ليس الدماغ فقط.. حتى البنكرياس يتذكر !    البثور.. قد تكون قاتلة    قتل أسرة وحرق منزلها    أمريكا.. اكتشاف حالات جديدة مصابة بعدوى الإشريكية القولونية    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على انخفاض    مندوب فلسطين لدى الأمم المتحدة يرحب باعتماد الجمعية العامة قرار سيادة الفلسطينيين على مواردهم الطبيعية    إصابات بالاختناق خلال اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي بلدة الخضر جنوب بيت لحم    هيئتا "السوق المالية" و"العقار " توقعان مذكرة تفاهم لتنظيم المساهمات العقارية    الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي يدعو الدول الأعضاء إلى نشر مفهوم الحلال الأخضر    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمين الأمم المتحدة يؤكد في (كوب 29) أهمية الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية    «خدعة» العملاء!    الخرائط الذهنية    جرائم بلا دماء !    «قمة الرياض».. إرادة عربية إسلامية لتغيير المشهد الدولي    الحكم سلب فرحتنا    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    احتفال أسرتي الصباح والحجاب بزواج خالد    «السوق المالية»: تمكين مؤسسات السوق من فتح «الحسابات المجمعة» لعملائها    لماذا فاز ترمب؟    مدارسنا بين سندان التمكين ومطرقة التميز    علاقات حسن الجوار    في أي مرتبة أنتم؟    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنظيم دروسها العلمية بثلاث مُحافظات بالمنطقة    باندورا وعلبة الأمل    الشؤون الإسلامية في منطقة جازان تقيم مبادرة توعوية تثقيفية لبيان خطر الفساد وأهمية حماية النزاهة    6 ساعات من المنافسات على حلبة كورنيش جدة    عاد هيرفي رينارد    الصين تتغلب على البحرين بهدف في الوقت القاتل    فريق الرؤية الواعية يحتفي باليوم العالمي للسكري بمبادرة توعوية لتعزيز الوعي الصحي    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    القبض على (7) مخالفين في جازان لتهريبهم (126) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    هاتفياً.. ولي العهد ورئيس فرنسا يستعرضان تطورات الأوضاع الإقليمية وجهود تحقيق الأمن    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    مركز صحي الحرجة يُنظّم فعالية "اليوم العالمي للسكري"    إجتماع مجلس إدارة اللجنة الأولمبية والبارالمبية السعودية    «الداخلية» تعلن عن كشف وضبط شبكة إجرامية لتهريب المخدرات إلى المملكة    أمير المدينة يلتقي الأهالي ويتفقد حرس الحدود ويدشن مشروعات طبية بينبع    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    الأمير عبدالعزيز بن سعود يرأس اجتماع الدورة الخمسين للمجلس الأعلى لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    انعقاد المؤتمر الصحفي للجمعية العمومية للاتحاد الدولي للخماسي الحديث    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    198 موقعاً أثرياً جديداً في السجل الوطني للآثار    أفراح النوب والجش    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    استعادة التنوع الأحيائي    تعزيز المهنية بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.. وزير البلديات يكرم المطورين العقاريين المتميزين    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    أجواء شتوية    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوسط" تعقد ندوة خاصة حول العلاقات العربية - الايرانية شارك فيها فهمي هويدي والسيد ياسين وجميل مطر واللواء احمد عبدالحليم ونيفين مسعد . متى تحارب اميركا ايران ؟ 3
نشر في الحياة يوم 04 - 01 - 1993

متى يمكن الولايات المتحدة ان تعلن الحرب على ايران؟ وهل هناك توزيع ادوار في القيادة الايرانية بين "المعتدلين" و"المتشددين"؟ هاتان النقطتان وامور اخرى هي محور الحلقة الثالثة والاخيرة من الندوة الخاصة التي عقدتها "الوسط" في مكتبها في القاهرة حول موضوع "ايران والعرب". هذه الندوة تفتح ملف "العلاقات الصعبة" بين ايران والعرب وتطرح تساؤلات حول ما تريده ايران من العرب وما اذا كانت هذه العلاقات تتجه نحو المواجهة، وما اذا كانت القيادة الايرانية تخلت عن تصدير الثورة الى الخارج او لا.
هذه الندوة ادارها عمرو عبدالسميع وشاركت فيها الشخصيات العربية المتخصصة في شؤون ايران وقضايا الشرق الاوسط الآتية اسماؤها:
1 - فهمي هويدي كاتب في "الاهرام" ومفكر سياسي متخصص في الفكر الاسلامي ومطلع على القضايا الايرانية، له مجموعة كتب منه "ايران من الداخل" و"العرب وايران".
2 - السيد ياسين: امين عام منتدى الفكر العربي في عمان والمدير السابق لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في مؤسسة "الاهرام" مدير تحرير مجلة "السياسة الدولية" ورئيس تحرير "التقرير الاستراتيجي العربي". محاضر في جامعتي القاهرة وعين شمس والجامعة الاميركية في القاهرة، كما عمل استاذاً محاضراً في جامعات اكسفورد وبرلين وهارفارد ونورث كارولينا وميريلاند وبرنستون. له مجموعة مؤلفات.
3 - جميل مطر: نائب رئيس الادارة العامة لشؤون فلسطين في الجامعة العربية من 1982 الى 1986، مدير الصندوق العربي للمعونة الفنية للدول الافريقية التابع للجامعة العربية من 1977 الى 1980 مستشار في مركز الدراسات في "الاهرام" من 1971 الى 1975. عمل في السلك الديبلوماسي المصري من 1957 الى 1968 في نيودلهي وبكين وروما وبيونس ايرس وسانتياغو. من ابرز مؤلفاته "النظام الاقليمي العربي". وله مقالات ودراسات عدة تنشر في الصحف المصرية والعربية.
4 - اللواء احمد عبدالحليم: لواء متقاعد خبير في المركز القومي لدراسات الشرق الاوسط، محاضر في كلية الحرب العليا وكلية الدفاع الوطني ومعهد القادة التابع لكلية الشرطة والمعهد الديبلوماسي التابع لوزارة الخارجية مصر ومشارك في مراكز عدة للدراسات والابحاث داخل مصر وخارجها، وشارك في الكثير من الندوات الدولية منها ندوة عقدت في واشنطن عام 1990 لمناقشة ازمة الخليج وندوة في جنيف في نيسان ابريل 1991 لمناقشة تخفيض التهديد ومنع الحرب في الشرق الاوسط وندوة في سالزبورغ في تموز يوليو 1992 عن الحد من التسلح وحل المنازعات بالطرق السلمية. وله مقالات في بعض الصحف العالمية والعربية عن الاستراتيجية والعديد من الدراسات التخصصية في مركز البحوث والدراسات السياسية في جامعة القاهرة ومركز الدراسات الاستراتيجية للقوات المسلحة المصرية.
5 - نيفين عبدالمنعم مسعد: استاذة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة وخبيرة في مركز البحوث والدراسات السياسية التابعة للكلية نفسها، متخصصة في شؤون الحركات الاسلامية في شمال افريقيا وفي شؤون ايران والجمهوريات الاسلامية في آسيا الوسطى. حاصلة على درجة الدكتوراه من جامعة القاهرة عام 1987 وموضوعها "الاقليات والاستقرار السياسي في الوطن العربي". لها مجموعة مؤلفات منها "السياسة الخارجية الايرانية تجاه مصر" و"التيارات الدينية في مصر وقضية الاقليات".
ما رأي الاستاذ فهمي هويدي في مسألة التشدد او الاعتدال في المواقف الايرانية؟ هل هي ناتجة عن توزيع ادوار بين المسؤولين في النظام الايراني؟
- فهمي هويدي: في مرحلة معينة لم تكن سلطة الدولة الايرانية فرضت نفسها بشكل كاف على كل الاجنحة، لكن في عهد الرئيس رفسنجاني حصل تقليم لكل النتوءات في البنية الايرانية بدليل ان اللجان الثورية دخلت الشرطة، وحرس الثورة دخل الجيش. لقد بسطت الدولة نفوذها على الاجنحة التي مارست استقلالاً في المرحلة الاولى من عمر الثورة الايرانية وكانت تعمل سواء كلجان ثورية او حرس الثورة خارج سلطة الدولة. الآن الموضوع اختلف. هذه الاجنحة او الكيانات اصبحت الآن تحت سلطة الدولة وبناء على انطباعات كثيرة ومن بعض المعلومات اعتقد ان حسابات الدولة الآن مهمة جداً بالنسبة الى رفسنجاني.
- اللواء احمد عبدالحليم: لي تعليق صغير على ما ذكرته في مسألة توزيع الادوار وهنا يهمني القاء الضوء على الموقف الايراني خلال حرب الخليج عندما اكدت القيادة الايرانية انها تعارض غزو الكويت، وضمنياً لم تعترض كثيراً على عملية اخراج القوات العراقية حتى عن طريق القوة المسلحة. لكن لما بدأت الحرب كان هناك هذا التوزيع في الادوار من وجهة نظري، فقد بدأ الكلام عن التدخل الاميركي، واذكر في هذا الوقت ان مرشد الثورة علي خامنيئي دعا الى الجهاد، بينما اكد في الوقت نفسه رئيس الدولة رفسنجاني انه يجب الالتزام بالحياد الايجابي.
- نيفين مسعد: اتفق مع الدكتور عمرو عبدالسميع في النقطة الخاصة بأن هناك توزيع ادوار، فما يبدو على الساحة ان هناك تياراً متشدداً وتياراً معتدلاً اعتقد ان فيه قدراً من المبالغة. النموذج الذي ذكره اللواء احمد عبدالحليم يوضح هذا. خلال حرب الخليج بالفعل اصدر خامنيئي فتوى بالجهاد، لكن في الوقت الذي اصدر ذلك الاعلان تبنى احمد الخميني، وهو ايضاً محسوب على التيار المتشدد موقفاً اخر واعتبر ان القتال الى جانب صدام حسين يعتبر بمثابة انتحار سياسي. هناك سيولة شديدة في مسألة التحرك والانتقال من التشدد الى الاعتدال. ثم ما هو المقصود تحديداً بمفهوم التشدد والاعتدال؟ اذا اخذنا مفهوم التشدد بمعنى ان رجل السياسة او صانع القرار يصنف الدول في الخارج على اساس عقائدي ويبني علاقته بها قرباً وبعداً على اساس قربها من النموذج العقائدي وفي الداخل على اساس انه شخص متزمت استبدادي مقيد للحريات والحقوق وما الى ذلك، فأين نضع رفسنجاني؟ هو في الخارج متفتح يتقبل الاستثمارات لكنه في الداخل لا يزال ينظم حملات اعتقال المعارضة، ولا يزال يسمح بإغلاق الصحف لمجرد رسم صورة او كاريكاتير يتضمن مساساً بالخميني. اين نضعه بالضبط هل هو في معسكر المتشددين ام في معسكر المعتدلين؟ ليست هناك فواصل قاطعة بين التشدد والاعتدال على مستوى الشخص نفسه ولا في العلاقات بين افراد النخبة الحاكمة وبعضها البعض.
الاستاذ السيد ياسين: يبدو اننا في كثير من مناطق الحوار في هذه الندوة وقفنا في منطقة ما بين التثبيت وعدم التثبيت بشأن عدد من الحقائق. لكن ما يمكن التثبت منه يقيناً في هذا الاطار هو مدى تأثر جماعات الاسلام السياسي في مصر وفي دول حولها بالخطاب السياسي الايراني، ثم هذا القبول المبدئي من جماعات اليسار في العالم العربي لبعض المقولات الايرانية في البداية فما رأيك؟
مصر وسورية وايران
- السيد ياسين: الحقيقة لدينا اولاً الاعجاب بالنموذج الايراني الذي يمثل الاسلام الثوري. فمن المؤكد ان هذا النموذج له جاذبيته. والنقطة الثانية في الواقع هو العنف واستخدامه سواء في مواجهة الخصوم او في مواجهة نظام الدولة. الاكيد ان الجماعات الاسلامية في العالم العربي تأثرت تأثراً كبيراً بالنموذج الايراني كنموذج يقدم صورة للاسلام في شكل دولة ثورية، لكن هناك كما اتصور تفاوتاً في قبول هذه الجماعات الوسائل الثورية التي تتبعها الدولة الايرانية وقد تجد جماعات تتولى بالكامل تطبيق العنف في مواجهة بعض النظم السياسية العربية، وجماعات اخرى تعلن في خطابها انها تقبل بالتعددية السياسية، وتحاول دخول اللعبة الديموقراطية. ويمكن القول انه حدث وعي من هذا التيار المعتدل حول اهمية الدخول للمجتمع المدني. طبعاً الخصوم يقولون قد يكون هذا تكتيكاً وليس استراتيجية، ولدينا حالات، مثل حالة جبهة الانقاذ الجزائرية، اذا صدق ونشر عن انهم في الحملة الانتخابية اعلن زعماؤها في دعوتهم للناخبين اننا نعدكم ان شاء الله ان تكون هذه آخر انتخابات تشاركون فيها بعد ذلك ستنشأ الدولة الاسلامية وسنلغي فيها الانتخابات. اذا صح هذا يصبح هناك مبرر موضوعي للخوف من ان هذا القبول بقواعد اللعبة الديموقراطية مسألة تكتيكية، وبالتالي بعد ان تصل هذه الجماعات الى السلطة قد تؤدي الى الابعاد الكامل لطاقة الاحزاب الاخرى. ويؤيد هذا الانطباع ايضاً النموذج السوداني فهو قاطع في ان لا مجال لاحزاب سياسية وان الاحزاب كانت مفسدة في السودان وان من يريد ان يشارك عليه ان يدخل في المؤتمرات الجماهيرية. ولا بد ان نناقش هذا النموذج السوداني. انه هذا هو النموذج الذي ستتبعه دولة اسلامية تنشأ في مصر؟ هذا هو السؤال. هناك خيط فكري يربط بين ايران والجماعات الاسلامية في المنطقة العربية، فإيران تعتبر نجاح تلك الحركات في معاركها السياسية ضد السلطة بمثابة مكسب لها، على اساس ان هذا النجاح يترجم مبادئ الثورة الايرانية. وقد كانت تصريحات القيادة الايرانية بهذا المعنى حول تظاهرات الجبهة الاسلامية للانقاذ سبباً في توتير العلاقات الايرانية - الجزائرية. وعلى الجانب الاخر، تعتبر تلك الحركات ان مواقف الجمهورية الاسلامية الايرانية محسوبة عليها باعتبار انها تقود كفاح "قوى الاستضعاف ضد قوى الاستكبار" ومن هنا كان من المفهوم ان تنتقد الجماعات الاسلامية الموقف المحايد لايران في حرب الخليج. اما كون هذا الخيط الفكري يترجم في شكل علاقة تنظيمية او دعم مادي فهذا شيء اخر قد تنم عنه شواهد الامور لكننا لا نملك نحن ازاءه ادلة قاطعة.
الاستاذ جميل مطر: ايضاً في هذا الاطار طرحت ايران شعاراً يتحدث عن تأكيد الهوية السياسية السودانية في مواجهة التغريب ووجدنا في العالم العربي من يأخذون هذا الشعار كركيزة اساسية في تحركه السياسي وفي مسلكه السياسي العام. كيف نفهم ذلك في ظل الثنائية التي كنا نتكلم عنها، ومع حرص ايران على اقامة علاقتها كدولة وليس كنظام ثوري، كدولة تريد انشاء علاقتها مع الغرب وتدعيم اواصر التعاون بينها وبين هذا الغرب.
- جميل مطر: يبدو ان ايران تنطلق من ارضية واثقة من نفسها ومن مشروعها الذي يحميها، وبالتالي لا خوف من علاقات خارجية مع اميركا ومع روسيا حتى لو كانت شيوعية. فإيران كانت مطمئنة للبناء الداخلي، لكنني اريد ان اطرح سؤالاً: اذا شعرت مصر بأن التيارات الاسلامية ليست خطراً على النظام الحاكم، فهل يظل موقفها من ايران كما هو سواء كان عندها معلومات عن علاقة التيارات المتطرفة بإيران او ليس عندها؟ وبمعنى اخر ما هي الصلة بين الاوضاع الداخلية في دولة عربية ما وبين النظر الى الخطر الايراني؟ وهذا يدفع الى التأمل في موقف سورية الذي يختلف عن موقف مصر تجاه ايران، لماذا لا ترى سورية خطراً في ايران، على الرغم ان ايران تمول وتدعم وتسلح حزب الله؟ ربما في هذا الجانب هي مفيدة لسورية، ولكن بما ان سورية لا تخشى ايران كخطر. لكن اذا قوي التيار الاسلامي في سورية مرة اخرى ربما يشعر النظام بعدم الثقة في نفسه فيدخل في الحملة ضد ايران.
- السيد ياسين: القضية اخطر من ذلك بكثير، السؤال الذي طرحه جميل يمكن الرد عليه ببساطة. الخوف من ايران لا يتعلق فقط بتأثيرها على الجماعات الاسلامية وانما يتعلق بإدراك مصر لموقعها في النظام الاقليمي. هذه هي القضية الخطيرة. هناك منافسة بين مصر وايران وحساسية ازاء اية دولة اخرى كبرى تنشأ في المنطقة مما قد يؤدي الى تقليص دور مصر في النظام الاقليمي. ومن هنا تنشأ المشكلة مع دولة ايرانية تريد التوسع وتفرض عقيدتها ونظامها الامني في المنطقة.
- جميل مطر: اثرت هذا الموضوع لأن هناك تيارين داخل النخبة المصرية، تيار يقول بإمكان التفاهم مع ايران لمصلحة دور مصر القومي ولمصلحة امن الخليج وامن ايران، والتيار الثاني يربط ذلك بالتيارات الاسلامية. التيار الرئيسي يرى ان ايران خطر على النظام المصري وهنا يمكن ان يتضح الخلاف بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية، السياسة الخارجية على ما اظن حسب قراءتي وانطباعي هي في صف فتح الحوار مع ايران، بينما السياسة الداخلية تقول ان ايران خطر على الكل، علينا وعلى غيرنا. ولننظر في مثال آخر الى علاقة الجزائر بإيران قبل وبعد تصاعد الحركة الاسلامية في الجزائر، وهكذا يؤكد ان الوضع الداخلي هو الاساس، فالجزائر ليست لها طموحات اقليمية، او طموحات في اختيار نظام عربي ولكن التغيير في الموقف حصل بسبب المشاكل الداخلية.
العرب والفرس
ما تصور اللواء احمد عبدالحليم للتحرك الايراني المقبل؟
- اللواء احمد عبدالحليم: تصوري ان الحركة الاستراتيجية في المرحلة الراهنة تتركز على المنطقة ذات التأثير الاستراتيجي المباشر على ايران على الرغم من امتدادات هذه الحركة الى جهات اخرى كما نرى في السودان، او كما ذكرتم مع النهضة او مع جبهة الانقاذ. لكن التحرك الرئيسي لايران هو في مناطق الاهتمام الاستراتيجي المباشر، وبالتالي يمكن ان اقول بصفة عامة انه سيقتصر في المدى القريب على منطقة الخليج العربي. وعليه فإن نيات ايران تجاه ما يجري في المنطقة لا بد ان يكون محل اهتمام لدى جيرانها الذين يودون معرفة تلك النيات. ووفقاً لطبيعة النظام في ايران قد تكون هناك في المدى المتوسط والبعيد تحركات اخرى في منطقة اكبر واوسع. لا ننسى ايضاً في هذا المجال التخوف الايراني من ان يتم اجراء ترتيبات سلام في ما يختص بالمفاوضات السلمية الجارية حالياً بعيداً عنها، حتى تضمن على الاقل ان يكون لها قول في ما يحدث في المنطقة.
وبعد ذلك هناك سؤال اود طرحه هناك نوع من الصراعات سواء على مستوى العالم او على مستوى المناطق الاقليمية لا يمكن في النهاية الوصول الى نتائج محددة ونهائية له. الصراعات قد تخفت في بعض الاحيان وقد تتطور في اتجاه ما او قد تصل الى درجة الاشتعال في اوقات محددة، ولكنها في كل الاحوال تظل قائمة سواء فوق السطح او تحت السطح. والسؤال هو: هل ان العلاقات الايرانية - العربية تدخل ضمن هذا الاطار؟ وهل يمكن ان نقول ان العلاقة القديمة بين العرب والفرس ما زالت لها جذور حتى الآن؟ وهل يمكن اعتبار ان العلاقات ولا اقول الصراعات ولا الخلافات التي بين العرب وايران يمكن ان تدخل ضمن هذا الاطار؟ وهل ان ايران لها اليوم مجال للتوسع والعرب ليس لديهم المشروع القومي المتكامل الذي يقابل ما نطلق عليه التوسع الايراني او الاطماع الايرانية؟
- فهمي هويدي: الملاحظ انه بعد انتهاء حربها مع العراق، كانت ايران تتخذ موقفاً انكفائياً للداخل، وعندما انتخب رفسنجاني كان خطابه الاساسي عن عقد التنمية وترميم ايران من الداخل وادارة العجلة التي توقفت طيلة عشر سنوات من الحرب. ولكن التطورات التي تلاحقت استدعت ايران لدور لم تكن اهلت نفسها له. فقد حدثت الانهيارات في الاتحاد السوفياتي واوروبا الشرقية، وحصل الغزو العراقي للكويت ووقعت الحرب. ايران فوجئت بذلك وبدأت تغيير وجهتها. ومع ذلك اتساءل: الا تعرف ايران ان هناك سقفاً للتوسعات حتى اذا ارادت؟ مسألة الرغبة والقدرة مهمة جداً، وانا مرة كتبت مقالاً تحت هذا العنوان "ايران بين الرغبة والقدرة"، ولس صحيحاً ان الولايات المتحدة لن تتحرك في موضوع "ابو موسى" فمعلوماتي انها لم تتركه، والرسالة الاخيرة التي نقلت ان الاميركيين بعد الانتخابات سيعيدون طرح موضوع ابو موسى. ففي الظرف التاريخي الراهن، الطموحات الاقليمية ان صحت لها سقف في كل انحاء العالم وخصوصاً في المناطق الاستراتيجية. فالقضية ليست محصورة في ايران والعرب، فقط. هناك قواعد للعبة، وتاريخياً انا لا ارى اهمية للاختلاف بين عرب وفرس، فالمنطقة كانت تتمتع بالسيولة دخل فيها العرب والفرس. واشير هنا الى كتاب صدر في المانيا عن الآثار الفارسية في مصر، ولم اكن اعرف ان الآثار الفارسية في مصر بهذا الحجم من الاهمية، وقد كتبه ايراني مقيم في المانيا وترجم الى الانكليزية. كتاب ضخم، واريد ان اقول ان التاريخ له اوجه عدة، فإذا اردت ان تستخلص منه عناصر صراعية كما فعل صدام حسين في اثناء الحرب مع ايران، يمكن ان تجد صفحات معينة تتمسك بها، وتعيد بالتالي الصراع الى جذور تاريخية وان اردت ان تقلب الصفحة، ستجد ان 40 في المئة من المفردات الايرانية او الفارسية اصلها عربي، وتجد علماء العرب وعلماء الفرس متداخلين، وكذلك الاكل والشرب والتداول. ولذلك اعتقد ان المسألة رواسب، فقط لأن هذه العلاقات كانت تتقلب بين التصالح والاشتباك وكانت فترات التصالح هي القاعدة والاشتباك استثناء. ولكن في الظرف الذي استجد في ظل الحرب العراقية - الايرانية حصل تركيز على فترات اشتباك واعتبرت هذه كأنها قدر ومكتوب واننا لا بد ان نتصارع مع الفرس.
- نيفين مسعد: حول ما ذكره اللواء احمد عبدالحليم عن الفرس والعرب، يمكن القول ان خلاف الطرفين لم يكن خلافاً قومياً ولكنه كان خلافاً مصلحياً سياسياً، فلقد برز هذا الخلاف في اطار الدولة الاسلامية الواحدة التي كانت تظلل الجميع فرساً وعرباً عندما احتل الفرس بعض المراكز المتقدمة والمرموقة التي كان يشغلها المسلمون في تلك الدولة، ومن بعد نشأت الدولة الصفوية الفارسية ككيان مستقل واتخذت من تمايزها القومي اسلوباً لمنافسة الدولة العثمانية. وما يصدق على الماضي البعيد في علاقة الفرس بالعرب يصدق بالقدر ذاته على ماضيهم القريب، فصراعات الطرفين لا تزال محكومة بمحاولة تغيير توازن القوى الدقيق بينهما ما بدت فرصة لتحقيق ذلك. حدث ذلك في السبعينات عندما اصبحت ايران دولة قوية في المنطقة بفضل ترسانتها العسكرية الضخمة، فضلاً عن عناصر قوتها الموروثة من قبل، كثافتها السكانية وتجانسها النسبي واطلالتها العريضة على الخليج، لذلك وقع احتلال الجزر العربية الثلاث، وتم الغاء معاهدة 1937 مع العراق وجرت محاولة انقلابية ضده وتزايد تشجيع الاكراد. وعلى العكس من ذلك كان الوضع في الثمانينات عندما ساءت العلاقات العراقية - الايرانية بعد قليل من اندلاع الثورة واعتقد صدام حسين انه يمكن ان يستغل ظروف الفوضى السائدة في ايران ليحاول تغيير ميزان القوى لصالحه. وتلك كانت البداية لحرب الخليج الاولى. فالعملية عملية مصالح سياسية وتوازن قوى ليحاول كل طرف ان يستغلها لصالحه بقدر الامكان، لكن كما قال الاستاذ فهمي هويدي هناك اطراف اخرى تحكم اللعبة او تحكم الصراع بين هذه القوى.
متى تحارب اميركا ايران؟
الاستاذ السيد ياسين: العلاقة التي تتحدث عنها بين الموقف العربي وايران ترتبط الى حد كبير ببروز الفهم الاسلامي السياسي الذي تمثله الثورة الاسلامية امام تراجع الفكر القومي وانكساراته المتعددة. هل يمكن ان تلقي الضوء على هذه الآلية التي تربط ما بين الموقفين؟
- السيد ياسين: موضوع تراجع الفكر القومي لا اسميه تراجعاً، لانني ارى ان الفكر العربي القومي في مرحلة اعادة صياغة في ضوء المتغيرات الاقليمية والدولية. ويمكن ان اقول: ان الفكر العربي القومي بدأ يعيد صياغة نفسه بشكل اكثر واقعية قبل حرب الخليج في صيغة مجالس التعاون، حيث اصبح المدخل الاقتصادي هو المدخل الاساسي، وهو ما نسميه المدخل الوظيفي والذي يعترض عليه صدىقي جميل مطر الذي يرى ان المدخل الوظيفي كان قائماً منذ انشاء الجامعة العربية، لكن عندما اتكلم عن المدخل الوظيفي اقصد الخطاب السائد، وهذه مسألة مهمة. في حقبة ما، كان الخطاب القومي السائد هو خطاب الوحدة السياسية وأحد اخطائه انه لم يتحدث اطلاقاً عن مضمون دولة الوحدة: هل تكون تعددية سياسية ام دولة حزب واحد ام دولة يحكمها زعيم؟ لم تكن هناك مناقشة لذلك اطلاقاً كان التركيز على الهدف والحلم، وحل محله بعد ذلك، عقب فشل تجارب الوحدة السياسية بصورها المختلفة، خطاب نسميه الخطاب الوظيفي، وبدأ يتبلور في شكل: فلنتفق ونتعاون اقتصادياً. اذن نقول ان الخطاب القومي العربي في مرحلة نقد ذاتي واعادة صياغة. من الممكن ان يكون هنا صعود في الخطاب الاسلامي وهناك مشروع تعديل، ولكن تبقى القضية المطروحة هي: هل هذان الخطابان متناقضان ام ان هناك ارضية مشتركة بينهما؟
- جميل مطر: اريد العودة الى حكاية الفرس والعرب. ما خلاف الفرس مع العرب؟ من قبل الاسلام كانوا في المنطقة، لكن جاء صدام حسين في وقت ضعف للقومية العربية واراد اثارة خلاف. بالنسبة الى ما ذكر عن وجود سقف للطموحات الاقليمية اعتقد ان هذا السقف ارتفع اخيراً نتيجة تغيير نسبي في العقيدة العسكرية الاميركية عبرت عنه تصريحات كولن باول رئيس اركان القوات الاميركية الاخيرة وتعليق بوش عليها "العسكريون الاميركيون يتكلمون الآن عن اننا لن ندخل مرة اخرى حرباً الا والنصر اكيد". يعني اما ان نكسب الحرب كلها من اولها الى آخرها في اسرع وقت او لا ندخلها. وأثير ذلك في موضوع البوسنة والهرسك عندما طلب من اميركا التدخل، فجاء كولن باول وقالها بصراحة ما يعني ان السياسة العسكرية الاميركية في المرحلة القادمة ستقوم على حرب سريعة جداً، وناجحة جداً. ومعنى ذلك ان السقف ارتفع وان من يشتغل من تحت يقدر ان يرفع ايضاً سقف نشاطاته. ولذلك فإن موضوع جزر ابو موسى تدخل في اطار هذا المبدأ العسكري الجديد. لماذا؟ لان اميركا لا تدخل مع ايران حرباً مثل حرب العراق، لان ايران تذكرها بفيتنام ففي داخل ايران ثورة. هنا ترجع العسكرية الاميركية الجديدة للتساؤل: هل نحن مستعدون لدخول حرب ضد نظام ثوري؟ أتصور ان ايران في ظل العقيدة العسكرية الاميركية الجديدة ستخرج من هذه المعادلة الا اذا اتجهت ايران للقيام بأعمال استفزازية كبرى مثل تطوير سلاح نووي او محاولة احتلال دولة مجاورة، وهو ما يتجاوز اي سقف لكن ما هو دون ذلك لن يؤدي الى تحريك العسكرية الاميركية حسب تصورها الجديد. وكلمة اخيرة بشأن موضوع القومية العربية لقد ضخمناها وبالغنا فيها على الرغم من انها لم تنضج ابداً. العروبة ولدت كطفل واعطيت على الفور الى طفل آخر كي يرعاها، وهو الدولة المستقلة في العالم العربي، وكلاهما قام بخنق بعضه البعض، ولذلك لم يكبرا حتى الآن. فالعروبة لم تتحول الى قومية حقيقية اي قومية بالمعنى الكامل، بل بقيت كمشاعر واحاسيس وظلت طفلاً كما ولدت ووضعت في حضن الدولة. النقطة الثانية التي اضعفت القومية ترتبط بما قاله السيد ياسين وهو ان القومية بدأت بمنظور مختلف عن الاسلام او منفصل عن الاسلام، وقالت "انا علمانية" اي مستوردة من اوروبا، وبالتالي لا تنسجم لأن الارض هنا ليست ارضاً اوروبية.
- السيد ياسين: اريد التمييز بين ثلاثة مفاهيم نخلط بينها كثيراً في موضوع العروبة والقومية العربية. هناك مفهوم الشخصية القومية العربية، وهذا مفهوم ثقافي اي التراث المشترك والتقاليد المشتركة والدين الى حد كبير واللغة المشتركة والنضال ضد الاستعمار. وهذه لا خلاف بشأنها ويؤدي الى تقارب. وهناك موضوع القومية العربية كعقيدة سياسية، وهذا موضوع آخر وهناك موضوع الوحدة السياسية كهدف سياسي لهذه القومية العربية. واحياناً نخلط بين المستويات الثلاثة ونقول العروبة انتهت، لكن لا نحدد بأي معنى. فالهوية قائمة، الهوية الواحدة لا شك في ذلك، لكن المشروع القومي العربي قد يتراجع، وهدف الوحدة قد يتغير فيكون هدفاً اقتصادياً مرة او هدفاً سياسياً مرة اخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.