هيئة السياحة تطلق النسخة التجريبية من "سارة" المرشدة الذكية للسياحة السعودية    الإمارات.. رجل يقاضي زوجته بسبب «شيك»    المجمعة وحرمة تختتمان صالون أدب    "الأمم المتحدة" تؤكد ضرورة زيادة تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة    مدرب الأخضر يستبعد "سالم الدوسري"و"المالكي" قبل لقاء أستراليا وإندونيسيا    رابطة محترفات التنس: الأمريكية "جوف" تقصي المصنفة الأولى عالميًا    «ملتقى البناء السعودي» يكشف عن تقنيات الذكاء الاصطناعي في رفع الكفاءة وتقليل الهدر    إغلاق مؤشرات البورصة الأمريكية على ارتفاع    بيع شاهين ب 210 آلاف ريال في الليلة ال 18 لمزاد نادي الصقور السعودي    في دوري يلو .. الصفا يتغلب على أحد بثلاثية    "موسم الرياض" وهيئة السياحة يحتفلون في اطلاق"Pokémon GO"    أمين منطقة القصيم يفتتح معرض "أشلي هوم" في مدينة بريدة    أمانة القصيم تواصل أعمال تأهيل ثلاث حدائق بمدينة بريدة    عروض المناطيد المضيئة تتلألأ في سماء "شتاء جازان 25"    برعاية نائب أمير منطقة مكة المكرمة.. انطلاق مؤتمر طب العيون 2024    فان نيستلروي فخور بمسيرته كمدرب مؤقت مع يونايتد ويتمنى الاستمرار    النصر يتغلّب على الرياض بهدف في دوري روشن للمحترفين    المملكة تختتم مشاركتها في المنتدى الحضري العالمي wuf12 بالقاهرة    القبض على شخص بمنطقة الجوف لترويجه مادة الحشيش المخدر    مدرب الأخضر يضم محمد القحطاني ويستبعد سالم الدوسري وعبدالإله المالكي    المملكة تؤكد التزامها بالحفاظ على التراث الثقافي    حائل: القبض على شخص لترويجه أقراصاً خاضعة لتنظيم التداول الطبي    ممثل رئيس إندونيسيا يصل الرياض    بالاتفاق.. الهلال يستعيد الصدارة    انطلاق أعمال ملتقى الترجمة الدولي 2024 في الرياض    زلزال بقوة 6.2 درجات يضرب جنوبي تشيلي    جمعية الدعوة في العالية تنفذ برنامج العمرة    ترقية بدر آل سالم إلى المرتبة الثامنة بأمانة جازان    «سدايا» تفتح باب التسجيل في معسكر هندسة البيانات    الأسهم الاسيوية تتراجع مع تحول التركيز إلى التحفيز الصيني    انطلاق «ملتقى القلب» في الرياض.. والصحة: جودة خدمات المرضى عالية    تقرير أممي يفضح إسرائيل: ما يحدث في غزة حرب إبادة    فرع هيئة الهلال الأحمر بعسير في زيارة ل"بر أبها"    خطيب المسجد النبوي: الغيبة ذكُر أخاك بما يَشِينه وتَعِيبه بما فيه    خطيب المسجد الحرام: من صفات أولي الألباب الحميدة صلة الأرحام والإحسان إليهم    في أول قرار لترمب.. المرأة الحديدية تقود موظفي البيت الأبيض    دراسة صينية: علاقة بين الارتجاع المريئي وضغط الدم    حسم «الصراعات» وعقد «الصفقات»    محافظ محايل يبحث تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين    شرعيّة الأرض الفلسطينيّة    لحظات ماتعة    محمد آل صبيح ل«عكاظ»: جمعية الثقافة ذاكرة كبرى للإبداع السعودي    متى تدخل الرقابة الذكية إلى مساجدنا؟    فراشة القص.. وأغاني المواويل الشجية لنبتة مريم    جديّة طرح أم كسب نقاط؟    لصوص الثواني !    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    التعاطي مع الواقع    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شارك فيها فهمي هويدي ومحمد عمارة ونبيل عبدالفتاح . ندوة "الوسط" عن التطرف والمتطرفين : الاسلاميون بين ظاهرة الشيخ الشعراوي وتيارات الغضب والاحتجاج والعنف "الحركات الاسلامية ترفض الديموقراطية على الطريقة الغربية" 2
نشر في الحياة يوم 14 - 09 - 1992

الحلقة الأولى من ندوة "الوسط" عن التطرف والمتطرفين في العالم العربي والاسلامي وعن الحركات الاسلامية "المتطرفة" في منطقتنا التي نشرناها في العدد الماضي، تناولت التعريف بهذه الظاهرة وتطرقت الى نفوذ المتطرفين ومدى تأثيرهم وأسباب لجوئهم الى العنف وأعمال الارهاب، والى الفارق بين المتطرف والارهابي، كما توقفت عند ادوار بعض الشخصيات الاسلامية، ومنها الدكتور حسن الترابي زعيم الجبهة القومية الاسلامية في السودان وراشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية المنحلة والشيخ عباسي مدني زعيم الجبهة الاسلامية للانقاذ المنحلة في الجزائر. هذه الحلقة الثانية من الندوة تبدأ بالحديث عن العلاقة بين التيارات الاسلامية والديموقراطية ونظرة الاسلاميين الى الديموقراطية، وتتطرق بعد ذلك الى معالجة قضايا مختلفة تتعلق بالتطرف والمتطرفين. هذه الندوة عقدت في مكتب "الوسط" في القاهرة وأدارها مدير المكتب عمرو عبدالسميع وشارك فيها 3 مفكرين وخبراء في الشؤون الاسلامية هم: فهمي هويدي وهو كاتب وصحافي مصري تخصص منذ سنوات في كل ما يتعلق بالقضايا الاسلامية، الدكتور محمد عمارة وهو مفكر اسلامي مستقل، ونبيل عبدالفتاح رئيس وحدة البحوث الاجتماعية في مركز الدراسات الاستراتيجية في صحيفة "الاهرام". وفي ما يأتي الحلقة الثانية من الندوة:
الملاحظ انه عندما يتاح للقوى الاسلامية التعبير عن نفسها فانها تنظر الى النظم الديموقراطية على انها تعمل ضمن "منظومة تغريبية" تناقض ما تدعو هي اليه، ويلاحظ ايضا ان جماعات مثل جماعة حسن الترابي حينما تمارس لعبة الحكم بشكل او بآخر فانها في الواقع تقوم بتهميش الديموقراطية من خلال المؤتمرات الشعبية التي ابتدعها القوميون في العالم العربي مثل الاتحاد الاشتراكي، وفي النهاية تلغى التعددية داخل المجتمع ويتم نفي الآخر!
- فهمي هويدي: تريد ان تقول ان تجربة الترابي في السودان مستمدة من التجربة الليبية؟
شيء من هذا القبيل، وهذا اردت فقط ان القي به في طريقك قبل ان تكمل.
- فهمي هويدي: انت الآن تدفعني الى الدخول في المحور الثاني من الموضوع. المقصود من الديموقراطية ما هي مرجعيتنا في تحديده؟ اذا اردنا ان نتحدث عن موقف حركة "الاخوان المسلمين" من هذه القضية فاننا ينبغي ان نرجع الى كلام مؤسسها الشيخ حسن البنا في هذا الصدد. وعلى رغم ان هذا الكلام كان في مرحلة الاربعينات، لكنه على الاقل يوضح موقف حسن البنا مؤسس الجماعة من الديموقراطية، قال: "ان جماعته توافق على كل بنود الدستور" وقال: "اننا سنعتمد هذا الدستور اذا اردنا ان ننشئ دولة اسلامية، ولن نغير كثيراً فيه، لا في مفرداته ولا في مؤسساته"، اذن لم يكن هناك اشتباك، وأنا اريد ان نفرق بين قيم الديموقراطية ونماذج الديموقراطية بمعنى الحريات والتعددية وحق الاختلاف والمساواة، اما النماذج فتختلف بين مجلس لوردات ومجلس عموم ومجلس امة ومؤتمر شعبي... الخ، هذه مسألة تطرح في سياق كل مجتمع وملابساته، فأنا لا استطيع ان اقول ان المشاركة قيمة لا داعي للالتزام بها، فلا بد من التفريق نظرياً بين منهج للمشاركة في انكلترا وآخر في اليمن، القيمة لا خلاف حولها، في اليمن نحو 40 تجمعاً باسم الاحزاب، ولكنها في الحقيقة قبائل وعائلات، والغرب ينتقد تجاربنا الديموقراطية، نحن لنا الحق في تجربة الديموقراطية، ولكن ليس من المقبول ان ننتظر الحصول على شهادة "حسن السير والسلوك" من المرجعية الغربية.
- نبيل عبدالفتاح: لا يمكن الفصل بين القيم والمؤسسات السياسية.
- فهمي هويدي: انا ضربت مثلاً المشاركة في اليمن، والمشاركة في انكلترا. قيمة المشاركة انا ادافع عنها، ولكن تركيبة الواقع مختلفة في كلا البلدين، ومن هنا فانني التزم بالقيمة ولا التزم بالنموذج.
- نبيل عبدالفتاح: المرجعية الغربية على رغم انها موحدة فان نماذجها مختلفة، فالتطبيق الديموقراطي في اميركا يختلف عنه في فرنسا، والخطاب الليبرالي في العالم العربي الواقع ذاته يقف عائقاً امامه، فهناك مقاومة من جانب مختلف التيارات السياسية والفكرية لفكرة الديموقراطية ووجود الآخر. كل تيار يكاد يلغي التيارات الاخرى، او على الاقل يقبل بوجودها قبولاً نظرياً، اي ان كل خطاب "ينمط" الطرف الآخر، ولا يعكسه كما هو موجود على أرض الواقع نتيجة للعوائق المؤسسية والفكرية والقيمية الموجودة في حياتنا، والتي تحول دون تطبيق اي نموذج من نماذج الديموقراطية. والواقع يؤكد عدم وجود تيارات في العالم العربي قادرة بحكم وزنها الجماهيري وثقلها الاجتماعي على ان تحتفظ بالنموذج كما تريد، والحوار في عالمنا العربي حول الديموقراطية لا يختلف عن الحوار حول العلمانية والاسلام، والحوار حول الاصالة والمعاصرة، كلها حوارات مثقفين، يعني ليست لدينا دراسة ميدانية تؤكد ان هذه القضية التي نناقشها الآن، او القضايا الاخرى التي اشتبكنا في حوار حولها في الماضي، هي قضايا تحظى بحوارات جماهيرية، والحوار عن الشرعية السياسية مثلاً هو حوار نخبوي، وليس حواراً جماهيرياً، بمعنى ان النخبة تتقاتل بالمصطلحات والمفاهيم الكبرى، ويبدو من مطالعة الادبيات وأجهزة الاعلام وكأن القضية جماهيرية، وتمثل هاجساً جماهيرياً كبيراً وفي تقديري ان هذه مسألة مهمة.
وبالنسبة الى قضية "المرجعية" التي اثارها الاستاذ هويدي الآن، احب ان اؤكد ان الشيخ حسن البنا - في تصوري - لم يكن مجرد داعية بقدر ما كان رجل حوار وأحد بناة الجسور في التاريخ المصري، ولكنه قد يكون مرجعاً بالنسبة الى البعض، مثل حركة "الاخوان المسلمين"، وقد يستخدم اسم حسن البنا من جانب بعض المنتسبين لهذه الحركة، او بعض منافسيها باعتباره احد رموز التقاتل، او لايجاد النسب السياسي. ومن الطبيعي ان يكون هناك صراع لحيازة السلطة داخل اية حركة سياسية، ولكن المشكلة تكمن في ان اسم حسن البنا قد يستخدم - كما يستخدم النص - في الصراع السياسي، مع ان النص يقدم لنا في صورة اجتهادات، وإنه امر ايجابي ان يتم الرجوع الى حسن البنا في اطار الديموقراطية، ولكن ما يدعو الى الأسف هو ان بعض الاجيال، سواء داخل حركة الاخوان المسلمين او خارجها، قد لا ترى ما رآه البنا الذي كان يعيش في ظل نظام لا اقول انه ليبرالي، ولكنه شبه ليبرالي، وربما اتاح له فرصة التحرك داخل المجتمع المصري وتقديم افكاره، والتعامل مع الافكار الاخرى، ولكن هذا النظام نفسه منعه في الوقت ذاته من ان يتحول بجماعته ذات الطابع الاجتماعي التبشيري لتصبح جماعة سياسية، وربما لو كان اتيح لجماعة "الاخوان المسلمين" ان تتحول الى جماعة سياسية لكان طابع الحركة الاسلامية في العالم العربي الآن مختلفاً، سواء لجهة تجديد افكارها او لجهة الحوار مع المجتمع، وهذا كان سيمثل جانباً ايجابياً مهماً بالنسبة الى تطور الحركة الفكرية السياسية في العالم العربي، لكن المشكلة هي ان هناك اجيالاً اخرى، واجتهادات اخرى، سواء داخل الحركة الأم او داخل الاطراف، وهذا يجعلنا نرى الصورة الآن بشكل مختلف، اذا نظرنا الى الوضع الراهن للحركة الأم في مصر او ما اسميه "الاسلام الطرفي"، وهو تعبير جغرافي اقصد به الحركات الاسلامية التي نشأت على حواف المركز مصر.
الاسلاميون والديموقراطية
هذا يدعونا الى ان نسأل الدكتور عمارة اذا كان "الاسلام الطرفي" على حواف مصر متمثلاً في جماعات حسن الترابي في السودان، وراشد الغنوشي في تونس، وعباسي مدني في الجزائر، طور الفكر الاسلامي السياسي المعتدل الذي تمثله اساساً جماعة "الاخوان المسلمين" في مصر بشكل يعتد به، ويجعل منها تجسيداً لهذا الفكر بالفعل؟
- محمد عمارة: اولاً اريد ان اعلّق على ما اثير حول قضية الديموقراطية، واحب ان اكون صريحاً، فنحن ندعو الى الاجتهاد في الدين، فهل نخاف من الاجتهاد في الديموقراطية؟ هذه مفارقة، فأحفاد دعاة تجديد الفكر الديني ينبغي - من باب اولي - ان تكون لديهم شجاعة الاجتهاد في القضية الديموقراطية. وأنا اقول انه في الغرب تعددت ليس فقط تطبيقات الديموقراطية، وانما ايضاً الاطروحات نفسها. نحن عرفنا الديموقراطية الليبرالية والشعبية، والاشتراكية الديموقراطية، والديموقراطية الموجهة، وهذه كلها اجتهادات نظرية في اطار الديموقراطية، ألا يحق لنا ان نسمع من الاسلاميين، وان نتفهم ان لديهم ما يسمونه "ديموقراطية اسلامية"، وانهم لا يتحفظون على مفهوم الديموقراطية الا في جزئية واحدة؟ هم يقبلون كل آليات ومؤسسات الديموقراطية، وغالبية قيم الديموقراطية لكنهم يرفضون ان تكون السيادة - وفقاً للديموقراطية - للأمة بشكل مطلق.
الاسلام السياسي يدخل في اللعبة السياسية مع قوى اخرى وفقاً لنموذج الديموقراطية الغربية، حتى اذا وصل عبر هذا النموذج الى الحكم فانه يتحول الى الديموقراطية الاسلامية.
- محمد عمارة: لا، ليس اذا وصل، انه من البداية واضح.
- نبيل عبدالفتاح: وهل مفهوم "الديموقراطية الاسلامية" واضح؟
- محمد عمارة: انا لا اريد ان اقف طويلاً عند المصطلحات، وأنا لي رأي في هذا الموضوع، عموماً انا اريد الدخول مباشرة الى جوهر المضمون: الديموقراطية في نموذجها الليبرالي الغربي تعطي كل السيادة للامة حتى انها تستطيع بواسطة ممثليها ان تحل الحرام الديني وتحرم الحلال الديني. هذه هي الجزئية التي يتحفظ عليها الاسلاميون، وليس الاسلاميون فقط، بل الاسلام نفسه يتحفظ عليها. في الديموقراطية الغربية هناك مرجعية تعلو سلطة الامة يسمونها احياناً "القانون الطبيعي". ونحن نضع الشريعة الاسلامية مكان هذا القانون الطبيعي، هناك حاكمية إلهية هي مرجعية سلطة الامة. اذن الديموقراطية في مفهوم الاسلام والاسلاميين تعطي كل السلطة للامة، بشرط ان لا تحل حراماً او تحرم حلالاً. وهذا التحفظ او هذا التميز في النظرة الاسلامية لقضية الديموقراطية معلن، والحديث عنه لا يأتي - كما قد يتصور البعض - بعد الوصول الى الحكم، فالاسلاميون لا يدخلون الى اللعبة وفق مقاييس الغرب، فاذا انتصروا قدموا نموذجهم. هم منذ البداية يتحدثون عن ان الشورى الاسلامية تقدم سلطة الامة في اطار الشريعة الاسلامية، نسميها ديموقراطية اسلامية، او تطبيقاً اسلامياً للديموقراطية، لا نقف عند هذا كثيراً. وفي الحركة السياسية مفهوم ان لدى المسلمين ما يميزهم في قضية الديموقراطية، وبالتالي هم لا يمارسون لعبة غير اخلاقية، جزئية السيادة هي الشيء الوحيد الذي يميز نموذجهم عن النموذج الغربي.
- نبيل عبدالفتاح: ولكنها ليست مجرد جزئية، انها صلب المسألة.
- محمد عمارة: حتى ولو كانت كما تقول، هذا هو موقفي، الشريعة الاسلامية مرجعيتي وليس جون لوك وغيره من الغربيين الذين يحترمهم اخواننا. اما عن مسألة الخوف على التعددية من الاسلاميين، فانني اقول ان النخبة العلمانية التي تحكم تمثل اقلية، وهذه هي التي اخاف منها على التعددية. اما التيار الاسلامي فهو تيار امة ولا يمكن ان يخشى على التعددية.
ويزكي عدم الخوف هنا ان التعددية في المرجعية الاسلامية هي احدى سنن الله سبحانه وتعالى، فالناس لا يزالون مختلفين، ولا يمكن ان يكونوا امة او جماعة واحدة، اذن انا لا اخاف على التعددية من الاسلاميين لسببين: لأنهم اغلبية، والاغلبية لا تخشى من وجود التميز والتعدد في الاديان والشرائع والقوميات والألسنة والحضارات، والممارسة تثبت هذا. فالذي ينادي اليوم بالاحتكام الى صناديق الانتخاب وسلطة الأمة هم الاسلاميون، والذين يدعون الى ديموقراطية الاستثناءات وإبعاد الاغلبية الاسلامية هم غير الاسلاميين.
التنظيم الدولي للاخوان المسلمين
الفصيل القومي في العالم العربي يمر حالياً بمحنة متكاملة الأركان، ولذلك اتجه الى الحوار مع التيار الاسلامي ليجد سبيلاً للخروج من محنته في هذا التوقيت الدقيق. ومصلحة التيار الديني في الارتباط بالقوميين ترجع الى انه يرى فيهم تعبيراً سلطوياً معتبراً في معظم انحاء الأمة العربية.
- محمد عمارة: الدافع الى الحوار كما اراه نابع من الخطر الأساسي في هذه المرحلة هو خطر الهيمنة الاجنبية على وجه التحديد، والمعيار في الولاء والعداء هو الاستقلال والتبعية، ومن هنا يتحاور التيار الاسلامي مع القوميين ومع العلمانيين ايضاً للوصول الى مشروع مستقل، تنمية مستقلة. هوية مستقلة للنهضة. ان رغبة الاسلاميين في تجاوز المحنة التاريخية بينهم وبين الناصريين عبر مد جسور الحوار معهم ليست في تصوري تكتيكاً او انتهازية وإنما هم يدركون ان هذا التيار القومي هو جزء اصيل من تربة هذه الامة وفكرها. إذن التحالفات هنا تبنى على الموقف من قضيتي الاستقلال والتبعية.
- نبيل عبدالفتاح: انا اميل الى تفسير اتجاه الاسلاميين الى التحالف مع التيار القومي بناء على اعتبارات واقعية وليس اعتبارات ذات طابع ايديولوجي.. ففي اطار مجموعة من الضغوط الاقليمية والدولية يصبح من المنطقي ان يتجه الدكتور حسن الترابي الى كسر العزلة التي تعيش جبهته في ظلها، بأن يجمع في يده عدداً من أوراق القوة المتمثلة في التحالفات العابرة للأقطار، وذلك لأسباب سياسية محضة لا علاقة لها بالفكر او الايديولوجيا. وأنا ارى ان استخدام الدكتور عمارة لتعبيرات مثل "التنمية المستقلة" و"الاستقلال في مواجهة التبعية" يقربه من اتجاهات بعض الماركسيين المحدثين في اميركا اللاتينية والذين استنزفت افكارهم في محاولة للخروج من أسر الفكر الشعبوي الذي ظهر في الستينات والسبعينات بعد ان دخلت الماركسية التقليدية في مأزق نظري وآخر تطبيقي في العالم كله حتى قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، وهذه افكار غربية محضة في اطرها النظرية وفي ادوات تحليلها وتطبيقاتها، فكرة "الاعتماد على الذات" ليست مجرد صياغة لغوية ولكنها مفهوم له دلالته.
- محمد عمارة: الرؤية الاسلامية متميزة والاسلاميون مستعدون اليوم للتحالف مع كل من يساند المشروع الحضاري المستقل حتى ولو كان ماركس نفسه، قضية الاستقلال اليوم هي القضية الأساسية.
هل يعني ذلك ان الزمن تجاوز طروحات الاخوان المسلمين كممثلين للتيار المعتدل، وأن هذه "الدولية الاسلامية" الجديدة تتجاوز مواقفهم الفكرية والعلمية التي اعلنوها مراراً في مناسبات عدة؟
- فهمي هويدي: المقارنة بين ما سمته ورقة عمل الندوة "دولية مشروع الدكتور حسن الترابي" والتنظيم الدولي للإخوان ليست في مكانها، لأن مشروع الترابي له خصوصيته التي تميزه عن مشروع التنظيم الدولي للإخوان. الجبهة القومية الاسلامية في السودان تؤمن بالعمل الجبهوي مع الآخرين، او كما قال الدكتور عمارة الالتقاء مع مختلف القوى، وأنا اعتقد ان هناك مبالغة في حجم التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، فهو نشأ بعد ان تلقت الحركة الاسلامية في مصر ضربات عدة من جانب السلطة، فكان لا بد من التمدد خارج البلاد، وعندما اتيح للإخوان دخول الانتخابات في السنوات الاخيرة لم يعد لتنظيمهم الدولي الحضور الذي كان يتسم به وقت الحصار في الستينات والسبعينات، التنظيم الدولي للإخوان بسيط وليس كبيراً.
ربما هو كبير بما يمثله من قوة اقتصادية؟
- فهمي هويدي: وأنا أشك ايضاً في مسألة القوة الاقتصادية هذه وبالنسبة الى بنك التقوى فهو في حدود معلوماتي تأسس خارج مصر على يد عناصر تنتمي اساساً الى جماعة الاخوان المسلمين، ولكن هذا البنك لا يمول نشاطات الجماعة، البنك قائم على حسابات تجارية ليست لها علاقة بالحركة السياسية.
هل تعتقد ان الترابي في سعيه الى دولية تتجاوز حدود الحالة السودانية، يكرر نموذج الاخوان المسلمين الذين لم يتمكنوا من الحركة داخل مصر فامتدوا الى خارجها؟
- فهمي هويدي: أعتقد ان الموقف مختلف تمام الاختلاف فجماعة الاخوان لم تتول الحكم، في حين ان جبهة الترابي هي التي تتولى السلطة الفعلية حالياً في السودان.
- نبيل عبدالفتاح: ان براعة الترابي السياسية تتمثل في قبوله الدخول في تحالفات عابرة للحدود والدول العربية، وهذا يضفي درجة من الصدقية على التفسير السياسي لحركته اكثر من التفسير الايديولوجي، انه افضل من يبني الجسور للتواصل مع التيارات الاخرى.
- محمد عمارة: اعود لأؤكد اقتناعي بأن حركة الترابي صارت في الآونة الاخيرة نموذجاً سياسياً اكثر منه دينياً، ومده الجسور مع التيار القومي لا يتقاطع مع منهج "الاخوان المسلمين" لأن الاخوان يصنعون ذلك ايضاً، اما مسألة الدولية فأعتقد انه لا يوجد اي تناقض بين الحركتين على هذا الصعيد، والسؤال كيف يمد الترابي جسوراً مع القوميين في حين انه يتجاهل الآخرين داخل الاطار السوداني؟ وأرد بأنه لا يتجاهلهم، وعموماً نحن لا نزال في حاجة الى توافر معلومات كثيرة عن التنظيمات الشعبية التي تقام الآن، الواقع يؤكد ان السودان قادر على استيعاب الكثير من الرموز الحزبية، والحوار مع الصادق المهدي رئيس الوزراء السابق أقنعه بأن يعارض من داخل النظام.
ظاهرة الشيخ الشعراوي
"الوسط": هناك معلومات تؤكد ان السودان يقيم معسكرات تدريب لمتطرفين من تنظيم "الجهاد" والشيخ عمر عبدالرحمن مفتي التنظيم اقام في السودان فترة من الزمن قبل ان ينتقل الى الولايات المتحدة.
- فهمي هويدي: معلوماتي في هذا الموضوع ان عمر عبدالرحمن عندما قرر الرحيل من مصر توجه الى الخرطوم ومكث في احد مساجد العاصمة السودانية لمدة اسبوع من دون ان يدري به احد طوال هذه المدة، وبعدها ترك السودان مباشرة. ومعلوماتي ايضاً تقول ان مجموعة من المصريين توجهوا من افغانستان الى السودان وقيل انهم كانوا يتدربون في فناء احد البيوت السودانية على حمل السلاح، وعندما علمت السلطات السودانية بذلك قامت بتسليم جوازات سفرهم الى السفير المصري في الخرطوم ولم تسلمه الاشخاص انفسهم، ولكنها منعتهم من التدريب على حمل السلاح. لم يُعرف عن السودان ان له علاقة بأي عنف مسلح في المنطقة، ولكن مع الاسف الخطاب الامني والاعلامي يصرّ على ان ارض السودان تشهد مؤامرة هدفها زعزعة استقرار المنطقة. وأنا قبل ايام كنت في زيارة للولايات المتحدة وأعرف ان واشنطن تعلم ان السودان ليس مصدراً لتصدير ما يسمى بالعنف الى المنطقة.
- محمد عمارة: اريد ان اقول ان التحجر الفكري هو من اهم اسباب وجود الغلو والتطرف والعنف في اي بيئة اسلامية. ولذلك فانني دهشت من الربط بين الوضع في السودان وبين العنف. الذين ذهبوا للجهاد في افغانستان يمثلون اشراقة عظيمة في حياتنا، فحيث يتكالب الناس على الاستهلاك والدعة والترف نجد اناساً يتركون اسرهم وبيوتهم وأعمالهم ودراساتهم ليجاهدوا في افغانستان، وأصبحوا يسمون اليوم في باكستان "الغرباء". وأجهزة الامن في بلادهم تمنعهم من العودة، ومن يتمكن من العودة يسجن. وإذا لجأ بعض هؤلاء الى السودان فلا ينبغي النظر اليهم على انهم "اهل عنف" و"اهل تطرف"، وإلا فاننا بذلك ندعو الى تسمية جهاد الافغانيين تطرفاً او عنفاً، القضية تحتاج الى اعادة نظر.
- فهمي هويدي: معلوماتي تؤكد ايضاً ان المسؤولين السودانيين اكدوا غير مرة للسفير المصري في الخرطوم ان الولايات المتحدة الاميركية ترغب في استمرار توتر العلاقة بين مصر والسودان.
- محمد عمارة: انا اتفق مع الأخ فهمي في ان خريطة القوى الاسلامية تحتاج الى تدقيق وتفصيل ملامحها، فالظاهرة الاسلامية تضم فصيلاً تقليدياً وهذا الفصيل موجود في كثير من البلدان الاسلامية، وربما هو غير موجود في السودان وتونس. وهناك فصيل اكبر يسمى "التيار الاصلاحي" وهو يؤمن بضرورة التغيير وفق منهج تربوي طويل المدى، وهذا التيار تبلور في حركة "الاخوان المسلمين" وفي حركات اخرى مشابهة في القارة الهندية وبلدان اخرى. ومن فصائل الظاهرة الاسلامية ايضاً ذلك التيار الذي اشار اليه الاستاذ فهمي هويدي منذ قليل، وهو فصيل يشتغل بالفكر وله ثقل واضح في الظاهرة الاسلامية، اذ يجتهد لبلورة الخيار الاسلامي كخيار حضاري وكمشروع للنهضة، وعلى رغم ان هذا الفصيل محروم من بلورة ذاته حتى في اطار مؤسسات بحثية او منابر فكرية وثقافية، الا انني اعتقد انه بدأ بفتح قنواته على الحركات الاسلامية، وهذه ظاهرة صحية. نحن كنا نشكو من جمود الحركات الاسلامية، ومن انها حركات لا تقرأ ولا تفتح نوافذها الا لمفكريها الحركيين، وهناك ايضا على الخريطة تيار يمثل جماهير لا علاقة لها بالفكر كپ"صناعة ثقيلة" ولا علاقة لها بالحركات الاسلامية، وفي تصوري ان هذا التيار هو اكبر تيارات الظاهرة الاسلامية. فالتدين يجتذب المزيد من الجماهير في مختلف اقطار الامة الاسلامية.
ولكن هناك فرقاً بين التدين والفكر السياسي.
- محمد عمارة: هذا التيار يقترب عبر تدينه من الفكر السياسي فهو يبني مساجد تتحول الى مؤسسات.
جماهير هذا التيار هي نفسها الجماهير التي التصقت بالمشروع القومي الناصري.
- محمد عمارة: الامر يختلف.
- نبيل عبدالفتاح: هم يبنون المساجد لتعفيهم السلطة من دفع الضرائب.
- محمد عمارة: المسألة اكبر من هذا، في مصر الآن تقام مساجد في شكل مؤسسات اجتماعية تضم اقساماً للتدريب على حرف معينة ومعاهد ومدارس وعيادات وصيدليات وصناديق لجمع التبرعات وأموال الزكاة، وأنا اقول انه لولا هذه المؤسسات الشعبية الاسلامية لوقعت مآس كثيرة في ما يتعلق بالغلاء وضيق المعيشة، وأرى انها تجتذب ولاءً مخالفاً للولاء للدولة، ربما هناك من يتهرب من دفع الضرائب بل ومن مجرد دفع ثمن تذكرة الباص، ولكنه يتحمس للمساهمة بماله في انشطة هذه المساجد - المؤسسات من منطلق حرصه على توظيف امواله في مصادر يكون راضياً عنها. هؤلاء ليست لهم علاقة بالسياسة في معناها الضيق، ولكنهم معنيون بحل مشاكل الامة والجماهير وهذا لون من الوان العمل السياسي. وهؤلاء يمكن ان يكونوا بمثابة رصيد للحركات الاسلامية المسيسة في الانتخابات. ظللنا لعقود طويلة من الزمن نرى السيدات المسلمات يقبلن على ازياء باريس. اليوم هذا الأمر انحسر بفضل ظاهرة الاحتشام وارتداء الحجاب التي يقف وراءها الناس الذين ينتمون الى التيار الاسلامي الجماهيري.
- نبيل عبدالفتاح: السيدات المحجبات يشترين ملابسهن من "شوبنج سنتر".
- محمد عمارة: انت تتحدث عن النخبة ولكني اتحدث عن الجماهير التي تجتذبها افكار داعية مثل الشيخ متولي الشعراوي، أنا شخصياً لا تعجبني غالبية افكار الشيخ الشعراوي، لكنه يمثل ظاهرة متفردة ساهمت في صرف عشرات الملايين من الناس في العالم الاسلامي من الجلوس في المقاهي ولعب "الطاولة" و"الدومينو" الى الاهتمام بأمور الدين بدلاً من ذلك، والخريطة تتسع كذلك لتيار الغضب والاحتجاج الذي يرفض المجتمع ويلجأ احياناً الى العنف.
تيار الغضب والاحتجاج
نود ان نتعرف على تصور الاستاذ فهمي هويدي لحجم تيار الغضب والاحتجاج وتأثيره على التيار الاسلامي المسيس في العالم العربي؟
- فهمي هويدي: اعتقد انه يمثل قاعدة بين الشباب، ولكن لا بد ان نفرق بين اساليب التعبير عن الاحتجاج والغضب. فهناك من يحتج بالسلاح وهناك من يعبر عن غضبه بالفكر. وهذا هو بالضبط الفرق بين منهج تنظيم "الجهاد" ومنهج "الجماعة الاسلامية"، الأول يلجأ دائماً الى الاشتباك المادي والثانية لا تشتبك مادياً الا في حال الدفاع عن النفس فقط. ولهذا فإن اعضاء "الجماعة الاسلامية" لا يختبئون ولا يخفون هويتهم، مساكنهم في أسيوط مثلاً معروفة للجميع على عكس اعضاء تنظيم "الجهاد".
هل تستطيع ان تحدد بالضبط ما هي "الجماعة الاسلامية"؟
- نبيل عبدالفتاح: بعض الادبيات التي تحدثت عنها تقسمها الى ثلاثة فصائل: فصيل قريب من "الاخوان المسلمين" وفصيل مستقل والثالث قريب من تنظيم "الجهاد"، وهذا الاخير يراه البعض احد اجنحة "الجهاد"، وعموماً هذا كله يدخل في مجال الانطباعات وليس مجال المعلومات.
- فهمي هويدي: المسألة ان هذه حركات سرية ولذلك تجد ملامحها غير واضحة بشكل كاف. والكلام الذي ذكره الأخ نبيل الآن لا استبعد ان يكون صحيحاً، ولكني اعتقد ان اجنحة "الجهاد" و"الجماعة الاسلامية" كثيراً ما تتداخل مع بعضها البعض في مراحل معينة. والكلام عن هيمنة الشيخ عبدالرحمن على تيار الاحتجاج والغضب انه يجمع له التبرعات لا اعتبره دقيقاً.
- نبيل عبدالفتاح: يبدو ان الشيخ عبدالرحمن واكب تطور الحركة الجهادية منذ نشأتها ثم تجاوزها بعد ان اصبح لها تراث في التعامل مع اجهزة الدولة والنظام السياسي. ونحن نلاحظ الآن ان الخطاب السياسي للحركة الجهادية يختلف عن خطاب جماعة الاخوان المسلمين عند نشأتها، فغالبية كوادر هذه الجماعة هي من خريجي الازهر ودار العلوم، وأعضاء الحركة الجهادية هم من خريجي الجامعات الحديثة، تلقوا تعليماً مدنياً وبعضهم يعمل في وظائف حساسة. وعبود الزمر احد الكوادر الاساسية للحركة هو خير مثل على هذا الكلام، الحركة الجهادية تعرف كيف تعمل الدولة الحديثة، وكيف يعمل النظام السياسي وجهاز الامن ولديها المقدرة والادوات اللازمة للتعامل مع هذه الاجهزة، والخبرات التي اكتسبتها الحركة في السنوات الاخيرة بلورت طرقاً جديدة للعمل الادائي او العمل الحركي. بحيث ان "الجهاد" لم يعد في حاجة الى الشيخ عمر عبدالرحمن الذي هو الآن ربما مجرد رمز من رموز الحركة، ولكن التفكير والتوجيه والتحريك تتحمل مسؤوليته في تصوري اجيال جديدة، والحال في الجزائر يؤكد ما نراه. فجبهة الانقاذ تقودها اجيال مسيسة حتى النخاع. عبدالقادر حشاني تخرج من جامعة مدنية ويعمل مهندساً في مجال النفط، ولديه مقدرة سياسية فذة، فهو استطاع ان يحافظ على تماسك الجبهة بعد اعتقال زعيميها عباسي مدني وعلي بلحاج، وكان مقدراً لعقدها ان ينفرط، لولا هذا الجيل الجديد.
- محمد عمارة: هناك ظاهرة تحير الناس تتمثل في ان انتشار التيار الاسلامي بين طلبة الكليات العملية في الجامعات يفوق انتشاره في الكليات النظرية بما فيها كليات جامعة الازهر، وتفسيري لهذه الظاهرة هو ان الكليات النظرية تعمد الى تشويش الرؤية، وهي من العوائق التي تحول دون انضمام عدد كبير من الطلبة الى التيار الاسلامي وهذه ظاهرة طبيعية وليست مستغربة، اما تيار العنف فهو ظاهرة ترتبط بصعيد مصر بدليل انتشاره في البيئة الصعيدية اكثر من انتشاره في اي مكان آخر في البلاد.
البيئة الصعيدية هنا هل هي نمط جغرافي ام نمط اجتماعي؟
- محمد عمارة: الاثنان معاً.
ولكن العنف موجود ايضا في منطقة مثل امبابة كنمط اجتماعي اقتصادي؟
- محمد عمارة: ولكنه يرتبط أيضاً بموضوع الثأر ومنطقة امبابة تضم مجموعات كبيرة ترجع اصولها الى الصعيد، والعنف يرتبط كذلك بمرحلة عمرية محددة هي مرحلة الشباب، الشباب ينخرط في جماعات الاحتجاج والغضب اثناء دراسته الجامعية، ثم يتخرج وتصبح لديه مسؤوليات اجتماعية ثقيلة، وبعد فترة ينضج فينضم الى "الاخوان المسلمين"، وهذا امر لا علاقة له بالبيئة، ومن ثم فإن ظاهرة العنف محدودة العدد والتأثير لأنها لا تقدم بديلاً، ولكن الظاهرة الاسلامية التي لا تعرف العنف تمتلك بديلاً حضارياً يتسم بالجدة، وهذا لا يمنع من النظر الى تيار الغضب والاحتجاج على انه ناقوس مزعج قد يلفت الى خطر ما، لكنه لا يقدم البديل ومن ثم فإن الشباب بعد مرور بعض الوقت يجدون انفسهم امام طريق مسدود. تيار الغضب والاحتجاج تفرغ، للأسف، لانتقام متبادل بينه وبين الدولة، وعلى رغم انني ادين كل الوان العنف الا انني لا استطيع ان اتجاهل اشياء مزعجة منها ما يقال عن ان ضابطاً قتلته عناصر من تنظيم "الجهاد" قبل ثلاثة اشهر، انتهك اعراض سيدات كانت الشرطة تحتجزهن كرهائن لتدفع بعض المتهمين الى تسليم انفسهم لأجهزة الامن، وان هذا هو السبب الذي دفع الى قتله، اي ان الامر لا يعدو كونه ثأراً متبادلاً بين تيار الاحتجاج والغضب وبين السلطة، وهذا يجعلني ادعو الطرفين الى اعادة النظر في خياراتهم، فالعنف المتبادل يدور في حلقة مفرغة، وأتذكر اننا عندما كنا شباباً كنا نهتف في التظاهرات "مصر والسودان لنا وانكلترا إن أمكننا"، وعندما افكر الآن في مضمون هذا الشعار اجده يعكس قدراً كبيراً من الغلو والتطرف، ولكن الواقع البائس الذي نعيشه هذه الايام لا يرضي الا البلداء، الخلاصة هي ان العنف يستند الى بعدين: بعد شبابي وآخر بيئي.
الاسبوع المقبل:
الحلقة الاخيرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.