ولي عهد الكويت يستقبل وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي    عمومية كأس الخليج العربي تعتمد استضافة السعودية ل"خليجي 27″    وزارة الثقافة تُطلق المهرجان الختامي لعام الإبل 2024 في الرياض    بموافقة الملك.. منح وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الثالثة ل 200 متبرع ومتبرعة بالأعضاء    "رينارد" يستبعد "الشهراني" من معسكر الأخضر في الكويت    مانشستر سيتي يواصل الترنح ويتعادل مع ضيفه إيفرتون    السعودية: نستنكر الانتهاكات الإسرائيلية واقتحام باحة المسجد الأقصى والتوغل جنوب سورية    أسبوع أبوظبي للاستدامة: منصة عالمية لبناء مستقبل أكثر استدامة    مدرب قطر يُبرر الاعتماد على الشباب    مجلس التعاون الخليجي يدعو لاحترام سيادة سوريا واستقرار لبنان    وزير الشؤون الإسلامية يلتقي كبار ضيوف برنامج خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة    تدخل جراحي عاجل ينقذ مريضاً من شلل دائم في عنيزة    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    الإحصاء: إيرادات القطاع غير الربحي في السعودية بلغت 54.4 مليار ريال لعام 2023م    استخدام الجوال يتصدّر مسببات الحوادث المرورية بمنطقة تبوك    الذهب يرتفع بفضل ضعف الدولار والاضطرابات الجيوسياسية    السعودية رئيسًا للمنظمة العربية للأجهزة العليا للرقابة المالية والمحاسبة "الأرابوساي" للفترة ( 2025 - 2028 )    استمرار هطول أمطار رعدية على عدد من مناطق المملكة    الفكر الإبداعي يقود الذكاء الاصطناعي    «الإحصاء»: 12.7% ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية    رينارد: مواجهة اليمن صعبة وغريبة    وطن الأفراح    حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    "الثقافة" تطلق أربع خدمات جديدة في منصة الابتعاث الثقافي    "الثقافة" و"الأوقاف" توقعان مذكرة تفاهم في المجالات ذات الاهتمام المشترك    أهازيج أهالي العلا تعلن مربعانية الشتاء    حملة «إغاثة غزة» تتجاوز 703 ملايين ريال    المملكة ترحب بالعالم    شرائح المستقبل واستعادة القدرات المفقودة    منع تسويق 1.9 طن مواد غذائية فاسدة في جدة    63% من المعتمرين يفضلون التسوق بالمدينة المنورة    نجران: «الإسعاف الجوي» ينقل مصاباً بحادث انقلاب في «سلطانة»    أمير نجران يواسي أسرة ابن نمشان    العناكب وسرطان البحر.. تعالج سرطان الجلد    فرضية الطائرة وجاهزية المطار !    «كانسيلو وكيسيه» ينافسان على أفضل هدف في النخبة الآسيوية    لمن لا يحب كرة القدم" كأس العالم 2034″    واتساب تطلق ميزة مسح المستندات لهواتف آيفون    المأمول من بعثاتنا الدبلوماسية    تدشين "دجِيرَة البركة" للكاتب حلواني    مسابقة المهارات    إطلاق النسخة الثانية من برنامج «جيل الأدب»    نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء    اطلاع قطاع الأعمال على الفرص المتاحة بمنطقة المدينة    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    أفراحنا إلى أين؟    آل الشيخ يلتقي ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    الدرعان يُتوَّج بجائزة العمل التطوعي    أسرتا ناجي والعمري تحتفلان بزفاف المهندس محمود    اكتشاف سناجب «آكلة للحوم»    دور العلوم والتكنولوجيا في الحد من الضرر    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس أذربيجان في ضحايا حادث تحطم الطائرة    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    مفوض الإفتاء بجازان: "التعليم مسؤولية توجيه الأفكار نحو العقيدة الصحيحة وحماية المجتمع من الفكر الدخيل"    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    إطلاق 66 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الملك خالد الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاسد يريد ثمناً أكبر من الجولان ... تدفعه اميركا . سورية - اسرائيل : مرحلة غزل السلام
نشر في الحياة يوم 14 - 09 - 1992

لم توقع سورية اتفاق سلام مع اسرائيل ولم يجتمع الرئيس حافظ الاسد برئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين، على رغم تمنيات الاسرائيليين وتشجيع الاميركيين، ولم يتم، حتى الآن، انهاء حالة الحرب بين البلدين، لكن العلاقات السورية - الاسرائيلية شهدت في الايام القليلة الماضية ما يشبه "الانقلاب" ودخلت مرحلة "غزل السلام".
فها هو شيمون بيريز وزير الخارجية الاسرائيلي يعترف علناً: "ان الجولة الاخيرة من مفاوضات السلام في واشنطن شكلت افضل 10 ايام في تاريخ العلاقات بين سورية واسرائيل". وها هو اسحق رابين نفسه يشيد بسورية ويقول: "لم يتعرض اسرائيلي في مرتفعات الجولان للارهاب. لم تحدث محاولة تسلل واحدة من سورية. وهذا هو السبب في انني لا استبعد اية ترتيبات مع السوريين... استفاد سكان مرتفعات الجولان من 18 عاماً من السلام والامن كما لم يستفد اي اسرائيلي آخر، سواء في تل ابيب او القدس او المستوطنات الزراعية المتاخمة للضفة الغربية". وها هي المتحدثة باسم الوفد السوري بشرى كنفاني تقول: "ان المناقشات مع الاسرائيليين كانت بناءة ومعقولة... نحن مستعدون لمناقشة كل المواضيع ذات الاهتمام المشترك بروح منفتحة وموضوعية".
ولم يكتف السوريون والاسرائيليون بالكلام. فقد قدم الوفد السوري الى الوفد الاسرائيلي في مفاوضات واشنطن وثيقة خطية سلمية هي الاولى من نوعها، وأبدى الجانب الاسرائيلي "انفتاحاً ومرونة" تجاه السوريين كما لم يحدث من قبل.
وها نحن اليوم امام مجموعة تساؤلات: ماذا جرى ويجري بين السوريين والاسرائيليين؟ هل سيتم توقيع اتفاق سلام بين البلدين، وهل تتكرر التجربة المصرية - الاسرائيلية بين دمشق وتل ابيب؟ لماذا وافق الرئيس حافظ الاسد على احداث ما يشبه "الانقلاب السياسي الصامت" في علاقات بلاده مع الدولة اليهودية وأي دور لعبته مصر والولايات المتحدة في هذا المجال؟ وكيف ستنعكس هذه التطورات على الوضع اللبناني وملف الحكم الذاتي الفلسطيني والجوانب الاخرى من النزاع العربي - الاسرائيلي؟
سنحاول الاجابة عن هذه التساؤلات من خلال معلومات خاصة وجديدة حصلنا عليها من مصادر ديبلوماسية اميركية وعربية مطلعة مباشرة على هذه القضية تكشف جوانب غير معروفة عما يدور حالياً بين دمشق وتل ابيب.
لا بد من القول، اولاً، ان اميركا ومصر لعبتا دوراً اساسياً وحاسماً في تشجيع كل من سورية واسرائيل على "اظهار المرونة وتقديم التنازلات الملموسة الممكنة لايجاد ديناميكية جديدة تهدف الى انهاء النزاع بينهما على مراحل". جيمس بيكر وزير الخارجية الاميركي السابق اثار هذا الموضوع مباشرة مع الاسد ورابين، خلال جولته في الشرق الاوسط في تموز يوليو الماضي، بعد تأليف الحكومة الاسرائيلية الجديدة، كما ان الرئيس بوش نفسه تطرق اليه خلال اجتماعه برابين في آب اغسطس الماضي. والرئيس حسني مبارك نفسه شدد خلال محادثاته مع رابين في القاهرة يوم 21 تموز يوليو الماضي - وبعد مشاورات غير معلنة أجراها مع القيادة السورية - على ضرورة ان تسعى الحكومة الاسرائيلية الى التوصل الى اتفاق مع سورية وعدم الاكتفاء، فقط، بالتركيز على ملف الحكم الذاتي الفلسطيني.
وشاركت روسيا، ايضاً، في هذه المساعي لاقامة "حوار سلمي جدي" بين السوريين والاسرائيليين، وتردد ان مبعوثاً روسياً نقل "رسائل شفوية" بين البلدين قبل بدء جولة المفاوضات في واشنطن يوم 24 آب اغسطس الماضي. وركز الجانب الاميركي - والمصري - خلال اتصالاته مع المسؤولين السوريين على ان رابين "مختلف تماماً" عن شامير وانه ينوي التوصل الى تسوية سلمية مع مختلف اطراف النزاع وانه يجب "تشجيع" رابين عن طريق ابداء "مرونة فعلية" والاقدام على "خطوات سلمية ملموسة" تجاه اسرائيل. وأكد مصدر ديبلوماسي اميركي رفيع المستوى لپ"الوسط" ان الادارة الاميركية وعدت المسؤولين السوريين بلعب "دور مباشر" في مختلف مراحل مفاوضات السلام السورية - الاسرائيلية والمساهمة في "ضمان" اي اتفاق يتم التوصل اليه بين البلدين.
الاهتمام الاميركي بتحريك الملف السوري - الاسرائيلي الآن نابع من العوامل والاعتبارات الآتية:
1 - تعتبر ادارة بوش ان التوصل الى اتفاق سلمي سوري - اسرائيلي، ولو على مراحل، ينهي، عملياً، الجانب العسكري من النزاع العربي - الاسرائيلي ويقضي - في المستقبل المنظور على الاقل - على احتمالات نشوب حرب عربية - اسرائيلية ولو محدودة.
2 - ازالة خطر الانفجار السوري - الاسرائيلي أمر ملح بسبب امتلاك البلدين صواريخ أرض - أرض قادرة على اصابة اهداف في عمق اراضي كل منهما ، وامتلاكهما ايضاً اسلحة دمار غير تقليدية. وإزالة هذا الخطر يمهد الطريق للتوصل الى ترتيبات واتفاقات لوضع حد لانتشار اسلحة الدمار الشامل في الشرق الاوسط ولتحقيق الاستقرار في هذه المنطقة.
3 - ايجاد "رابط سلمي ما" - اياً يكن حجمه - بين سورية واسرائيل يؤدي الى "تسريع وتسهيل" حل النزاع العربي - الاسرائيلي، كما ان مثل هذا الرابط يشكل "عامل ضغط وتشجيع" للاطراف العربية الاخرى للتوصل الى اتفاقات او "ترتيبات ما" مع الاسرائيليين.
4 - حدوث تقدم ملموس في المفاوضات السورية - الاسرائيلية يعطي قوة دفع جديدة للمفاوضات المتعددة الاطراف ويمهد لمشاركة سورية وبالتالي لبنان في هذه المفاوضات. ومن شأن ذلك توسيع مدى ومجالات ونطاق "التفاهم السلمي" العربي - الاسرائيلي بحيث لا يقتصر، فقط، على الامور العسكرية والامنية بل يتناول قضايا اقليمية.
قال لنا ديبلوماسي اميركي بارز مطلع على هذا الملف: "شجعنا الاسد ورابين على التحرك مع ادراكنا التام ان الرئيس السوري ليس انور السادات وانه لن يقدم على خطوات سلمية دراماتيكية وسريعة تجاه اسرائيل، ومع ادراكنا ايضاً ان البلدين لن يتوصلا بسرعة الى اتفاق سلام شامل على غرار الاتفاق المصري - الاسرائيلي، بل ان ذلك يتطلب بعض الوقت. وما نأمل تحقيقه الآن هو خطوة سلمية ملموسة اولى تجعل البلدين ملتزمين اكثر من السابق بانهاء النزاع سلمياً بينهما".
الوثيقة السورية والمرونة الاسرائيلية
الجولة السادسة من مفاوضات السلام في واشنطن بدأت يوم 24 من الشهر الماضي وعلقت لبضعة ايام وستستأنف هذا الاسبوع كانت "الساحة" التي شهدت تطورات مهمة في مسار العلاقات السورية - الاسرائيلية.
الوفد الاسرائيلي اظهر مرونة "لا سابق لها" في المفاوضات مع الوفد السوري، وتجلى ذلك اساساً بأمرين رئيسيين:
1 - أكد ايتامار رابينوفيتش رئيس الوفد الاسرائيلي للوفد السوري برئاسة موفق العلاف، وللمرة الاولى، ان الحكومة الاسرائيلية تعتبر ان قرار مجلس الامن 242 ينطبق على كل الجبهات، بما في ذلك الجبهة السورية، وانها "تقبل القرار 242 بكل اجزائه ومستعدة للتفاوض مع سورية على اساس هذا القرار".
2 - لمح رئيس الوفد الاسرائيلي الى ان بلاده مستعدة لتحقيق انسحاب جزئي سريع من الجولان في مقابل موافقة الحكومة السورية على توقيع اتفاق سلام او وثيقة سلام مع الدولة اليهودية.
اضافة الى ذلك علمت "الوسط" من مصادر ديبلوماسية اميركية وثيقة الاطلاع ان رابين ابلغ ادارة بوش ان حكومته مستعدة لأن تطلب من الكنيست البرلمان الاسرائيلي الغاء قرار ضم الجولان الى اسرائيل المتخذ عام 1981 اذا ما التزمت الحكومة السورية خطياً بتوقيع اتفاق سلام مع اسرائيل وتم تحقيق تقدم ملموس فعلي ضمن هذا الاطار مع السوريين.
ماذا يعني هذا الموقف الاسرائيلي عملياً؟ وفقاً لما اكدته لپ"الوسط" مصادر ديبلوماسية وثيقة الاطلاع، فان اقصى ما تريد او تستطيع حكومة رابين تقديمه لسورية في هذه المرحلة هو انسحاب جزئي اسرائيلي من الجولان في مقابل "خطوة سلمية كبرى" من سورية. فرابين ليس مستعداً، في هذه المرحلة، للانسحاب الاسرائيلي الكامل من الجولان، وقبول حكومته تطبيق القرار 242 على الجولان لا يؤدي تلقائياً الى الانسحاب الكامل من الاراضي السورية. فقد اعترف رابين وبيريز بأن اهمية القرار 242 هي "ان كل طرف يستطيع ان يعطيه تفسيره الخاص". فقبول اسرائيل الصريح للقرار 242 لا يعني قبولها مبدأ "الارض مقابل السلام"، اي "الانسحاب الكامل مقابل السلام الكامل"، بل يعني استعدادها للتوصل الى "تسويات اقليمية" مع اطراف النزاع العربية وتحقيق "انسحابات جزئية" و"تعديلات في الحدود التي قامت بعد حرب 1967". وهذا خلافاً لموقف حكومة شامير التي كانت ترفض "التسويات الاقليمية" مع الدول العربية المعنية بالنزاع. فالانسحاب الاسرائيلي الكامل من الجولان يعني اتخاذ "قرارات صعبة" بالنسبة الى مصير المستوطنين اليهود في هذه الاراضي السورية المحتلة وعددهم يبلغ نحو 12 الف مستوطن، كما يتطلب من رابين اجراء استفتاء شعبي للحصول على موافقة واسعة من الاسرائيليين لمثل هذه الخطوة. ومثل هذه الموافقة ليست مضمونة اطلاقاً حالياً اذ ان الاسرائيليين يعتبرون، بأغلبيتهم، ان سورية "عدو رئيسي لهم".
ولا يستطيع رابين ان يطلب مثل هذه الموافقة الاسرائيلية على الانسحاب الكامل من الجولان الا اذا اقدمت سورية على "خطوات سلمية كبيرة وفعلية لطمأنة الاسرائيليين، تماماً كما فعل السادات"، وفقاً لما يؤكده عدد من الخبراء في الشؤون الاسرائيلية. وهذا ليس وارداً حالياً بالنسبة الى سورية.
لكن في مقابل "المرونة الاسرائيلية الكبرى" اقدم الوفد السوري في مفاوضات واشنطن على خطوة سلمية هي الأولى من نوعها، اذ سلم الوفد الاسرائيلي وثيقة خطية تشرح وجهة نظر سورية وتصوراتها في ما يتعلق بحل النزاع العربي - الاسرائيلي سلمياً. اهمية هذه الوثيقة نابعة من الامور الآتية:
1 - هذه هي المرة الاولى التي تلتزم فيها سورية، في وثيقة خطية موجهة الى الاسرائيليين مباشرة، بالتوصل الى تسوية سلمية للنزاع مع اسرائيل. وتشكل هذه الوثيقة اول تعهد سوري سلمي خطي يسلم الى الحكومة الاسرائيلية. وتشكل هذه الوثيقة، ايضا، اعترافاً سورياً خطياً بوجود اسرائيل.
2 - للمرة الاولى تعترف سورية، في وثيقة خطية، بأن لاسرائيل "احتياجات امنية" يجب اخذها في الاعتبار في اية تسوية سلمية معها، وتبدي استعدادها لمناقشة هذه الاحتياجات شرط الا تكون على حساب وحدة الأراضي السورية وسلامتها الاقليمية. والواضح من مضمون هذه الوثيقة التي طلب السوريون عدم نشر نصها ان سورية مستعدة لضمان امن اسرائيل على حدودها شرط ان تقدم اسرائيل ايضاً ضمانات امنية لسورية.
3 - للمرة الاولى تبدي سورية - عبر هذه الوثيقة - استعدادها لتوقيع اتفاق سلام مع اسرائيل، يسجل في الأمم المتحدة، وذلك في اطار تسوية شاملة للنزاع العربي - الاسرائيلي. وقد اوضح العلاف هذه النقطة حين قال: "سورية مستعدة لتوقيع اتفاق سلام مع اسرائيل عندما ترى كل الاطراف العربية انها توصلت الى تسوية شاملة للنزاع".
4 - تطالب الوثيقة السورية بالانسحاب الاسرائيلي الكامل من الأراضي العربية المحتلة عام 1967 وضرورة ضمان وتأمين حقوق الشعب الفلسطيني، وتطالب ايضاً بوضع جدول زمني للانسحاب الاسرائيلي. لكن في الوقت نفسه تقبل سورية ان يتم الانسحاب الاسرائيلي من الجولان "على مراحل" وتوافق على "ترتيبات موقتة" مع الاسرائيليين، شرط ان تتعهد الحكومة الاسرائيلية رسمياً باعادة الجولان الى السيادة السورية.
5 - لا تتضمن هذه الوثيقة اية اشارة الى "تطبيع" العلاقات بين سورية واسرائيل. والواقع ان المسؤولين السوريين يعتبرون ان القرار 242 لا ينص على تطبيع العلاقات بين الدول العربية واسرائيل.
سورية تريد الثمن من اميركا
اعترفت الحكومة الاسرائيلية، بعد تلقيها ودرسها الوثيقة السورية، بپ"أهمية" هذه الوثيقة وبأن هناك "تغييراً" في اسلوب التعامل السوري مع الدولة اليهودية، وقال بيريز عبارته الشهيرة: "ان الجولة الاخيرة من مفاوضات السلام في واشنطن شكلت افضل 10 ايام في تاريخ العلاقات بين سورية واسرائيل". لكن الاسرائيليين ابلغوا المسؤولين الاميركيين ان لديهم "اعتراضاً رئيسياً" وهو ان سورية لا توضح ولا تشرح في هذه الوثيقة طبيعة ونوعية السلام الذي تريد اقامته مع اسرائيل. وشدد المسؤولون الاسرائيليون خلال مناقشتهم هذه الوثيقة مع المسؤولين الاميركيين على ان "مفهوم السلام" بالنسبة اليهم يعني: "اقامة علاقات ديبلوماسية كاملة وتبادل السفراء مع سورية، رفع اعلام البلدين في عاصمة كل منهما، تطبيع العلاقات الثنائية في مجالات مختلفة، السماح بحرية التنقل بين البلدين للمواطنين السوريين وللاسرائيليين، اتخاذ اجراءات ملموسة لازالة أي "خطر عسكري" بين البلدين.
وكشفت مصادر ديبلوماسية اميركية وثيقة الاطلاع لپ"الوسط" ان المسؤولين الاسرائيليين ابلغوا الادارة الاميركية ان "لا مجال لعقد اتفاق مع سورية يتضمن صيغة نهائية لوضع الجولان ترضي الطرفين، ما لم توافق الحكومة السورية على توقيع اتفاق سلام يتضمن تطبيع العلاقات مع اسرائيل. وإذا لم تكن سورية مستعدة للسلام الكامل والتطبيع، فيمكن التوصل لاتفاق جزئي ومرحلي معها حول الجولان". وضمن هذا النطاق، علمت "الوسط" ان الاسرائيليين اقترحوا على المسؤولين الاميركيين والمصريين ان يسعى الرئيس حسني مبارك الى ترتيب عقد لقاء في القاهرة بين الرئيس حافظ الاسد واسحق رابين. لكن لا يبدو ان هناك استعداداً سورياً للتجاوب مع هذا الاقتراح، خصوصاً في المرحلة الراهنة.
لكن ماذا تريد ان تحققه سورية من وراء انفتاحها السلمي على اسرائيل وماذا تأمل في الحصول عليه وهل تريد استعادة الجولان فقط ام اكثر من ذلك؟ الجواب على هذا السؤال هو الآتي: سورية تريد ارضاء الولايات المتحدة وليس اسرائيل، وهي تسعى الى "قبض ثمن" انفتاحها السلمي هذا من الولايات المتحدة لا من اسرائيل. فسورية تريد ان تحقق من خلال انفتاحها السلمي هذا مكاسب سياسية واستراتيجية واقتصادية تتجاوز استعادة الجولان، وهذه المكاسب لا يمكن ان تؤمنها اسرائيل بل الولايات المتحدة. من هنا استجابت القيادة السورية "للنصائح الاميركية" بضرورة "الانفتاح والتعامل بمرونة" مع حكومة رابين، فقدمت وثيقتها التي تشكل خطوة اساسية اولى تعكس، خطياً، التزامات سورية السلمية. وبهذه الوثيقة تحقق سورية "ارتباطاً سلمياً" لا سابق له مع اسرائيل، وتفتح الطريق امام "خطوات وإجراءات سلمية اخرى".
وهناك امر اساسي لا بد من التشديد عليه وهو ان الرئيس الاسد لا يريد، في المرحلة الراهنة، توقيع اتفاق سلام كامل مع اسرائيل، حتى وان وافقت الحكومة الاسرائيلية على الانسحاب من الجولان، اذ ان الرئيس السوري يدرك تماماً ان اسرائيل، تؤيدها في ذلك الولايات المتحدة، تريد تطبيقاً سلمياً كاملاً للعلاقات مع سورية في مقابل "انهاء" مشكلة الجولان. والاسد لا يريد تطبيع العلاقات مع اسرائيل بل ان أقصى ما يستطيع تقديمه حالياً هو انهاء حالة الحرب معها وتوقيع اتفاق سلام لا يتضمن التطبيع. من هذا المنطلق فان ما يسعى اليه المسؤولون السوريون حالياً هو اقامة "رابط سلمي" مع اسرائيل يمكن ان يرافقه "حل مرحلي موقت وجزئي" في الجولان او "ترتيبات امنية معينة" تؤدي الى "بناء الثقة" بين سورية واسرائيل. ثم يتطور هذا الرابط السلمي خلال السنوات القليلة المقبلة الى اتفاق سلام متكامل.
وتريد سورية ان تقبض "ثمن" هذا الرابط السلمي من الولايات المتحدة لا من اسرائيل، وتأمل خصوصاً بتحقيق 3 أمور اساسية:
1 - تأمين دعم اميركي، ولو كان ضمنياً، لسيطرتها الكاملة على لبنان وامتناع الادارة الاميركية عن اثارة اية ازمة مع دمشق بسبب ما يجري او يمكن ان يجري في لبنان.
2 - شطب اسم سورية من قائمة الدول التي تعتبرها الولايات المتحدة "ارهابية". وتفتح هذه الخطوة الباب لحصول سورية على مساعدات اقتصادية ومالية اميركية، وأيضاً لحصولها على مساعدات مماثلة من الدول الاوروبية، ودول اخرى.
3 - تطوير العلاقات الثنائية الاميركية - السورية في مجالات عدة، اقتصادية وتجارية وحتى عسكرية.
وسورية مستعدة لتطوير "ارتباطها السلمي" مع اسرائيل في مقابل هذا الثمن الكبير الذي تدفعه الولايات المتحدة، وليس فقط في سبيل استعادة الجولان. فالجولان، على اهميته، لا يشكل بالنسبة الى سورية ما شكلته سيناء بالنسبة الى مصر او ما تشكله الضفة الغربية وغزة بالنسبة الى الفلسطينيين. لذلك فثمن "السلام مع اسرائيل" يجب ان يتجاوز استعادة الجولان.
وتأمل سورية ايضاً من خلال "تطوير" ارتباطها السلمي مع اسرائيل في ان تلعب دوراً - او تساهم - في تسوية الجوانب الاخرى من النزاع العربي - الاسرائيلي.
إعلان نوايا أم خطوات صغيرة؟
ماذا ستسفر عنه هذه التطورات في العلاقات السورية - الاسرائيلية؟ المعلومات الخاصة التي حصلت عليها "الوسط" من مصادر اميركية وعربية وثيقة الاطلاع تكشف الامور الآتية:
1 - لن تؤدي هذه التطورات الى توقيع اتفاق سلام بين سورية واسرائيل في هذه المرحلة، كما لن تؤدي الى اعادة الجولان الى السيادة السورية. فالمسؤولون الاميركيون المعنيون مباشرة بهذه القضية يعترفون بأن "انجازاً كبيراً" تم تحقيقه بين سورية واسرائيل، لكن "لا تزال هناك فوارق كبيرة في وجهات نظر البلدين تحول دون التوصل في هذه المرحلة الى انهاء النزاع السوري - الاسرائيلي بجوانبه المختلفة".
2 - احد الاحتمالات التي يجري التشاور بشأنها حالياً بين واشنطن ودمشق وتل ابيب وعواصم اخرى، هو الاتفاق بين سورية واسرائيل على اصدار "اعلان نوايا". السوريون والاسرائيليون مستعدون لاصدار مثل هذا الاعلان لكن لكل منهم تصوره الخاص لمضمونه. فالسوريون يريدون ان تصدر اسرائيل "اعلان نوايا" تتعهد فيه بتنفيذ القرار 242 والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. وبعد ذلك تصدر الدول العربية المعنية بالنزاع "اعلان نوايا" تؤكد فيه استعدادها لتوقيع اتفاقات سلام مع اسرائيل. في المقابل تقترح اسرائيل ان يكون هناك "اعلان نوايا" مشترك بينها وبين سورية تتعهد فيه سورية بالتوصل الى اتفاق سلام مع الدولة اليهودية قائم على اساس ضمانات امنية متبادلة، وتعلن اسرائيل، في المقابل، موافقتها على ان يشكل القرار 242 اساس محادثات السلام مع العرب، ثم يتعهد الطرفان بحل نزاعاتهما سلمياً. ووفقاً للمفهوم الاسرائيلي فان "اعلان النوايا" هذا هو بمثابة اتفاق على انهاء حالة الحرب بين سورية واسرائيل.
3 - هناك احتمال آخر يقضي بصرف النظر عن اصدار اعلان النوايا والتفاهم بين سورية واسرائيل على "ترتيبات موقتة" والقيام، تدريجياً، بخطوات وإجراءات صغيرة متبادلة بين البلدين وعلى جانبي الحدود من شأنها تخفيض حدة التوتر بينهما وإيجاد "اجواء سلمية افضل" تمهد الطريق لخطوات اكبر.
وترى المصادر الاميركية المطلعة انه اياً تكن نتائج المفاوضات المقبلة بين سورية واسرائيل، فان هناك امراً اكيداً وواضحاً وهو ان لا عودة الى الوراء وان الدولتين "مصممتان على عدم التراجع عن خيار حل النزاع سلمياً وعن ايجاد رابط سلمي بينهما".
ويأمل المسؤولون الاميركيون، بل انهم يراهنون على ان هذه "الاجواء السلمية الجديدة" بين دمشق وتل ابيب ستشكل "عنصر ضغط" على الفلسطينيين لكي يظهروا "مرونة اكبر" تجاه موضوع الحكم الذاتي الفلسطيني، ويقبلوا "صيغة أقل طموحاً" من الصيغة التي يطرحونها هم للحكم الذاتي.
وستكون الجولة الجديدة من المفاوضات التي ستبدأ في واشنطن هذا الاسبوع محكاً مهماً لاكتشاف مدى ما ستصل اليه العلاقة السورية - الاسرائيلية، وما سيتمكن من تحقيقه الفلسطينيون والاسرائيليون على صعيد الحكم الذاتي الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.