بعد عام كامل من الحصار، سقطت مدينة سريبرينيتسا الواقعة في البوسنة الشرقية، قريباً من الحدود مع صربيا، وتكرس هذا السقوط في الاتفاق الذي تم التوصل اليه بين قيادة القوات الصربية وقيادة الجيش البوسني، بإشراف ضابط قوة الحماية الدولية، في مطار ساراييفو. وينص الاتفاق على ان تقوم قوة الحماية الدولية بتجريد المدافعين عن سريبرينيتسا من اسلحتهم في ظرف 72 ساعة. وبالمقابل تسمح القوات الصربية باخلاء الجرحى والمصابين والاطفال والنساء وقسماً من المدنيين، وتمتنع عن دخول المدينة. وقد وضع رادوفان كاراجيتش، زعيم الصرب في البوسنة شروطه، بأن جعل المسلمين والاممالمتحدة امام حلين لا ثالث لهما: اما ان يسلّم المدافعون عن المدينة اسلحتهم الى الاممالمتحدة، واما ان قواته ستنزل بهم هزيمة كاملة. وبالنظر الى الحصار وميزان القوى القائم على الارض، فإن الخيار الاول كان الوحيد المعقول. وبسقوط هذه المدينة يكون الصرب حققوا انتصاراً جديداً على الار ض، في سعيهم الدائم الى تحقيق صربيا الكبرى. ومرة اخرى يظهر العجز الدولي على أشده، ذلك انه بعد اسبوع واحد على البدء بتنفيذ القرار 816 الذي يحظر اجواء البوسنة والهرسك على الطيران الصربي، يؤكد الصرب امساكهم بالوضع عسكرياً وقدرتهم على التحرك والمناورة وتجاهل القرارات الدولية والاستمرار في قضم المواقع التي ما زالت بأيدي المسلمين، في البوسنة الشرقية وفي غيرها من المناطق. فلا قوة الحماية الدولية الموجودة على الارض تعيقهم، ولا طائرات الحلف الاطلسي الموجودة في الاجواء تخفف من نهمهم، ولا القرارات الدولية التي تصدر تباعاً بحقهم تردعهم عن تنفيذ مخططهم الثابت والجلي. فهم حتى الآن رفضوا التوقيع على خطة فانس - اوين ونجحوا في المراوغة مراهنين على رفض المجموعة الدولية اللجوء الى القوة. غير ان لكل مهزلة نهاية. ومهزلة لعبة الصرب مع المجموعة الدولية وقرارات الاممالمتحدة يبدو انها وصلت، هي ايضاً، الى نهايتها. والدليل على ذلك القرار الجديد رقم 820 الذي صدر عن مجلس الامن مساء السبت 17 نيسان ابريل بناء على اقتراح فرنسي. فالقرار الجديد الذي صوت لصالحه 13 عضواً في مجلس الامن، في حين امتنعت روسيا والصين عن التصويت، هو الاقسى والاشد الذي صدر عن الاممالمتحدة حتى الآن، في ما يخص الصرب. وينص القرار على انه في حال لم يوقع صرب البوسنة على خطة السلام المعروفة باسم فانس - اوين قبل يوم الاثنين 26 نيسان ابريل فان جمهورية يوغوسلافيا الفيديرالية صربيا والجبل الأسود ستخضع لعزل اقتصادي كامل شبيه بما فُرض على العراق بعد غزو الكويت. ومن التدابير المنصوص عليها فرض الرقابة الكاملة على الملاحة في نهر الدانوب، وفرض منطقة حظر بحري في المياه الاقليمية اليوغوسلافية ومصادرة كل المراكب والشاحنات والحاويات والطائرات الموجودة خارج يوغوسلافيا والعائدة لهيئات يوغوسلافية. وكذلك ينص القرار 820 على تجميد كل العائدات اليوغوسلافية في الخارج، بما من شأنه خنق الاقتصاد اليوغوسلافي وحمل بلغراد على دفع الصرب في البوسنة لوضع حد للحرب والقبول بخطة السلام الدولية. أما تعيين يوم 26 نيسان ابريل الجاري موعداً للبدء بتنفيذ هذا القرار فمردّه الى رغبة الغربيين في عدم احراج الرئيس الروسي يلتسين وازعاجه في استفتائه يوم 25 نيسان ابريل. وكانت روسيا هددت باستعمال حق النقض الفيتو اكثر من مرة لتحاشي فرض عقوبات اقتصادية حقيقية على صربيا. ولكن بعد قمة فانكوفر واجتماع الدول الصناعية السبع في طوكيو ابدت روسيا استعداداً للتعاون، شرط تأجيل العمل بهذه العقوبات الى ما بعد الاستفتاء. هل سيكون حزم الاممالمتحدة، هذه المرة، كافياً لردع الصرب عن الاستمرار في سياسة التحدي؟ كالعادة، سارع رادوفان كاراجيتش الى التهديد بالانسحاب من المفاوضات اذا ما نفذت الاممالمتحدة قرارها. لكن اصواتاً فاعلة في اوروبا نفسها اخذت بالارتفاع لادانة الموقف الرسمي الاوروبي، ومنها صوت مارغريت ثاتشر، رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، التي نددت في مقابلة تلفزيونية بعجز اوروبا والمجموعة الدولية وطالبت باللجوء الى القوة العسكرية. ويمكن الولاياتالمتحدة ان تقوم بعمل عسكري في معزل عن الدول الحليفة الاخرى. هكذا تبدو المرحلة الراهنة حاسمة في تقرير مصير الحرب في البوسنة والهرسك. والثابت اليوم ان المجتمع الدولي لم يعد مستعداً للتساهل ازاء الصرب. وهذا يعني ان عملية صربية جديدة كتلك التي أدت الى سقوط سريبرينيتسا لا بد ان تدفع مجلس الامن الى التدخل مباشرة في الحرب، بشكل من الاشكال ووفق الخيارات التي وصفها خبراء الحلف الاطلسي الذي تجمع طائراته الموجودة في اجواء البوسنة معلومات وصوراً تفصيلية يمكن الاستفادة منها عندما تدعو الحاجة. راجع ص 30