خلال زيارته الاخيرة الى واشنطن ومحادثاته مع الرئيس الاميركي بيل كلينتون اتخذ رئيس الحكومة الاسرائيلية اسحق رابين أول خطوة عملية من شأنها ان تسهل التوصل الى اتفاق سلمي مع سورية، وذلك عندما ابدى استعداد اسرائيل، من حيث المبدأ، للاعتراف بالسيادة السورية على مرتفعات الجولان والانسحاب منها على مراحل، متجاوباً بذلك مع اهم شرطين تطرحهما سورية لقاء استعدادها للتوقيع على اتفاق سلام مع اسرائيل. ونقلت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية عن وزير اسرائيلي مقرب من رابين انه بحث مسألة مصير الجولان مع رابين قبل سفر الاخير الى واشنطن، واتضح له ان رابين توصل الى قناعة مفادها ان احتمالات التوصل الى سلام مع سورية "باتت حقيقية وواقعية وتزيد كثيراً على احتمالات التوصل الى حل مع الفلسطينيين". واستناداً الى المعلومات التي كشف عنها الوزير الاسرائيلي فان رابين لا ينوي تغيير موقفه من خطة الحكم الذاتي التي عرضت على الفلسطينيين خلال جولات المفاوضات السابقة، وتنص على تحويل صلاحيات "الادارة المدنية" الاسرائيلية في الاراضي المحتلة الى السكان الفلسطينيين. بينما اقدم بالفعل على تغيير موقفه من مصير الهضبة السورية، وبات يوافق على انسحاب كامل من الجولان، بدل انسحاب "في الجولان" كما كان يردد حتى فترة اخيرة. ولكنه يربط استعداده للتمسك بموقفه الجديد من الجولان مع تجاوب سورية والادارة الاميركية مع شروط اسرائيلية تقتضي موافقة سورية عل تطبيع علاقاتها مع اسرائيل والاتفاق معها على ترتيبات امنية في الجولان، وموافقة الادارة الاميركية على التوصل الى مذكرة تفاهم مع اسرائيل في المجال السياسي، واتفاق الدولتين على تنسيق مواقفهما من المسيرة السلمية. وتقول مصادر الادارة الاميركية ان رابين حصل خلال محادثاته في واشنطن على تعهد اميركي بمنح اسرائيل ضمانات امنية تكفل لها الحفاظ، عقب انسحابها من الجولان، على المستوى الامني القائم حالياً بفضل احتفاظها بالجولان. كما كشفت هذه الاوساط عن ان رابين اطلع على وثيقة اعدتها الخارجية الاميركية تطرح صورة مفصلة للموقف السوري من المسيرة السلمية ومجالات التوصل الى حل مع اسرائيل. وتم اعداد هذه الوثيقة في اعقاب زيارة وزير الخارجية الاميركي وارن كريستوفر الى دمشق، وفي ضوء لقاءات اجراها مسؤولون في الادارة الاميركية مع مسؤولين سوريين ومع جهات مقربة من الرئيس السوري حافظ الاسد. وتشمل الوثيقة تسع نقاط رئيسية وردت على النحو الآتي: 1 - الموقف السوري من المسيرة السلمية ثابت وينبع من وجهة النظر الجديدة للأمن القومي السوري. 2 - سورية تؤيد وجود اسرائيل كدولة في الشرق الاوسط، ولكنها لا تعترف بشرعيتها وبمبادئها وأصولها الصهيونية. 3 - ترى سورية ان السلام لا يشكل احد طرفي معادلة تقضي باعترافها باسرائيل وحقها المبدئي في الوجود. وتعتبر سورية انسحاب اسرائيل الى حدود حزيران يونيو عام 1967 بمثابة عامل بالغ الاهمية بالنسبة الى امنها القومي. 4 - تهدف دمشق الى تحييد التهديدات الاسرائيلية الموجهة نحو سورية ومصالحها في المنطقة. 5 - تطالب سورية بالتوصل الى حل شامل بموجب قرار مجلس الامن الرقم 242، وعلى اساس مبدأ "الارض مقابل السلام"، وذلك على مرحلتين، يتوجب على اسرائيل خلال الاولى منهما الاعتراف بالسيادة السورية على الجولان، ثم اقدامها خلال المرحلة الثانية على سحب قواتها ونزع مستوطناتها بصورة تدريجية على مدى خمس سنوات. 6 - يجب ان تتوازى هاتان المرحلتان مع تحقيق المطالب والتطلعات الفلسطينية لكي لا تبدو سورية طرفاً منعزلاً في المسيرة السلمية. 7 - ستكون سورية على استعداد للتوصل الى سلام حقيقي مع اسرائيل وتطبيع علاقاتها معها عبر التوصل الى حل بين اسرائيل والاطراف العربية الاخرى المشاركة في المسيرة السلمية. 8 - لقد بدلت سورية خلال العام الماضي ترتيب بنود قائمة اولوياتها، ولم تعد تضع القضية الفلسطينية على رأس هذه القائمة قبل قضية الجولان. 9 - بالنسبة الى وضع مدينة القدس تتمسك سورية بموقف "واقعي وعملي" يقضي بالتوصل الى حل لا يتناقض مع الطروحات الخاصة بالحفاظ على وحدة مدينة القدس والسماح بحرية العبادة فيها، ولا تصر على تحويل القدس في المستقبل الى عاصمة للكيان الفلسطيني الذي سينشأ في الأراضي المحتلة. وتنسب اوساط رسمية اميركية التطورات التي طرأت على الموقف السوري الى رغبة سورية في الحفاظ على امنها ومصالحها القومية في الوضع الاستراتيجي الجديد الذي نشأ في منطقة الشرق الاوسط، والى محاولاتها تركيز قدراتها وجهودها على تنفيذ مشاريع وطنية تخدم الاقتصاد السوري. وعلى هذا الاساس تعتقد هذه الاوساط ان سورية لم تعد تعتبر وجود اسرائيل بمثابة تهديد مباشر لها، مما يعني ان تدمير اسرائيل لم يعد يشكل هدفاً رئيسياً بالنسبة الى سورية، بل ان القيادة السورية باتت، وفقاً لهذه المصادر، تبدي "تفهماً" للضمانات الامنية التي ترغب اسرائيل في الحصول عليها في مجالات نزع الاسلحة وفصل القوى ومسائل اخرى. وتثني الاوساط الاميركية على محاولات رابين تهيئة الاسرائيليين لانسحاب القوات الاسرائيلية من الجولان. وكان رابين واصل هذه المحاولات خلال زيارته الى واشنطن عندما توسّع، خلال لقاء صحافي، في الكلام عن تفاصيل احتلال الجولان في حزيران يونيو 1967 عندما خدم رئيساً للاركان. ومما ذكره ان احتلال الجولان تم من دون تخطيط مسبق، وانه عارض خطة احتلال الجولان عندما طرحها قائد القطاع الشمالي آنذاك دافيد اليعازار. وأكد انه لم يتم تطبيق هذه الخطة الا عقب نجاح اليعازار في اقناع وزير الدفاع الاسرائيلي آنذاك موشي دايان بأهميتها، ملمحاً بذلك الى ان خطة احتلال الجولان فرضت عليه على رغم معارضته لها. انسحاب أم الانسحاب ويفيد مقربون من رابين ان رئيس الحكومة الاسرائيلية يحتاط لمواجهة المعارضة الليكودية لانسحاب اسرائيل من الجولان بالتذكير بموافقة الحكومات الليكودية السابقة بزعامة مناحيم بيغن واسحق شامير على انسحاب كامل من سيناء. ويؤكد هؤلاء ان موافقة اسرائيل على الانسحاب الكامل من سيناء شكلت احد اهم العوامل التي جعلت رابين يتراجع عن موقفه السابق الداعي الى انسحاب في الجولان، اي التخلي عن اجزاء منه، وموافقته اخيراً على الانسحاب الكامل. اذ يعتقد رابين انه لن يتمكن من طرح تبريرات كافية لاقناع سورية بالموافقة على انسحاب جزئي اسرائيلي من الجولان في مقابل التوصل الى اتفاق سلام اسرائيلي - سوري، بينما اضطرت اسرائيل في السابق الى الانسحاب بصورة كاملة من سيناء كي تستطيع عقد اتفاق سلام اسرائيلي - مصري.