نشرت مجلة "الوسط" في عددها الرقم 63 استطلاعاً مهماً لرأي الاميركيين بالمسلمين وقضاياهم، وفي سياق ذلك تم عرض اثنين وعشرين سؤالاً مختلفاً على عينة تمثل المجتمع الاميركي، توزعت على ثلاث فئات عمرية، من 18 الى 34 سنة، ومن 35 الى 54 سنة، ومن 55 سنة فأكثر، وطلب من كل منها ان تصنف رأيها ما بين الموافقة بقوة، وعدم الموافقة بقوة وعدم التأكد. وتنبع اهمية هذا الاستطلاع من اهمية وثقل الجهة التي قامت بتنفيذه وهي "مؤسسة جون زغبي" التي يقف على رأسها احد زعماء "المعهد العربي - الاميركي"، وهي منظمة عربية اميركية رئيسية، الامر الذي يضفي على تحليل النتائج قدراً كبيراً من الموضوعية. وعلى صعيد آخر، فان اهمية الاستطلاع ترتبط بتوقيته، حيث ان اجراءه جاء في فترة حرجة تسببت فيها مجموعة من الاحداث المتلاحقة في الخلط المتعمد بين الاسلام كدين والمسلمين كبشر ينتمون اليه، او بين كل المسلمين وظاهرة الارهاب والتطرف والبعد عن التسامح مع الغير. وفي تلك الحدود، بدا من المفهوم ان يهتم الاستطلاع بمدى تأثر صورة المسلمين في عيون الاميركيين بعد اعمال العنف الاخيرة، وهي القضية التي يعيد هذا المقال صياغتها لتنصرف على وجه الدقة الى تحديد اقل الفئات العمرية الاميركية تأثراً في موقفها بصدى تلك الاعمال. والهدف من هذا الطرح الجديد، هو معرفة ما اذا كانت هناك احدى الفئات العمرية لا زالت تحتفظ بتعاطفها مع المسلمين والتي يمكن التركيز عليها من ثم في تنظيم حملة دعائية مضادة داخل المجتمع الاميركي. وقبل الشروع في تحليل نتائج الاستطلاع، تجدر الاشارة الى ثلاثة مبادئ اساسية بني عليها التحليل: 1 - المبدأ الأول: انه تم حساب النسب المئوية من خلال جمع نسبتي الموافقين بقوة والموافقين الى حد ما لكل شريحة أو فئة عمرية على حدة ليكون هذا المجموع ممثلا لبند التأييد. كذلك جرى جمع نسبتي غير الموافقين بقوة وغير الموافقين الى حد ما لكل شريحة او فئة عمرية معينة ليعبر مجموعهما عن بند المعارضة. 2 - المبدأ الثاني: انه في داخل كل مرحلة عمرية تم التعرف على الرأي الذي تعبر عنه الاغلبية عن طريق نسبة الآراء المؤيدة للمسلمين الى الآراء المعارضة لهم. وفي خطوة لاحقة، تمت مقارنة هذه النسبة بنظيرتها للمرحلتين العمريتين الاخريين للتوصل الى اكثر المراحل العمرية تأييداً للمسلمين. 3 - المبدأ الثالث: هو انه للتأكد من دقة النتائج النسبية التي توصل اليها التحليل، في هذا المقال، تمت مضاهاتها بالنتائج الاصلية الواردة في الاستفتاء. وفي ضوء ذلك، تم تقسيم مواضيع الاستطلاع الى ثلاثة محاور اساسية، احدها ينصب على موقف الاميركيين من المسلمين عموماً، والآخر على موقفهم من المسلمين كإحدى الجماعات الاثنية الاميركية، والثالث على موقفهم من قضايا المسلمين، خصوصاً قضية الصراع العربي - الاسرائيلي. من يؤيد المسلمين؟ في ما يتعلق بموقف الاميركيين من عموم المسلمين، اظهر التحليل تأييداً نسبياً للمسلمين من جانب العناصر المنتمية الى المرحلة العمرية بين 18 و24 عاماً مقارنة بالفئتين العمريتين الاخريتين، وقد اتضح ذلك من رأيهم الايجابي رداً على السؤال عما اذ كان المسلمون يعيشون حياة نظيفة ومحترمة ام لا؟ فبالاضافة الى ان 46 في المئة منهم عبروا عن هذا الموقف مقارنة بنسبة 37 في المئة و33 في المئة في المحصلتين الاخريتين على التوالي، فانه في داخل تلك المرحلة العمرية كان هناك ثلاثة من كل اربعة اشخاص ايدوا هذا الرأي. وبالنسبة الى السؤال عن تسامح المسلمين مع غيرهم، كانت المرحلة العمرية نفسها من 18 - 34 عاماً هي أقل المراحل وصفاً للمسلمين بعدم التسامح 24 في المئة مقابل 31 في المئة لكل من المرحلتين الاخريتين. كذلك في الاستفسار عن الانعكاسات السلبية المحتملة لانفجار مركز التجارة الدولي في نيويورك على الموقف من المسلمين، كانت هذه المرحلة اكثر المراحل العمرية وضوحاً في نفيها لأية تأثيرات سلبية محتملة 65 في المئة مقابل 60 في المئة و40 في المئة على التوالي. ولكن بالرجوع الى السؤالين حول ما اذا كان المسلمون متعصبين او يكرهون الارهاب أو لا، وجدنا ان التأييد للمسلمين جاء، للمرة الاولى، من جانب المنتمين الى الفئة العمرية 55 عاماً فأكثر، لكونها اقل الفئات التي اجابت بأن المسلمين متعصبون وأكثر الفئات التي اجابت بأنهم يكرهون الارهاب. وبالنسبة الى موقف الاميركيين من المسلمين كجماعة اثنية في الولاياتالمتحدة، تبين بوضوح بالغ من تحليل الاستطلاع ان المرحلة العمرية من 18 الى 34 عاماً هي اكثر المراحل تفهماً وتعاطفاً مع المسلمين الاميركيين، فيما جاء موقف المرحلتين العمريتين من 35 الى 54 ومن 55 فأكثر على العكس منها تماماً. فمن بين ثمانية اسئلة خاصة بهذا الموضوع، عبر الاشخاص بين 18 و34 عاماً عن تأييدهم للمسلمين في سبعة منها، فلقد كانوا اقل الفئات اعتقاداً في تزايد نسبة المسلمين في المجتمع الاميركي 36 في المئة مقابل 29 في المئة و21 في المئة على التوالي. كذلك كانت تلك الفئة اكثر الفئات تأييداً لمبدأ السماح للمسلمين بالتغيب عن العمل ايام الجمعة لاداء فريضة الصلاة 34 في المئة مقابل 39 في المئة و36 في المئة على التوالي. وقد انطبق ذلك ايضاً على موقف تلك الفئة من مراعاة المطاعم الطلابية لحاجات المسلمين الغذائية، وبشكل اوضح على موقفها الرافض لتقييد حجم الهجرة الاسلامية الى الولاياتالمتحدة 39 في المئة مقابل 36 في المئة و22 في المئة على التوالي. اما ابرز مظاهر التعاطف بين ابناء تلك الشريحة العمرية والمسلمين الاميركيين، فتجسد في موقفهم من قضيتي تعطيل العمل بالنسبة الى المسلمين خلال عطلاتهم الدينية 34 في المئة مقابل 25 في المئة و16 في المئة على التوالي والحجاب 73 في المئة مقابل 62 في المئة و46 في المئة على التوالي. وفي الحالة الاخيرة الخاصة بالحجاب، لفت الانتباه تحقق ما يشبه الاجماع بين ابناء الفئة العمرية 18 الى 34 عاماً، ذلك ان سبعة من كل ثمانية منهم اعطوا صوتهم لحق المرأة المسلمة في التحجب في العمل ان هي شاءت. وأخيراً فلقد رأى المنتمون للمرحلة العمرية نفسها ان معاملة المسلم محمد سلامة المعتقل على ذمة قضية تفجير مركز التجارة الدولي لم تكن معاملة منصفة من الزاوية الاعلامية 20 في المئة مقابل 14 في المئة و10 في المئة على التوالي. قضايا المسلمين أما بخصوص موقف الاميركيين من قضايا المسلمين، خصوصاً قضية الصراع العربي - الاسرائيلي، فلقد كانت الفئة العمرية من 18 الى 34 عاماً هي اقل الفئات الثلاث نسبياً من حيث موافقتها على تعاطف الولاياتالمتحدة مع اسرائيل على حساب الفلسطينيين. كما انها اكدت موقفها بشكل اوضح في قضية المبعدين الفلسطينيين حيث كانت اكثر المراحل العمرية تأييداً للتعاطف الاميركي معهم على حساب اسرائيل 9 في المئة مقابل 12 في المئة و8 في المئة على التوالي. ولكن عندما انتقلنا الى تحليل مواقف الفئات العمرية المختلفة من قضيتي البوسنة والهرسك والنازيين الجدد في المانيا، كان من المثير للدهشة ان موقف الفئة العمرية من 18 الى 34 عاماً اعتراه شيء من التضارب، ذلك، في الوقت الذي كانت تمثل فيه اكثر الفئات الثلاث ادانة للنازية الجديدة لحساب المسلمين 30 في المئة و26 في المئة و15 في المئة على التوالي، فانها لم تكن اكثر الفئات تعاطفاً مع المسلمين ضد الصرب الذين يمثلون صورة اخرى من صور النازية الجديدة 9،13 في المئة مقابل 3،14 في المئة و5،9 في المئة على التوالي. وباستثناء السؤال الثالث والرابع والخامس عشر حول وصف المسلمين بعدم التسامح والارهاب وتأييد الصرب على حسابهم في قضية البوسنة والهرسك، اعرب المواطنون الاميركيون بين 18 و34 عاماً عن قدر كبير من التعاطف مع المسلمين. وهذه النقطة يجب تفسير اسبابها والاستفادة من دلالاتها. ويمكن القول ان هذه المجموعة تتمتع بخصائص اساسية تجعلها اكثر صموداً في وجه الضغوط الاسرائيلية، فالمنتمون اليها عاشوا عصر انتهاء الحرب الباردة وسقوط مبدأ الثنائية القطبية الذي كانت تستفيد منه اسرائيل كحاجز يمنع انتشار المد الشيوعي. وفي رأيهم ان الولاياتالمتحدة صاحبة اكبر قوة عسكرية في العالم قادرة على فرض توجهاتها الاساسية واعمال ارادتها في الخليج والصومال وفي اي بقعة اخرى من العالم. وهي في تلك الظروف امتلكت القدرة على تطوير آليات جديدة للعمل لا تمر بالضرورة عبر الحليف الاسرائيلي التقليدي الذي اصبح يمثل عبئاً اقتصادياً يثقل كاهلها، ومن تلك الآليات العمل من داخل او من خلال الاممالمتحدة جنباً الى جنب مع بعض الدول الاوروبية الغربية. وعلى صعيد آخر، فان الاميركيين بين 18 و34 عاماً هم من جيل لم يعاصر ظروف حرب 1967 ولا عايش الحملة الاعلامية الضخمة التي نظمتها القوى الصهيونية لتشويه صورة المسلمين والعرب، او ربما هم عاصروا الحدث لكنهم لم يكونوا يتمتعون بالنضج الذي يمكنهم من تكوين موقف مع او ضد المسلمين، ذلك ان اكبرهم سناً عند اندلاع الحرب كان في حدود الثامنة من عمره. وفي المقابل فان هؤلاء الشباب ادركوا فترة نشاط المنظمات العربية - الاميركية وازدهارها وتحولها من التركيز على المجال الثقافي والديني والاجتماعي الى الاهتمام بقضايا السياسة الخارجية، بعد ما احست بوطأة التميز الاسرائيلي واحتاجت الى تخفيفه. ولعل تلك النقطة الاخيرة تبدو مهمة، ذلك ان احتفال المنظمات العربية - الاميركية باثارة القضية الفلسطينية، وإبرازها من بعد لتطورات الانتفاضة والقمع الاسرائيلي المستمر لأبنائها، لمس وتراً حساساً في نفوس الشباب الاميركي، فهو بطبيعته وبحكم تكوينه اكثر ليبرالية وأعمق تفهماً لشعارات حقوق الانسان، ولأن تلك الخصائص غابت عن الشريحة العمرية من 55 عاماً فأكثر، وبدرجة اقل عن تلك من 35 الى 54 عاماً، فقد كان من الطبيعي ان يظهر اولئك وهؤلاء مشاعر غير مؤيدة للعرب والمسلمين. ما العمل؟ على رغم ان المسلمين في الولاياتالمتحدة يتوزعون على اثنيات اخرى، كالاثنيتين الهندية والباكستانية فضلاً عن العرب، وعلى رغم ان العرب في المجتمع الاميركي ليسوا جميعاً من المسلمين، خصوصاً من أتى منهم في الموجات المبكرة للهجرة، الا ان وضع الاثنين معاً في خانة واحدة كما حدث في حرب الخليج الثانية وغداة انفجار مركز التجارة الدولي في نيويورك يجعلنا، عندما نطالب المسلمين الاميركيين بتغيير صورتهم في الداخل، ننصرف ضمناً الى مخاطبة العرب الاميركيين. لقد كشف استطلاع الرأي الذي اجرته "مؤسسة جون زغبي" لحساب "الوسط" عن بعض نقاط ايجابية في موقف الرأي العام الاميركي يمكن ان يستغلها العرب والمسلمون في محاولة لتحسين صورتهم وشرح قضاياهم. ومن تلك الجوانب الايجابية ان الشباب الاميركي يميل الى تأييد العرب، وان هذا الشباب، شأنه في اي مكان في العالم، هو الأنشط سياسياً والأكثر حركية، وهنا نشير الى ان الشريحة العمرية بين 18 و29 عاماً هي التي حسمت نتيجة انتخابات الرئاسة الاميركية الاخيرة لمصلحة كلينتون، فلقد صوت 44 في المئة منها لصالحه مقابل 33 في المئة لصالح بوش. كذلك فان من الجوانب الايجابية الاخيرة التي تتصل بالنتيجة التي توصل اليها التحليل، ان العرب امامهم فرصة كافية من الوقت ليستثمروا في مجال تطوير اتصالاتهم مع الشباب الاميركي، وان عليهم خلال تلك الفترة ان يتعاملوا مع واقع غير مواتٍ تماماً حتى يتسنى لجيل الشباب ان يصل الى مؤسسات الحكم والادارة في الولاياتالمتحدة. لكن السؤال المهم هو كيف يستثمر العرب والمسلمون من اجل بناء مستقبل اقل تحاملاً عليهم وأكثر استعداداً لتقبلهم قومياً ودينياً؟ تلك قضية شائكة، يبرز فيها على الفور التحدي الذي يمثله اللوبي الصهيوني الذي يحاول جاهداً ان يبدد كل استثمار من هذا النوع موظفاً في ذلك امكاناته المالية والاعلامية ومستفيداً من تماسك عناصره وارتفاع مستوى وعيهم السياسي. ولكن في كل الاحوال لا مناص من المحاولة، ويمكن على وجه التحديد الاشارة الى مدخلين اساسيين للتواصل مع الشباب الاميركي لتطوير ودعم مواقفه الايجابية من العرب والمسلمين: المدخل الاول هو فك الاشتباك بين المسلمين والارهاب، واثبات الدعم الاسلامي الكامل لحركات وقضايا وتنظيمات حقوق الانسان، ولنتذكر في هذا الخصوص ان اثنين من ثلاثة اسئلة لم يبرز فيها تأييد الفئة العمرية من 18 - 34 عاماً للمسلمين تعلقاً بمدى تسامح المسلمين ودرجة تأييدهم للارهاب. المدخل الثاني هو تشكيل اكبر قدر من التحالفات مع الاقليات والاثنيات الاخرى داخل المجتمع الاميركي كالسود والاوروبيين الشرقيين وكذلك اليهود المعتدلون، وهذا يقتضي اساساً التجانس داخل المجموعات العربية والاسلامية. ولنتذكر ايضاً ان احد نجاحات الجماعات العربية - الاميركية تحديداً ارتبط بانخراطهم في تحالف واسع ضم آسيويين ومعوقين ومسنين ونساء لتأييد جيسي جاكسون ابان الحملة الرئاسية الانتخابية في 1988 والتي تولى جيمس زغبي مدير المعهد العربي - الاميركي ادارتها آنذاك. ان ما سبق لا يمثل ابداً دعوة للتضحية بالحاضر لحساب المستقبل، ولا هو ينفي ان العرب والمسلمين مطالبون بمحاولة الاتصال بالفئات العمرية الاخرى داخل الادارة الاميركية، لكن المقصود هو ان اتصالاتهم بمن هم بين 18 و34 عاماً يعد اجدى على المدى الطويل. ان العرب الاميركيين تحديداً يشكلون جماعة فتية يمثل الشباب من 20 الى 44 عاماً نحو 5،43 في المئة منها، وهذا يعني انهم قادرون على مخاطبة الشباب الاميركي باللغة التي يفهمها ولا زال لديهم الوقت والأمل. * خبيرة في شؤون العالم الاسلامي واستاذة العلوم السياسية في كلية الاقتصاد جامعة القاهرة.