعاً من الانتهازية الفكرية. انتهازية فكرية بأي معنى... اذا كان التيار القومي عادة هو الموجود في السلطة، والتيار الاسلامي هو في مواقع المعارضة؟ - احمد يوسف: انتهازية فكرية وسياسية، بمعنى انني تصديت للعمل السياسي في مرحلة معينة بخلفية فكرية معينة وحدث لها نوع من انواع التراجع او الانحسار ثم رأيت موجة صاعدة، فلماذا لا اركب هذه الموجة؟ هذه حالة من الحالات. الحالة الثانية انا زعيم سياسي او قائد سياسي اواجه معركة طاحنة وأرى ان الموجة الاسلامية في صعود، وبالتالي لماذا لا احشد هذه الموجة الى جواري واستخدم الخطاب الاسلامي؟ وأعتقد بالتلميح من دون تصريح رأينا هذا، رأينا محاولة الغزل المفاجئة، ويمكن الفجة في بعض الأحيان، من قيادات قومية للتيار الإسلامي، فهي اما ان تعكس تطوراً طبيعياً، واما ان تعكس نوعاً ان لم يكن من الانتهازية فمن البحث عن دور كفرد وكقيادة فكرية. أبحث عن حشد الموارد الى اخره لكني أحب ان انتهي بأنه إذا كنا نوافق على وجود تمايز داخل الحركة القومية أو داخل الحركة الاسلامية فعلى الأقل بين بعض الفصائل وبين بعضها الآخر يوجد عداء، بمعنى أن لبعض فصائل التيار الاسلامي مرارة شديدة تجاه بعض فصائل التيار القومي، والعكس صحيح، وهذه القضية مطروحة في السؤال الوارد في آخر ورقة العمل، وهو: هل الحوار له أساس؟ بالطبع له أساس، ولكن المشكلة أن الأساس الموضوعي يجب ألا ينسينا أن هناك عقبات واقعية. العودة الى لغة الدين السفير تحسين بشير له تعقيبات وارجو ان يضع أيضاً ضمن أوراقه تساؤلاً عن موضوع هذا الحوار، فما هي نقاط الالتقاء التي تجعل من هذا الحوار حقيقة واقعة ذات نتائج ملموسة، ما هي بالضبط، وهل الأهم فيها هو الطبيعة المزاجية شبه الفاشية للتيارين؟ - تحسين بشير: ان اختيار الموضوع والمفردات، مثل كلمة الراديكالية، في هذا الموضوع هو بذاته تعبير عن أزمة. أولاً اخترنا كلمة ليست عربية ولكنها مستخدمة أو شائعة، هذا جزء من الفترة التي نمر بها، وهي استخدام مفردات جديدة نخرجها عن معانيها في نسقها الأصلية وفي تجارب أمم أخرى ونستعين بها، سواء كلمة راديكالية أو كلمة الأصولية. واختيار هذه الألفاظ جزء من عملية تداخلنا مع العالم بالأخذ والعطاء، ولكن الاصرار على أن الأزمة أزمة فكرية بين تيارات معناها ان الكلام الفكري هو موضوع الخلاف في حين أقول ان موضوع الخلاف هو الفشل في التحاور بالعمل، أي اقامة المؤسسات التي لا يمكن من دونها اقامة الدولة الحديثة، في عالم فيه تداخل، وبالتالي فشل كثير من هذه الحركات. جميع هذه التيارات نجحت في الحركات التحتية وفي تأسيس خلايا، وفي عمل دعاية، ولكن في ادارتها الداخلية نجد الحزب الوطني، وهو الحزب المصري الرئيسي، يفوض رئيس الجمهورية في مؤتمره الأخير ان يختار المكتب السياسي. وهذه المشكلة أساسها البعد عن التفكير في إقامة النظم وعدم الاحتكام الى الشعب، اكتفاء بالفئة أو القلة أو النخبة المؤيدة، وهذه عملية خطيرة جداً، أضعفت كلا التيارين. والنقطة الأخرى ان مسألة الكلام في الأفكار لها جذور في تاريخنا. حتى الآن لم تقبل الأقلية، سواء كانت قومية أو دينية. وهذه مسألة خطيرة جداً، ولنأخذ مصر كمثال. فاننا نجد كبار الكتاب الاسلاميين يقولون اننا نعامل المسيحيين معاملة طيبة كأن المسيحيين أو غير المسيحيين ليسوا مواطنين مصريين. وهذه المشكلة أكبر في بلد مثل سورية أو العراق فيها أنواع وأجناس وأديان لم نسمع عنها، في مصر الخطأ الرئيسي هو اننا لا نحتكم الى الشعب كما اننا نتكلم عن الديموقراطية بمفهوم غريب جداً كما لو كانت مجرد صندوق الانتخاب. الديموقراطية في الواقع تيار متشعب له مدارس وجذور، والانتخاب جزء واحد منه. والى الآن تفكيرنا السياسي في نوع من التفكير بالمعنى الديني، ولكن أيضاً بالمعنى السياسي. اما إذا كان التفكير الاسلامي والتفكير القومي السائدان في البلاد العربية هما تفكيران راديكاليان فأنا أشك جداً في هذا لأن التفكير القومي على رغم تباينه كان أساساً يسعى الى حل مشكلة اقامة دولة فيها مساواة. واما سؤال هل انحسر التيار القومي أو هل بزغ التيار الديني، فأنا أرى ان هذا الكلام غير صحيح. وأقول أولاً العالم العربي والاسلامي يواجهان شيئاً غريباً جداً للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الأولى حين انتهت الدولة العثمانية أي الدولة التي تستند الى الاسلام والتي كان المسلمون يعتبرونها كذلك، متناسين أنها على رغم مئات السنين كانت في خلاف مع الدولة الايرانية. مع الحرب العالمية الثانية انتهى النمط الاستعماري أو بدأ في الانحسار ومع انهاء الاتحاد السوفياتي تحررت الدول الاسلامية التي كانت تحت الحكم السوفياتي، فأصبحنا الآن نواجه عالماً عربياً إسلامياً غير محكوم بالسوابق، سواء كانت استعماراً أو شيوعية دولية أو خلافه. وبالتالي نحن نواجه عالماً إسلامياً يريد أن يتجدد، واللغة الاسلامية السائدة حالياً، في رأيي، ليست ظاهرة واحدة ولكنها مجموعة ظواهر أهم ما فيها ان لغة الحديث أو الخطاب العام التي كانت تستند الى ألفاظ قانونية وسياسية مترجمة استخدمت في الفترات الأولى للحركة القومية كانت لغة للخصم، وبفضل التعليم وتعليم نصف المتعلمين وانتشار العلم وثورة الاتصال انتشر الى شعب لا يعلم الا لغة واحدة. اللغة الواحدة سياسياً كرمز ومثال هي لغة الاسلام، وبالتالي لما ضعف التيار القومي في هزيمة 67 ظهرت مشكلة بالنسبة الى الباحثين عن حلول وعن تغير الواقع، خصوصاً أنه ليس لديهم تراث ديموقراطي ومفهومهم عن العالم الثالث غير العربي وغير الاسلامي، ضعيف جداً. مفهومهم عن العالم الأوروبي ضعيف جداً، وعن العالم الأميركي ضعيف جداً، عن أميركا اللاتينية وتجاربها ضعيف جداً. الشيء الوحيد عندهم هو ان يرجعوا الى لغة التراث وهي اللغة الدينية. ايران والسودان يبدو ان الأستاذ فهمي هويدي يريد أن يتمرد مرة أخرى على هذا الكلام، لكن الدكتور سعدالدين ابراهيم أولاً يقدم لنا إيضاحاً حول علاقة هذا التيار الجديد الذي يتبنى الاسلام السياسي الآن بمفهوم الدولة الحديثة، وكيف استطاع ان يحل التناقض التاريخي بينه وبين هذا المفهوم؟ - سعدالدين ابراهيم: ربما يكون الأصلح لتناول هذا السؤال هو الأستاذ فهمي هويدي حتى يتحدث من موقع القضية في هذا الأمر ويوضح علاقة الاسلام السياسي بالدولة الحديثة. لكن من حيث ما أقرأه نجد تصورين: تصور مثالي يطرحه اناس عقلاء من المحسوبين على التيار الاسلامي، مثل الأستاذ فهمي هويدي والدكتور أحمد كمال أبو المجد، حول ما يتصورون انه المفهوم الاسلامي الصحيح للدولة، ما يجب أن يكون، ما ينبغي أن يكون، يعني تصور مليء بمجموعة من "الببغاوات" التي يصعب الخلاف معها لأنها تلتقي بشكل أو بآخر حتى مع أصحاب الفكر الليبرالي الديموقراطي، في النهاية حتى مع اختلاف الألفاظ أحيانا أو المسميات، انما في النهاية جوهرها يقوم على المشاركة وعلى تداول السلطة وعلى حقوق مواطنة لغير المسلمين في مساواة مع المسلمين، أي مجموعة مفاهيم لا يمكن الاختلاف الجذري معها. هذا طرح. وهناك طرح آخر تقدمه فصائل في الحركة الاسلامية ويتسم مرة أخرى بالشمولية بمعناها الذي يصادر حق الاختلاف. وهذان تصوران نراهما على الورق. أما كيف سيكون الطرح الاجرائي في الممارسة فهذه المسألة تختلف، فليست لدينا نماذج حقيقية لها في الوقت المعاصر غير إيران والسودان. في إيران هناك تركيب لشكل الدولة، عملوا مؤسسات لا تختلف كثيراً عما نجده في دول حديثة حتى في أوروبا: مجالس نيابية منتخبة، نوع من أنواع الفصل النظري على الأقل بين السلطات، نوع من أنواع المحاسبة والمراقبة، نوع على الورق مرة أخرى من تداول السلطة بشكل أو بآخر ضمن حداً أدنى من حقوق غير المسلمين وتمثيلهم في المجالس البرلمانية، وهذا ينص عليه الدستور الايراني. والنموذج الآخر هو النموذج السوداني وهو، في رأيي، رديء وسيئ ولا يختلف عن أي نظام سلطوي وحتى شمولي، نظام فاشٍ يتسم بحرص شديد على السلطة بأي ثمن حتى لو كان هذا الثمن هو نفي كل أو معظم أبناء المجتمع السوداني سواء في الجنوب أو في الشمال. إذن ليس هناك تصور واحد، لا نظرياً ولا عملياً، لمفهوم الاسلاميين لشكل الدولة، ولكن مرة أخرى أقول انه إذا كان هناك هامش من الحرية حتى في ظل ممارسة الاسلاميين للسلطة فيمكن أن يكون بداية تجديد لأن مفهوم الدولة، حتى في المجتمعات التي سبقتنا بأشواط بعيدة في الديموقراطية، هو مفهوم متطور وليس جامداً. الدولة في الولاياتالمتحدة وفي روسيا وفي فرنسا كيان كأي كيان اجتماعي قابل للتطور، وليس هناك تصور واحد ثابت لا يخرج عنه، وانما هو كأي كيان حي في ظل متغيرات داخلية واقليمية وخارجية يتطور لأن مفهوم الدولة والسيادة حتى في أوروبا الغربية يتعرض اليوم لمراجعة جذرية ولتغير من خلال الحوار ومن خلال الاختيار. يعني الناس يصوتون في فرنسا أو الدانمارك على شكل الدولة الأوروبية ودور الدولة القومية أو الدولة الوطنية التي ينتمون اليها في هذا الاطار بالنفي أو الإيجاب، ومعنى ذلك أنه حتى مفهوم الدولة في الأقطار والمجتمعات الأكثر انفتاحاً ينطوي على تطور مستمر. ومن هنا عدم وجود إجماع بين الاسلاميين على شكل الدولة لا يعيبهم في حد ذاته، فعندنا تصوران، احدهما متطور جداً اقترحه أمثال فهمي هويدي، ومفهوم متخلف للغاية وضد العصر وضد التاريخ وضد الانسانية يطرحه بعض الاسلاميين المنغلقين. وهناك في العمل نماذج يرفع كل منها شعار الاسلام ويسمي دولته دولة اسلامية، إلا أن فيها من الفروق أكثر مما بينهم من التشابه، إذن الاجابة باختصار انه لا يوجد تصور اسلامي واحد للدولة. حقيقة الأزمة دكتور أحمد أمامنا هذه المحاولة الاسلامية لتطبيق بعض المفاهيم ولتطوير ملامح عقيدة سياسية تتماشى مع العصر، ولكن هل قام القوميون بمحاولة مماثلة لتطوير بعض المفاهيم التي كانوا يطرحونها في الأربعينات والخمسينات والستينات وحتى الآن؟ - احمد يوسف: هذا سؤال صعب جداً وشامل جداً ولا أعتقد انني استطيع الاجابة عنه اجابة كاملة، ولكن في الوقت نفسه أحب ان أعلق على هذا السؤال بنوع من النقد الذاتي باعتبار انني من المنتمين الى معسكر الفكر القومي. قومي مستقل؟ - احمد يوسف: بالضبط قومي مستقل من معسكر الأقلية داخل الفكر القومي، اذا أخذت منظور بناء الدولة على أسس ديموقراطية على سبيل المثال، أي بناء مؤسسات، وعلى النقطة التي ركز عليها السفير تحسين بشير، فسنجد ان فكرة الديموقراطية بصفة عامة لم تكن غائبة وانما لم تكن لها أولوية في مرحلة المواجهة مع الغرب الاستعماري. وكان لهذا مبرراته الموضوعية، بل استطيع ان أزعم أنه في هذه المرحلة كان جوهر الحركة القومية هو من حيث الأساس جوهراً ديموقراطياً، بمعنى ان مرحلة التحرر هي مرحلة الغالبية العظمى من الشعوب العربية ومسألة ان تتوقف بين لحظة وأخرى لكي تجري انتخاباً هنا أو استفتاء هناك على مواجهة مع المستعمر كانت ترفاً في ذلك الوقت، فجوهر العمل في ذلك الوقت في تقديري كان ديموقراطياً والقشور أو الأمور البسيطة التي كانت موجودة من الممارسة الديموقراطية اعتقد أنها تتفق مع المعايير، لكن حدث تطور سياسي واقتصادي واجتماعي كان مفترضاً أن ينعكس ايضاً على مؤسسات الدولة وعلى الفكر القومي، الى أن وقعت هزيمة سنة 1967 التي أشارت الى وجود خلل ذاتي أساسي، وهنا نذكر جميعاً أن الفكر القومي العربي انكب على نفسه باخلاص في محاولة لاكتشاف مواطن الخلل، وان جمهرة من المثقفين العرب حددت موطن الخلل الرئيسي بأنه غياب الديموقراطية لم تكن لها الأولوية الكافية في ذلك الوقت، وبالتالي بدأ الفكر القومي العربي، وقد نقد ذاته، يضع الديموقراطية كعنصر أصيل في بيان قومي حضاري عربي جديد، وأعتقد أن هذه كانت قضية سليمة، ومن الناحية الفكرية متميزة جداً، وأذكر أنه من ضمن عناصر هذا المشروع كان الإلحاح على الهوية العربية الاسلامية الى آخر هذا الكلام، إلا أنه في تقديري وقع حادثان في منتهى الأهمية يثبتان - مع الأسف - ان بعضاً - إن لم يكن كثيراً - من هذه المواقف كان هشاً، بمعنى انها كانت مواقف فكرية سياسية، وعندما وقعت أزمة احتلال الكويت لم أر داخل المعسكر القومي العربي الاحترام الواجب للفكرة الديموقراطية على طرفي الأزمة، يعني باعتبار المعسكر القومي العربي يشمل الجميع. ثم أتت أحداث الجزائر لكي تكمل الصورة، فعندما نُحيت الجبهة الاسلامية للانقاذ من الحكم بقرارات سلطوية إذا بفريق مرة أخرى يدافع عن هذا القرار ويقول انهم كانوا سيقضون على الديموقراطية، وكأن الديموقراطية كانت بخير ثم أتى هؤلاء لينقضوا عليها. في تقديري ان هذه هي الأزمة، فعلى رغم معرفتنا جميعاً واعتقادنا بأنه داخل المعسكر القومي العربي يوجد ديموقراطيون اصيلون مخلصون، فإن وجه الأزمة هو ان الديموقراطية في تقديري بدت في السنوات الثلاث الأخيرة وكأنها لم ترسخ أقدامها بعد داخل هذا المعسكر كمكون أصيل في علاقة الفكرة القومية بالفكرة الديموقراطية وبناء الدولة وما الى آخره. - محمد سيد أحمد: ان المآخذ على الفكر القومي مآخذ موروثة من التقليد الماركسي، وهو نوع من الفكر الشمولي الذي يتبين الماركسيون اليوم الجوانب السلبية فيه، وربما كان الامعان أو الافراط في افتراض الموقف القومي الواحد ثم خيبة الأمل عندما نجد أن هذا الموقف القومي لا يتحقق، ويترتب على ذلك نزاعات بلغت حدة كان يمكن تجنبها لو لم ننظر الى الموقف القومي بهذه الأحلام التي لم تتحقق، فالآمال كانت معقودة على نوع من قومية الموقف وتنتهي بمرور عكسي، ويثير ذلك تساؤلاً مهماً وهو: هل التناقضات العربية الذاتية حكمت التناقضات مع الغير أم العكس. فعلى سبيل المثال كان سفر السادات الى القدس محكوماً أولاً بخيبة أمل من قبل بعض الأنظمة العربية التي لم تلب احتياجات مصر، فقرر ان يتعامل مع الطرف الآخر منفرداً، من منطلق ان هذا كفيل باعطاء درس وتأكيد أنه هو الذي يملك الأوراق. وفي أزمة الخليج نجد ان المسألة تتكرر مرة أخرى، وان الصراع العربي - العربي يحكم الصراعات الأخرى وليس العكس. فهذه أمثلة للتناقضات العميقة التي تغذي الراديكالية في المنطقة. عوامل الراديكالية ومبرراتها تأتي من مثل هذه التناقضات، ولكن هناك اشكالية أخرى ربما غير اشكالية الصراع الذاتي داخل الاطار القومي، وهي اشكالية اننا عندما نقول اتجاهاً قومياً أو اتجاهاً اسلامياً فربما كان المفترض في ذلك انني استطيع اليوم أن أقرر مرجعية لنفسي من دون النظر الى الغير، بينما في الوقت نفسه - وبطرق كثيرة - لا أجد مفراً من إدخال الغير كجزء لا يمكن تجنبه عند تقرير ما يجري ويتعلق بي. وعلى سبيل المثال الكلام الذي قاله تحسين بشير مهم، حيث اننا نستعين بكلمة مثل الأصولية، وهو تعبير الغير عما يجري لدينا، أو نستعين بكلمة مثل الراديكالية المترجمة الى اللغة العربية أردنا أو لم نرد لا نستطيع ان نتجنب الغير عندما نتحدث عن أنفسنا، وهذا ما يثير أزمة الهوية نتيجة الحاجة الى تأكيد ما يخصني أنا وحدي، سواء في بعد قومي أو بعد ديني أو في غيره. وفي الوقت نفسه لا استطيع أن أجنب نفسي التعامل مع أطراف خارج ما افترض انه ليس جزءاً من هذا المنطلق، وأنا أنظر الى هذه المشكلة نفسها أجدها تزداد حدة في العالم الراهن بسبب التغيرات الجارية خارجياً. وزوال الاتحاد السوفياتي أفرج عن عالم إسلامي كان من قبل مكتوماً أو مخفياً، ومع الافراج عنه أصبحت العلاقة بين الهوية الاسلامية والهوية القومية مضطربة ومرتبكة لادخال عنصر لم يكن في الحسبان، فترتبت على ذلك أوضاع في ما يتعلق بالمشرق العربي لم تكن في الحسبان، وكذلك عندما نرى مثلاً ما يجري في أوروبا، وأعتقد ان جانباً من الصحوة الاسلامية في الجزائر وفي المغرب هو تعبير عن انقطاع بين المغرب العربي وبين أوروبا مع التفاتها الى الذات مع اعتبار المغرب العربي جسماً غريباً، علماً بأن هذا المغرب العربي كان يتطلع باستمرار الى أن يكون امتداداً ما ولو كسوق عمالة في أوروبا، وذلك فاننا نجد كياننا القومي ممزقاً لتغيرات تجري في العالم وتجعل السعي الى هوية متميزة شيئاً يحكمه اضطراب فكري أصعب، لأنه، أردنا أو لم نرد، لا نستطيع ان نغض النظر عن الغير، وذلك مرتبط بالاقتصاد، وأنا اعتبر الاقتصاد مهماً جداً، فهناك عالم متقدم يحقق حداً أدنى من الرفاهية ويفترض أنه مجتمع عالمي مفتوح لكنه منغلق على العالم الخارجي الذي هو عالمنا، فيقال لنا اننا يمكننا الانتماء اليه ولا نجد لأوضاعنا الاقتصادية ما يسمح بذلك، وبالتالي لا بد كتعبير عن احتجاجنا على هذا الوضع ان نؤكد هويتنا المتميزة. الاقتصاد أيضاً في داخلنا يعني اليوم ان أوروبا تتباعد عن العالم العربي مع وحدتها، وعندما حاولنا توحيد العالم العربي ولم نجد وسيلة للتوحيد رأينا أزمة الخليج، فنحن لدينا انفجار في داخلنا وعندنا انفجار إزاء أوروبا. عندنا امتدادات تتجاوزنا بالانفتاح الاسلامي على المشرق أو قلب آسيا، وأكثر من هذا كله ربما، بينما أميركا كجزيرة ثراء ورفاهية في عالم محيط فقير، فيه عوامل تدخلت للتخفيف من حدة المواجهة، أميركا تعني الآن نوعاً من النطاق الأوسع يشمل كنداً والمكسيك واليابان، القطب الآخر وراءه النمور الآسيوية التي تشكل عنصراً مخففاً للمواجهات الحادة. الحالة الليبية - فهمي هويدي: أحب أن أنبه الى خطورة القراءة الانطباعية للحالة الاسلامية بمعنى أن قراءتها فقط في اطار تجربة السنوات العشر أو الخمس عشرة الأخيرة فيها ظلم واضح، ومثال ذلك ما يقال عن علاقة الحالة الاسلامية بغير المسلمين وافتراض انها علاقة نفي في الأساس استناداً الى مقالات لبعض الشباب في الفترة الأخيرة، ويتم تجاهل أحد الانجازات المهمة لحركة الاخوان المسلمين، يعني دار الحلمية أو المركز العام للاخوان المسلمين الذي بني في الحلمية وساهم في الاكتتاب لاقامته مسيحيون مصريون، وعندما أراد حسن البنا الترشيح في الانتخابات العامة في الاسماعيلية في بداية الأربعينات كان وكيله في سيناء مسيحياً. وينبغي ألا ننسى أن هناك رصيداً في العمل الاسلامي تجاوز هذه النقطة. ان موقف المفكرين الاسلاميين يتسم بقدر كبير من التفهم والموضوعية في تناول هذا الموضوع وبالتالي من الصعب جداً ان أقفز فوق هذا كله. وقد ذكر الدكتور سعد اسمي وذكر اسم الدكتور كمال أبو المجد، وأنا أقول ان هذا يمثل بعض الحقيقة، وان هناك رصيداً فكرياً ليس قليلاً ينبغي ألا يتم تجاهله في هذا الموضوع، فمثلاً الشيخ محمد الغزالي كتب في الاربعينات عن الاسلام والاستبداد السياسي، وكتب بعده عبدالقادر عودة كتاب الاسلام وأوضاعنا السياسية، وقبل الاثنين قال حسن البنا في رسائله ان دستور 1923 ليس لنا عليه اعتراضات أساسية، وكثير من المعالجات المهمة التي أحياناً تغفل في سياق الانطباع أو الاثارة التي أحدثتها مقولات ضخمها الاعلام في السنوات الأخيرة، فهذا الاغفال غير سليم من الناحية التاريخية وأيضاً غير دقيق، فالحديث ليس عن الدولة الحديثة، على رغم ان هذه كلها مصطلحات جديدة، لكن عن قضية الحرية والديموقراطية، ليس هذا الحديث جديداً تماماً في الخطاب الاسلامي ولا هو استثناء فيه، ولكن نحن نتأثر بالانطباعات التي تكرسها ثورة الاعلام المعاصر ونعتبر ان هذا الكلام الذي اتسعت قاعدته وانتشر في وقت من الاوقات هو استثناء، بينما غيره هو القاعدة، والنقطة الاخرى انا اكرر او اثني على ما قاله الدكتور احمد حول ضرورة التمييز بين فصائل الحركة الاسلامية. فينبغي ان يكون هناك فرز للأمانة التاريخية والامانة العلمية، ولكن هناك سؤال عن موازين القوى، اي ما القاعدة وما الاستثناء ومن هي الاقلية ومن هي الاكثرية؟ هنا تأتي القضية الأساسية وهي قضية مناخ الحرية والديموقراطية. اعطونا فرصة حتى نحتكم الى خيار الناس لتظهر الاحجام الحقيقية للقوى، لكن ليس لأن طالباً في الثانوية يطلق عليه امير او قائد الجناح العسكري في ديروط تكتب عنه اخبار في الصحف، فيصبح هو الحالة الاسلامية، لذلك اقول ان الاعلام يعطي انطباعات خاطئة، وقضيتنا الأساسية هي ان يكون هناك مناخ يتوافر فيه قدر من الحرية يسمح لنا بتبيان الموازين الحقيقية للقوى السياسية، ومن ثم فاني اعتقد ان الازمة الحقيقية هي ازمة مناخ لا يعطي لهذه القوى فرصة للتعبير عن نفسها وتصحيح افكارها واثبات موازينها الحقيقية، ولهذا من الظلم البين ان تطلق تعميمات على الحالة الاسلامية وعلى الحالة القومية. لا بد ان نسلم ان في داخل كل تيار معتدلين وأسوياء وعقلاء، كما فيه المجانين والسفهاء، يعني ليس هذا مأخذاً، لكن المأخذ الحقيقي ان تكون كفة الخلل هي الارجح على كفة العقل والاعتدال، لكن ليس متاحاً امامنا فرصة بيان هذه الموازين. اما محاكمة الحالة الاسلامية وكأن الاسلام بدأ بالثورة الايرانية وعلي بلحاج جبهة الانقاذ في الجزائر فينطوي على خلل كبير من الناحية المنهجية لأن الحالة الاسلامة لها جذورها البعيدة. ففكرة المواطنة على رغم انها حديثة نسبياً لكنها موجودة في التراث الاسلامي منذ دستور المدينة في القرن الهجري الاول ونستطيع ان نتتبع هذا الخيط. ولا اريد ولا اتمنى ان يكون خطابنا وتقييمنا للحالة الاسلامية فقط على الاطروحات الاعلامية التي رددتها وسائل الاعلام المختلفة خلال السنوات الاخيرة. تحدث الاستاذ فهمي هويدي عن الجوانب المشتركة بين التيار القومي والتيار الاسلامي، وأوافق على هذا جداً ولكن لا بد ان اشير ايضاً الى عداء التيار الاسلامي للأنظمة القومية، وان هذا العداء اتخذ اشكالاً علنية عدة، الا في حالة واحدة اجدها مبرراً لتساؤلي، وأرجو ان اجد تفسيراً عندك، وهي حالة ليبيا، لان في ليبيا على وجه التحديد نوعاً من التضامن بين الاتجاهين عبر مراكز ومؤتمرات، ويبدو كأن التيار الاسلامي تخلى عن تحفظاته في ما يتعلق بالنظام الليبي في هذا الامر؟ - فهمي هويدي: الحقيقة ان الموضوع الليبي خارج العقل والمنطق، وربما يندرج ضمن الاستثناء الذي لا يسوغ للعقلاء ان يطرحوه للمناقشة المنطقية. اذا قيل ان الاستثناء لا حكم له فأيضاً الشذوذ الذي يصل الى هذا المدى لا حكم له. ولا اظن ان الحالة الاسلامية في ليبيا لها جذور اطلاقاً، انما طوال عمرها كانت امتداداً باهتاً جداً لحركة الاخوان المسلمين، اقول باهتاً لأنني حاولت ان اتقصى ادبيات هذه الحالة في ليبيا فلم اجد لها شيئاً، وكل ما في الامر ان بعض الناس تعلموا في الازهر فتعرفوا على شيء ونقلوه الى هناك. طبعاً الدولة عملت شيئاً اسمه "جمعية الدعوة الاسلامية". وهي من طراز المجلس الاعلى للشؤون الاسلامية في مصر، اي اداة من الادوات السياسية.